کتابخانه روایات شیعه
قوله سبحانه كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ ليس فيها من قصة برصيصا شيء مما يقولون فيه- العبدي-
و هم شبهوا الله العلي بخلقه
و قالوا خلقنا للمعاصي و أجبرنا
و لو شاء لم نكفر و قد شاء كفرنا
و إن شاء لم نؤمن و إن شاء آمنا
فصل [في التكليف]
قوله تعالى- لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها و لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَها و الوسع دون الطاقة قال الشاعر
كلفتها الوسع في سيري لها أصلا
و الوسع منها دون الجهد و الوخد
و في ذلك دلالة على بطلان قول المجبرة من الله تعالى يكلف العبد ما لا قدرة له عليه و قوله فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ و لو جاز تكليف ما لا يطاق لجاز أن يكلف الأعمى النظر و المقعد المشي و لجاز أن يكلفنا الطيران و لو جاز ذلك لجاز أن يكلف الأشجار و الأحجار و النبات و الجماد-
و سئل الرضا ع فقيل له هل يكلف الله العباد ما لا يطيقون فقال الله أعدل من ذلك فقيل هل يستطيعون أن يفعلوا ما لم يقدر لهم فقال هم أعجز عن ذلك.
الصاحب
لو كلف العبد بلا استطاعة
ما ذم من أبدى له امتناعه
و لا أقام للعباد الساعة
أف لهذا القول من شناعة
قوله سبحانه وَ لا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ أي ما يشتد كلفته من العبادات المتعبة يقال و الله ما أستطيع النظر إليك و لا أطيق الاكتحال برؤيتك مع أنه يراه يدل عليه قوله- وَ لا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً و لا تحملنا من العذاب ما لا طاقة لنا به في الدار الدنيا و إنه كلام مبهم ليس فيه دلالة على شيء. الصاحب
قالت أ يلزم نفسا فوق طاقتها
فقلت حاشاه هذا فعل ذي خبل
قالت يشاء معاصينا و يؤثرها
فقلت لو شاها لم نخش من زلل
قوله سبحانه إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً لم يرد نفي القدرة و إنما أراد ثقله عليه لقوله- وَ كَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً و يقتضي أنه لا يستطيع الصبر في المستقبل لأن لن إذا دخلت أفادت الاستقبال و لم يرد به نفي قدرته عن الصبر لقوله وَ كَيْفَ تَصْبِرُ و لا يدل على أنه غير مستطيع الصبر في الحال و قد يجوز أن يخرج في المستقبل من أن يستطيع ما هو في الحال مستطيع له غير أن الآية يقتضي خلاف ذلك لأنه قد صبر عن المسألة عما لا يعرف و مثل ذلك يصعب على النفس و قد استقبل موسى الصبر عن المسألة قوله وَ كَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً و لو لم يكن كما قلنا لقال و كيف تصبر و أنت مطيق الصبر و قوله لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً أي إن الصبر ثقل على طبعك كما يقال للمريض إنك لا تستطيع الصيام و يعبر بالاستطاعة عن الفعل- هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا .
قوله سبحانه أَ فَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَ ليس فيها أنهم صم و أنهم لا يعقلون و إنما فيه أن النبي ع لا يسمع و إن كانوا يعقلون أوقاتا.
قوله سبحانه ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ الظاهر يقتضي نفي استطاعتهم السمع و البصر و ليس بفعل للعبد و لا يصح أن يكون له قدرة عليه و قد ذمهم بأنهم لا يستطيعون كالأعمى و الأصم و الأعمى و الأصم لا يستحقان الذم على كونهما أعمى و أصم و السمع و البصر ليس بمعنى فيكون مقدورا لأن الإدراك ليس بمعنى و لو ثبت أنه معنى لكان غير مقدور للعبد من حيث يختص القديم تعالى بالقدرة عليه هذا إذا أريد به نفس الحاسة و هي غير مقدورة للعباد لأن الجواهر و ما يختص به الحواس من البينة مما يصح به الإدراك ما يتفرد القديم تعالى بالقدرة عليه و لم يرد الله تعالى نفي الاستطاعة و إنما أراد بها نفي القبول عنهم و استثقالهم له كقول القائل ما أستطيع أن أسمع كلام فلان و لا يستطيع فلان أن يراني و لا أن يسمع بذكري و قوله لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً أي يستثقلون و يقول من يكلف غيره أمرا يستطيع أن يذهب بي إلى موضع كذا كما حكى الله تعالى عن الحواريين هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ فهم لم يشكوا في أن الله تعالى قادر فلو شكوا لكانوا كفارا و لكن أرادوا هل ينزل علينا مائدة.
قوله سبحانه لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ يدل على فساد قول المجبرة في الاستطاعة لأن الله تعالى إذا عذر من لا يستطيع للمخافة كان لا يستطيع لعدم القدرة أعذر.
قوله سبحانه ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ فإنه جعل ذلك مثلا و لم يخبر أن جميع الناس كذلك فقال إذا كان عبدا لا يقدر على الإنفاق هل يستوي هو و من يقدر على الإنفاق و أنفق و في الظاهر نفى القدرة عنه أصلا و لا تقول القوم بذلك و أخبر أن الآخر يقدر على الإنفاق فهو ينفق منه سرا و جهرا و ذلك خلاف قولهم.
قوله سبحانه انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا ليس فيه ذكر الشيء الذي لا يقدرون عليه و لا بيان له و إنما يصح ما قالوه لو بين أنهم لا يستطيعون سبيلا لأمر معين فأما ما لم يذكر ذلك فلا متعلق لهم على أن السبيل مما لا يستطاع فلا بد له من ترك الظاهر فسقط التعلق و المراد بالآية أنهم لأجل ضلالهم بضرب المثل و كفرهم لا يستطيعون سبيلا إلى الخير الذي هو النجاة من العقاب و الوصول إلى الثواب و المراد بنفي الاستطاعة أنهم مستثقلون الإيمان و قد يخبر عمن استثقل شيئا بأنه لا يستطيعه.
قوله سبحانه الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَ كانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً الظاهر أن أولئك لم يستطيعوا السمع الذي هو إدراك الصوت.
قوله سبحانه سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ يعني بالأيمان الكاذبة- وَ اللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ أي يستطيعون فلا يفعلون أو لو استطاعوا ما فعلوا فلو كانت الاستطاعة مع الفعل لكانوا لعجزة و كانوا صادقين.
قوله سبحانه مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا يدل على أن الاستطاعة قبل الفعل لأن الله تعالى أوجب الحج على المستطيع و من لا يستطيع لا يجب عليه و ذلك لا يكون إلا قبل فعل الحج و قيل أي من وجد الزاد و الراحلة و نحوهما و الاستطاعة بالسمع لا يصح للخصم فيه التعلق لأن من جوز تكليف الله تعالى الكافر الإيمان و هو لا يقدر عليه لا يمكنه العلم بنفي القبائح عن الله تعالى و إذا لم يمكن ذلك يلزمه تجويز القبائح في أفعاله و أخباره و لا نأمن أن يرسل كذابا و إن يخبر هو بالكذب تعالى عن ذلك.
قوله سبحانه يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَ يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ إلى قوله وَ هُمْ سالِمُونَ و السالم غير العاجز فلو كانت الاستطاعة مع الفعل لكانوا عجزة إذا لم يفعلوا لأن الفعل معدوم و إذا عدم الفعل عدمت الاستطاعة لأنها معه.
قوله سبحانه إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ الظاهر يقتضي التماس المعونة من قبله و لا يدل على تحصيل المعونة بالأمور المعينة على الطاعة نحو الصحة و الخواطر و التنبيه و الدواعي و غير ذلك فثبت أن الاستطاعة قبل القدرة و لا يدل على أن القدرة مع الفعل لأن الرغبة في ذلك تحتمل أن يسأل الله تعالى من ألطافه و ما يقوي دواعيه و يسهل الفعل عليه ما ليس بحاصل و متى لطف له بأن يعلمه أن له في عاقبته الثواب العظيم زاد ذلك في رغبته و أيضا فإنه يطلب بقاء كونه قادرا على طاعاته المستقبلة بأن يجدد له القدرة حالا بعد حال عند من لا يقول ببقائها أو لا يفعل ما يضادها و بنفيها عند من قال ببقائها.
قوله سبحانه فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا يدل على أنه قادر قبل أن يفعل.
قوله سبحانه وَ الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ إلى قوله فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً
أمر الله تعالى أن يحكم على المستطيع بصيام شهرين متتابعين و إنما يلزمه ذلك بعد العجز عن العتق و الصوم فثبت أن الاستطاعة قبل الفعل.
قوله سبحانه سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِراً لا يدل على أن القدرة مع الفعل لأنه أخبر أنه سيكون صابرا.
قوله سبحانه خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ قال أبو علي أي القدرة التي خلقتها فيكم و في ذلك دلالة على أن القدرة قبل الفعل.
قوله سبحانه وَ إِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ يدل على أن القدرة قبل الفعل أ لا ترى أنه أخبر بأنه قوي عليه و لم يجئ بعد بالعرش و قال بخاري لمحمد بن سويد أ تقول إن الاستطاعة قبل الفعل و ما من عامي إلا و يعلم خلاف قولك فقال بل يعلم خلاف قولك فانظر فدعا بحمال فقال إن هذا يزعم أنك لا تستطيع حمل هذا الكوز فشتم الحمال لمن يقول هذا- الوزير الآبي
ما كلف الإنسان ما لم يطق
هل كلف الأخرس المنطق
أو كلف الأعمى انتقاد الدر
أو الأصم سمع صوت الذر
قوله سبحانه وَ عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ و هذا أقبح من تكليف ما لا يطاق الجواب ظاهر الآية إن كان أمرا يقتضي التعلق بشرط هو كونهم صادقين عالمين بأنهم إذا أخبروا عن ذلك صدقوا فكأنه قال خبروا بذلك إن علمتموه و متى رجعوا إلى أنفسهم فلم يعلموا فلا تكليف عليهم و قيل أنبئوني و إن كان ظاهره ظاهر أمر على الحقيقة بل المراد به على التقرير و التنبيه على مكان الحجة و إن الله تعالى لما قال للملائكة- إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً إلى قوله وَ نُقَدِّسُ لَكَ قال لهم إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ أي أطلع على مصالحكم ثم أراد التنبيه على أنه لا يمتنع أن يكون غير الملائكة مع أنها تسبح و
تقدس و تطيع و لا تعصي أولا بالاستخلاف في الأرض و إذا كان في ذريته من يفسد و يسفك الدماء فعلم آدم جميع أسماء الأجناس أو أكثرها ثم قال أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ مقررا لهم و دالا على اختصاص آدم بما لم يخصوا به فلما اعترفوا بذلك قال لهم تعالى- أَ لَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ أَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ
أيا رب ما حملتني فوق طاقتي
و حوشيت من تكليف ما لا أطيقه
فصل [في القلب]
قوله تعالى- فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها و قوله صِبْغَةَ اللَّهِ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً
و روي عن النبي ع كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه و ينصرانه و يمجسانه.
