کتابخانه روایات شیعه
وَ يَرْجُو الْعِبَادَ فِي الصَّغِيرِ فَيُعْطِي الْعَبْدَ مَا لَا يُعْطِي الرَّبَّ فَمَا بَالُ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ يُقَصَّرُ بِهِ عَمَّا يُصْنَعُ بِعِبَادِهِ أَ تَخَافُ أَنْ تَكُونَ فِي رَجَائِكَ لَهُ كَاذِباً أَوْ تَكُونَ لَا تَرَاهُ لِلرَّجَاءِ مَوْضِعاً وَ كَذَلِكَ إِنْ هُوَ خَافَ عَبْداً مِنْ عَبِيدِهِ أَعْطَاهُ مِنْ خَوْفِهِ مَا لَا يُعْطِي رَبَّهُ فَجَعَلَ خَوْفَهُ مِنَ الْعِبَادِ نَقْداً وَ خَوْفَهُ مِنْ خَالِقِهِ ضِمَاراً 4 وَ وَعْداً وَ كَذَلِكَ مَنْ عَظُمَتِ الدُّنْيَا فِي عَيْنِهِ وَ كَبُرَ مَوْقِعُهَا فِي قَلْبِهِ آثَرَهَا عَلَى اللَّهِ فَانْقَطَعَ إِلَيْهَا وَ صَارَ عَبْداً لَهَا وَ لَقَدْ كَانَ فِي رَسُولِ اللَّهِ ص كَافٍ لَكَ فِي الْأُسْوَةِ وَ دَلِيلٌ عَلَى ذَمِّ الدُّنْيَا وَ عَيْبِهَا وَ كَثْرَةِ مَخَازِيهَا وَ مَسَاوِيهَا إِذْ قُبِضَتْ عَنْهُ أَطْرَافُهَا وَ وُطِّئَتْ لِغَيْرِهِ أَكْنَافُهَا وَ فُطِمَ عَنْ رَضَاعِهَا وَ زُوِيَ عَنْ زَخَارِفِهَا- وَ إِنْ شِئْتَ ثَنَّيْتُ بِمُوسَى كَلِيمِ اللَّهِ إِذْ يَقُولُ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ وَ اللَّهِ مَا سَأَلَهُ إِلَّا خُبْزاً يَأْكُلُهُ لِأَنَّهُ كَانَ يَأْكُلُ بَقْلَةَ الْأَرْضِ وَ لَقَدْ كَانَتْ خُضْرَةُ الْبَقْلِ تُرَى مِنْ شَفِيفِ صِفَاقِ بَطْنِهِ لِهُزَالِهِ وَ تَشَذُّبِ 5 لَحْمِهِ وَ إِنْ شِئْتَ ثَلَّثْتُ بِدَاوُدَ صَاحِبِ الْمَزَامِيرِ وَ قَارِئِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَلَقَدْ كَانَ يَعْمَلُ مِنْ سَفَائِفِ الْخُوصِ بِيَدِهِ وَ يَقُولُ لِجُلَسَائِهِ أَيُّكُمْ يَكْفِينِي بَيْعَهَا وَ يَأْكُلُ قُرْصَ الشَّعِيرِ مِنْ ثَمَنِهَا وَ إِنْ شِئْتَ قُلْتُ فِي عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ فَلَقَدْ كَانَ يَتَوَسَّدُ الْحَجَرَ وَ يَلْبَسُ الْخَشِنَ وَ كَانَ إِدَامُهُ الْجُوعَ وَ سِرَاجُهُ بِاللَّيْلِ الْقَمَرَ وَ ظِلَالُهُ فِي الشِّتَاءِ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَ مَغَارِبَهَا وَ فَاكِهَتُهُ وَ رَيْحَانُهُ مَا تُنْبِتُ الْأَرْضُ لِلْبَهَائِمِ وَ لَمْ تَكُنْ لَهُ زَوْجَةٌ تَفْتِنُهُ وَ لَا وَلَدٌ يَحْزُنُهُ وَ لَا مَالٌ يَلْفِتُهُ وَ لَا طَمَعٌ يُذِلُّهُ دَابَّتُهُ رِجْلَاهُ وَ خَادِمُهُ يَدَاهُ فَتَأَسَّ بِنَبِيِّكَ الْأَطْيَبِ الْأَطْهَرِ ص فَإِنَّ فِيهِ أُسْوَةً لِمَنْ تَأَسَّى وَ عَزَاءً لِمَنْ تَعَزَّى وَ أَحَبُّ الْعِبَادِ إِلَى اللَّهِ الْمُتَأَسِّي بِنَبِيِّهِ وَ الْمُقْتَصُّ لِأَثَرِهِ قَضَمَ الدُّنْيَا قَضْماً وَ لَمْ يُعِرْهَا طَرْفاً أَهْضَمُ أَهْلِ الدُّنْيَا كَشْحاً 6 وَ أَخْمَصُهُمْ مِنَ الدُّنْيَا بَطْناً عُرِضَتْ عَلَيْهِ الدُّنْيَا فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا وَ عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ أَبْغَضَ شَيْئاً فَأَبْغَضَهُ وَ حَقَّرَ شَيْئاً فَحَقَّرَهُ وَ صَغَّرَ شَيْئاً فَصَغَّرَهُ وَ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِينَا إِلَّا حُبُّنَا مَا أَبْغَضَ اللَّهُ وَ تَعْظِيمُنَا مَا صَغَّرَ اللَّهُ لَكَفَى بِهِ شِقَاقاً لِلَّهِ وَ مُحَادَّةً عَنْ أَمْرِ اللَّهِ
وَ لَقَدْ كَانَ ص يَأْكُلُ عَلَى الْأَرْضِ وَ يَجْلِسُ جِلْسَةَ الْعَبْدِ وَ يَخْصِفُ بِيَدِهِ نَعْلَهُ وَ يَرْقَعُ بِيَدِهِ ثَوْبَهُ وَ يَرْكَبُ الْحِمَارَ الْعَارِيَ وَ يُرْدِفُ خَلْفَهُ وَ يَكُونُ السِّتْرُ عَلَى بَابِ بَيْتِهِ تَكُونُ فِيهِ التَّصَاوِيرُ- فَيَقُولُ يَا فُلَانَةُ لِإِحْدَى أَزْوَاجِهِ غَيِّبِيهِ عَنِّي فَإِنِّي إِذَا نَظَرْتُ إِلَيْهِ ذَكَرْتُ الدُّنْيَا وَ زَخَارِفَهَا فَأَعْرَضَ عَنِ الدُّنْيَا بِقَلْبِهِ وَ أَمَاتَ ذِكْرَهَا مِنْ نَفْسِهِ وَ أَحَبَّ أَنْ تَغِيبَ زِينَتُهَا عَنْ عَيْنِهِ لِكَيْلَا يَتَّخِذَ مِنْهَا رِيَاشاً 7 وَ لَا يَعْتَقِدَهَا قَرَاراً وَ لَا يَرْجُوَ فِيهَا مُقَاماً فَأَخْرَجَهَا مِنَ النَّفْسِ وَ أَشْخَصَهَا عَنِ الْقَلْبِ وَ غَيَّبَهَا عَنِ الْبَصَرِ وَ كَذَلِكَ مَنْ أَبْغَضَ شَيْئاً أَبْغَضَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهِ وَ أَنْ يُذْكَرَ عِنْدَهُ وَ لَقَدْ كَانَ فِي رَسُولِ اللَّهِ ص مَا يَدُلُّكَ عَلَى مَسَاوِئِ الدُّنْيَا وَ عُيُوبِهَا إِذْ جَاعَ فِيهَا مَعَ خَاصَّتِهِ وَ زُوِيَتْ عَنْهُ زَخَارِفُهَا مَعَ عَظِيمِ زُلْفَتِهِ فَلْيَنْظُرْ نَاظِرٌ بِعَقْلِهِ أَ أَكْرَمَ اللَّهُ بِذَلِكَ مُحَمَّداً أَمْ أَهَانَهُ فَإِنْ قَالَ أَهَانَهُ فَقَدْ كَذَبَ وَ اللَّهِ الْعَظِيمِ وَ أَتَى بِالْإِفْكِ الْعَظِيمِ وَ إِنْ قَالَ أَكْرَمَهُ فَلْيَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهَانَ غَيْرَهُ حَيْثُ بَسَطَ الدُّنْيَا لَهُ وَ زَوَاهَا عَنْ أَقْرَبِ النَّاسِ مِنْهُ فَإِنْ تَأَسَّى مُتَأَسٍّ بِنَبِيِّهِ وَ اقْتَصَّ أَثَرَهُ وَ وَلَجَ مَوْلِجَهُ وَ إِلَّا فَلَا يَأْمَنُ الْهَلَكَةَ فَإِنَّ اللَّهَ جَعَلَ مُحَمَّداً ص عَلَماً لِلسَّاعَةِ وَ مُبَشِّراً بِالْجَنَّةِ وَ مُنْذِراً بِالْعُقُوبَةِ خَرَجَ مِنَ الدُّنْيَا خَمِيصاً وَ وَرَدَ الْآخِرَةَ سَلِيماً لَمْ يَضَعْ حَجَراً عَلَى حَجَرٍ حَتَّى مَضَى لِسَبِيلِهِ وَ أَجَابَ دَاعِيَ رَبِّهِ فَمَا أَعْظَمَ مِنَّةَ اللَّهِ عِنْدَنَا حِينَ أَنْعَمَ عَلَيْنَا بِهِ سَلَفاً نَتَّبِعُهُ وَ قَائِداً نَطَأُ عَقِبَهُ وَ اللَّهِ لَقَدْ رَقَّعْتُ مِدْرَعَتِي هَذِهِ حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَاقِعِهَا وَ لَقَدْ قَالَ لِي قَائِلٌ أَ لَا تَنْبِذُهَا فَقُلْتُ اغْرُبْ عَنِّي فَعِنْدَ الصَّبَاحِ يَحْمَدُ الْقَوْمُ السُّرَى.
فهذه الخطبة كافية في مقصودنا على طريق الجملة و نحن نذكر تفصيل مكارم أخلاقه ص في جميع أحواله و تصرفاته و جلوسه و قيامه و سفره و حضره و أكله و شربه خاصة و جميع ما روي عنه و عن الصادقين ع في أحوال الناس عامة و نسأل الله التوفيق في إتمامه إنه على ما يشاء قدير و تيسير العسير عليه سهل يسير
بسم الله الرحمن الرحيم
الباب الأول في خلق النبي ص و خلقه و سائر أحواله
و فيه خمسة فصول:
الفصل الأول في خلقه و خلقه و سيرته مع جلسائه
بِرِوَايَةِ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ ع مِنْ كِتَابِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْحَاقَ الطَّالَقَانِيِّ عَنْ ثِقَاتِهِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ ع قَالَ: سَأَلْتُ خَالِي هِنْدَ بْنَ أَبِي هَالَةَ التَّمِيمِيَ 8 وَ كَانَ وَصَّافاً عَنْ حِلْيَةِ النَّبِيِّ ص وَ أَنَا أَشْتَهِي أَنْ يَصِفَ لِي مِنْهَا شَيْئاً أَتَعَلَّقُ بِهِ فَقَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ص فَخْماً مُفَخَّماً يَتَلَأْلَأُ وَجْهُهُ تَلَأْلُؤَ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ أَطْوَلَ مِنَ الْمَرْبُوعِ وَ أَقْصَرَ مِنَ الْمُشَذَّبِ 9 عَظِيمَ الْهَامَةِ رَجِلَ الشَّعْرِ 10 إِذَا انْفَرَقَتْ عَقِيصَتُهُ قَرَنَ 11 وَ إِلَّا فَلَا يُجَاوِزُ شَعْرُهُ شَحْمَةَ أُذُنَيْهِ إِذَا هُوَ وَفْرَةٌ- أَزْهَرَ اللَّوْنِ وَاسِعَ الْجَبِينِ أَزَجَّ الْحَوَاجِبِ 12 سوابع [سَوَابِغَ] فِي غَيْرِ قَرَنٍ بَيْنَهُمَا عِرْقٌ يُدِرُّهُ الْغَضَبُ
