کتابخانه روایات شیعه
قوله سبحانه مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا يدل على أن الاستطاعة قبل الفعل لأن الله تعالى أوجب الحج على المستطيع و من لا يستطيع لا يجب عليه و ذلك لا يكون إلا قبل فعل الحج و قيل أي من وجد الزاد و الراحلة و نحوهما و الاستطاعة بالسمع لا يصح للخصم فيه التعلق لأن من جوز تكليف الله تعالى الكافر الإيمان و هو لا يقدر عليه لا يمكنه العلم بنفي القبائح عن الله تعالى و إذا لم يمكن ذلك يلزمه تجويز القبائح في أفعاله و أخباره و لا نأمن أن يرسل كذابا و إن يخبر هو بالكذب تعالى عن ذلك.
قوله سبحانه يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَ يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ إلى قوله وَ هُمْ سالِمُونَ و السالم غير العاجز فلو كانت الاستطاعة مع الفعل لكانوا عجزة إذا لم يفعلوا لأن الفعل معدوم و إذا عدم الفعل عدمت الاستطاعة لأنها معه.
قوله سبحانه إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ الظاهر يقتضي التماس المعونة من قبله و لا يدل على تحصيل المعونة بالأمور المعينة على الطاعة نحو الصحة و الخواطر و التنبيه و الدواعي و غير ذلك فثبت أن الاستطاعة قبل القدرة و لا يدل على أن القدرة مع الفعل لأن الرغبة في ذلك تحتمل أن يسأل الله تعالى من ألطافه و ما يقوي دواعيه و يسهل الفعل عليه ما ليس بحاصل و متى لطف له بأن يعلمه أن له في عاقبته الثواب العظيم زاد ذلك في رغبته و أيضا فإنه يطلب بقاء كونه قادرا على طاعاته المستقبلة بأن يجدد له القدرة حالا بعد حال عند من لا يقول ببقائها أو لا يفعل ما يضادها و بنفيها عند من قال ببقائها.
قوله سبحانه فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا يدل على أنه قادر قبل أن يفعل.
قوله سبحانه وَ الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ إلى قوله فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً
أمر الله تعالى أن يحكم على المستطيع بصيام شهرين متتابعين و إنما يلزمه ذلك بعد العجز عن العتق و الصوم فثبت أن الاستطاعة قبل الفعل.
قوله سبحانه سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِراً لا يدل على أن القدرة مع الفعل لأنه أخبر أنه سيكون صابرا.
قوله سبحانه خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ قال أبو علي أي القدرة التي خلقتها فيكم و في ذلك دلالة على أن القدرة قبل الفعل.
قوله سبحانه وَ إِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ يدل على أن القدرة قبل الفعل أ لا ترى أنه أخبر بأنه قوي عليه و لم يجئ بعد بالعرش و قال بخاري لمحمد بن سويد أ تقول إن الاستطاعة قبل الفعل و ما من عامي إلا و يعلم خلاف قولك فقال بل يعلم خلاف قولك فانظر فدعا بحمال فقال إن هذا يزعم أنك لا تستطيع حمل هذا الكوز فشتم الحمال لمن يقول هذا- الوزير الآبي
ما كلف الإنسان ما لم يطق
هل كلف الأخرس المنطق
أو كلف الأعمى انتقاد الدر
أو الأصم سمع صوت الذر
قوله سبحانه وَ عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ و هذا أقبح من تكليف ما لا يطاق الجواب ظاهر الآية إن كان أمرا يقتضي التعلق بشرط هو كونهم صادقين عالمين بأنهم إذا أخبروا عن ذلك صدقوا فكأنه قال خبروا بذلك إن علمتموه و متى رجعوا إلى أنفسهم فلم يعلموا فلا تكليف عليهم و قيل أنبئوني و إن كان ظاهره ظاهر أمر على الحقيقة بل المراد به على التقرير و التنبيه على مكان الحجة و إن الله تعالى لما قال للملائكة- إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً إلى قوله وَ نُقَدِّسُ لَكَ قال لهم إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ أي أطلع على مصالحكم ثم أراد التنبيه على أنه لا يمتنع أن يكون غير الملائكة مع أنها تسبح و
تقدس و تطيع و لا تعصي أولا بالاستخلاف في الأرض و إذا كان في ذريته من يفسد و يسفك الدماء فعلم آدم جميع أسماء الأجناس أو أكثرها ثم قال أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ مقررا لهم و دالا على اختصاص آدم بما لم يخصوا به فلما اعترفوا بذلك قال لهم تعالى- أَ لَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ أَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ
أيا رب ما حملتني فوق طاقتي
و حوشيت من تكليف ما لا أطيقه
فصل [في القلب]
قوله تعالى- فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها و قوله صِبْغَةَ اللَّهِ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً
و روي عن النبي ع كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه و ينصرانه و يمجسانه.
