کتابخانه روایات شیعه
شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد
فقابل الظلم بالمغفرة و هي مخالفة له ليست مثله و لا ضده و إنما الظلم ضد العدل إلا أنه لما كانت المغفرة قريبة من العدل حسنت المقابلة بينها و بين الظلم و نحو هذا قوله تعالى أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ 1221 فإن الرحمة ليست ضدا للشدة و إنما ضد الشدة اللين إلا أنه لما كانت الرحمة سببا للين حسنت المقابلة بينها و بين الشدة.
و كذلك قوله تعالى إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَ إِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا 1222 فإن المصيبة أخص من السيئة فالتقابل هاهنا من جهة العموم و الخصوص.
الوجه الثاني ما كان بين المقابل و المقابل بعد و ذلك مما لا يحسن استعماله كقول امرأة من العرب لابنها و قد تزوج بامرأة غير محمودة
تربص بها الأيام عل صروفها
سترمي بها في جاحم متسعر 1223
فكم من كريم قد مناه إلهه
بمذمومة الأخلاق واسعة الحر .
فمذمومة ليست في مقابلة واسعة و لو كانت قالت بضيقة الأخلاق كانت المقابلة صحيحة و الشعر مستقيما و كذلك قول المتنبي
لمن تطلب الدنيا إذا لم ترد بها
سرور محب أو مساءة مجرم 1224 .
فالمقابلة الصحيحة بين المحب و المبغض لا بين المحب و المجرم.
قلت إن لقائل أن يقول هلا قلت في هذا ما قلت في السيئة و المصيبة أ لست القائل إن التقابل حسن بين المصيبة و السيئة لكنه تقابل العموم و الخصوص و هذا الموضع مثله أيضا لأن كل مبغض لك مجرم إليك لأن مجرد البغضة جرم ففيهما عموم و خصوص.
بل لقائل أن يقول كل مجرم مبغض و كل مبغض مجرم و هذا صحيح مطرد
29 و من خطبة له ع
أَيُّهَا النَّاسُ الْمُجْتَمِعَةُ أَبْدَانُهُمْ الْمُخْتَلِفَةُ أَهْوَاؤُهُمْ كَلَامُكُمْ يُوهِي الصُّمَّ الصِّلَابَ وَ فِعْلُكُمْ يُطْمِعُ فِيكُمُ الْأَعْدَاءَ تَقُولُونَ فِي الْمَجَالِسِ [مَجَالِسِكُمْ] كَيْتَ وَ كَيْتَ فَإِذَا جَاءَ الْقِتَالُ قُلْتُمْ حِيدِي حَيَادِ مَا عَزَّتْ دَعْوَةُ مَنْ دَعَاكُمْ وَ لَا اسْتَرَاحَ قَلْبُ مَنْ قَاسَاكُمْ أَعَالِيلُ بِأَضَالِيلَ وَ سَأَلْتُمُونِي التَّطْوِيلَ دِفَاعَ ذِي الدَّيْنِ الْمَطُولِ لَا يَمْنَعُ الضَّيْمَ الذَّلِيلُ وَ لَا يُدْرَكُ الْحَقُّ إِلَّا بِالْجِدِّ أَيَّ دَارٍ بَعْدَ دَارِكُمْ تَمْنَعُونَ وَ مَعَ أَيِّ إِمَامٍ بَعْدِي تُقَاتِلُونَ الْمَغْرُورُ وَ اللَّهِ مَنْ غَرَرْتُمُوهُ وَ مَنْ فَازَ بِكُمْ فَقَدْ فَازَ وَ اللَّهِ بِالسَّهْمِ الْأَخْيَبِ وَ مَنْ رَمَى بِكُمْ فَقَدْ رَمَى بِأَفْوَقَ نَاصِلٍ أَصْبَحْتُ وَ اللَّهِ لَا أُصَدِّقُ قَوْلَكُمْ وَ لَا أَطْمَعُ فِي نَصْرِكُمْ وَ لَا أُوعِدُ الْعَدُوَّ بِكُمْ مَا بَالُكُمْ مَا دَوَاؤُكُمْ مَا طِبُّكُمْ الْقَوْمُ رِجَالٌ أَمْثَالُكُمْ أَ قَوْلًا بِغَيْرِ عِلْمٍ [عَمَلٍ] وَ غَفْلَةٍ مِنْ غَيْرِ وَرَعٍ [عِفَّةٍ] وَ طَمَعاً فِي غَيْرِ حَقٍّ.