أَقْنَى الْعِرْنِينِ 13 لَهُ نُورٌ يَعْلُوهُ يَحْسَبُهُ مَنْ لَمْ يَتَأَمَّلْهُ أَشَمَ 14 كَثَّ اللِّحْيَةِ 15 سَهْلَ الْخَدَّيْنِ أَدْعَجَ ضَلِيعَ الْفَمِ 16 أَشْنَبَ مُفَلَّجَ الْأَسْنَانِ 17 دَقِيقَ الْمَسْرُبَةِ كَأَنَّ عُنُقَهُ جِيدُ دُمْيَةٍ 18 فِي صَفَاءِ الْفِضَّةِ مُعْتَدِلَ الْخَلْقِ بَادِناً مُتَمَاسِكاً سَوَاءَ الْبَطْنِ وَ الصَّدْرِ عَرِيضَ الصَّدْرِ بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ ضَخْمَ الْكَرَادِيسِ 19 أَنْوَرَ الْمُتَجَرِّدِ مَوْصُولَ مَا بَيْنَ اللَّبَّةِ وَ السُّرَّةِ بِشَعْرٍ يَجْرِي كَالْخَطِّ 20 عَارِيَ الثَّدْيَيْنِ وَ الْبَطْنِ مِمَّا سِوَى ذَلِكَ أَشْعَرَ الذِّرَاعَيْنِ وَ الْمَنْكِبَيْنِ أَعْلَى الصَّدْرِ طَوِيلَ الزَّنْدَيْنِ رَحْبَ الرَّاحَةِ سَبْطَ الْقَصَبِ شَثْنَ الْكَفَّيْنِ وَ الْقَدَمَيْنِ 21 سَائِلَ الْأَطْرَافِ خُمْصَانَ الْأَخْمَصَيْنِ 22 مَسِيحَ الْقَدَمَيْنِ 23 يَنْبُو عَنْهُمَا الْمَاءُ إِذَا زَالَ زَالَ قَلْعاً يَخْطُو تَكَفُّؤاً وَ يَمْشِي هَوْناً سَرِيعَ الْمِشْيَةِ إِذَا مَشَى كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ مِنْ صَبَبٍ وَ إِذَا الْتَفَتَ الْتَفَتَ جَمِيعاً خَافِضَ الطَّرْفِ نَظَرُهُ إِلَى الْأَرْضِ أَطْوَلُ مِنْ نَظَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ جُلُّ نَظَرِهِ الْمُلَاحَظَةُ يَسُوقُ أَصْحَابَهُ وَ يَبْدُرُ مَنْ لَقِيَ بِالسَّلَامِ- قَالَ قُلْتُ لَهُ صِفْ لِي مَنْطِقَهُ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ص مُتَوَاصِلَ الْأَحْزَانِ دَائِمَ الْفِكْرَةِ لَيْسَتْ لَهُ رَاحَةٌ
وَ لَا يَتَكَلَّمُ فِي غَيْرِ حَاجَةٍ طَوِيلَ السُّكُوتِ يَفْتَتِحُ الْكَلَامَ وَ يَخْتِمُهُ بِأَشْدَاقِهِ 24 وَ يَتَكَلَّمُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ فَصْلًا لَا فُضُولًا وَ لَا قَصِيراً فِيهِ دَمِثاً 25 لَيْسَ بِالْجَافِي وَ لَا بِالْمَهِينِ يُعَظِّمُ النِّعْمَةَ وَ إِنْ دَقَّتْ وَ لَا يَذُمُّ مِنْهَا شَيْئاً وَ لَا يَذُمُّ ذَوَّاقاً وَ لَا يَمْدَحُهُ وَ لَا تُغْضِبُهُ الدُّنْيَا وَ مَا كَانَ لَهَا إِذَا تُعُوطِيَ الْحَقَّ لَمْ يَعْرِفْهُ أَحَدٌ وَ لَمْ يَقُمْ لِغَضَبِهِ شَيْءٌ حَتَّى يُنْتَصَرَ لَهُ وَ لَا يَغْضَبُ لِنَفْسِهِ وَ لَا يَنْتَصِرُ لَهَا إِذَا أَشَارَ أَشَارَ بِكَفِّهِ كُلِّهَا وَ إِذَا تَعَجَّبَ قَلَبَهَا وَ إِذَا تَحَدَّثَ أَشَارَ بِهَا فَضَرَبَ بِرَاحَتِهِ الْيُمْنَى بَاطِنَ إِبْهَامِهِ الْيُسْرَى وَ إِذَا غَضِبَ أَعْرَضَ وَ أَشَاحَ 26 وَ إِذَا فَرِحَ غَضَّ مِنْ طَرْفِهِ جُلُّ ضَحِكِهِ التَّبَسُّمُ وَ يَفْتَرُّ عَنْ مِثْلِ حَبِّ الْغَمَامِ 27 قَالَ الْحَسَنُ ع فَكَتَمْتُهَا الْحُسَيْنَ زَمَاناً ثُمَّ حَدَّثْتُهُ فَوَجَدْتُهُ قَدْ سَبَقَنِي إِلَيْهِ فَسَأَلْتُهُ عَمَّنْ سَأَلْتُهُ فَوَجَدْتُهُ قَدْ سَأَلَ أَبَاهُ عَنْ مَدْخَلِهِ وَ مَخْرَجِهِ وَ شَكْلِهِ فَلَمْ يَدَعْ مِنْهَا شَيْئاً قَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ سَأَلْتُ أَبِي عَنْ دُخُولِ النَّبِيِّ ص فَقَالَ كَانَ دُخُولُهُ لِنَفْسِهِ مَأْذُوناً لَهُ فِي ذَلِكَ وَ كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى مَنْزِلِهِ جَزَّأَ دُخُولَهُ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ جُزْءاً لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ جُزْءاً لِأَهْلِهِ وَ جُزْءاً لِنَفْسِهِ ثُمَّ جَزَّأَ جُزْءَهُ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ النَّاسِ فَيَرُدُّ ذَلِكَ عَلَى الْعَامَّةِ وَ الْخَاصَّةِ وَ لَا يَدَّخِرُ أَوْ قَالَ لَا يَدَّخِرُ عَنْهُمْ شَيْئاً- فَكَانَ مِنْ سِيرَتِهِ فِي جُزْءِ الْأُمَّةِ إِيثَارُ أَهْلِ الْفَضْلِ بِإِذْنِهِ وَ قَسْمُهُ عَلَى قَدْرِ فَضْلِهِمْ فِي الدِّينِ فَمِنْهُمْ ذُو الْحَاجَةِ وَ مِنْهُمْ ذُو الْحَاجَتَيْنِ وَ مِنْهُمْ ذُو الْحَوَائِجِ فَيَتَشَاغَلُ بِهِمْ وَ يَشْغَلُهُمْ فِيمَا أَصْلَحَهُمْ وَ أَصْلَحَ الْأُمَّةَ مِنْ مَسْأَلَتِهِ عَنْهُمْ وَ إِخْبَارِهِمْ بِالَّذِي يَنْبَغِي لَهُمْ وَ يَقُولُ لِيُبْلِغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ وَ أَبْلِغُونِي فِي حَاجَةِ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ إِبْلَاغَ حَاجَتِهِ فَإِنَّهُ مَنْ أَبْلَغَ سُلْطَاناً حَاجَةَ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ إِبْلَاغَهَا إِيَّاهُ ثَبَّتَ اللَّهُ قَدَمَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يَذْكُرُ عِنْدَهُ إِلَّا ذَلِكَ وَ لَا يَقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ غَيْرَهُ يَدْخُلُونَ زُوَّاراً وَ لَا يُفَرَّقُونَ إِلَّا عَنْ ذَوَاقٍ وَ يَخْرُجُونَ أَدِلَّةً فُقَهَاءَ قَالَ فَسَأَلْتُهُ مِنْ مَخْرَجِهِ كَيْفَ كَانَ يَصْنَعُ فِيهِ
قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ص يَخْزُنُ لِسَانَهُ إِلَّا فِيمَا يَعْنِيهِ وَ يُؤَلِّفُهُمْ وَ لَا يُفَرِّقُهُمْ أَوْ قَالَ وَ لَا يُنَفِّرُهُمْ وَ يُكْرِمُ كَرِيمَ كُلِّ قَوْمٍ وَ يُوَلِّيهِ عَلَيْهِمْ وَ يُحَذِّرُ النَّاسَ الْفِتَنَ وَ يَحْتَرِسُ مِنْهُمْ- مِنْ غَيْرِ أَنْ يَطْوِيَ عَنْ أَحَدٍ بِشْرَهُ وَ لَا خُلُقَهُ وَ يَتَفَقَّدُ أَصْحَابَهُ وَ يَسْأَلُ النَّاسَ عَمَّا فِي النَّاسِ فَيُحَسِّنُ الْحَسَنَ وَ يُقَوِّيهِ وَ يُقَبِّحُ الْقَبِيحَ وَ يُوهِنُهُ مُعْتَدِلَ الْأَسْرِ غَيْرَ مُخْتَلِفٍ لَا يَغْفُلُ مَخَافَةَ أَنْ يَغْفُلُوا أَوْ يَمَلُّوا لِكُلِّ حَالٍ عِنْدَهُ عَتَادٌ لَا يَقْصُرُ عَنِ الْحَقِّ وَ لَا يَجُوزُهُ الَّذِينَ يَلُونَهُ مِنَ النَّاسِ خِيَارُهُمْ أَفْضَلُهُمْ عِنْدَهُ أَعَمُّهُمْ نَصِيحَةً وَ أَعْظَمُهُمْ عِنْدَهُ مَنْزِلَةً أَحْسَنُهُمْ مُوَاسَاةً وَ مُؤَازَرَةً قَالَ فَسَأَلْتُهُ عَنْ مَجْلِسِهِ فَقَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ص لَا يَجْلِسُ وَ لَا يَقُومُ إِلَّا عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ جَلَّ اسْمُهُ وَ لَا يُوطِنُ الْأَمَاكِنَ وَ يَنْهَى عَنْ إِيطَانِهَا 28 وَ إِذَا انْتَهَى إِلَى قَوْمٍ جَلَسَ حَيْثُ يَنْتَهِي بِهِ الْمَجْلِسُ وَ يَأْمُرُ بِذَلِكَ يُعْطِي كُلًّا مِنْ جُلَسَائِهِ نَصِيبَهُ حَتَّى لَا يَحْسَبَ جَلِيسُهُ أَنَّ أَحَداً أَكْرَمُ عَلَيْهِ مِنْهُ مَنْ جَالَسَهُ أَوْ قَاوَمَهُ فِي حَاجَةٍ صَابَرَهُ حَتَّى يَكُونَ هُوَ الْمُنْصَرِفَ عَنْهُ وَ مَنْ سَأَلَهُ حَاجَةً لَمْ يَرُدَّهُ إِلَّا بِهَا أَوْ بِمَيْسُورٍ مِنَ الْقَوْلِ قَدْ وَسِعَ النَّاسَ مِنْهُ بَسْطُهُ وَ خُلُقُهُ فَكَانَ لَهُمْ أَباً وَ صَارُوا عِنْدَهُ فِي الْحَقِّ سَوَاءً مَجْلِسُهُ مَجْلِسُ حِلْمٍ وَ حَيَاءٍ وَ صَبْرٍ وَ أَمَانَةٍ لَا تُرْفَعُ فِيهِ الْأَصْوَاتُ وَ لَا يُوهَنُ فِيهِ الْحُرَمُ وَ لَا تُنْثَى فَلَتَاتُهُ 29 مُتَعَادِلُونَ مُتَفَاضِلُونَ فِيهِ بِالتَّقْوَى مُتَواضِعُونَ يُوَقِّرُونَ فِيهِ الْكَبِيرَ وَ يَرْحَمُونَ فِيهِ الصَّغِيرَ وَ يُؤْثِرُونَ ذَا الْحَاجَةِ وَ يَحْفَظُونَ أَوْ قَالَ يَحُوطُونَ الْغَرِيبَ قَالَ قُلْتُ كَيْفَ كَانَتْ سِيرَتُهُ مَعَ جُلَسَائِهِ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ص دَائِمَ الْبِشْرِ سَهْلَ الْخُلُقِ لَيِّنَ الْجَانِبِ لَيْسَ بِفَظٍّ وَ لَا غَلِيظٍ وَ لَا صَخَّابٍ 30 وَ لَا فَحَّاشٍ وَ لَا عَيَّابٍ وَ لَا مَدَّاحٍ يَتَغَافَلُ عَمَّا لَا يَشْتَهِي فَلَا يُؤْيِسُ مِنْهُ وَ لَا يُخَيِّبُ فِيهِ مُؤَمِّلِيهِ قَدْ تَرَكَ نَفْسَهُ مِنْ ثَلَاثٍ الْمِرَاءِ وَ الْإِكْثَارِ وَ مِمَّا
لَا يَعْنِيهِ وَ تَرَكَ النَّاسَ مِنْ ثَلَاثٍ كَانَ لَا يَذُمُّ أَحَداً وَ لَا يُعَيِّرُهُ وَ لَا يَطْلُبُ عَوْرَتَهُ وَ لَا يَتَكَلَّمُ إِلَّا فِيمَا يَرْجُو ثَوَابَهُ إِذَا تَكَلَّمَ أَطْرَقَ جُلَسَاؤُهُ كَأَنَّمَا عَلَى رُءُوسِهِمُ الطَّيْرُ فَإِذَا سَكَتَ تَكَلَّمُوا وَ لَا يَتَنَازَعُونَ عِنْدَهُ الْحَدِيثَ مَنْ تَكَلَّمَ أَنْصَتُوا لَهُ حَتَّى يَفْرُغَ حَدِيثُهُمْ عِنْدَهُ حَدِيثُ أُولَاهُمْ يَضْحَكُ مِمَّا يَضْحَكُونَ مِنْهُ وَ يَتَعَجَّبُ مِمَّا يَتَعَجَّبُونَ مِنْهُ وَ يَصْبِرُ لِلْغَرِيبِ عَلَى الْجَفْوَةِ فِي مَنْطِقِهِ وَ مَسْأَلَتِهِ حَتَّى إِنْ كَانَ أَصْحَابُهُ لَيَسْتَجْلِبُونَهُمْ 31 وَ يَقُولُ إِذَا رَأَيْتُمْ طَالِبَ الْحَاجَةِ يَطْلُبُهَا فَأَرْفِدُوهُ 32 وَ لَا يَقْبَلُ الثَّنَاءَ إِلَّا عَنْ مُكَافِئٍ وَ لَا يَقْطَعُ عَلَى أَحَدٍ حَدِيثَهُ حَتَّى يَجُوزَ فَيَقْطَعُهُ بِانْتِهَاءٍ أَوْ قِيَامٍ- قَالَ قُلْتُ كَيْفَ كَانَ سُكُوتُهُ قَالَ كَانَ سُكُوتُ رَسُولِ اللَّهِ ص عَلَى أَرْبَعَةٍ عَلَى الْحِلْمِ وَ الْحَذَرِ وَ التَّقْدِيرِ وَ التَّفَكُّرِ فَأَمَّا تَقْدِيرُهُ فَفِي تَسْوِيَةِ النَّظَرِ وَ الِاسْتِمَاعِ بَيْنَ النَّاسِ وَ أَمَّا تَفَكُّرُهُ فَفِيمَا يَبْقَى وَ يَفْنَى وَ جُمِعَ لَهُ الْحِلْمُ وَ الصَّبْرُ فَكَانَ لَا يُغْضِبُهُ شَيْءٌ وَ لَا يَسْتَنْفِرُهُ وَ جُمِعَ لَهُ الْحَذَرُ فِي أَرْبَعَةٍ أَخْذُهُ بِالْحَسَنِ لِيُقْتَدَى بِهِ وَ تَرْكُهُ الْقَبِيحَ لِيُنْتَهَى عَنْهُ وَ اجْتِهَادُهُ فِيمَا أَصْلَحَ أُمَّتَهُ وَ الْقِيَامُ فِيمَا جَمَعَ لَهُمْ خَيْرَ الدُّنْيَا وَ الْآخِرَة.
الفصل الثاني في نبذ من أحواله و أخلاقه من كتاب شرف النبي ص و غيره
في تواضعه و حيائه ص