الخبر تكلم الناس في ذلك فروي أنه قال التوحيد و قال أبو عبيد- صِبْغَةَ اللَّهِ دين الله و فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها و قال ابن قتيبة يعني بذلك حديث الذر في الأصلاب و قال الجبرية أي خلق على كفر أو على إيمان و قال محمد بن الحسن كان هذا في أول الإسلام قبل أن أمر الناس بالجهاد و الفطرة في اللغة هو الابتداء يقال فطر ناب البعير و قال مجاهد في قوله- السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ أي منشق و قال غيره فاطِرِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ أي مبتدعهما فيكون معنى الآية و الخبر كل مولود يولد على الفطرة أي ابتداء الخلقة كان الله تعالى لما ابتدأهم و ابتدعهم فطرهم على العبودية له و نهاهم أن يعبدوا غيره يدل عليه ما بعد الآية- لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ و يؤيده قوله وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ فمنهم من اهتدى و منهم من ضل من نفسه أو من غيره و قال الفراء سميت صبغة الله لأن اليهود و النصارى كانوا يصبغون أولادهم فيقول الله عز و جل الزموا صبغة الله و قال بعضهم كانت النصارى إذا أتى على أولادهم سبع سنين صبغوه في ماء نهر الأردن و كان ذلك لهم بمنزلة الختان للمسلمين و تزعم النصارى أن المسيح صبغه يوحنا المعمودان و كان يسمى هذا الفعل المعمودية- ابن حماد
يقولون في الله غير الجميل
فقد ألحدوا فيه ما وحدوه
يولونه قبح أفعالهم
تنزه عنها العلي النزيه
و قالوا يعذبنا في المعاد
على فعله جل من جوزوه
قوله سبحانه خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَ عَلى سَمْعِهِمْ وَ عَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ -
الختم في الشاهد غير مانع من الإيمان لأنه يفك المختوم من الكتب و التكيس و يحمل منه و إنما هو علامة يعرف بها تناول المختوم عليه و المختوم على قلوبهم إما أن يكونوا قادرين على الإيمان قبل الختم أو غير قادرين فإن كانوا غير قادرين استحال المنع و إن كانوا قادرين عليه قبل فهم في حال الختم قادرين و قيل خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ أي يشهد عليها بأنها لا تقبل الحق يقول القائل أراك تختم على كل ما يقوله فلان أي تشهد به و تصدقه و قد ختمت عليك بأنك لا تعلم أي شهدت و قيل خَتَمَ اللَّهُ إخبار عن تكبرهم و إعراضهم عن الاستماع لما دعوا إليه من الحق كما يقول فلان أصم عن هذا الكلام إذا امتنع عن سماعه و رفع نفسه عن تحمله و يحتمل أن يكون المراد بختم سيختم و يكون الماضي بمعنى المستقبل كقوله وَ نادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ و قيل المعنى في ذلك أنه ذمهم بأنها كالمختوم عليها في أنه لا يدخلها الإيمان و لا يخرج عنها الكفر. قال الشاعر
لقد أسمعت لو ناديت حيا
و لكن لا حياة لمن تنادي .
قوله سبحانه بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها و قوله طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ و قيل معناه إن الله تعالى يجعل نكتة سوداء في قلب المنافق و الكافر لتكون علامة للملائكة يعرفون بها أنه ممن لا يفلح أبدا و قيل أي طبع فيها أثر الذنوب لتعرفها الملائكة فيتبرءوا منهم و لا يبالوهم يستغفروا لهم و قيل المراد بذلك الذم لها بأنها كالمطبوع عليها فلا يدخلها خير و لا ينتفي عنها شر و حال الذم تقتضي صفات المدح قال جرير
السم خير من ركب المطايا
و أندى العالمين بطون راح
و بعد فإن الطبع وقع بنفس الكفر فقال بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ و الخصم لا يقول بذلك و يكون معنى الطبع و الختم العلامة المميزة بين الكافر و المؤمن و المنع أنما يصح في القادر لأن من ليس بقادر على الشيء غير معقول.