کتابخانه ادبیات عرب
(5) النّداء
الأمثلة:
(1) كتب أبو الطيب إلى الوالى و هو فى الاعتقال:
أ مالك رقّى و من شأنه
هبات اللّجين و عتق العبيد 700
دعوتك عند انقطاع الرّجا
ء و الموت منّى كحبل الوريد 701
(2) و قال أبو نواس:
يا ربّ إن عظمت ذنوبى كثرة
فلقد علمت بأنّ عفوك أعظم
(3) و قال الفرزدق يفتخر بآبائه و يهجو جريرا:
أولئك آبائى فجئنى بمثلهم
إذا جمعتنا يا جرير المجامع
(4) و قال آخر:
أيا جامع الدّنيا لغير بلاغة
لمن تجمع الدّنيا و أنت تموت؟
البحث:
إذا أردنا إقبال أحد علينا دعوناه بذكر اسمه أو صفة من صفاته بعد حرف نائب مناب أدعو، و يسمى هذا بالنداء.
و أدوات النداء هى: الهمزة، و أى، و يا، و آ، و آى، و أيا، و هيا، و وا.
و الأصل فى نداء القريب أن ينادى بالهمزة أو أى، و فى نداء البعيد أن ينادى بغيرهما من بقية الأدوات، غير أن هناك أسبابا بلاغيّة تدعو إلى مخالفة هذا الأصل، و سنشرح لك هذه الأسباب فيما يأتى:
تأمل المثال الأول تجد المنادى فيه بعيدا، و لكنّ أبا الطيب ناداه
بالهمزة الموضوعة للقريب، فما السبب البلاغى هنا؟ السبب أن أبا الطيب أراد أن يبيّن أن المنادى على الرغم من بعده فى المكان، قريب من قلبه مستحضر فى ذهنه لا يغيب عن باله، فكأنه حاضر معه فى مكان واحد. و هذه لطيفة بلاغيّة تسوغ استعمال الهمزة و أى فى نداء البعيد.
انظر إلى الأمثلة الثلاثة الباقية تجد المنادى فى كل منها قريبا، و لكن المتكلم استعمل فيها أحرف النداء الموضوعة للبعيد فما سبب هذا؟
السبب أن المنادى فى المثال الثانى جليل القدر خطير الشأن فكأن بعد درجته فى العظم بعد فى المسافة، و لذلك اختار المتكلم فى ندائه الحرف الموضوع لنداء البعيد ليشير إلى هذا الشأن الرفيع. و أما فى المثال الثالث فلأن المخاطب فى اعتقاد المتكلم وضيع الشأن صغير القدر فكأن بعد درجته فى الانحطاط بعد فى المسافة. و أما فى المثال الأخير فلأن المخاطب لغفلته و ذهوله كأنه غير حاضر مع المتكلم فى مكان واحد.
و قد تخرج ألفاظ النداء عن معناها الأصلى و هو طلب الإقبال إلى معان أخرى تستفاد من القرائن، و من هذه المعانى ما يأتى:
(1) الزجر كقوله:
يا قلب ويحك ما سمعت لناصح
لمّا ارتميت و لا اتّقيت ملاما
(2) التحسر و التوجع نحو قوله:
أ يا قبر معن كيف واريت جوده
و قد كان منه البرّ و البحر مترعا
(3) الإغراء كقولك لمن أقبل يتظلم: يا مظلوم تكلم.
القواعد:
(52) النّداء طلب الإقبال بحرف نائب مناب أدعو.
(53) أدوات النّداء ثمان: الهمزة، و أى، و يا، و آ، و آى و أيا، و هيا، و وا.
(54) الهمزة و أى لنداء القريب، و غيرهما لنداء البعيد.
(55) قد ينزّل البعيد منزلة القريب فينادى بالهمزة و أى، إشارة إلى قربه من القلب و حضوره فى الذّهن.
و قد ينزّل القريب منزلة البعيد فينادى بغير الهمزة و أى، إشارة إلى علوّ مرتبته، أو انحطاط منزلته، أو غفلته و شرو ذهنه.
(56) يخرج النّداء عن معناه الأصلىّ إلى معان أخرى تستفاد من القرائن، كالزّجر و التّحسّر و الإغراء.
نموذج
لبيان أدوات النداء فى الأمثلة الآتية، و ما جرى منها على أصل وضعه فى نداء القريب أو البعيد، و ما خرج عن ذلك مع بيان السبب:
(1)
أ بنىّ إنّ أباك كارب يومه
فإذا دعيت إلى المكارم فاعجل 702
(2)
يا من يرجّى للشّدائد كلّها
يا من إليه المشتكى و المفزع
(3) قال أبو العتاهية:
أيا من عاش فى الدّنيا طويلا
و أفنى العمر فى قيل و قال
و أتعب نفسه فيما سيفنى
و جمّع من حرام أو حلال
هب الدنيا تقاد إليك عفوا
أ ليس مصير ذلك للزّوال؟
(4) و قال سوار بن المضرّب 703 :
يأيها القلب هل تنهاك موعظة
أو يحدثن لك طول الدّهر نسيانا
(5) و كتب والد لولده ينصحه:
أ حسين إنى واعظ و مؤدّب
فافهم فإن العاقل المتأدّب
الإجابة
(1) الأداة «الهمزة» و قد استعملت فى نداء القريب جريا على الأصل.
(2) الأداة «يا» و قد استعملت فى نداء القريب على خلاف الأصل، إشارة إلى علو مرتبة المنادى و ارتفاع شأنه.
