کتابخانه روایات شیعه
شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد
قال أبو عثمان و كان جعفر يعجب أيضا بقول علي ع أين من جد و اجتهد و جمع و احتشد و بنى فشيد و فرش فمهد 4989 و زخرف فنجد قال أ لا ترى أن كل لفظة منها آخذة بعنق قرينتها جاذبة إياها إلى نفسها دالة عليها بذاتها قال أبو عثمان فكان جعفر يسميه فصيح قريش. و اعلم أننا لا يتخالجنا الشك في أنه ع أفصح من كل ناطق بلغة العرب من الأولين و الآخرين إلا من كلام الله سبحانه و كلام رسول الله ص و ذلك لأن فضيلة الخطيب و الكاتب في خطابته و كتابته تعتمد على أمرين هما مفردات الألفاظ و مركباتها.
أما المفردات فأن تكون سهلة سلسة غير وحشية و لا معقدة و ألفاظه ع كلها كذلك فأما المركبات فحسن المعنى و سرعة وصوله إلى الأفهام و اشتماله على الصفات التي باعتبارها فضل بعض الكلام على بعض و تلك الصفات هي الصناعة التي سماها المتأخرون البديع من المقابلة و المطابقة و حسن التقسيم و رد آخر الكلام على صدره و الترصيع و التسهيم و التوشيح و المماثلة و الاستعارة و لطافة استعمال المجاز و الموازنة و التكافؤ و التسميط و المشاكلة.
و لا شبهة أن هذه الصفات كلها موجودة في خطبه و كتبه مبثوثة متفرقة في فرش كلامه ع و ليس يوجد هذان الأمران في كلام أحد غيره فإن كان قد تعملها و أفكر فيها و أعمل رويته في رصفها 4990 و نثرها فلقد أتى بالعجب العجاب و وجب
أن يكون إمام الناس كلهم في ذلك لأنه ابتكره و لم يعرف من قبله و إن كان اقتضبها ابتداء و فاضت على لسانه مرتجلة و جاش بها طبعه بديهة من غير روية و لا اعتمال فأعجب و أعجب.
و على كلا الأمرين فلقد جاء مجليا و الفصحاء تنقطع أنفاسهم على أثره و بحق ما قال معاوية لمحقن الضبي لما قال له جئتك من عند أعيا الناس يا ابن اللخناء أ لعلي 4991 تقول هذا و هل سن الفصاحة لقريش غيره.
و اعلم أن تكلف الاستدلال على أن الشمس مضيئة يتعب و صاحبه منسوب إلى السفه و ليس جاحد الأمور المعلومة علما ضروريا بأشد سفها ممن رام الاستدلال بالأدلة النظرية عليها
83 و من كلام له ع في ذكر عمرو بن العاص
عَجَباً لِابْنِ النَّابِغَةِ يَزْعُمُ لِأَهْلِ الشَّامِ أَنَّ فِيَّ دُعَابَةً وَ أَنِّي امْرُؤٌ تِلْعَابَةٌ أُعَافِسُ وَ أُمَارِسُ لَقَدْ قَالَ بَاطِلًا وَ نَطَقَ آثِماً أَمَا وَ شَرُّ الْقَوْلِ الْكَذِبُ إِنَّهُ لَيَقُولُ فَيِكْذِبُ وَ يَعِدُ فَيُخْلِفُ وَ يُسْأَلُ فَيَبْخَلُ وَ يَسْأَلُ فَيُلْحِفُ وَ يَخُونُ الْعَهْدَ وَ يَقْطَعُ الْإِلَّ فَإِذَا كَانَ عِنْدَ الْحَرْبِ فَأَيُّ زَاجِرٍ وَ آمِرٍ هُوَ مَا لَمْ تَأْخُذِ السُّيُوفُ مَآخِذَهَا فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَانَ أَكْبَرُ [أَكْبَرَ] مَكِيدَتِهِ أَنْ يَمْنَحَ [الْقَوْمَ] الْقِرْمَ [الْقَوْمَ] سَبَّتَهُ أَمَا وَ اللَّهِ إِنِّي لَيَمْنَعُنِي مِنَ اللَّعِبِ ذِكْرُ الْمَوْتِ وَ إِنَّهُ لَيَمْنَعُهُ مِنْ قَوْلِ الْحَقِّ نِسْيَانُ الآْخِرَةِ وَ إِنَّهُ لَمْ يُبَايِعْ مُعَاوِيَةَ حَتَّى شَرَطَ لَهُ أَنْ يُؤْتِيَهُ أَتِيَّةً وَ يَرْضَخَ لَهُ عَلَى تَرْكِ الدِّينِ رَضِيخَةً.
