کتابخانه روایات شیعه
شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد
و نزع ثيابه فقال الفضل برسول الله و ابن عمه فلبس الفرزدق ثيابه و قال أعض الله من يساجلك بما نفت المواسي من بظر أمه و رواها أبو بكر بن دريد بما أبقت المواسي.
و قد نزل القرآن العزيز على مخرج كلام العرب في المساجلة فقال تبارك و تعالى فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ 3849 الذنوب الدلو و المراد ما ذكرناه.
و قال المبرد المراد بقوله و أنا الأخضر أي الأسمر و الأسود و العرب كانت تفتخر بالسمرة و السواد و كانت تكره الحمرة و الشقرة و تقول إنهما من ألوان العجم.
و قال ابن دريد مراده أن بيتي ربيع أبدا مخصب كثير الخير لأن الخصب مع الخضرة و قال الشاعر
قوم إذا اخضرت نعالهم
يتناهقون تناهق الحمر 3850 .
أي إذا أعشبت الأرض اخضرت نعالهم من وطئهم إياها فأغار بعضهم على بعض و التناهق هاهنا أصواتهم حين ينادون للغارة و يدعو بعضهم بعضا و نظير هذا البيت قول الآخر
قوم إذا نبت الربيع لهم
نبتت عداوتهم مع البقل 3851 .
أي إذا أخصبوا و شبعوا غزا بعضهم بعضا و مثله قول الآخر
يا ابن هشام أهلك الناس اللبن
فكلهم يغدو بسيف و قرن 3852 .
أي تسفهوا لما رأوا من كثرة اللبن و الخصب فأفسدوا في الأرض و أغار بعضهم على بعض و القرن الجعبة.
و قيل لبعضهم متى يخاف من شر بني فلان فقال إذا ألبنوا.
و من الكنايات الداخلة في باب الإيماء قول الشاعر
فتى لا يرى قد القميص بخصره
و لكنما يوهي القميص عواتقه 3853 .
لما كان سلامة القميص من الخرق في موضع الخصر تابعا لدقة الخصر و وهنه في الكاهل تابعا لعظم الكاهل ذكر ما دل بهما على دقة خصر هذا الممدوح و عظم كاهله و منه قول مسلم بن الوليد
فرعاء في فرعها ليل على قمر
على قضيب على حقف النقا الدهس 3854
كأن قلبي وشاحاها إذا خطرت
و قلبها قلبها في الصمت و الخرس
تجري محبتها في قلب عاشقها
مجرى السلامة في أعضاء منتكس .
فلما كان قلق الوشاح تابعا لدقة الخصر ذكره دالا به عليه.
و من هذا الباب قول القائل
إذا غرد المكاء في غير روضة
فويل لأهل الشاء و الحمرات 3855 .
أومأ بذلك إلى الجدب لأن المكاء يألف الرياض فإذا أجدبت الأرض سقط في غير روضة و غرد فالويل حينئذ لأهل الشاء و الحمر.
و منه قول القائل
لعمري لنعم الحي حي بني كعب
إذا جعل الخلخال في موضع القلب .
القلب السوار يقول نعم الحي هؤلاء إذا ريع الناس و خافوا حتى إن المرأة لشدة خوفها تلبس الخلخال مكان السوار فاختصر الكلام اختصارا شديدا.
و منه قول الأفوه الأودي
إن بني أود هم ما هم
للحرب أو للجدب عام الشموس 3856 .
أشار إلى الجدب و قلة السحب و المطر أي الأيام التي كلها أيام شمس و صحو لا غيم فيها و لا مطر.
فقد ذكرنا من الكنايات و التعريضات و ما يدخل في ذلك و يجري مجراه من باب الإيماء و الرمز قطعة صالحة و سنذكر شيئا آخر من ذلك فيما بعد إن شاء الله تعالى إذا مررنا في شرح كلامه ع بما يقتضيه و يستدعيه
حقيقة الكناية و التعريض و الفرق بينهما
و قد كنا وعدنا أن نذكر كلاما كليا في حقيقة الكناية و التعريض و الفرق بينهما فنقول الكناية قسم من أقسام المجاز و هو إبدال لفظة عرض في النطق بها مانع بلفظة لا مانع عن النطق بها كقوله ع قرارات النساء لما وجد الناس قد تواضعوا على استهجان لفظة أرحام النساء.
و أما التعريض فقد يكون بغير اللفظ كدفع أسماء بن خارجة الفص الفيروز الأزرق من يده إلى ابن معكبر الضبي ادكارا له بقول الشاعر
كذا كل ضبي من اللؤم أزرق 3857 .
فالتعريض إذا هو التنبيه بفعل أو لفظ على معنى اقتضت الحال العدول عن التصريح به.
و أنا أحكي هاهنا كلام نصر الله بن محمد بن الأثير الجزري في كتابه المسمى بالمثل السائر في الكناية و التعريض 3858 و أذكر ما عندي فيه قال خلط أرباب هذه الصناعة الكناية بالتعريض و لم يفصلوا بينهما فقال ابن سنان 3859 إن قول إمرئ القيس
فصرنا إلى الحسنى و رق كلامنا
و رضت فذلت صعبة أي إذلال 3860
من باب الكناية 3861 و الصحيح أنه من باب التعريض.
قال و قد قال الغانمي و العسكري و ابن حمدون و غيرهم نحو ذلك و مزجوا أحد القسمين بالآخر.
قال و قد حد قوم الكناية فقالوا هي اللفظ الدال على الشيء بغير الوضع الحقيقي بوصف جامع بين الكناية و المكنى عنه كاللمس و الجماع فإن الجماع اسم لموضوع حقيقي و اللمس كناية عنه و بينهما وصف جامع إذ الجماع لمس و زيادة فكان دالا عليه بالوضع المجازي.
قال و هذا الحد فاسد لأنه يجوز أن يكون حدا للتشبيه و المشبه فإن التشبيه هو اللفظ الدال على الوضع الحقيقي الجامع بين المشبه و المشبه به في صفة من الأوصاف أ لا ترى إذا قلنا زيد أسد كان ذلك لفظا دالا على غير الوضع الحقيقي بوصف جامع بين زيد و الأسد و ذلك الوصف هو الشجاعة 3862 .
قال و أما 3863 أصحاب أصول الفقه فقالوا في حد الكناية إنها اللفظ المحتمل و معناه أنها اللفظ الذي يحتمل الدلالة على المعنى و على خلافه.
و هذا منقوض بالألفاظ المفردة المشتركة و بكثير من الأقوال المركبة المحتملة للشيء و خلافه و ليست بكنايات.
قال و عندي أن الكنايات لا بد أن يتجاذبها جانبا حقيقة و مجاز و متى أفردت جاز حملها على الجانبين معا أ لا ترى أن اللمس في قوله سبحانه أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ 3864
يجوز حمله على الحقيقة و المجاز و كل منهما يصح به المعنى و لا يختل و لهذا قال الشافعي إن ملامسة المرأة تنقض الوضوء و الطهارة 3865 .
و ذهب غيره إلى أن المراد باللمس في الآية الجماع و هو الكناية المجازية فكل موضع يرد فيه الكناية فسبيله هذا السبيل و ليس التشبيه بهذه الصورة و لا غيره من أقسام المجاز لأنه لا يجوز حمله إلا على جانب المجاز خاصة و لو حمل على جانب الحقيقة لاستحال المعنى أ لا ترى أنا إذا قلنا زيد أسد لم يصح أن يحمل إلا على الجهة المجازية و هي التشبيه بالأسد في شجاعته و لا يجوز حمله على الجهة الحقيقية لأن زيدا لا يكون سبعا ذا أنياب و مخالب فقد صار إذن حد الكناية أنها اللفظ الدال على معنى يجوز حمله على جانبي الحقيقة و المجاز بوصف جامع بين الحقيقة و المجاز.
قال و الدليل على ذلك أن الكناية في أصل الوضع أن تتكلم بشيء و تريد غيره يقال كنيت بكذا عن كذا فهي تدل على ما تكلمت به و على ما أردته من غيره فلا يخلو 3866 إما أن يكون في لفظ تجاذبه 3867 جانبا حقيقة و حقيقة أو في لفظ تجاذبه جانبا مجاز و مجاز أو في لفظ لا يتجاذبه أمر و ليس لنا قسم رابع 3868 .
و الثاني باطل لأن ذاك هو اللفظ المشترك فإن أطلق من غير قرينة مخصصة كان مبهما غير مفهوم و إن كان معه قرينة صار مخصصا لشيء بعينه و الكناية أن تتكلم بشيء و تريد غيره و ذلك مخالف للفظ المشترك إذا أضيف إليه القرينة لأنه يختص بشيء واحد بعينه و لا يتعداه إلى غيره و الثالث باطل أيضا لأن المجاز لا بد له من حقيقة ينقل عنها لأنه فرع عليها.
و ذلك اللفظ الدال على المجاز إما أن يكون للحقيقة شركة في الدلالة عليه أو لا يكون لها شركة في الدلالة عليه كان اللفظ الواحد قد دل على ثلاثة أشياء أحدها الحقيقة و الآخران المجازان.
و هذا مخالف لأصل الوضع لأن أصل الوضع أن تتكلم بشيء و أنت تريد غيره و هاهنا يكون قد تكلمت بشيء و أنت تريد شيئين غيرين و إن لم يكن للحقيقة شركة في الدلالة كان ذلك مخالفا لأصل الوضع أيضا إذ أصل الوضع أن تتكلم بشيء و أنت تريد غيره فيكون الذي تكلمت به دالا على غيره و إذا أخرجت الحقيقة عن أن يكون لها شركة في الدلالة لم يكن الذي تكلمت به و هذا محال فثبت إذن أن الكناية هي أن تتكلم بالحقيقة و أنت تريد المجاز.
قال و هذا مما لم يسبقني إليه أحد.
ثم قال قد يأتي من الكلام ما يجوز أن يكون كناية و يجوز أن يكون استعارة و يختلف ذلك باختلاف النظر إليه بمفرده و النظر إلى ما بعده كقول نصر بن سيار في أبياته المشهورة التي يحرض بها على بني أمية عند خروج أبي مسلم 3869
أرى خلل الرماد وميض جمر
و يوشك أن يكون له ضرام 3870
فإن النار بالزندين توري