کتابخانه روایات شیعه
قوله سبحانه مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ أي من يحكم الله بهدايته و يسميه بها و بإخلاصه الطاعة فهو المهتدي في الحقيقة و فيه دعاء إلى الاهتداء و ترغيب فيه و فيه معنى الأمر به و قيل من يهدي الله إلى طريق الجنة فهو المهتدي إليها و قوله وَ مَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِهِ أي من يحكم بضلالته و يسميه ضالا بسوء اختياره للضلالة فإنه لا ينفعه ولاية ولي له و لو تولاه لم يعتد بقوله لأنه من اللغو الذي لا منزلة له فلذلك حسن أن ينفى لأنه بمنزلة ما لم يكن و قيل من يضله الله عن طريق الجنة و أراد عقابه على معاصيه لم يوجد له ناصر يمنعه من عقابه.
قوله سبحانه إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ ظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَ لا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ ظاهر الآية أن من كفر بالله و رسوله يعاقبهم الله على كفرهم و ظلمهم و لا يهديهم الجنة بل يدخلهم النار و يحتمل أنه لم يكن الله يفعل بهم ما يؤمنون عنده في المستقبل عقوبة لهم على كفرهم الماضي و استحقاقهم حرمان ذلك و أنه يخذلهم عن ذلك حتى يسلكوا طريق جهنم و يكون المعنى لم يكن الله ليوفقهم للإسلام و لكنه يخذلهم عنه إلى طريق جهنم جزاء لهم على ما فعلوه من الكفر.
قوله سبحانه كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ المراد به الثواب و ما يجري مجراه لأنه قد يؤمن الكافر و يتوب الفاجر و ينيب الغادر و الآية دليل لأهل العدل.
قوله سبحانه إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ لا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ يعني إلى طريق
الجنة أو قلت لا يحكم الله بهداهم لأنهم كفار.
قوله سبحانه لَوْ هَدانَا اللَّهُ لَهَدَيْناكُمْ إنما هو حكاية قول رؤساء المشركين في جهنم لقوله فَقالَ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا .
قوله سبحانه فَرِيقاً هَدى وَ فَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ قد قلنا إن الهدى المطلق أنما يكون بمعنى البيان أو النجاة و هذه الآية إنما وردت فيمن أعيد بعد الممات أ لا ترى إلى أول قوله كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ .
قوله سبحانه وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ معناه أنه لا يهديهم إلى طريق الجنة و الثواب لكفرهم و يحتمل لا يهديهم بمعنى لا يقبل أعمالهم كما يقبل أعمال المهتدين من المؤمنين لأن أعمالهم لا تقع على وجه يستحق بها المدح و قيل لا يحكم بهدايتهم لكونهم كفارا.
قوله سبحانه وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ إخبار منه تعالى أنه لا يهدي أحدا ممن ظلم نفسه و كفر بآيات الله و جحد وحدانيته إلى الجنة كما أنه يهدي المؤمنين.
قوله سبحانه وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ أي لا يحكم للفاسق بأنه مهتد و لا يجري عليه مثل هذه الصفة لأنها صفة مدح
فصل [في الهداية]
قوله تعالى لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ لم يقل ليس إليك فسقط التعلق و ذلك أنه إذ قال عليك كذا فإنما معناه أنه يجب عليك كذا كقوله وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ -
و لا يلزم النبي ع هداية أولئك و إنما عليه التبليغ لقوله- أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ و يفسرون الهدى بالفقه و الثواب ثم قال وَ لكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ قال ابن الإخشيد و الزجاج إنما علق الهداية بالمشية لمن كان في المعلوم أنه يصلح باللطف و ليس كل أحد يصلح به فلذلك جاء الاختصاص بالمشية و قال الجبائي الهداية في الآية هو إلى طريق الجنة.
