کتابخانه روایات شیعه
شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد
و قد ذكرنا هذا الشعر فيما تقدم.
و قال أبو العباس محمد بن يزيد المبرد في كتاب الكامل 1974 إن عليا ع لما أراد أن يبعث جريرا إلى معاوية قال و الله يا أمير المؤمنين ما أدخرك من نصرتي شيئا و ما أطمع لك في معاوية فقال علي ع إنما قصدي حجة أقيمها [عليه] 1975 فلما أتى جرير معاوية دافعه بالبيعة فقال له جرير إن المنافق لا يصلي حتى لا يجد من الصلاة بدا فقال معاوية إنها ليست بخدعة الصبي عن اللبن فأبلغني ريقي 1976 إنه أمر له ما بعده.
قال و كتب مع جرير إلى علي ع جوابا عن كتابه إليه من معاوية بن صخر إلى علي بن أبي طالب أما بعد فلعمري لو بايعك القوم الذين بايعوك و أنت بريء من دم عثمان كنت كأبي بكر و عمر و عثمان و لكنك أغريت بعثمان المهاجرين و خذلت عنه الأنصار فأطاعك الجاهل و قوي بك الضعيف و قد أبى أهل الشام إلا قتالك حتى تدفع إليهم قتلة عثمان فإن فعلت كانت شورى بين المسلمين و لعمري 1977 ليس حججك علي كحججك على طلحة 1978 و الزبير لأنهما بايعاك و لم أبايعك و ما حجتك على أهل الشام كحجتك على أهل البصرة لأن أهل البصرة أطاعوك و لم يطعك أهل الشام فأما شرفك في الإسلام و قرابتك من النبي ص و موضعك من قريش فلست أدفعه.
ثم كتب في آخر الكتاب شعر كعب بن جعيل الذي أوله
أرى الشام تكره أهل العراق
و أهل العراق لهم كارهونا
قال أبو العباس المبرد 1979 رحمه الله تعالى 1980 فكتب إليه علي ع جوابا عن كتابه هذا من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب إلى معاوية بن صخر بن حرب 1981 أما بعد فإنه أتاني منك كتاب امرئ ليس له بصر يهديه و لا قائد يرشده دعاه الهوى فأجابه و قاده الضلال فاتبعه زعمت أنك إنما أفسد عليك بيعتي خطيئتي في عثمان و لعمري ما كنت إلا رجلا من المهاجرين أوردت كما أوردوا و أصدرت كما أصدروا و ما كان الله ليجمعهم على الضلال و لا ليضربهم بالعمى و بعد فما أنت و عثمان إنما أنت رجل من بني أمية و بنو عثمان أولى بمطالبة دمه فإن زعمت أنك أقوى على ذلك فادخل فيما دخل فيه المسلمون ثم حاكم القوم إلي و أما تمييزك بينك و بين طلحة و الزبير و بين أهل الشام و أهل البصرة فلعمري ما الأمر فيما هناك إلا سواء لأنها بيعة شاملة لا يستثنى فيها الخيار و لا يستأنف فيها النظر و أما شرفي في الإسلام و قرابتي من رسول الله ص و موضعي من قريش فلعمري لو استطعت دفعه لدفعته.
قال ثم دعا النجاشي أحد بني الحارث بن كعب فقال له إن ابن جعيل شاعر أهل الشام و أنت شاعر أهل العراق فأجب الرجل فقال يا أمير المؤمنين أسمعني قوله قال إذن أسمعك شعر شاعر ثم أسمعه فقال النجاشي يجيبه
دعا يا معاوي ما لن يكونا
فقد حقق الله ما تحذرونا
أتاكم علي بأهل العراق
و أهل الحجاز فما تصنعونا 1982
على كل جرداء خيفانة
و أشعث نهد يسر العيونا 1983
عليها فوارس مخشية
كأسد العرين حمين العرينا
يرون الطعان خلال العجاج
و ضرب الفوارس في النقع دينا 1984
هم هزموا الجمع جمع الزبير
و طلحة و المعشر الناكثينا
و آلوا يمينا على حلفة
لنهدي إلى الشام حربا زبونا 1985
تشيب النواهد قبل المشيب
و تلقى الحوامل منها الجنينا 1986
فإن تكرهوا الملك ملك العراق
فقد رضي القوم ما تكرهونا
فقل للمضلل من وائل
و من جعل الغث يوما سمينا
جعلتم عليا و أشياعه
نظير ابن هند أ ما تستحونا
إلى أفضل الناس بعد الرسول
و صنو الرسول من العالمينا
و صهر الرسول و من مثله
إذا كان يوم يشيب القرونا
.
قلت أبيات كعب بن جعيل خير من هذه الأبيات و أخبث مقصدا و أدهى و أحسن.
و زاد نصر بن مزاحم في هذه الرسالة بعد قوله و لا ليضربهم بالعمى و ما ألبت 1987 فتلزمني خطيئة الأمر و لا قتلت فيجب علي القصاص و أما قولك إن
أهل الشام هم الحكام على أهل الحجاز فهات رجلا من أهل الشام يقبل في الشورى أو تحل له الخلافة فإن زعمت ذلك كذبك المهاجرون و الأنصار و إلا أتيتك به من قريش الحجاز و أما ولوعك بي في أمر عثمان فما قلت ذلك عن حق العيان و لا يقين الخبر 1988 .
و هذه الزيادة التي ذكرها نصر بن مزاحم تقتضي أنه كان في كتاب معاوية إليه ع أن أهل الشام هم الحكام على أهل الحجاز و ما وجدنا هذا الكلام في كتابه
أخبار متفرقة
و روى نصر بن مزاحم قال لما 1989 قتل عثمان ضربت الركبان إلى الشام بقتله فبينا معاوية يوما إذا أقبل رجل متلفف فكشف عن وجهه و قال لمعاوية يا أمير المؤمنين أ تعرفني قال نعم أنت الحجاج بن خزيمة بن الصمة فأين تريد قال إليك القربان نعي ابن عفان ثم قال
إن بني عمك عبد المطلب
هم قتلوا شيخكم غير كذب
و أنت أولى الناس بالوثب فثب
و اغضب معاوي للإله و احتسب
و سر بنا سير الجرير المتلئب
و انهض بأهل الشام ترشد و تصب
ثم اهزز الصعدة للشأس الشغب 1990 .
قال يعني عليا ع قلت المتلئب المستقيم المطرد يقال هذا قياس متلئب أي مستمر مطرد
و يقال مكان شأس أي غليظ صلب و الشغب الهائج للشر و من رواه للشاسي بالياء فأصله الشاصي بالصاد و هو المرتفع يقال شصا السحاب إذا ارتفع فأبدل الصاد سينا و مراده هنا نسبة علي ع إلى التيه و الترفع عن الناس.
قال نصر فقال له معاوية أ فيك مهز فقال نعم فقال أخبر الناس فقال الحجاج يا أمير المؤمنين و لم يخاطب معاوية بأمير المؤمنين قبلها إني كنت فيمن خرج مع يزيد بن أسد القسري مغيثا لعثمان فقدمت أنا و زفر بن الحارث فلقينا رجلا زعم أنه ممن قتل عثمان فقتلناه و إني أخبرك يا أمير المؤمنين إنك لتقوى على علي بدون ما يقوى به عليك لأن معك قوما لا يقولون إذا قلت و لا يسألون إذا أمرت و إن مع علي قوما يقولون إذا قال و يسألون إذا أمر فقليل ممن معك خير من كثير ممن معه و اعلم أنه لا يرضى علي إلا بالرضا و إن رضاه سخطك و لست و علي سواء علي لا يرضى بالعراق دون الشام و أنت ترضى بالشام دون العراق.
قال نصر فضاق معاوية صدرا بما أتاه و ندم على خذلان عثمان 1991 و قال
أتاني أمر فيه للنفس غمة
و فيه بكاء للعيون طويل
و فيه فناء شامل و خزاية
و فيه اجتداع للأنوف أصيل
مصاب أمير المؤمنين و هدة 1992
تكاد لها صم الجبال تزول
فلله عينا من رأى مثل هالك
أصيب بلا ذنب و ذاك جليل
تداعت عليه بالمدينة عصبة
فريقان منهم قاتل و خذول
دعاهم فصموا عنه عند دعائه
و ذاك على ما في النفوس دليل
ندمت على ما كان من تبعي الهوى
و قصري فيه حسرة و عويل 1993
سأبغي أبا عمرو بكل مثقف
و بيض لها في الدار عين صليل 1994
تركتك للقوم الذين هم هم
شجاك فما ذا بعد ذاك أقول
فلست مقيما ما حييت ببلدة
أجر بها ذيلي و أنت قتيل
فلا نوم حتى تشجر الخيل بالقنا
و يشفي من القوم الغواة غليل 1995
و نطحنهم طحن الرحى بثفالها
و ذاك بما أسدوا إليك قليل 1996
فأما التي فيها مودة بيننا
فليس إليها ما حييت سبيل
سألقحها حربا عوانا ملحة
و إني بها من عامنا لكفيل
قال نصر و افتخر الحجاج على أهل الشام بما كان من تسليمه على معاوية بأمره المؤمنين.
قال نصر و حدثنا 1997 صالح بن صدقة عن ابن إسحاق عن خالد الخزاعي و غيره ممن لا يتهم أن عثمان لما قتل و أتي معاوية بكتاب علي ع بعزله عن الشام صعد المنبر و نادى في الناس أن يحضروا فحضروا فخطبهم فحمد الله و أثنى عليه و صلى على رسوله ثم قال يا أهل الشام قد علمتم أني خليفة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب و خليفة عثمان و قد قتل و أنا ابن عمه و وليه و الله تعالى يقول وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً 1998 و أنا أحب أن تعلموني ما في نفوسكم من قتل خليفتكم.
فقام مرة بن كعب 1999 و في المسجد يومئذ أربعمائة رجل من أصحاب النبي ص أو نحوها فقال و الله لقد قمت مقامي هذا و إني لأعلم أن فيكم من هو أقدم صحبة لرسول الله ص مني و لكني شهدت رسول الله ص نصف النهار في يوم شديد الحر و هو يقول لتكونن فتنة حاضرة فمر رجل مقنع فقال رسول الله و هذا [المقنع] 2000 يومئذ على الهدى فقمت فأخذت بمنكبه و حسرت عن رأسه فإذا عثمان فأقبلت بوجهه على رسول الله ص و قلت هذا يا رسول الله فقال نعم فأصفق أهل الشام مع معاوية حينئذ و بايعوه على الطلب بدم عثمان أميرا لا يطمع في الخلافة ثم الأمر شورى.
و روى إبراهيم بن الحسن بن ديزيل في كتاب صفين عن أبي بكر بن عبد الله الهذلي أن الوليد بن عقبة كتب إلى معاوية يستبطئه في الطلب بدم عثمان و يحرضه و ينهاه عن قطع الوقت بالمكاتبة
ألا أبلغ معاوية بن حرب
فإنك من أخي ثقة مليم 2001
قطعت الدهر كالسدم المعنى