حيدي حياد كلمة يقولها الهارب الفار و هي نظيرة قولهم فيحي فياح 1225
أي اتسعي و صمي صمام للداهية 1226 و أصلها من حاد عن الشيء أي انحرف و حياد مبنية على الكسر و كذلك ما كان من بابها نحو قولهم بدار أي ليأخذ كل واحد قرنه و قولهم خراج في لعبة للصبيان أي اخرجوا. 1227
الباء في قوله بأضاليل متعلقة بأعاليل نفسها أي يتعللون بالأضاليل التي لا جدوى لها.
و السهم الأفوق المكسور الفوق و هو مدخل الوتر و الناصل الذي لا نصل فيه يخاطبهم فيقول لهم أبدانكم مجتمعة و أهواؤكم مختلفة متكلمون بما هو في الشدة و القوة يوهي الجبال الصم الصلبة و عند الحرب يظهر أن ذلك الكلام لم يكن له ثمرة.
تقولون في المجالس كيت و كيت أي سنفعل و سنفعل و كيت و كيت كناية عن الحديث كما كني بفلان عن العلم و لا تستعمل إلا مكررة و هما مخففان من كية و قد استعملت على الأصل و هي مبنية على الفتح و قد روى أئمة العربية فيها الضم و الكسر أيضا.
فإذا جاء القتال فررتم و قلتم الفرار الفرار.
ثم أخذ في الشكوى فقال من دعاكم لم تعز دعوته و من قاساكم لم يسترح قلبه دأبكم التعلل بالأمور الباطلة و الأماني الكاذبة و سألتموني الإرجاء و تأخر الحرب كمن يمطل بدين لازم له و الضيم لا يدفعه الذليل و لا يدرك الحق إلا بالجد فيه و الاجتهاد و عدم الانكماش.
و باقي الفصل ظاهر المعنى.
و قوله القوم رجال أمثالكم مثل قول الشاعر
قاتلوا القوم يا خزاع و لا
يدخلكم من قتالهم فشل
القوم أمثالكم لهم شعر
في الرأس لا ينشرون إن قتلوا .
و هذه الخطبة خطب بها أمير المؤمنين ع في غارة الضحاك بن قيس و نحن نقصها هنا
غارة الضحاك بن قيس و نتف من أخباره
روى إبراهيم بن محمد بن سعيد بن هلال الثقفي في كتاب الغارات قال كانت غارة الضحاك بن قيس بعد الحكمين و قبل قتال النهروان و ذلك أن معاوية لما بلغه أن عليا ع بعد واقعة الحكمين تحمل إليه مقبلا هاله ذلك فخرج من دمشق معسكرا و بعث إلى كور الشام فصاح بها 1228 أن عليا قد سار إليكم و كتب إليهم نسخة واحدة فقرئت على الناس.
أما بعد فإنا كنا كتبنا كتابا بيننا و بين علي و شرطنا فيه شروطا و حكمنا رجلين يحكمان علينا و عليه بحكم الكتاب لا يعدوانه و جعلنا عهد الله و ميثاقه على من نكث العهد و لم يمض الحكم و إن حكمي الذي كنت حكمته أثبتني و إن حكمه خلعه و قد أقبل إليكم ظالما فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ 1229 تجهزوا للحرب بأحسن الجهاز و أعدوا آلة القتال و أقبلوا خِفافاً وَ ثِقالًا يسرنا الله و إياكم لصالح الأعمال
فاجتمع إليه الناس من كل كورة 1230 و أرادوا المسير إلى صفين فاستشارهم و قال إن عليا قد خرج من الكوفة و عهد العاهد به أنه فارق النخيلة 1231 .
فقال حبيب بن مسلمة فإني أرى أن نخرج حتى ننزل منزلنا الذي كنا فيه فإنه منزل مبارك و قد متعنا الله به و أعطانا من عدونا فيه النصف.
