کتابخانه روایات شیعه
في الطلب خوفا من التعب و يضحك عليه في احتماله التعب هذا مع الغفلة عن الله لتوهم تعوزه في ثاني الحال و ربما لا يكون و في مثله قيل.
و من ينفق الساعات في جمع ماله
مخافة فقر فالذي فعل الفقر
وَ قَدْ دَخَلَ ابْنَا خَالِدٍ عَلَى النَّبِيِّ ص فَقَالَ لَا تَأْيَسَا 473 مِنَ الرِّزْقِ مَا تَهَزْهَزَتْ رَءُوسُكُمَا فَإِنَّ الْإِنْسَانَ تَلِدُهُ أُمُّهُ أَجَمَ 474 لَيْسَ عَلَيْهِ قِشْرٌ ثُمَّ يَرْزُقُهُ اللَّهُ تَعَالَى
. و لا ينفك الإنسان عن الحرص إلا بحسن الثقة بتدبير الله تعالى في تقدير أرزاق العباد فإن ذلك يصل لا محالة مع الإجمال في الطلب بل يجب أن تعلم أن رزق العبد من حيث لا يحتسب أكثر قال الله تعالى وَ مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَ يَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ 475 فإذا انسد عليه باب كان ينتظر الرزق منه فلا ينبغي أن يضطرب قلبه لأجله
قَالَ النَّبِيُّ ص أَبَى اللَّهُ أَنْ يَرْزُقَ عَبْدَهُ الْمُؤْمِنَ إِلَّا مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ
وَ قَالَ بَعْضُهُمْ اتَّقِ اللَّهَ فَمَا رَأَيْتُ تَقِيّاً مُحْتَاجاً
أي لا يترك التقي فاقدا لضرورته يلقى الله في قلوب المسلمين أن يوصلوا إليه رزقه 476 .
وَ قَالَ بَعْضُهُمْ قُلْتُ لِأَعْرَابِيٍّ أَيْنَ مَعَاشُكَ قَالَ بِرَدِّ الْحَاجِّ قُلْتُ فَإِذَا صَدَرَ فَاتَكَ فَبَكَى 477 وَ قَالَ لَوْ لَمْ نَعِشْ إِلَّا مِنْ حَيْثُ نَدْرِي لَمْ نَعِشْ.
فهذا ينبغي أن يعرف لدفع تخويف الشيطان و إنذاره الفقر و ينبغي أن يعرف ما في القناعة من عز الاستغناء و ما في الطمع و الحرص من الذل فإذا تحقق هذا عند ذلك
انبعثت رغبته إلى القناعة لأنه في الحرص لا يخلو من تعب و في التعب لا يخلو من ذل و ليس في القناعة إلا ألم الصبر عن شهوات الفضول و هذا ألم لا يطلع عليه أحد و فيه ثواب الآخرة ثم يقويه عز النفس و القدرة على متابعة الحق فإن من كثر طمعه و حرصه كثرت حاجته إلى الناس و من كثرت حاجته إلى الناس ذلت نفسه و هلك دينه و من لا يؤثر عز النفس على شهوة البطن فهو ركيك العقل ناقص الإيمان.
قَالَ النَّبِيُّ ص عِزُّ الْمُؤْمِنِ اسْتِغْنَاؤُهُ عَنِ النَّاسِ
و في القناعة الحرية و العز.
قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٌّ ع اسْتَغْنِ عَمَّنْ شِئْتَ فَأَنْتَ نَظِيرُهُ وَ احْتَجْ إِلَى مَنْ شِئْتَ فَأَنْتَ أَسِيرُهُ وَ أَحْسِنْ إِلَى مَنْ شِئْتَ فَأَنْتَ أَمِيرُهُ
. و ينبغي له أن يكثر تأمله في تنعم اليهود و النصارى و أراذل الناس و الحمقى من الأكراد و الأعراب و من لا دين لهم و لا عقل ثم ينظر إلى أحوال الأتقياء و الصالحين و يستمع أحاديثهم و يطالع أحوالهم و يخير عقله بين أن يكون على مشابهة أراذل الخلق أو على الاقتداء بمن هو أعز أصناف الخلق على الله تعالى حتى يهون عليه بذلك الصبر على القليل و القناعة باليسير فإنه إن تنعم في البطن فالحمار أكثر أكلا منه و إن تنعم في الوقاع فالخنزير أعلى رتبة منه و إن تزين في الملبس و الخيل ففي اليهود من هو أعلى رتبة منه و إن قنع بالقليل و رضي به لم يساهمه في رتبته إلا الأولياء و الأنبياء. و يعلم أن في جمع المال من الخطر كما ذكرناه من آفات المال مع ما يفوته من المقام في الموقف للحساب و يدخل الفقراء قبله الجنة بخمسمائة عام فإنه إذا لم يقنع بما يكفيه التحق بزمرة الأغنياء و أخرج من جريدة الفقراء فإذا أراد أن يتم له ذلك فلينظر أبدا إلى من هو دونه في الدنيا لا إلى من هو فوقه فإن الشيطان أبدا يصرف نظره إلى من هو فوقه فيقول له لم تفتر عن الطلب و أرباب الأموال يتنعمون في المطاعم و الملابس و يصرف نظره في الدين إلى من هو دونه فيقول و لم تضيق على نفسك و تخاف و فلان أعلم منك و هو لا يخاف و الناس كلهم مشغولون بالتنعم فلم تريد أن تميز عنهم.
وَ قَالَ أَبُو ذَرٍّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَوْصَانِي خَلِيلِي أَنْ أَنْظُرَ إِلَى مَنْ هُوَ دُونِي لَا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقِي
أي في الدنيا
وَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص إِذَا نَظَرَ أَحَدُكُمْ إِلَى مَنْ فَضَّلَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ فِي الْمَالِ وَ الْخَلْقِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلُ مِنْهُ مِمَّنْ فَضَّلَ عَلَيْهِ
. فبهذه الأمور يقدر على اكتساب خلق القناعة و عماد الأمر الصبر و قصر الأمل و أن يعلم أن غاية صبره في الدنيا أيام قلائل ليتمتع دهورا طويلة لا انتهاء لها كما قال الله تعالى خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ فيكون كالمريض الذي يصبر على مرارة الدواء لشدة طعمه في انتظار الشفاء
بيان فضيلة السخاء
اعلم أن المال إن كان مفقودا فينبغي أن يكون حال العبد القناعة و قلة الحرص و إن كان موجودا فينبغي بذله في الله و يكون حاله الإيثار و السخاء و التباعد من الشح و البخل فإن السخاء من أخلاق الأنبياء و هو أصل من أصول النجاة
وَ عَنِ النَّبِيِّ ص أَنَّهُ قَالَ السَّخَاءُ شَجَرَةٌ مِنْ شَجَرِ الْجَنَّةِ مُتَدَلِّيَةٌ إِلَى الْأَرْضِ مَنْ أَخَذَ مِنْهَا غُصْناً قَادَهُ ذَلِكَ الْغُصْنُ إِلَى الْجَنَّةِ
وَ قَالَ جَابِرٌ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص قَالَ جَبْرَئِيلُ ع قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إِنَّ هَذَا دِينٌ ارْتَضَيْتُهُ لِنَفْسِي وَ لَنْ يُصْلِحَهُ إِلَّا السَّخَاءُ وَ حُسْنُ الْخُلُقِ فَأَكْرِمُوهُ بِهِمَا مَا اسْتَطَعْتُمْ وَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى فَأَكْرِمُوهُ بِهِمَا مَا صَحِبْتُمُوهُ
وَ عَنْهُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَ سَلَامُهُ مَا جَبَلَ اللَّهُ تَعَالَى أَوْلِيَاءَهُ إِلَّا عَلَى السَّخَاءِ وَ حُسْنِ الْخُلُقِ
وَ عَنْ جَابِرٍ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْإِيمَانِ أَفْضَلُ قَالَ الصَّبْرُ وَ السَّمَاحَةُ
