کتابخانه ادبیات عرب
الجزء الأول
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
ابن مالك 1
مقدمة:
الحمد لله الأول بلا ابتداء، الآخر بلا انتهاء، و الصلاة و السّلام على المصطفى المختار، خاتم الأنبياء و سيد المرسلين، اللهم صلّ و سلم و بارك عليه و على آله و أصحابه أجمعين، ثم على إخوانه المصطفين الأخيار، و على كل من دعا بدعوته و اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم و تب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
ثم أما بعد:
فإن ابن مالك أكبر نحوى ظهر فى القرن السابع الهجرى فى العالم الإسلامى كله، و يعد من أشهر النحاة الذين عرفهم تاريخ النحو العربى منذ نشأته فى القرن الثانى للهجرة إلى اليوم.
و فى الحقيقة إننا إذا استثنينا سيبويه و كتابه- فإننا لا نكاد نجد عالما من علماء النحو نال تلك الشهرة الواسعة التى نالها ابن مالك صاحب الألفية.
و لسنا مغالين إذا قلنا: إن ظهور ابن مالك يعد بداية لمرحلة جديدة فى النحو العربى، و كأنما انقسم تاريخ النحو العربى منذ نشأته المبكرة فى القرن الثانى للهجرة إلى يومنا هذا- إلى مرحلتين أساسيتين؛ حيث يقف إمام النحاة سيبويه على قمة المرحلة الأولى، بينما يقف ابن مالك على قمة المرحلة الأخرى، و لئن كانت أهمية سيبويه ترجع إلى أنه هو الذى خط بمهارة فائقة قواعد النحو العربى، و خطا به الخطوة الأولى التى حددت معالمه، و رسمت اتجاهاته فى دقة و إحاطة- فإن أهمية ابن مالك تعود إلى أنه قد قام بأهم و أكبر عملية تصفية و تنقية لقواعد النحو العربي،
شهدها تاريخ النحو العربى، و كانت هذه هى الخطوة الأخيرة، و التى استقر بعدها النحو فى صورته الثابتة إلى اليوم، فلا زلنا نعيش على هذا التراث الضخم الذى خلفه لنا ابن مالك، و هو فى الحق ميراث يشهد بسعة الأفق و كثرة الاطلاع؛ ينبيك عن ذلك كثرة المصنفات سواء كانت فى النحو أو الصرف أو اللغة أو القراءات، و فى الواقع فإن أهمية ابن مالك لا ترجع إلى هذه الكثرة الوافرة من إنتاجه و تصنيفاته- بل ترجع- أيضا- إلى ذلك المذهب النحوى البالغ الأثر فى نحو العربية، الذى أقام دعائمه، و رفع قواعده، و أتم بنيانه.
و مما هو جدير بالذكر أن من حسن حظ النحو العربى أن ابن مالك قد ظهر بعد أن نضجت دراساته، و اكتملت مذاهبه، بل و تحددت أيضا اتجاهات مدارسه.
و قد هيأ ذلك لابن مالك أن يكون على صلة بكل هذا التراث الضخم بمدارسه، و اتجاهاته، و مذاهبه.
و قد أمد اللّه- عز و جل- ابن مالك بما تفوق به على عدد غير قليل ممن سبقه من النحاة، و هيأ له- سبحانه- من الأسباب ما أتاح له أن يصل إلى هذا الذى لم يستطعه الأوائل؛ كما يقول أبو العلاء المعرى: [من الطويل]
و إنى و إن كنت الأخير زمانه
لآت بما لم تستطعه الأوائل
و هو هذا المذهب النحوى الذى شغل به النحاة من بعده، و الذى لا يزال حتى الآن أساسا لأكثر الدراسات و البحوث النحوية المعاصرة.
و يقوم هذا المذهب فى جوهره على أساس المزج و الاختيار من المذاهب السابقة كلها: بصرية أو بغدادية أو أندلسية؛ هذا مع ميل واضح إلى الحياد، و توخّ حاد للسهولة و التيسير، و جنوح شديد إلى الاجتهاد و التجديد.
و هذه الدراسة التى تدور حول ابن مالك النحوى: حياته، و مصنفاته، و مذهبه النحوى- ستدور إن شاء اللّه حول ثلاثة أبواب؛ و هى كالتالى:
الباب الأوّل:
و يدور حول ابن مالك، و حياته فى الأندلس و المشرق، و نتناول فى ذلك:
1- نسبه.
2- مولده و مسقط رأسه.
3- أسرته بالأندلس.
4- دراساته و شيوخه بالأندلس.
5- رحلته إلى المشرق و أثر هذه الرحلة فى حياته و دراساته و سلوكه.
6- دراساته و شيوخه بالمشرق.
7- اشتغاله بالإمالة و التدريس و التأليف.
8- أسرته بالمشرق.
9- أخلاقه و صفاته.
10- وفاته و رثاءه.
الباب الثانى:
و يدور حول مؤلفاته نظما و نثرا، و ما أثر من شعره، و نتناول فى ذلك ما يلى:
1- مؤلفاته النحوية.
2- مؤلفاته الصرفية.
3- مؤلفاته اللغوية.
4- مؤلفاته فى القراءات.
5- ما أثر من شعره.
الباب الثالث:
و يدور حول مذهبه النحوى، و نتناول فيه:
أولا: مذهبه النحوى من حيث الشكل.
و فى ذلك نلاحظ:
1- التجديد فى منهج التأليف.
2- النظم العلمى للفنون.
ثانيا: من حيث الموضوع.
و فى ذلك نلاحظ:
1- التيسير و السهولة، و يظهر ذلك فى:
أ- اختياره لمذهب من المذاهب.
ب- عرضه للمذاهب و الآراء فى صورة نظم علمى.
2- المزج و الاختيار.
و يتجلى ذلك فى:
أ- مزجه بين مذاهب النحاة على اختلافهم.
ب- مزجه بين النحو و الصرف و اللغة.
ج- مزجه بين مصادر الاستشهاد من القرآن و الحديث، و كلام العرب شعرا و نثرا.
ثالثا: من حيث موقفه من بعض قضايا أصول النحو و أدلته، و نتناول فى ذلك:
1- موقفه من السماع: القرآن- الحديث- كلام العرب.
2- موقفه من القياس.
رابعا: الأصول النحوية العامة عند ابن مالك.
خامسا: المصطلحات النحوية عند ابن مالك.