الخبر تكلم الناس في ذلك فروي أنه قال التوحيد و قال أبو عبيد- صِبْغَةَ اللَّهِ دين الله و فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها و قال ابن قتيبة يعني بذلك حديث الذر في الأصلاب و قال الجبرية أي خلق على كفر أو على إيمان و قال محمد بن الحسن كان هذا في أول الإسلام قبل أن أمر الناس بالجهاد و الفطرة في اللغة هو الابتداء يقال فطر ناب البعير و قال مجاهد في قوله- السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ أي منشق و قال غيره فاطِرِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ أي مبتدعهما فيكون معنى الآية و الخبر كل مولود يولد على الفطرة أي ابتداء الخلقة كان الله تعالى لما ابتدأهم و ابتدعهم فطرهم على العبودية له و نهاهم أن يعبدوا غيره يدل عليه ما بعد الآية- لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ و يؤيده قوله وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ فمنهم من اهتدى و منهم من ضل من نفسه أو من غيره و قال الفراء سميت صبغة الله لأن اليهود و النصارى كانوا يصبغون أولادهم فيقول الله عز و جل الزموا صبغة الله و قال بعضهم كانت النصارى إذا أتى على أولادهم سبع سنين صبغوه في ماء نهر الأردن و كان ذلك لهم بمنزلة الختان للمسلمين و تزعم النصارى أن المسيح صبغه يوحنا المعمودان و كان يسمى هذا الفعل المعمودية- ابن حماد
يقولون في الله غير الجميل
فقد ألحدوا فيه ما وحدوه
يولونه قبح أفعالهم
تنزه عنها العلي النزيه
و قالوا يعذبنا في المعاد
على فعله جل من جوزوه
قوله سبحانه خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَ عَلى سَمْعِهِمْ وَ عَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ -
الختم في الشاهد غير مانع من الإيمان لأنه يفك المختوم من الكتب و التكيس و يحمل منه و إنما هو علامة يعرف بها تناول المختوم عليه و المختوم على قلوبهم إما أن يكونوا قادرين على الإيمان قبل الختم أو غير قادرين فإن كانوا غير قادرين استحال المنع و إن كانوا قادرين عليه قبل فهم في حال الختم قادرين و قيل خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ أي يشهد عليها بأنها لا تقبل الحق يقول القائل أراك تختم على كل ما يقوله فلان أي تشهد به و تصدقه و قد ختمت عليك بأنك لا تعلم أي شهدت و قيل خَتَمَ اللَّهُ إخبار عن تكبرهم و إعراضهم عن الاستماع لما دعوا إليه من الحق كما يقول فلان أصم عن هذا الكلام إذا امتنع عن سماعه و رفع نفسه عن تحمله و يحتمل أن يكون المراد بختم سيختم و يكون الماضي بمعنى المستقبل كقوله وَ نادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ و قيل المعنى في ذلك أنه ذمهم بأنها كالمختوم عليها في أنه لا يدخلها الإيمان و لا يخرج عنها الكفر. قال الشاعر
لقد أسمعت لو ناديت حيا
و لكن لا حياة لمن تنادي .