قوله سبحانه إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَ لكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ قالوا كان النبي ع يحب إسلام أبي طالب و يكره إسلام الوحشي فنزلت الآية في أبي طالب و نزل في الوحشي يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ فلم يسلم أبو طالب و أسلم الوحشي فلو جاز للنبي ع أن يخالف الله تعالى في إرادته لجاز أن يخالفه في أوامره و نواهيه و إذا كان لم يرد إيمانه و أراد كفره و أراد النبي ع إيمانه فقد حصل غاية الخلاف بين إرادتي الرسول و المرسل- ابن ذريك
و لو لم يكن قد شاء طاعاتهم لما
أتاهم بها عن ربهم مطلق الأمر
يوافق إبليس اللعين بزعمهم
بغير وفاق المصطفى العلم الطهر
و حين أراد الكفر من معشر فلم
دعاهم إلى الإيمان هذا من الهجر
و ما حاجة الدنيا إلى الرسل حين من
توخى بهم إيمانهم سبب الكفر
قوله سبحانه هُدىً لِلْمُتَّقِينَ الإيمان ليس بهدى من جهة كونه إيمانا و ليس فيه تخصيص و لا يصح أن يكون هدى مذهبهم لأن العبد عندهم غير مختار و هُدىً لِلْمُتَّقِينَ لا يدل على أنه ليس بهدى لغيرهم.
قوله سبحانه مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ أي بيانا و دلالة على أن الله تعالى هدى الكافر إلى الإيمان كما هدى المؤمن.
قوله سبحانه إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُ من فتح الياء
أراد أن الله لا يهدي من يضله أو قلت إن من أضله الله لا يهتدي و من ضم الياء أراد أن من حكم الله بضلالة و سماه ضالا لا يقدر أحد أن يجعله هاديا أو قلت إن من أضله الله لا يقدر أحد على هدايته إليها و لا يقدر هو أيضا على أن يهتدي إليها.
قوله سبحانه اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ اللفظ لا ينبئ عن أنه يفعل خلافه و إنما يسأله ذلك المؤمنون و لو كان المراد به الإيمان لم يكن لسؤالهم ما أعطوه معنى و لكان الواجب أن يقول ذلك من لم يعطه و الظاهر يدل على الاستقبال-
و قال مجوسي لأمير المؤمنين ع كيف أدخل في دين لم يهتد أربابه حيث لا يزالون يقولون اهدنا فأجابه ع إن معناه ثبتنا.
قوله سبحانه فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ أي جعل الاتباع إلى المخلوق و لو كان من الله تعالى لقال فمن اتبعه هداي.
قوله سبحانه وَ يَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً ي زيد الذين اهتدوا إلى طاعة الله و اجتناب معاصيه هدى و وجه الزيادة لهم فيه أن يفعل بهم الألطاف التي تستكثرون عندها الطاعات بما يبينه لهم من وجه الدلالات و الأمور الداعية إلى فعل الخيرات و قيل زيادة الهدى هي بإيمانهم بالناسخ و المنسوخ.
قوله سبحانه إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ معناه أنه لا يهتدي إلى طريق الجنة أو لا يحكم بهدايته إلى الحق من هو كاذب على الله بأنه أمره باتخاذ الأصنام.
قوله سبحانه وَ إِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى أي ستار لمن تاب من المعاصي فأسقط عقابه و أستر عليه معاصيه إذا أضاف إلى إيمانه الأيمان الصالحة-
و قال قتادة معناه لزم الإيمان إلى أن يموت كأنه قال ثم استمر على الاستقامة و إنما قيل ذلك لئلا يتكل الإنسان على أنه كان أخلص الطاعة و في تفسير أهل البيت ع ثم اهتدى إلى ولاية أوليائه الذين أوجب الله طاعتهم و الانقياد لأمرهم و قال ثابت البناني ثم اهتدى إلى ولاية أهل البيت ع
فصل [في النور]
قوله تعالى يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ أي لدينه و إيمانه بأن يفعل له لطفا يختار عنده الإيمان إذا علم له أهلا و قيل يهدي الله لنبوته من يشاء ممن يعلم أنه يصلح لها و قيل يحكم بإيمانه لمن يشاء ممن آمن به.