وَ قَالَ خُلْقَانِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ وَ خُلْقَانِ يُبْغِضُهُمَا اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ فَأَمَّا اللَّذَانِ يُحِبُّهُمَا فَحُسْنُ الْخُلُقِ وَ السَّخَاءُ وَ أَمَّا اللَّذَانِ يُبْغِضُهُمَا فَسُوءُ الْخُلُقِ وَ الْبُخْلُ
وَ عَنْ بَعْضِهِمْ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ قَالَ إِنَّ مِنْ مُوجِبَاتِ الْمَغْفِرَةِ بَذْلَ الطَّعَامِ وَ إِفْشَاءَ السَّلَامِ وَ حُسْنَ الْكَلَامِ
وَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص السَّخَاءُ شَجَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ فَمَنْ كَانَ
سَخِيّاً أَخَذَ بِغُصْنٍ مِنْ أَغْصَانِهَا فَلَمْ يَتْرُكْهُ ذَلِكَ الْغُصْنُ حَتَّى يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ وَ الشُّحُّ شَجَرَةٌ فِي النَّارِ فَمَنْ كَانَ شَحِيحاً أَخَذَ بِغُصْنٍ مِنْ أَغْصَانِهَا حَتَّى يُدْخِلَهُ النَّارَ
وَ قَالَ ص تَجَافَوْا عَنْ ذَنْبِ السَّخِيِّ فَإِنَّ اللَّهَ آخِذٌ بِيَدِهِ كُلَّمَا عَثَرَ وَ فَاتِحٌ لَهُ كُلَّمَا افْتَقَرَ
وَ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ الرِّزْقُ إِلَى مُطْعِمِ الطَّعَامِ أَسْرَعُ مِنَ السِّكِّينِ إِلَى ذِرْوَةِ الْبَعِيرِ وَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُبَاهِي بِمُطْعِمِ الطَّعَامِ الْمَلَائِكَةَ
وَ قَالَ إِنَّ السَّخِيَّ قَرِيبٌ مِنَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ النَّاسِ قَرِيبٌ مِنَ الْجَنَّةِ بَعِيدٌ مِنَ النَّارِ وَ إِنَّ الْبَخِيلَ بَعِيدٌ مِنَ اللَّهِ بَعِيدٌ مِنَ النَّاسِ بَعِيدٌ مِنَ الْجَنَّةِ قَرِيبٌ مِنَ النَّارِ
بيان ذم البخل
قال الله تعالى وَ مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ 478 . و قال تعالى وَ لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ 479 . و قال تعالى الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَ يَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَ يَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ 480
وَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص إِيَّاكُمْ وَ الشُّحَّ فَإِنَّهُ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَمَلَهُمْ عَلَى أَنْ يَسْفِكُوا دِمَاءَهُمْ وَ يَسْتَحِلُّوا مَحَارِمَهُمْ
وَ قَالَ ص لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بَخِيلٌ وَ لَا خَبٌّ وَ لَا خَائِنٌ وَ لَا سَيِّئُ الْمَلَكَةِ وَ لَا خبال 481 مُخْتَالٌ وَ لَا مَنَّانٌ 482
وَ قَالَ ثَلَاثٌ مُهْلِكَاتٌ الشَّيْخُ الزَّانِي وَ الْبَخِيلُ الْمَنَّانُ وَ الْمُعِيلُ الْمُخْتَالُ
وَ قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْبُخْلِ وَ أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ وَ أَعُوذُ بِكَ أَنْ أُرَدَّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص أَقْسَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِعِزَّتِهِ وَ عَظَمَتِهِ وَ جَلَالِهِ لَا يُدْخِلُ الْجَنَّةَ بَخِيلًا وَ لَا شَحِيحاً
بيان الإيثار
اعلم أن السخاء و البخل كل واحد ينقسم إلى درجات فأرفع درجات السخاء الإيثار و هو أن يجود بالمال مع الحاجة إليه. و أما السخاء عبارة عن بذل ما لا يحتاج إليه لمحتاج أو لغير محتاج و البذل مع الحاجة أشد و كما أن السخاوة قد تنتهي إلى أن يسخو على غيره مع الاحتياج فالبخل قد ينتهي إلى أن يبخل على نفسه مع الحاجة فكم من بخيل يمسك المال و يمرض فلا يتداوى ثم يشتهي الشهوة 483 فلا يمنعه منها إلا البخل بالثمن و لو وجده مجانا لأكله فهذا يبخل على نفسه مع الحاجة و ذلك يؤثر على نفسه مع أن له حاجة إلى ذلك فانظر ما بين الرجلين فإن الأخلاق عطايا يضعها الله حيث يشاء و ليس بعد الإيثار درجة في السخاء و قد أثنى الله تعالى على المؤثرين فقال وَ يُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ 484 -.
