کتابخانه روایات شیعه
و بقي النصف عليها فقال له أبو إسحاق الأسفرائني عندك القادر على الشيء ينبغي أن يكون قادرا على ضده فقال الصاحب كما قدرت على أخذها أقدر على ردها إلا أن الرطوبة خارجة عنها فلا يتقبل-
و قال أبو حنيفة رأيت موسى بن جعفر ع و هو صغير السن في دهليز أبيه فقلت أين يحدث الغريب منكم إذا أراد ذلك فنظر إلي ثم قال يتوارى خلف الجدار و يتوقى أعين الجار و يجتنب شطوط الأنهار و مساقط الثمار و أفنية الدور و الطرق النافذة و المساجد و لا يستقبل القبلة و لا يستدبرها و يضع و يرفع بعد ذلك حيث شاء فلما سمعت هذا نبل في عيني و عظم في قلبي فقلت له جعلت فداك ممن المعصية فنظر إلي ثم قال اجلس حتى أخبرك فجلست فقال إن المعصية لا بد أن تكون من العبد أو من ربه أو منهما جميعا فإن كان من الله تعالى فهو أعدل و أنصف من أن يظلم عبده و يأخذه بما لم يفعله و إن كانت منهما فهو شريكه و القوي أولى بإنصاف عبده الضعيف و إن كانت من العبد وحده فعليه وقع الأمر و إليه توجه النهي و له حق الثواب و العقاب و وجبت الجنة و النار فقلت ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ .
و نظم في هذا المعنى
لم تخل أفعالنا اللاتي نذم بها
إحدى ثلاث خصال حين نأتيها
أما تفرد بارينا بصنعتها
فيسقط اللؤم عنا حين ننشيها
أو كان يشركنا فيها فيلحقه
ما سوف يلحقنا من لائم فيها
أو لم يكن لإلهي في جنايتها
ذنب فما الذنب إلا ذنب جانيها
سيعلمون إذا الميزان شال بهم
أ هم جنوها أم الرحمن جانيها
فصل [في الجبر و الاختيار]
قوله تعالى سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَ اللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ سأل غيلان العبدي أبا الهذيل عن الاستطاعة فقال خبرني عن هذه الآية هل يخلو من أن يكون أكذبهم لأنهم مستطيعون للخروج و هم تاركون له فاستطاعة الخروج فيهم و ليس يخرجون لقوله إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ أي هم يستطيعون الخروج و هم يكذبون فيقولون لسنا نستطيع و لو استطعنا لخرجنا فأكذبهم الله على هذا الوجه أو يكون على وجه آخر يقول إنهم لكاذبون أي إنني أعطيهم الاستطاعة و لم يخرجوا فتكون معهم الاستطاعة على الخروج و لا يكون الخروج و لا يعقل للآية معنى ثالث و قيل للنظام إن كانت الاستطاعة لك فخذ لنا هذا العصفور فقال هذا من استطاعة الباشق و اليؤيؤ لا من استطاعتي و قال الكتبي لا أقدر
على شيء و لا أملك أحدا فقال الشيخ المفيد أ حكمي حكمك على ما لا تملك قال نعم قال فرقت مالك على المساكين و طلقت زوجتك و أعتقت عبدك و وقفت ملكك و أتي بطرار أحول إلى والي البصرة فسأل عن الحكم فقال جبري يضرب خمس عشرة درة و قال أبو عبد الرحمن بل ثلاثين خمس عشرة لطره و خمس عشرة لحوله فقال يا أبا عبد الرحمن لأضرب على الحول قال نعم إذا كانا جميعا من فعل الله فما جعل الضرب على الطر بأحق منه على الحول و قال رجل لأبي الهذيل من جمع بين الزانيين يا أبا الهذيل فقال يا ابن أخي أما بالبصرة فإنهم يقولون القوادون و لا أحسب أهل بغداد يخالفونهم في هذا القول فما تقول أنت فخجل الرجل و قال أبو العتاهية لتمامة و حرك يده من حرك هذا قال ملعون من الملاعين فغضب من قوله فقال إن لم يكن فعلك فما هذا الغضب و قيل لتمامة أ ترضى بمن خلق المعاصي ربا قال لا و لا عبدا و رفع إلى عياش برجل رمى فشج رأس بعضهم فقال له لم رميته فقال وَ ما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَ لكِنَّ اللَّهَ رَمى فضربه مائة سوط و قال و ما ضربت إذ ضربت و لكن الله ضرب و نزل أبو الأسود الدؤلي في بني قشير فرجموه بالليل فاشتكى منهم فقالوا الله رجمك فقال لا تكذبوا على الله فلو أن الله رماني لما أخطأني ثم قال في ذلك
رماني جاري ظالما برمية
فقلت له مهلا فأنكر ما أتى
و قال الذي يرميك ربك جازيا
بذنبك و الحوبات تعقب ما ترى
فقلت له لو أن ربي رمية
رماني لما أخطى إلهي ما رمى
جزى الله شرا كل من نال سوءة
و ينجل فيها ربه الشر و الأذى
و قال يزيد لعلي بن الحسين ع طلب أبوك شيئا لم يكن له بأهل فقتله الله على يدي من كان له أهلا فما ذنبي في ذلك فقال ع قال الله أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ أ فتراه أنه لعن قاتله أم نفسه فبهت.
