کتابخانه ادبیات عرب
أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ 1151 بل قوله تعالى: بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ 1152 من أقوى أدلة الاختصاص فإن قبلها لَئِنْ أَشْرَكْتَ 1153 فلو لم تكن للاختصاص، و كان معناها أعبد اللّه لما حصل الإضراب الذى هو معنى (بل). و قد رد الشيخ أبو حيان على مدعى الاختصاص بنحو قوله سبحانه و تعالى: أَ فَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ 1154 و جوابه أنه لما كان من أشرك باللّه غيره كأنه لم يعبد اللّه، كان أمرهم بالشرك كأنه أمر بتخصيص غير اللّه بالعبادة، ورد صاحب الفلك الدائر الاختصاص بقوله تعالى: كُلًّا هَدَيْنا وَ نُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ 1155 و جوابه أنا لا ندعى اللزوم، بل الغلبة، و قد يخرج الشىء عن الحقيقة، و كذلك الجواب عن قوله تعالى: أَ فِي اللَّهِ شَكٌ 1156 إن جعلنا ما بعد الظرف مبتدأ، و قوله تعالى: قُلْ أَ بِاللَّهِ وَ آياتِهِ وَ رَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ 1157 و ربما يستدل له بقوله تعالى: وَ إِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَ لَكُمْ عَمَلُكُمْ 1158 فإن المقصود منه إنما يحصل بادعاء الاختصاص، و يشهد له: أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَ أَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ 1159 ، و كذلك يدل على الاختصاص قوله تعالى: قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ آمَنَّا بِهِ وَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْنا 1160 ، و قوله تعالى: إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا 1161 .
(تنبيه): يشترط فى كون التقديم مفيدا للاختصاص على القول به أن لا يكون المعمول مقدما وضعا؛ فإن ذلك لا يسمى تقديما حقيقة، و ذلك كأسماء الاستفهام، و كالمبتدأ عند من يجعله معمولا لخبره و أن لا يكون التقديم لمصلحة التركيب مثل: وَ أَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ 1162 على قراءة النصب، خلافا لما فى الإيضاح فى الثانى من إفادة الاختصاص.
(تنبيه): و قد اجتمع الاختصاص و عدمه فى آية واحدة، و هى قوله تعالى: أَ غَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ 1163 فإن التقديم فى الأول قطعا ليس للاختصاص، و فى إياه قطعا للاختصاص، كما يظهر بالتأمل.
(تنبيه): سلك الوالد رضى اللّه عنه فى الاختصاص حيث وقع إما بتقديم الفاعل المعنوى، أو بتقديم المعمول مسلكا غير ما هو ظاهر كلام البيانيين.
و ها أنا أذكر تصنيفا لطيفا له فى ذلك سماه الاقتناص، و هو:" قد اشتهر كلام الناس فى أن تقديم المعمول يفيد الاختصاص و من الناس من ينكر ذلك، و يقول: إنما يفيد الاهتمام، و قد قال سيبويه فى كتابه: و هم يقدمون ما هم به أعنى، و البيانيون على إفادته الاختصاص، و يفهم كثير من الناس من الاختصاص الحصر فإذا قلت: زيدا ضربت، يقول: معناه ما ضربت إلا زيدا، و ليس كذلك، و إنما الاختصاص شىء و الحصر شىء آخر، و الفضلاء لم يذكروا فى ذلك لفظة الحصر، و إنما قالوا: الاختصاص. قال الزمخشرى فى تفسير قوله تعالى: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ 1164 : و تقديم المفعول لقصد الاختصاص، كقوله تعالى: قُلْ أَ فَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ 1165 ، قُلْ أَ غَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا 1166 و المعنى نخصك بالعبادة، و نخصك بطلب المعونة، و قال فى قوله تعالى: قُلْ أَ فَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ معناه أفغير اللّه أعبد بأمركم و قال فى قوله تعالى: قُلْ أَ غَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا: الهمزة للإنكار، أى: منكرا أن أبغى ربا غيره، و قال فى قوله تعالى: قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي 1167 : إنه أمر بالإخبار بأنه يخص اللّه وحده دون غيره بعبادته مخلصا له دينه، و قال فى قوله تعالى: أَ فَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ 1168 : قدم المفعول الذى هو غير دين اللّه على فعله، لأنه أهم من حيث إن الإنكار الذى هو معنى الهمزة متوجه إلى المعبود بالباطل، و قال فى قوله تعالى:
أَ إِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ 1169 إنما قدم المفعول على الفعل للعناية، و قدم المفعول له على المفعول به، لأنه كان الأهم عنده أن يكافحهم بأنهم على إفك و باطل فى شركهم، و يجوز أن يكون إفكا مفعولا به يعنى أتريدون إفكا ثم فسر الأول بقوله: آلِهَةً دُونَ اللَّهِ على أنها إفك فى أنفسها، و يجوز أن يكون حالا، فهذه الآيات كلها لم يذكر الزمخشرى لفظ الحصر فى شىء منها، و لا يصح إلا فى الآية الأولى فقط، و القدر المشترك فى الآيات الاهتمام، و يأتى الاختصاص، فى أكثرها، و مثل قوله تعالى:
أَ إِفْكاً آلِهَةً قوله تعالى: أَ هؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ 1170 و ما أشبهها لا يأتى فيه إلا الاهتمام، لأن ذلك منكر من غير اختصاص، و قد يتكلف لمعنى الاختصاص فى ذلك كما فى بقية الآيات، و أما الحصر فلا، فإن قلت: فما الفرق بين الاختصاص و الحصر؟
قلت: الاختصاص افتعال من الخصوص، و الخصوص مركب من شيئين أحدهما عام مشترك بين شيئين أو أشياء، و الثانى معنى منضم إليه يفصله عن غيره، كضرب زيد فإنه أخص من مطلق الضرب، فإذا قلت: ضربت زيدا أخبرت بضرب عام وقع منك على شخص خاص، فصار ذلك الضرب المخبر به خاصا لما انضم إليه منك و من زيد، و هذه المعانى الثلاثة، أعنى: مطلق الضرب، و كونه واقعا منك، و كونه واقعا على زيد، قد يكون قصد المتكلم لها ثلاثتها على السواء، و قد يترجح قصده لبعضها على بعض، و يعرف ذلك بما ابتدأ به كلامه؛ فإن الابتداء بالشىء يدل على الاهتمام به و أنه هو الأرجح فى غرض المتكلم، فإذا قلت: زيدا ضربت، علم أن خصوص الضرب على زيد هو المقصود، و لا شك أن كل مركب من خاص و عام له جهتان؛ فقد يقصد من جهة عمومه، و قد يقصد من جهه خصوصه، فقصده من جهه خصوصه هو الاختصاص و أنه هو الأعم عند المتكلم و هو الذى قصد إفادته للسامع من غير تعرض و لا قصد لغيره بإثبات و لا نفى، و أما الحصر فمعناه نفى غير المذكور و إثبات المذكور يعبر عنه بما و إلا أو بإنما، فإذا قلت: ما ضربت إلا زيدا، كنت نفيت الضرب عن غير زيد و أثبته لزيد، و هذا المعنى زائد على الاختصاص، و إنما جاء هذا فى: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ 1171 للعلم بأنه لا يعبد غير اللّه، و لا يستعان بغيره، ألا ترى أن بقية الآيات لم يطرد فيها ذلك فإن قوله تعالى: أَ فَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ 1172 لو جعل غير دين اللّه يبغون فى معنى ما يبغون إلا غير دين اللّه، و همزة الإنكار داخلة عليه لزم أن يكون المنكر الحصر، لا مجرد بغيهم غير دين اللّه، و لا شك أن مجرد بغيهم غير دين اللّه منكر، و كذلك بقية الآيات إذا تأملتها ألا ترى أن: أَ فَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ 1173 وقع الإنكار فيه على عبادة غير اللّه من غير حصر، و أن أبغى ربا غيره منكر
من غير حصر، و لكن الخصوص و هو غير اللّه هو المنكر وحده و مع غيره و كذلك:
إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ 1174 و عبادتهم إياهم منكرة من غير حصر، و كذلك قوله: آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ 1175 المنكر إرادتهم آلهة دون اللّه من غير حصر، فمن هذا كله يعلم أن الحصر فى: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ 1176 من خصوص المادة لا من موضوع اللفظ، بل أقول: إن المصلى قد يكون مقبلا على اللّه وحده، لا يعرض له استحضار غيره بوجه من الوجوه، و غيره أحقر فى عينه من أن يشتغل به فى ذلك الوقت يبغى عبادته و إنما قصد الإخبار بعبادة اللّه و أول ما حضر بذهنه عظمة من هو واقف بين يديه، فقال:
إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ليطابق اللفظ المعنى، و يقدم ما يقدم حضوره فى القلب و هو الرب سبحانه و تعالى، ثم بناء عليه ما أخبر به من عبادته فمعنى اختصاصه بالعبادة اختصاصه بالإخبار بعبادته، و غيره من الأكوان لم يخبر عنه بشىء، بل هو معرض عنها، و إذا تأملت مواقع ذلك فى الكتاب و السنة و أشعار العرب تجده كذلك ألا ترى قول الشاعر:
أكلّ امرئ تحسبين امرأ
و نار توقد بالليل نارا
لو قدرت فيه الحصر بما و إلا هل يصح المعنى الذى أراده؟ و قد قال الزمخشرى فى تفسير قوله تعالى: وَ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ 1177 : و فى تقديم الآخرة و بناء يوقنون على هم تعريض بأهل الكتاب و ما كانوا عليه من إثبات أمر الآخرة على خلاف حقيقته، و أن قولهم ليس بصادر عن إيقان، و أن اليقين ما عليه من آمن: بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَ ما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ* و هذا الذى قاله الزمخشرى فى غاية الحسن، و قد اعترض بعض الناس عليه فقال: تقديم الآخرة أفاد أن إيقانهم مقصور على أنه إيقان بالآخرة لا بغيرها، و هذا الذى قاله هذا القائل بناه على فهمه من أن تقديم المعمول يفيد الحصر، و ليس كذلك لما بيناه، ثم قال هذا القائل: و تقديم هم أفاد أن هذا القصر مختص بهم، فيكون إيقان غيرهم بالآخرة إيمانا بغيرها حيث قالوا: لَنْ يَدْخُلَ و لَنْ تَمَسَّنَا 1178 و هذا من هذا القائل استمرار على ما فى ذهنه من الحصر، أى: أن المسلمين لا يوقنون إلا
بالآخرة، و أهل الكتاب يوقنون بها و بغيرها، و هذا فهم عجيب: ثم قال هذا القائل: ثم إن التعريض فى قوله: (يأهل الكتاب) و بما كانوا، و أن قولهم ظاهر معنى قول الزمخشرى قال هذا القائل: و أما فى قوله: و أن اليقين مشكل؛ لأنه ليس فيه تعريض بأن اليقين ما عليه من آمن، بل تصريح، قلت: مراد الزمخشرى أن التصريح بأن من آمن يوقنون، تعريض بأن أهل الكتاب لا يوقنون فكيف يرد عليه هذا؟! ثم قال هذا القائل: فالوجه أن يقال: و أن اليقين عطف على قوله: تعريض لا على معمولاته من يأهل الكتاب إلخ، و كأنه قال: و فى تقديم الآخرة و بناء يوقنون على هم تعريض، و أن اليقين، قلت: مراد الزمخشرى أنه تعريض بنفى اليقين عن أهل الكتاب، فكأنه قال:
دون غير من آمن، فلا يرد عليه و لا يحتاج إلى تقدير العطف على ما ذكره هذا القائل، و هو إما أن يقدر دون غيرهم، أو لا فإن قدر فهو تعريض لا تصريح، و إن لم يقدر فلا يحتاج إلى بناء يوقنون على هم، فحمل كلام الزمخشرى على ما زعمه هذا القائل لا يصح بوجه من الوجوه، و هذا القائل فاضل، و إنما ألجأه إلى ذلك فهمه الحصر، و هو ممنوع، و على تقدير تسليمه فالحصر على ثلاثة أقسام:
أحدها: بما و إلا كقولك: ما قام إلا زيد، صريح فى نفى القيام عن غير زيد، و يقتضى إثبات القيام لزيد، قيل: بالمنطوق، و قيل: بالمفهوم، و هذا هو الصحيح، لكنه أقوى المفاهيم، لأن إلا موضوعة للاستثناء و هو الإخراج، فدلالتها على الإخراج بالمنطوق لا بالمفهوم، و لكن الإخراج من عدم القيام، ليس هو عين القيام بل قد يستلزمه؛ فلذلك رجحنا أنه بالمفهوم، و التبس على بعض الناس لذلك فقال: إنه بالمنطوق.
و الثانى: الحصر بإنما و هو قريب من الأول فيما نحن فيه، و إن كان جانب الإثبات فيه أظهر، فكأنه يفيد إثبات قيام زيد إذا قلت: إنما قام زيد، بالمنطوق و نفيه عن غيره بالمفهوم.