وَ قَالَ أَيُّمَا امْرِئٍ اشْتَهَى شَهْوَةً فَرَدَّ شَهْوَتَهُ وَ آثَرَ عَلَى نَفْسِهِ غُفِرَ لَهُ
وَ قَالَتْ عَائِشَةُ مَا شَبِعَ رَسُولُ اللَّهِ ص ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مُتَوَالِيَةً حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا وَ لَوْ شَاءَ لَشَبِعَ وَ لَكِنَّهُ كَانَ يُؤْثِرُ عَلَى نَفْسِهِ
وَ نَزَلَ بِرَسُولِ اللَّهِ ص ضَيْفٌ فَلَمْ يَجِدْ عِنْدَ أَهْلِهِ شَيْئاً فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَذَهَبَ بِهِ إِلَى أَهْلِهِ فَوَضَعَ بَيْنَ يَدَيْهِ الطَّعَامَ وَ أَمَرَ امْرَأَتَهُ بِإِطْفَاءِ السِّرَاجِ وَ جَعَلَ
يَمُدُّ يَدَهُ إِلَى الطَّعَامِ كَأَنَّهُ يَأْكُلُ حَتَّى أَكَلَ الضَّيْفُ الطَّعَامَ فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ص قَدْ عَجِبَ اللَّهُ مِنْ صَنِيعِكُمْ بِضَيْفِكُمْ وَ نَزَلَتْ وَ يُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ
فالسخاء خلق من أخلاق الله تعالى و الإيثار أعلى درجات السخاء و كان ذلك من دأب رسول الله ص حتى سماه الله عظيما فقال وَ إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ
قَالَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ مُوسَى ع يَا رَبِّ أَرِنِي دَرَجَاتِ مُحَمَّدٍ وَ أُمَّتِهِ قَالَ يَا مُوسَى إِنَّكَ لَنْ تُطِيقَ ذَلِكَ وَ لَكِنْ أُرِيكَ مَنْزِلَةً مِنْ مَنَازِلِهِ جَلِيلَةً عَظِيمَةً فَضَّلْتُهُ بِهَا عَلَيْكَ وَ عَلَى جَمِيعِ خَلْقِي قَالَ فَكَشَفَ لَهُ عَنْ مَلَكُوتِ السَّمَاءِ فَنَظَرَ إِلَى مَنْزِلِهِ كَادَتْ تَتْلَفُ نَفْسُهُ مِنْ أَنْوَارِهَا وَ قُرْبِهَا مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ قَالَ يَا رَبِّ بِمَا ذَا بَلَّغْتَهُ إِلَى هَذِهِ الْكَرَامَةِ قَالَ بِخُلُقٍ اخْتَصَصْتُهُ بِهِ مِنْ بَيْنِهِمْ وَ هُوَ الْإِيثَارُ يَا مُوسَى لَا يَأْتِينِي أَحَدٌ مِنْهُمْ قَدْ عَمِلَ بِهِ وَقْتاً مِنْ عُمُرٍ إِلَّا اسْتَحْيَيْتُ مِنْ مُحَاسَبَتِهِ وَ بَوَّأْتُهُ مِنْ جَنَّتِي حَيْثُ يَشَاءُ
وَ قِيلَ خَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ إِلَى ضَيْعَةٍ لَهُ فَنَزَلَ عَلَى نَخِيلِ قَوْمٍ وَ فِيهَا غُلَامٌ أَسْوَدُ يَعْمَلُ فِيهَا إِذْ أَتَى الْغُلَامُ بِقُوتِهِ وَ دَخَلَ الْحَائِطَ كَلْبٌ فَدَنَا مِنَ الْغُلَامِ فَرَمَى إِلَيْهِ الْغُلَامُ بِقُرْصٍ فَأَكَلَهُ ثُمَّ رَمَى إِلَيْهِ بِالثَّانِي وَ الثَّالِثِ فَأَكَلَهُ وَ عَبْدُ اللَّهِ يَنْظُرُ إِلَيْهِ فَقَالَ يَا غُلَامُ كَمْ قُوتُكَ كُلَّ يَوْمٍ قَالَ مَا رَأَيْتَ قَالَ فَلِمَ آثَرْتَ هَذَا الْكَلْبَ قَالَ مَا هِيَ بِأَرْضِ كِلَابٍ وَ يُوشِكُ أَنَّهُ جَاءَ مِنْ مَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ جَائِعاً فَكَرِهْتُ رَدَّهُ قَالَ فَمَا أَنْتَ صَانِعٌ الْيَوْمَ قَالَ أَطْوِي 485 يَوْمِي هَذَا فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ أُلَامُ عَلَى السَّخَاءِ إِنَّ هَذَا لَأَسْخَى مِنِّي فَاشْتَرَى الْحَائِطَ وَ الْغُلَامَ وَ مَا فِيهِ مِنَ الْأَثَاثِ فَأَعْتَقَ الْغُلَامَ وَ وَهَبَهُ لَهُ.
وَ قَالَ بَعْضُهُمْ أُهْدِي إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ص بِرَأْسِ شَاةٍ فَقَالَ إِنَّ أَخِي كَانَ أَحْوَجَ مِنِّي إِلَيْهِ فَبَعَثَ إِلَيْهِ بِهِ فَلَمْ يَزَلْ يَبْعَثُ بِهِ الْوَاحِدُ إِلَى الْآخَرِ حَتَّى تَدَاوَلَتْهُ سَبْعَةُ أَبْيَاتٍ حَتَّى رَجَعَ إِلَى الْأَوَّلِ
وَ بَاتَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ع عَلَى فِرَاشِ رَسُولِ اللَّهِ ص فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى جَبْرَئِيلَ وَ مِيكَائِيلَ إِنِّي آخَيْتُ بَيْنَكُمَا وَ جَعَلْتُ عُمُرَ الْوَاحِدِ مِنْكُمَا أَطْوَلَ مِنْ عُمُرِ الْآخَرِ فَأَيُّكُمَا يُؤْثِرُ
صَاحِبَهُ بِالْحَيَاةِ فَاخْتَارَ كِلَاهُمَا الْحَيَاةَ فَأَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَيْهِمَا أَ فَلَا كُنْتُمَا مِثْلَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ع آخَيْتُ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ مُحَمَّدٍ ص فَبَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ يَفْدِيهِ بِنَفْسِهِ فَيُؤْثِرُهُ بِالْحَيَاةِ اهْبِطَا إِلَى الْأَرْضِ فَاحْفَظَاهُ مِنْ عَدُوِّهِ فَكَانَ جَبْرَئِيلُ عِنْدَ رَأْسِهِ وَ مِيكَائِيلُ عِنْدَ رِجْلَيْهِ وَ جَبْرَئِيلُ يُنَادِي بَخْ بَخْ مَنْ مِثْلُكَ يَا ابْنَ أَبِي طَالِبٍ يُبَاهِي اللَّهُ بِكَ الْمَلَائِكَةَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَ اللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ 486
بيان علاج البخل
اعلم أن البخل سببه حب المال و لحب المال سببان أحدهما حب الشهوات التي لا وصول إليها إلا بالمال مع طول الأمل فإن الإنسان لو علم أنه يموت بعد مدة قليلة ربما كان لا يبخل بماله إذ القدر الذي يحتاج في يوم أو في شهر أو في سنة قريب. و إن كان قصير الأمل و كان له أولاد قام الولد مقام طول الأمل لأنه يقدر بقاءهم كبقاء نفسه فيمسك لأجلهم
وَ لِذَلِكَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص الْوَلَدُ مَبْخَلَةٌ مَجْنَبَةٌ مَجْهَلَةٌ