الصاحب
زعم الرجال المجبرون بأنما
قتل الحسين قضت به الأقدار
فعلام يلعن قاتلوه و إنما
قتل الحسين قضي بالجبار
و ناظر أبو علي الجبائي في حال صباه صقرا فقال ما تقول إن الله تعالى يخلق العدل قال نعم قال أ فتسميه بفعله العدل عادلا قال نعم قال أ تقول إنه يخلق الجور قال نعم قال مما أنكرت أن يكون بفعله الجور جائرا قال لا يصح ذلك قال مما أنكرت أن لا يكون بفعله العدل عادلا فانقطع صقر فجعل الناس يقولون من هذا الصبي فقيل غلام من أهل جبا فنسب إليه و كان مجبر
يسأل أصحاب بشر بن المعتمر و يقول أنتم تحمدون الله على إيمانكم فهم يقولون نعم فيقول فكأنه يجب أن يحمد على ما لم يفعل و قد قال وَ يُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فيقولون له إنما ذم من أحب أن يحمد بما لم يفعل مما لم يعز عليه و لم يدع إليه و هو يشغب إذا قيل ثمامة بن أشرس فقال بشر دونك الرجل فسله فسأله عن المسألة فقال هل يجب عليك أن تحمد الله على الإيمان قال لا بل هو يحمدني عليه لأنه أمرني به ففعلته و أنا أحمده على الأمر به و التقوية عليه فانقطع المجبر فقال بشر شنعت فسهلت و قال المأمون لثنوي خبرني هل ندم مسيء قط على إساءة قال نعم قال فالندم على الإساءة إحسان أو إساءة قال إحسان قال فالذي ندم هو الذي أساء أو غيره قال هو الذي أساء قال فأرى صاحب الخير هو صاحب الشر و قد بطل قولكم إذا الذي ينظر نظر الوعيد هو الذي ينظر نظر الرحمة قال فإني أزعم أن الذي أساء غير الذي ندم قال فهذا الذي ندم على شيء كان منه أم من غيره فأفحمه و أنشد ذو الرمة
و عينان قال الله كونا فكانتا
فعولان بالألباب ما تفعل الخمر
فقيل له فعولين خبر الكون فقال لو سبحت ربحت و إنما قلت و عينان فعولان و صفتها بذلك و إنما تجوز بذلك من الجبر
فصل
قوله تعالى حكاية عن الكفار- ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ فكذبهم الله تعالى بَلى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ يعترف إبليس بعصيانه يوم القيامة و يقول إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ و يعاند الجبري فيقول- وَ اللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ فينطق أعضاءه يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ و يقول إبليس وَ ما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ و يقول قرينه من الجن و الإنس أو الملائكة- رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ وَ لكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ و قالت الكفرة ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ - هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ و الجبرية تضيف كل سيئة إليه- وَ قالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ و قالت المشبهة كلتا يديه يمين و قالت النصارى إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ و قالت المجبرة تاسع تسعة و قالت المشركون بنات الله و قالت الجبرية صفات الله قديمة زعم المجبر أنه لا يقدر على تحريك ريشة ثم يعمل بالاختيار و النص و الشورى أول من أظهر الجبر في هذه الأمة معاوية ذلك أنه خطب فقال يا أهل الشام أنا خازن من خزان ربي أعطي
من أعطاه الله و أمنع من منعه الله بالكتاب و السنة فقام أبو ذر رحمة الله عليه و قال كذبت و الله إنك لتعطي من منعه الله بالكتاب و السنة و تمنع من أعطاه الله فقام عبادة بن الصامت ثم أبو الدرداء و قالا صدق أبو ذر صدق أبو ذر فنزل معاوية عن المنبر و قال فنعم إذا فنعم إذا و في رواية أنه خطب فقال قال الله تعالى وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ فلا نلام نحن فقام الأحنف فقال إنا و الله لا نلومك على ما في خزائن الله و لكن نلومك على ما أنزل الله علينا من خزائنه و أغلقت بابك علينا دونه شاعر