قوله سبحانه بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها و قوله طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ و قيل معناه إن الله تعالى يجعل نكتة سوداء في قلب المنافق و الكافر لتكون علامة للملائكة يعرفون بها أنه ممن لا يفلح أبدا و قيل أي طبع فيها أثر الذنوب لتعرفها الملائكة فيتبرءوا منهم و لا يبالوهم يستغفروا لهم و قيل المراد بذلك الذم لها بأنها كالمطبوع عليها فلا يدخلها خير و لا ينتفي عنها شر و حال الذم تقتضي صفات المدح قال جرير
السم خير من ركب المطايا
و أندى العالمين بطون راح
و بعد فإن الطبع وقع بنفس الكفر فقال بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ و الخصم لا يقول بذلك و يكون معنى الطبع و الختم العلامة المميزة بين الكافر و المؤمن و المنع أنما يصح في القادر لأن من ليس بقادر على الشيء غير معقول.
قوله سبحانه إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَ زِدْناهُمْ هُدىً. وَ رَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ الربط هو الشد في الأصل و لا تعلق بذلك في باب الإيمان و ليس فيه ما به ربط على قلوبهم و إنما فيه الإخبار عن الربط.
قوله سبحانه وَ جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَ فِي آذانِهِمْ وَقْراً لا تعلق للخصم فيه لأنهم لما عدلوا عن الحق جعلت الأكنة على قلوبهم و الوقر في آذانهم عقوبة لهم لاختيارهم ذلك و أنه قال أَنْ يَفْقَهُوهُ و لم يقل لئلا يفقهوه و هذا عدول عن الظاهر و الكن على القلب و الوقر في الأذن غير مانعين من الإيمان لأن الغطاء المسمى الخلب هو في البطن و له غطاء و الصم آكد من الوقر و قد يؤمن الأصم و لا مانع هناك لقوله- وَ ما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا و نحوها.
قوله سبحانه لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ. إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ. وَ جَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا الآية المنع من الإيمان لا يصح على مذهبهم و إنما صح على مذهب من قال بالاختيار و الجري على الظاهر غير موجب المنع من الإيمان لأن المغلول و المأخوذ عليه يؤمن و ما ذكره جرى على جهة الذم لهم و التوبيخ و إنهم من حيث أعرضوا عن الإيمان لم ينتفعوا بالآيات الدالة على الحق يشهد بذلك قوله عقيب الآية بلا فصل- سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ و عقيب الآية الثانية وَ إِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً ثم إن المراد بهذه الآيات وصف حالهم في الآخرة فقوله في الأغلال و السلاسل كقوله خُذُوهُ فَغُلُّوهُ و قوله إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَ السَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ و قال السدي يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَ الْمُنافِقاتُ إلى قوله مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ قال وَ نَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَ بُكْماً وَ صُمًّا قال السدي إن ناسا من قريش هموا بقتل النبي ع فلما جاءوه جعلت أيديهم إلى أعناقهم فلم يستطيعوا أن يبسطوا إليه يده و قال قوم حال الله بينهم و بين ما أرادوه فعبر عن ذلك بأنه غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ و قوله فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ أي بظلمة الليل فهم لا يبصرون النبي ع كما قال وَ إِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَ بَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً .
قوله سبحانه عَلى قُلُوبِهِمْ وَ عَلى سَمْعِهِمْ وَ عَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ ليس فيها أنه
يفعلها الله تعالى في القلب أو يصد بها عن الإيمان و إنما أراد بالغشاوة الفهم للكفر و محبتهم له و لم يقل تعالى إنه جعل على قلوبهم غشاوة بل أخبر أنه كذلك.
قوله سبحانه وَ جَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً أي منعناهم الألطاف التي تنبه المؤمنين.
