شرح دعاء عرفه صفحه 88

أن یصیر ما بالقوّه بالفعل، و ما فی باطنهم ظاهرا، فإنّ الناس معادن و منابت مختلفه، و کیف یشاء الحکیم من سقی الحنظل أن یجیء السکّر؟! ولذا قال الله تعالی فی شأن القرآن:

«هُدیً لِلْمُتَّقِینَ»(1)، فلا یراد من إنزال القرآن إلاّ هدایه طائفه خاصّه.

وأما بالنّسبه إلی غیر الأتقیاء والسعداء من الأشقیاء فلا یزیدهم إلاّ شقاوه، قال الله تعالی: «وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَهٌ فَمِنْهُمْ مَنْ یَقُولُ أَیُّکُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِیَمَاناً فَأَمَّا الَّذِینَ ءَآمَنُوا فَزَادَتْهُمْ

إِیْمَاناً وَهُمْ یَسْتَبْشِرُونَ وَاَمَّا الَّذِینَ فِی قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَی رِجْسِهِمْ»(2)و قال أیضا:

«وَ نُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَهٌ لِلْمُؤْمِنِینَ وَلاَیَزِیدُ الظَّالِمِینَ إِلاَّ خَسَارا».(3)

فالقرآن بمنزله ماء الرحمه الّذی نزل من السماء. فالله تعالی شاء أن یصیر ما یختاره المکلّف من الطاعه و المعصیه موجوده، لأ نّ الإنسان المظهر الأتمّ والمَجْلی الأعظم

والصوره الإنسانیّه أکبر حجج الله علی ]خلقه(4)]، و هو الکتاب الذی کتبه الله بیده، و جعله مختارا فی أفعاله، فإن اختار الطاعه فالله یشاء أن یصدر منه و إن اختار المعصیه فالله

یشاء أن یصدر منه المعصیه.

وبالجمله: فمشیّه الله تعلّقت بأن یکون الإنسان فی فعله مختارا، و یمدّه فی ما یختاره من السعاده و الشقاوه. قال الله تعالی :«وَ مَنْ یُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَیَّنَ لَهُ الْهُدَی وَیَتَّبِعْ غَیْرَ سَبِیلِ الْمُؤْمِنِینَ مَا تَوَلَّی وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَائَتْ مَصِیراً».(5).

فی أ نّ واجب الوجود لذاته واجب الوجود من جمیع الجهات

قال علیه السّلام: «ولا لعطائه مانع».

وهو حقّ لا شبهه فیه، فإنّ واجب الوجود لذاته واجب الوجود من جمیع جهاته، فهو واجب العلم، واجب القدره، واجب الإراده و المشیّه، واجب الإعطاء والجود ولیس فیه

1- - البقره: 2.
2- - التوبه: 124 - 125.
3- - الإسراء: 82.
4- - لیست فی النسختین.
5- - النساء: 115.