إذا أعطى تمير حين يعطي
و إن لم يعط قال أبا القضاء
يبخل ربه سفها و جهلا
و يعذر نفسه فيما يشاء
- أبو محمد الحسن بن أحمد الحسيني-
زعم السفيه و من يضاهي قوله
إن الكبائر من فعال الخالق
إن كان حقا ما يقول فلم قضى
حد الزناة و قطع كف السارق
- الصاحب
المجبرون يجادلون بباطل
و بغير ما يجدون في القرآن
كل مقالة الإله أضلني
و أراد أمرا كان عنه نهاني
أ يقول ربكم لقوم آمنوا
عمدا و ينهاهم عن الإيمان
إن كان ذا فتعوذوا من ربكم
و دعوا تعوذكم من الشيطان
غيره
إياك و الجبر أن تدين به
فإن بالجبر قالت الفسقة
فنزه الله عن محارمه
و لا تكن من أولئك الطبقة
لو كان قد قدر الزناء
لما قدر حد الزناء و السرقة
فقال من يسرق اقطعوا يده
و قال في الملحد اضربوا عنقه
فصل [في الهداية]
قوله تعالى مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ الهدى الإرشاد و أصله الطريق يقال هداه الطريق و للطريق و إلى الطريق و لذلك سمى لكل مرشد هاديا قوله في التوراة- وَ جَعَلْناهُ هُدىً و في القرآن هُدىً لِلْمُتَّقِينَ و للنار أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً و بمعنى الدلالة و البرهان إذا أدى إلى ذلك و كان مقيدا مقرونا بها قوله- اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ وَ إِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ وَ اللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ و بمعنى النجاة و الثواب إذا أطلق-
قوله وَ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ - أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللَّهُ و هذا بعد القتل و قوله يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ - وَ أَصْلَحَ بالَهُمْ بالجنة و بمعنى الوصف بذلك و الحكم به عليه قوله أَ تُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ يعني تسموا مهتديا من قد سماه الله ضالا الشاعر
ما زال يهدي قومه و يضلنا
جهلا و ينسبنا إلى الكفار
و بمعنى زيادة الألطاف و ذلك أنه يلطف لمن علم أنه مؤمن فيأتيه من الأسباب ما يعلم أنه يؤمن لسببه قوله وَ يَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ وَ مَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَ الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ و بمعنى البيان و التعريف قوله إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ وَ هَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ و أما قول المجبرة إنه بمعنى خلق الإيمان فيهم أو بأن يخلق ما يوجب ذلك من قدره و غيرهما أو يحملهم على ذلك جبرا أو ما جرى مجراه ففاسد لأنه لا يقول أهل اللغة لمن حمل غيره على سلوك الطريق جبرا إنه هداه إليه و إنما يقال رده إلى الطريق و حمله عليه و أكرهه و أمثال ذلك و يجوز هداه الله بمعنى التمكين أو ما يجري مجراه لأنه لا يصح التكليف إلا مع البيان و لنا
و من يهتدي يرشد و من يلق ربه
بكفر من الأحزاب فالنار موعده
قوله سبحانه إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَ إِمَّا كَفُوراً المعنى إما أن يختار بحسن اختياره الشكر لله تعالى فيصيب الحق و إما أن يكفر نعمة فيكون ضالا عن الصواب و ليس المعنى أنه مجبر في ذلك و إنما خرج مخرج التهديد كقوله فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَ مَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ بدلالة قوله إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً و إنما المراد البيان بمن أنه قادر عليها فأيهما اختار جوزي عليه بحسبه و في الآية دلالة على أنه تعالى قد هدى جميع خلقه المكلفين لأن قوله إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ عام في جملتهم و ذلك مبطل قول المجبرة إن الله لا يهدي الكافر بنصب الدلالة على طريق الحق و اجتناب الباطل و ليس كل من ترك الشكر كان كافرا لأن الشكر قد يكون تطوعا كما يكون واجبا ثم إن الله تعالى بين أن ما ذكره على وجه التهديد لكفرهم بقوله- فَإِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَعِيراً و ذكر أيضا ما للمؤمنين لإيمانهم فقال إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ
قوله سبحانه فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ لم يرد نصب الأدلة على الحق لأنه تعالى سوى في ذلك بين الكافر و المؤمن كما قال وَ أَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى و إنما أراد من لطفه تعالى له بما علم أنه يؤمن فسمى ذلك اللطف هداية و قيل فمنهم من هدى الله إلى الجنة بإيمانه و منهم من حقت عليه الضلالة قال الحسن لأنهم ضلوا عن طرق الحق و كفروا بالله و قال أبو الهذيل حقت عليه الضلالة عن طريق الجنة بما ارتكبوا من الكفر و الضلالة و المراد بالضلالة هاهنا العدول عن الجنة و قد سمى الله العقاب ضلالا في قوله- إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَ سُعُرٍ .
قوله سبحانه إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى قال قتادة إن علينا لبيان الطاعة من المعصية و فيه دلالة على وجوب هدى المكلفين إلى الدين و إنه لا يجوز صرفهم عنده.
قوله سبحانه وَ الَّذِي قَدَّرَ فَهَدى التقدير تنزيل الشيء على مقدار غيره فالله تعالى خلق الخلق و قدرهم على ما اقتضته الحكمة فهدى معناه أرشدهم إلى طريق الرشد من الغي و هكذا كل حيوان إلى ما فيه منفعته و مضرته حتى إنه هدى الطفل إلى ثدي أمه و ميزه من غيره و أعطى الفرخ الهداية حتى طلب الزق من أبويه و العصفور على صغره يطلب مثل ذلك بهداية الله تعالى له.
قوله سبحانه وَ الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا أي نرشدهم السبيل الموصل إلى الثواب و قيل لنوفقنهم لازدياد الطاعات فيزداد ثوابهم و قيل معناه لنرشدهم إلى الجنة.
قوله سبحانه مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ أي من يحكم الله بهدايته و يسميه بها و بإخلاصه الطاعة فهو المهتدي في الحقيقة و فيه دعاء إلى الاهتداء و ترغيب فيه و فيه معنى الأمر به و قيل من يهدي الله إلى طريق الجنة فهو المهتدي إليها و قوله وَ مَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِهِ أي من يحكم بضلالته و يسميه ضالا بسوء اختياره للضلالة فإنه لا ينفعه ولاية ولي له و لو تولاه لم يعتد بقوله لأنه من اللغو الذي لا منزلة له فلذلك حسن أن ينفى لأنه بمنزلة ما لم يكن و قيل من يضله الله عن طريق الجنة و أراد عقابه على معاصيه لم يوجد له ناصر يمنعه من عقابه.
قوله سبحانه إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ ظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَ لا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ ظاهر الآية أن من كفر بالله و رسوله يعاقبهم الله على كفرهم و ظلمهم و لا يهديهم الجنة بل يدخلهم النار و يحتمل أنه لم يكن الله يفعل بهم ما يؤمنون عنده في المستقبل عقوبة لهم على كفرهم الماضي و استحقاقهم حرمان ذلك و أنه يخذلهم عن ذلك حتى يسلكوا طريق جهنم و يكون المعنى لم يكن الله ليوفقهم للإسلام و لكنه يخذلهم عنه إلى طريق جهنم جزاء لهم على ما فعلوه من الكفر.
قوله سبحانه كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ المراد به الثواب و ما يجري مجراه لأنه قد يؤمن الكافر و يتوب الفاجر و ينيب الغادر و الآية دليل لأهل العدل.