کتابخانه روایات شیعه
شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد
30 و من خطبة له ع في معنى قتل عثمان
لَوْ أَمَرْتُ بِهِ لَكُنْتُ قَاتِلًا أَوْ نَهَيْتُ عَنْهُ لَكُنْتُ نَاصِراً غَيْرَ أَنَّ مَنْ نَصَرَهُ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَقُولَ خَذَلَهُ مَنْ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ وَ مَنْ خَذَلَهُ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَقُولَ نَصَرَهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي وَ أَنَا جَامِعٌ لَكُمْ أَمْرَهُ اسْتَأْثَرَ فَأَسَاءَ الْأَثَرَةَ وَ جَزِعْتُمْ فَأَسَأْتُمُ الْجَزَعَ وَ لِلَّهِ حُكْمٌ وَاقِعٌ فِي الْمُسْتَأْثِرِ وَ الْجَازِعِ.
هذا الكلام بظاهره يقتضي أنه ما أمر بقتله و لا نهى عنه فيكون دمه عنده في حكم الأمور المباحة التي لا يؤمر بها و لا ينهى عنها غير أنه لا يجوز أن يحمل الكلام على ظاهره لما ثبت من عصمة دم عثمان و أيضا فقد ثبت في السير و الأخبار أنه كان ع ينهى الناس عن قتله فإذن يجب أن يحمل لفظ النهي على المنع كما يقال الأمير ينهى عن نهب أموال الرعية أي يمنع و حينئذ يستقيم الكلام لأنه ع ما أمر بقتله و لا منع عن قتله و إنما كان ينهى عنه باللسان و لا يمنع عنه باليد.
فإن قيل فالنهي عن المنكر واجب فهلا منع من قتله باليد.
قيل إنما يجب المنع باليد عن المنكر إذا كان حسنا و إنما يكون الإنكار حسنا
إذا لم يغلب على ظن الناهي عن المنكر أن نهيه لا يؤثر فإن غلب على ظنه أن نهيه لا يؤثر قبح إنكار المنكر لأنه إن كان الغرض تعريف فاعل القبيح قبح ما أقدم عليه فذلك حاصل من دون الإنكار و إن كان الغرض ألا يقع المنكر فذلك غير حاصل لأنه قد غلب على ظنه أن نهيه و إنكاره لا يؤثر و لذلك لا يحسن من الإنسان الإنكار على أصحاب المآصر 1260 ما هم عليه من أخذ المكوس لما غلب على الظن أن الإنكار لا يؤثر و هذا يقتضي أن يكون أمير المؤمنين ع قد غلب على ظنه أن إنكاره لا يؤثر فلذلك لم ينكر.
و لأجل اشتباه هذا الكلام على السامعين قال كعب بن جعيل شاعر أهل الشام الأبيات التي منها 1261
أرى الشام تكره أهل العراق
و أهل العراق لهم كارهونا 1262
و كل لصاحبه مبغض
يرى كل ما كان من ذاك دينا
إذا ما رمونا رميناهم
و دناهم مثل ما يقرضونا 1263
و قالوا علي إمام لنا
فقلنا رضينا ابن هند رضينا
و قالوا نرى أن تدينوا لنا
فقلنا ألا لا نرى أن ندينا 1264
و من دون ذلك خرط القتاد
و طعن و ضرب يقر العيونا 1265
و كل يسر بما عنده
يرى غث ما في يديه سمينا
و ما في علي لمستعتب
مقال سوى ضمه المحدثينا
و إيثاره اليوم أهل الذنوب
و رفع القصاص عن القاتلينا
إذا سيل عنه حذا شبهة
و عمى الجواب على السائلينا 1266
فليس براض و لا ساخط
و لا في النهاة و لا الآمرينا
و لا هو ساء و لا سره
و لا بد من بعض ذا أن يكونا .
و هذا شعر خبيث منكر و مقصد عميق و ما قال هذا الشعر إلا بعد أن نقل إلى أهل الشام كلام كثير لأمير المؤمنين ع في عثمان يجري هذا المجرى نحو قوله ما سرني و لا ساءني
و قيل له أ رضيت بقتله فقال لم أرض فقيل له أ سخطت قتله فقال لم أسخط.
و قوله تارة الله قتله و أنا معه.
و قوله تارة أخرى ما قتلت عثمان و لا مالأت في قتله.
و قوله تارة أخرى كنت رجلا من المسلمين أوردت إذ أوردوا و أصدرت إذ أصدروا.