القسم الثالث: الحصر الذى قد يفيده التقديم، و ليس هو على تقدير تسليمه، مثل:
الحصرين الأولين، بل هو فى قوة جملتين إحداهما ما صدر به الحكم نفيا كان أو إثباتا، و هو المنطوق، و الأخرى ما فهم من التقديم و الحصر يقتضى نفى المنطوق فقط دون ما دل عليه من المفهوم، لأن المفهوم لا مفهوم له، فإذا قلت: أنا لا أكرم إلا إياك
أفاد التعريض بأن غيرك يكرم غيره، و لا يلزم أنك لا تكرمه، و قد قال سبحانه و تعالى:
الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً 1179 أفاد أن العفيف قد ينكح غير الزانية، و هو ساكت عن نكاحه الزانية، فقال سبحانه و تعالى بعده: وَ الزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ بيانا لما سكت عنه فى الأولى، فلو قال: بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ 1180 أفاد بمنطوقه إيقانهم بها، و مفهومه عند من يزعم أنهم لا يوقنون بغيرها، و ليس ذلك مقصودا بالذات: و المقصود بالذات، قوة إيقانهم بالآخرة حتى صار غيرها عندهم كالمدحوض، فهو حصر مجازى، و هو دون قولنا:" يوقنون بالآخرة" لا بغيرها فاضبط هذا، و إياك أن تجعل تقديره: لا يوقنون إلا بالآخرة. إذا عرفت هذا فتقديم هم أفاد أن غيرهم ليس كذلك، فلو جعلنا التقدير: لا يوقنون إلا بالآخرة، كان المقصود المهم النفى، فيتسلط المفهوم عليه فيكون المعنى إفادة أن غيرهم يوقن بغيرها، كما زعم هذا القائل، و يطرح إفهام أنه لا يوقن بالآخرة، و لا شك أن هذا ليس بمراد، بل المراد إفهام أن غيرهم لا يوقن بالآخرة، فلذلك حافظنا على أن الغرض الأعظم إثبات الإيقان بالآخرة ليتسلط المفهوم عليه، و أن المفهوم لا يتسلط على الحصر، و لم يدل عليه بجملة واحدة، مثل: ما و إلا، و مثل: إنما، و إنما دل عليه بمفهوم مستفاد من منطوق، و ليس أحدهما متقيدا بالآخر، حتى نقول: إن المفهوم أفاد نفى الإيقان المحصور، بل أفاد نفى الإيقان مطلقا عن غيرهم، و هذا كله إنما احتجنا إليه على تقدير تسليم ما ادعاه هذا القائل من الحصر، و قد سبق إلى فهم كثير من الناس، و نحن قد منعنا ذلك أولا، و بينا أنه لا حصر فى ذلك، و إنما هو اختصاص، و فرقنا بين الاختصاص و الحصر، و قول هذا القائل:
تقديم هم، من أين له أن هذا تقديم؟ فإنك إذا قلت: هو يفعل، احتمل أن يكون مبتدأ خبره يفعل، و احتمل أن يكون أصله: يفعل هو، ثم قدمت و أخرت. و الزمخشرى لم يصرح بالتقديم، و إنما قال: بناء يوقنون على هم، و لكنا مشينا مع هذا الفاضل على كلامه، و كل ذلك أوجبه الوهم و التباس الاختصاص بالحصر، و اللّه عز و جل أعلم.
و تقديم بعض معمولاته على بعض لأنّ أصله التقديم، و لا مقتضى للعدول عنه؛ كالفاعل فى نحو: ضرب زيد عمرا خ خ، و المفعول الأوّل فى نحو: أعطيت زيدا درهما خ خ.
أو لأنّ ذكره أهمّ؛ كقولك: قتل الخارجىّ فلان خ خ. أو لأنّ فى التأخير إخلالا ببيان المعنى؛ نحو: وَ قالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ 1181 فإنه لو أخّر: مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ عن قوله: يَكْتُمُ إِيمانَهُ - لتوهّم أنه من صلة (يكتم)؛ فلا يفهم أنه منهم.
أو بالتناسب؛ كرعاية الفاصلة؛ نحو: فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى 1182 .
تقديم بعض معمولات الفعل عليه:
ص: (و تقديم بعض معمولاته على بعض ... إلخ).
(ش): تقديم بعض المعمولات على بعض يكون لأحد أمور:
إما لأن ذلك التقديم هو الأصل، و لا مقتضى للعدول عنه كالفاعل فإن أصله التقديم على سائر معمولات الفعل؛ لكونه عمدة و كذلك المفعول الأول فى باب أعطيت زيدا درهما؛ لأنه فى الأصل الفاعل المعنوى، و إما أن يعدل عن الأصل فيقدم المفعول على الفاعل إذا كان الغرض وقوع الفعل بالمفعول، لا صدوره من الفاعل كقولك: قتل الخارجى فلان، فإن الغرض متوجه لقتل الخارجى لا غير و إزاحة شره لا لقاتله من هو، و إما لأن فى تأخيره خيفة أن يلتبس المعنى بغيره كقوله سبحانه و تعالى: وَ قالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ فإنه لو قيل: يكتم إيمانه من آل فرعون لتوهم أن من آل فرعون من صلة يكتم فيختل المقصود.
قلت: فيه نظر من وجهين:
أحدهما: أن الوصف بالجملة أصله التأخير عن الوصف بالجار و المجرور، فهذا ماش على الأصل فلا حاجة لتعليله و ما كان بالوضع و الذات لا يعلل بالغير، ثم لا يسمى ذلك تقديما، فإن التقديم يكون لشىء نقل عن محله إلى ما قبله، كذا صرح به الزمخشرى و هو القياس.