(3) الأداة «أيا» و قد استعملت فى نداء القريب على خلاف الأصل، إشارة إلى غفلة المخاطب.
(4) الأداة «يا» و قد استعملت فى نداء القريب على خلاف الأصل، إشارة إلى أن المنادى غافل لاه فكأنه غير قريب.
(5) الأداة «الهمزة» و قد نودى بها البعيد على خلاف الأصل، إشارة إلى أن المنادى حاضر فى الذهن لا يغيب عن البال فكأنه حاضر الجثمان.
تمرينات
(1)
بيّن أدوات النداء فى الأمثلة الآتية، و ما جرى منها على أصل وضعه فى نداء القريب أو البعيد، و ما خرج منها عن ذلك مع بيان الأسباب البلاغيّة فى الخروج:
(1) قال أبو الطيب:
يا صائد الجحفل المرهوب جانبه
إنّ اللّيوث تصيد النّاس أحدانا 704
(2)
أ يا ربّ قد أحسنت عودا و بدأة
إلىّ فلم ينهض بإحسانك الشكر
(3)
أ سكان نعمان الأراك تيقّنوا
بأنكم فى ربع قلبى سكان 705
(4) قال تعالى يحكى قول فرعون لموسى عليه السّلام:
«إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً».
(5) قال أبو العتاهية:
أ يا من يؤمّل طول الحياة
و طول الحياة عليه خطر
إذا ما كبرت و بان الشّاب
فلا خير فى العيش بعد الكبر
(6) و قال أبو الطيب فى مدح كافور من قصيدة أنشده إياها:
يا رجاء العيون فى كلّ أرض
لم يكن غير أن أراك رجائى
(7) أى بنىّ، أعد علىّ ما سمعت منى.
(8) أمحمد، لا ترفع صوتك حتى لا يسمع حديثنا أحد.
(9) أيا هذا، تنبه فالمكاره محدقة بك.
(10) يا هذا لا تتكلم حتى يؤذن لك.
(2)
ناد من يأتى، مستعملا أدوات النداء استعمالا جاريا على خلاف الأصل من حيث قرب المنادى و بعده، و بين العلل البلاغيّة فى هذا الاستعمال:
(1) غائبا تحنّ إلى لقائه.
(2) سفيها تنهاه عن التعرض للكرام.
(3) منصرفا عن عمله تدعوه إلى الجدّ.
(4) عظيما تخاطبه و ترجوه أن يساعدك.
(3)
ماذا يراد بالنداء فى الأمثلة الآتية:
(1)
أعدّاء ما للعيش بعدك لذة
و لا لخليل بهجة بخليل 706
(2) يا شجاع أقدم (تقوله لمن يتردد فى منازلة العدو).
(3)
دعوتك يا بنىّ فلم تجبنى
فردت دعوتى يأسا عليّا
(4)
باللّه قل لى يا فلا
ن و لى أقول و لى أسائل
أ تريد فى السّبعين ما
قد كنت فى العشرين فاعل
(5)
يا دار عاتكة حيّيت من دار
سيّرت فيك و فيمن فيك أشعارى
(4)
(1) هات مثالين للهمزة المستعملة فى نداء البعيد، و بين السبب فى خروجها عن أصل وضعها فى كل من هذين المثالين.
(2) هات مثالين للمنادى القريب المنزّل منزلة البعيد لعلو مكانته.
(3) هات مثالين للمنادى القريب المنزّل منزلة البعيد لانحطاط منزلته.
(4) هات مثالين للمنادى القريب المنزّل منزلة البعيد لغفلته و شرود ذهنه.
(5) مثل للنداء المستعمل فى التحسر و الزجر و الإغراء.
(5)
انثر البيتين الآتيين نثرا فصيحا و هما لأبى الطيب .. و بين الغرض من النداء:
يا أعدل النّاس إلّا فى معاملتى
فيك الخصام و أنت الخصم و الحكم
أعيذها نظرات منك صادقة
أن تحسب الشّحم فيمن شحمه ورم
القصر تعريفه- طرقه- طرفاه
الأمثلة:
(1) لا يفوز إلّا المجدّ.
(2) إنما الحياة تعب.
(3) الأرض متحرّكة لا ثابتة.
(4) ما الأرض ثابتة بل متحركة.
(5) ما الأرض ثابتة لكن متحركة.
(6) على الرّجال العاملين نثنى.
البحث:
إذا تأملت الأمثلة السابقة رأيت أن كل مثال منها يتضمن تخصيص أمر بآخر، فالمثال الأول يفيد تخصيص الفوز بالمجدّ، بمعنى أن الفوز خاصّ بالمجدّ لا يتعداه إلى سواه. و المثال الثانى يفيد تخصيص الحياة بالتّعب، بمعنى أن الحياة وقف على التعب لا تفارقه إلى الراحة. و هكذا يقال فى بقية الأمثلة.
و إذا أردت أن تعرف منشأ هذا التخصيص فى الكلام، كفاك أن تبحث فى الأمثلة قليلا. خذ المثال الأول مثلا واحذف منه أداتى النفى و الاستثناء، تجد أن التخصيص قد زال منه و كأنه لم يكن. إذا النفى و الاستثناء هما وسيلة التخصيص فيه، و بمثل هذه الطريقة تستطيع أن تدرك أن وسائل التخصص فى الأمثلة الباقية هى: إنما: و العطف بلا، أو بل، أو لكن، و تقديم ما حقه التأخير. و يسمّى علماء المعانى التخصيص المستفاد من هذه الوسائل بالقصر، و يسمون الوسائل نفسها طرق القصر.