و لكل شيء من كلامه إذا صح عنه تأويل يعرفه أولو الألباب.
فأما قوله غير أن من نصره فكلام معناه أن خاذليه كانوا خيرا من ناصريه لأن الذين نصروه كان أكثرهم فساقا كمروان بن الحكم و أضرابه و خذله المهاجرون و الأنصار.
فأما قوله و أنا جامع لكم أمره إلى آخر الفصل فمعناه أنه فعل ما لا يجوز و فعلتم ما لا يجوز أما هو فاستأثر فأساء الأثرة أي استبد بالأمور فأساء في الاستبداد و أما أنتم فجزعتم مما فعل أي حزنتم فأسأتم الجزع لأنكم قتلتموه و قد كان الواجب عليه أن
يرجع عن استئثاره و كان الواجب عليكم ألا تجعلوا جزاءه عما أذنب القتل بل الخلع و الحبس و ترتيب غيره في الإمامة.
ثم قال و لله حكم سيحكم به فيه و فيكم
اضطراب الأمر على عثمان ثم أخبار مقتله
و يجب أن نذكر في هذا الموضع ابتداء اضطراب الأمر على عثمان إلى أن قتل.
و أصح ما ذكر في ذلك
ما أورده أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في التاريخ 1267 .
و خلاصة ذلك أن عثمان أحدث أحداثا مشهورة نقمها الناس عليه من تأمير بني أمية و لا سيما الفساق منهم و أرباب السفه و قلة الدين و إخراج مال الفيء إليهم و ما جرى في أمر عمار و أبي ذر و عبد الله بن مسعود و غير ذلك من الأمور التي جرت في أواخر خلافته ثم اتفق أن الوليد بن عقبة لما كان عامله على الكوفة و شهد عليه بشرب الخمر صرفه و ولى سعيد بن العاص مكانه فقدم سعيد الكوفة و استخلص من أهلها قوما يسمرون عنده فقال سعيد يوما إن السواد بستان لقريش و بني أمية فقال الأشتر النخعي و تزعم أن السواد الذي أفاءه الله على المسلمين بأسيافنا بستان لك و لقومك فقال صاحب شرطته أ ترد على الأمير مقالته و أغلظ له فقال الأشتر لمن كان حوله من النخع و غيرهم من أشراف الكوفة أ لا تسمعون فوثبوا عليه بحضرة سعيد فوطئوه وطأ عنيفا و جروا برجله فغلظ ذلك على سعيد و أبعد سماره فلم يأذن بعد لهم فجعلوا يشتمون سعيدا في مجالسهم ثم تعدوا ذلك إلى شتم عثمان و اجتمع إليهم ناس كثير حتى غلظ أمرهم فكتب سعيد إلى عثمان في أمرهم فكتب إليه أن يسيرهم إلى الشام لئلا يفسدوا أهل الكوفة و كتب إلى معاوية و هو والي الشام أن نفرا من أهل الكوفة
قد هموا بإثارة الفتنة و قد سيرتهم إليك فانههم فإن آنست منهم رشدا فأحسن إليهم و ارددهم إلى بلادهم فلما قدموا على معاوية و كانوا الأشتر و مالك بن كعب الأرحبي و الأسود بن يزيد النخعي و علقمة بن قيس النخعي و صعصعة بن صوحان العبدي و غيرهم جمعهم يوما و قال لهم إنكم قوم من العرب ذوو أسنان و ألسنة و قد أدركتم بالإسلام شرفا و غلبتم الأمم و حويتم مواريثهم و قد بلغني أنكم ذممتم قريشا و نقمتم على الولاة فيها و لو لا قريش لكنتم أذلة إن أئمتكم لكم جنة فلا تفرقوا عن جنتكم إن أئمتكم ليصبرون لكم على الجور و يحتملون منكم 1268 العتاب و الله لتنتهن أو ليبتلينكم الله بمن يسومكم الخسف و لا يحمدكم على الصبر ثم تكونون شركاءهم فيما جررتم على الرعية في حياتكم و بعد وفاتكم.
فقال له صعصعة بن صوحان أما قريش فإنها لم تكن أكثر العرب و لا أمنعها في الجاهلية و إن غيرها من العرب لأكثر منها كان و أمنع.