و قال عمرو بن العاص إني أرى لك أن تسير بالجنود حتى توغلها في سلطانهم من أرض الجزيرة فإن ذلك أقوى لجندك و أذل لأهل حربك فقال معاوية و الله إني لأعرف أن الذي تقول كما تقول و لكن الناس لا يطيقون ذلك قال عمرو إنها أرض رفيقة فقال معاوية إن جهد الناس أن يبلغوا منزلهم الذي كانوا به يعني صفين. فمكثوا يجيلون الرأي يومين أو ثلاثة حتى قدمت عليهم عيونهم أن عليا اختلف عليه أصحابه ففارقته منهم فرقة أنكرت أمر الحكومة و أنه قد رجع عنكم إليهم.
فكبر الناس سرورا لانصرافه عنهم و ما ألقى الله عز و جل من الخلاف بينهم فلم يزل معاوية معسكرا في مكانه منتظرا لما يكون من علي و أصحابه و هل يقبل بالناس أم لا فما برح حتى جاء الخبر أن عليا قد قتل أولئك الخوارج و أنه أراد بعد قتلهم أن يقبل بالناس و أنهم استنظروه و دافعوه فسر بذلك هو و من قبله من الناس.
قال و روى ابن أبي سيف 1232 عن يزيد بن يزيد بن جابر عن عبد الرحمن بن مسعدة الفزاري قال جاءنا كتاب عمارة بن عقبة بن أبي معيط و كان بالكوفة مقيما و نحن معسكرون مع معاوية نتخوف أن يفرغ علي من الخوارج ثم يقبل إلينا و نحن نقول إن أقبل إلينا كان أفضل المكان الذي نستقبله به المكان الذي لقيناه فيه العام الماضي فكان في كتاب عمارة بن عقبة أما بعد فإن عليا خرج عليه قراء
أصحابه و نساكهم فخرج إليهم فقتلهم و قد فسد عليه جنده و أهل مصره و وقعت بينهم العداوة و تفرقوا أشد الفرقة و أحببت إعلامك لتحمد الله و السلام.
قال عبد الرحمن بن مسعدة فقرأه معاوية على وجه أخيه عتبة و على الوليد بن عقبة و على أبي الأعور السلمي ثم نظر إلى أخيه عتبة و إلى الوليد بن عقبة و قال للوليد لقد رضي أخوك أن يكون لنا عينا فضحك الوليد و قال إن في ذلك أيضا لنفعا.
و روى أبو جعفر الطبري قال كان عمارة مقيما بالكوفة بعد قتل عثمان لم يهجه علي ع و لم يذعره و كان يكتب إلى معاوية بالأخبار سرا.
و من شعر الوليد لأخيه عمارة يحرضه
إن يك ظني في عمارة صادقا
ينم ثم لا يطلب بذحل و لا وتر 1233
يبيت و أوتار ابن عفان عنده
مخيمة بين الخورنق فالقصر
تمشي رخي البال مستشزر القوى
كأنك لم تسمع بقتل أبي عمرو 1234
ألا إن خير الناس بعد ثلاثة
قتيل التجيبي الذي جاء من مصر 1235 .
قال فأجابه الفضل بن العباس بن عتبة 1236
أ تطلب ثأرا لست منه و لا له
و ما لابن ذكوان الصفوري و الوتر 1237
كما افتخرت بنت الحمار بأمها
و تنسى أباها إذ تسامى أولو الفخر 1238
ألا إن خير الناس بعد نبيهم
وصي النبي المصطفى عند ذي الذكر 1239
و أول من صلى و صنو نبيه
و أول من أردى الغواة لدى بدر 1240
أما معنى قوله و ما لابن ذكوان الصفوري فإن الوليد هو ابن عقبة بن أبي معيط بن أبي عمرو و اسمه ذكوان بن أمية بن عبد شمس و قد ذكر جماعة من النسابين أن ذكوان كان مولى لأمية بن عبد شمس فتبناه و كناه أبا عمرو فبنوه موال و ليسوا من بني أمية لصلبه و الصفوري منسوب إلى صفورية قرية من قرى الروم.
قال إبراهيم بن هلال الثقفي فعند ذلك دعا معاوية الضحاك بن قيس الفهري و قال له سر حتى تمر بناحية الكوفة و ترتفع عنها ما استطعت فمن وجدته من الأعراب في طاعة علي فأغر عليه و إن وجدت له مسلحة 1241 أو خيلا فأغر عليها و إذا أصبحت في بلدة فأمس في أخرى و لا تقيمن لخيل بلغك أنها قد سرحت إليك لتلقاها فتقاتلها فسرحه فيما بين ثلاثة آلاف إلى أربعة آلاف.