قوله سبحانه كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ معناه ليس الأمر على ما قالوه بل غلب على قلوبهم يقال رانت الخمر على عقله ترين رينا إذا سكر فغلب على عقله فالرين غلبة الشك على القلب قال أبو زبيد الطائي-
ثم لما رآه رانت به الخمر
و أن لا يرينه باتقاء
و قال الحسن و قتادة الرين الذنب على الذنب حتى يموت القلب و قيل معنى ران غطى و غشي قال البلخي و في ذلك دلالة على ما يقوله أهل العدل لأن الله تعالى أخبرهم أنهم الذين يجعلون الرين على قلوبهم.
قوله سبحانه فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً قالوا إذا كان الله هو الذي ألف بين قلوبهم و أنقذهم من النار صح أن أفعال الخلق خلق له قلنا لا يجب ذلك لأنا نقول إن النبي ع ألف بين قلوب العرب فأنقذهم من النار و لا يجب ذلك أن يكون أفعالهم أفعالا للنبي ع و لا مشاركا لهم و معنى فأنقذكم من النار أنه دعاهم إلى الإيمان و رغبهم فلما كان إسلامهم و نجاتهم بمئونته و دعائه كان هو المؤلف لقلوبهم و المنقذ لهم من النار على هذا المعنى لا أنه أنشأ أفعالهم و أحدثها و يجوز أن يقال ألف الله بين الكفار فلم يأتلفوا و أنقذهم فلم يستنقذوا فيفيد ذلك كما قال وَ أَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى .
قوله سبحانه وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ قَلْبِهِ وعدهم بالحيلولة بينهم و
بين قلوبهم و الوعيد لا يقع إلا بما ذكروه و الظاهر يقتضي أن يفرق بين المرء و قلبه حتى لا يتصل أحدهما بالآخر لأن هذا هو حقيقة الحيلولة و ليس للإيمان فيها ذكر يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ قَلْبِهِ بإزالة عقله و إبطاء تمييزه و إن كان حيا يقال لمن فقد عقله و سلب تمييزه إنه بغير قلب قال الله تعالى- إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ قال الشاعر
و لي ألف باب قد عرفت طريقها
و لكن بلا قلب إلى أين أذهب
و بمعنى المبالغة في الإخبار عن قربه من عبيده و إن الضمائر له بادية قوله- وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ و إذا كان عز و جل أعلم بما في قلوبنا منا و يجوز علينا السهو و النسيان و الضلال جاز له أن يقول إنه يحول بيننا و بين قلوبنا لأن كل شيء يحول بين شيئين فهو أقرب إليهما فقد بالغ الله تعالى في صفته القرب و لم يرد به المسافة كما تقول العرب فلان أقرب إلى قلبي و زيد مني قريب يحول بينهما أي يحول بينه و بين ما يدعوه إليه قلبه من القبائح بالأمر و النهي و الوعد و الوعيد لأنا نعلم أنه تعالى لو لم يكلف العاقل مع ما فيه من الشهوة و النفار لم يكن له عن القبيح مانع فكان التكليف حائل بينه و بينه من حيث زجر عن فعله ثم إن المؤمنين كانوا يفكرون في كثرة عددهم فيدخل في قلوبهم الخوف فأعلمهم تعالى أنه يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ قَلْبِهِ بأن يبدله بالخوف أمنا و يبدل عدوهم على ضده- الجبائي يحول بين المرء و بين الانتفاع بقلبه بالموت فلا يمكنه استدراك ما فات و يقوي ذلك مقاله في آخر الآية- وَ أَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ
و هشام بن سالم قال الصادق ع يحول بينه و بين أن يعلم أن الباطل حق.
- ابن زريك و ليس يحول الله بين مكلف و طاعته كلا و هو شيء من الجبر.
قوله سبحانه لا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا أي وجدناه غافلا متبعا هواه يدل على ذلك قوله- وَ اتَّبَعَ هَواهُ وَ كانَ أَمْرُهُ فُرُطاً و يقال لا تطع من سميناه غافلا أو نسبناه إلى الغفلة كقولك كفرناه أي نسبناه إلى الكفر و يقال أي من تركنا قلبه غفلا و لم نسمه بسمة المؤمنين من الكناية و يكون ترك السمة أصلا علامة أيضا على الكفر.