فقال معاوية إنك لخطيب القوم و لا أرى لك عقلا و قد عرفتكم الآن و علمت أن الذي أغراكم قلة العقول أعظم عليكم أمر الإسلام فتذكرني الجاهلية أخزى الله قوما عظموا أمركم فقهوا عني و لا أظنكم تفقهون إن قريشا لم تعز في جاهلية و لا إسلام إلا بالله وحده لم تكن بأكثر العرب و لا أشدها و لكنهم كانوا أكرمهم أحسابا و أمحضهم 1269 أنسابا و أكملهم مروءة و لم يمتنعوا في الجاهلية و الناس يأكل بعضهم بعضا إلا بالله فبوأهم حرما آمنا يتخطف الناس من حوله هل تعرفون عربا أو عجما أو سودا أو حمرا إلا و قد أصابهم الدهر في بلدهم و حرمهم إلا ما كان من قريش فإنه لم يردهم أحد من الناس بكيد إلا جعل الله خده الأسفل حتى أراد الله تعالى أن يستنقذ من أكرمه باتباع دينه من هوان الدنيا و سوء مرد الآخرة فارتضى لذلك خير
خلقه ثم ارتضى له أصحابا و كان خيارهم قريشا ثم بنى هذا الملك عليهم و جعل هذه الخلافة فيهم فلا يصلح الأمر إلا بهم و قد كان الله يحوطهم في الجاهلية و هم على كفرهم أ فتراه لا يحوطهم و هم على دينه أف لك و لأصحابك أما أنت يا صعصعة فإن قريتك شر القرى أنتنها نبتا و أعمقها واديا و ألأمها جيرانا و أعرفها بالشر لم يسكنها شريف قط و لا وضيع إلا سب بها نزاع الأمم و عبيد فارس و أنت شر قومك أ حين أبرزك الإسلام و خلطك بالناس أقبلت تبغي دين الله عوجا و تنزع إلى الغواية إنه لن يضر ذلك قريشا و لا يضعهم و لا يمنعهم من تأدية ما عليهم إن الشيطان عنكم لغير غافل قد عرفكم بالشر فأغراكم بالناس و هو صارعكم و إنكم لا تدركون بالشر أمرا إلا فتح عليكم شر منه و أخزى قد أذنت لكم فاذهبوا حيث شئتم لا ينفع الله بكم أحدا أبدا و لا يضره و لستم برجال منفعة و لا مضرة فإن أردتم النجاة فالزموا جماعتكم و لا تبطرنكم النعمة فإن البطر لا يجر خيرا اذهبوا حيث شئتم فسأكتب إلى أمير المؤمنين فيكم.
و كتب إلى عثمان أنه قدم علي قوم ليست لهم عقول و لا أديان أضجرهم العدل لا يريدون الله بشيء و لا يتكلمون بحجة إنما همهم الفتنة و الله مبتليهم ثم فاضحهم و ليسوا بالذين نخاف نكايتهم و ليسوا بأكثر ممن له شغب و نكير.
ثم أخرجهم من الشام 1270 .
و روى أبو الحسن المدائني أنه كان لهم مع معاوية بالشام مجالس طالت فيها المحاورات و المخاطبات بينهم و أن معاوية قال لهم في جملة ما قاله إن قريشا قد عرفت أن أبا سفيان
كان أكرمها و ابن أكرمها إلا ما جعل الله لنبيه ص فإنه انتجبه 1271 و أكرمه و لو أن أبا سفيان ولد الناس كلهم لكانوا حلماء 1272 .
فقال له صعصعة بن صوحان كذبت قد ولدهم خير من أبي سفيان من خلقه الله بيده وَ نَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ و أمر الملائكة فسجدوا له فكان فيهم البر و الفاجر و الكيس و الأحمق.
قال و من المجالس التي دارت بينهم أن معاوية قال لهم أيها القوم ردوا خيرا أو اسكتوا و تفكروا و انظروا فيما ينفعكم و المسلمين فاطلبوه و أطيعوني.
فقال له صعصعة لست بأهل ذلك و لا كرامة لك أن تطاع في معصية الله.
فقال إن أول كلام ابتدأت به أن أمرتكم بتقوى الله و طاعة رسوله و أن تعتصموا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَ لا تَفَرَّقُوا .
فقالوا 1273 بل أمرت بالفرقة و خلاف ما جاء به النبي ص. فقال إن كنت فعلت فإني الآن أتوب و آمركم بتقوى الله و طاعته و لزوم الجماعة و أن توقروا أئمتكم و تطيعوهم.
فقال صعصعة إن كنت تبت فإنا نأمرك أن تعتزل عملك 1274 فإن في المسلمين من هو أحق به منك ممن كان أبوه أحسن أثرا في الإسلام من أبيك و هو أحسن قدما في الإسلام منك.