قوله سبحانه- وَ مَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ أي من لم يجعل الله له نورا في قلبه و يهده به فما له من نور يهتدي به و قيل من لم يجعل الله له نورا يوم القيامة يهديه إلى الجنة فما له من نور يهديه إليها.
قوله سبحانه قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ أخبر أنه يخص بذلك المتبع لرضوانه و المتبع لرضوانه قد حصل له البيان و الإيمان.
قوله سبحانه وَ أَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَ ماتُوا الظاهر أن يكون الآيات زادتهم الرجس بالحقيقة و لا خلاف أن الآيات لا فعل لها في الحقيقة و أن الله زادهم رجسا بالآيات نحو ما ادعوه و هذا فاسد لأن عندهم أن الآيات غير موجبة للرجس و لا يصح أن يزيدهم الله الرجس بالآيات و إنما يزيدهم ذلك بالقدرة الموجبة لذلك و لا يجيز أحد منهم أن تزيدهم الآيات رجسا
قوله سبحانه وَ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ و قوله قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ
يَهْدِي مَنْ يَشاءُ الهدى ضد الضلالة و هو من فعله بلا خلاف فإذا هدى الكل صح وصفه بأنه يهدي من يشاء كما لو هدى البعض صح ذلك فيه و يدل على أنه هدى الجميع قوله- إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ هُدىً لِلنَّاسِ و الخصم معترف بأن الهدى في الآية بمعنى الدلالة لأولها لأنه بعث النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ و قال اختلفوا بغيا و عدوا لا جبرا إذ محال أن يقول جاءتهم البينات و لم تأتهم أو يقول كانوا غير متمكنين من التبيين كما أنه محال أن يقول أتيت زيدا بكتاب فلم يقرأه بغيا و عدوانا و هو غير متمكن من قراءة.
قوله سبحانه قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ على سبيل الجبر و لم يقل لاهتديتم و الهداية أنما هو البيان و الدلالة لأنه هدى الجميع بمعناهما أو الفوز و النجاة و لا خلاف في أنه لو شاء لنجى جميعهم و لأثابهم أو الإيمان و الدين و لا يصح ذلك لأنه لا يقال فيمن جبر غيره على أمر قد هداه و إنما يقال ذلك إذا أرشده إليه و دله عليه و معنى الآية أنه حكى عن قول الكفار فقال سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا فجعلهم في قوله إنه لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكُوا و لا حرموا شيئا كاذبين فوجب أن يكون الله بتكذيبه إياهم فيما ادعوا مريدا لإيمانهم كارها لما هم عليه من الشرك فلما كذبهم قال قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ إذ كانوا أشركوا من جهة أنفسهم من غير أن يكون أراد منهم الشرك أو أمرهم به أو حملهم عليه إذ لو فعل شيئا من ذلك لكان لهم الحجة عليه
فصل [في الضلال]
قوله تعالى- أَ إِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ - وَ أَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ اعلم أن ضل لازم يقال ضل الشيء أي ضاع و هلك قوله ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا و بمعنى العذاب إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَ سُعُرٍ و بمعنى إبطال العمل فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ و متعد نحو ضل فلان الطريق أي لم يهتد له قوله إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ و قد جاء أضل على وجوه أضله فلان أهلكه قوله- وَ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ و بمعنى أضل الرجل دابته أي ضلت عنه قال الشاعر
هبوني أمرا منكم أضل بغيره
فالألف للفرق بين ما لا يفارق مكانه و بين ما يفارق و بمعنى أنه ضل منه لا من غيره كما يقولون أضلت فلانة فلانا و أذهبت عقله و هي لا تعرفه لكنه فسد و ذهب عقله من أجلها و عند رؤيته إياها
نسب إليها و بمعنى الحكم عليه بالضلال و التسمية أضله فلان أي سماه ضالا مثل أكفره إذا نسب عليه قال الكميت-
فطائفة قد أكفروني بحبكم