الدعابة المزاح دعب الرجل بالفتح و رجل تلعابة بكسر التاء كثير اللعب و التلعاب بالفتح مصدر لعب.
و المعافسة المعالجة و المصارعة و منه الحديث عافسنا النساء 4992 و الممارسة نحوه.
يقول ع إن عمرا يقدح في عند أهل الشام بالدعابة و اللعب و أني كثير
الممازحة حتى أني ألاعب النساء و أغازلهن فعل المترف الفارغ القلب الذي تتقضى 4993 أوقاته بملاذ نفسه.
و يلحف يلح في السؤال قال تعالى لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً 4994 و منه المثل ليس للملحف مثل الرد.
و الإل العهد و لما اختلف اللفظان حسن التقسيم بهما و إن كان المعنى واحدا.
و معنى قوله ما لم تأخذ السيوف مآخذها أي ما لم تبلغ الحرب إلى أن تخالط الرءوس أي هو مليء بالتحريض و الإغراء قبل أن تلتحم الحرب فإذا التحمت و اشتدت فلا يمكث و فعل فعلته التي فعل.
و السبة الاست و سبه يسبه طعنه في السبة.
و يجوز رفع أكبر و نصبه فإن رفعت فهو الاسم و إن نصبت فهو الخبر.
و الأتية العطية و الإيتاء الإعطاء و رضخ له رضخا أعطاه عطاء بالكثير و هي الرضيخة لما يعطى
نسب عمرو بن العاص و طرف من أخباره
و نحن نذكر طرفا من نسب عمرو بن العاص و أخباره إلى حين وفاته إن شاء الله.
هو عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر يكنى أبا عبد الله و يقال أبو محمد.
أبوه العاص بن وائل أحد المستهزءين برسول الله ص و المكاشفين له بالعداوة و الأذى و فيه و في أصحابه أنزل قوله تعالى إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ 4995 .
و يلقب العاص بن وائل في الإسلام بالأبتر لأنه قال لقريش سيموت هذا الأبتر غدا فينقطع ذكره يعني رسول الله ص لأنه لم يكن له ص ولد ذكر يعقب منه فأنزل الله سبحانه إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ 4996 .
و كان عمرو أحد من يؤذي رسول الله ص بمكة و يشتمه و يضع في طريقه الحجارة لأنه كان ص يخرج من منزله ليلا فيطوف بالكعبة و كان عمرو يجعل له الحجارة في مسلكه ليعثر بها و هو أحد القوم الذين خرجوا إلى زينب ابنة رسول الله ص لما خرجت مهاجرة من مكة إلى المدينة فروعوها و قرعوا هودجها بكعوب الرماح حتى أجهضت جنينا ميتا من أبي العاص بن الربيع بعلها فلما بلغ ذلك رسول الله ص نال منه و شق عليه مشقة شديدة و لعنهم روى ذلك الواقدي.
و روى الواقدي أيضا و غيره من أهل الحديث أن عمرو بن العاص هجا رسول الله ص هجاء كثيرا كان يعلمه صبيان مكة فينشدونه و يصيحون برسول الله إذا مر بهم رافعين أصواتهم بذلك الهجاء فقال رسول الله ص و هو يصلي بالحجر اللهم إن عمرو بن العاص هجاني و لست بشاعر فالعنه بعدد ما هجاني.
و روى أهل الحديث أن النضر بن الحارث و عقبة بن أبي معيط و عمرو بن العاص عهدوا إلى سلي 4997 جمل فرفعوه بينهم و وضعوه على رأس رسول الله ص و هو ساجد بفناء الكعبة فسال عليه فصبر و لم يرفع رأسه و بكى في سجوده و دعا عليهم
فجاءت ابنته فاطمة ع و هي باكية فاحتضنت ذلك السلا فرفعته عنه فألقته و قامت على رأسه تبكي فرفع رأسه ص و قال اللهم عليك بقريش قالها ثلاثا ثم قال رافعا صوته إني مظلوم فانتصر قالها ثلاثا ثم قام فدخل منزله و ذلك بعد وفاة عمه أبي طالب بشهرين.
و لشدة عداوة عمرو بن العاص لرسول الله ص أرسله أهل مكة إلى النجاشي ليزهده في الدين و ليطرد عن بلاده مهاجرة الحبشة و ليقتل جعفر بن أبي طالب عنده إن أمكنه قتله فكان منه في أمر جعفر هناك ما هو مذكور مشهور في السير و سنذكر بعضه.
فأما النابغة
فقد ذكر الزمخشري في كتاب ربيع الأبرار قال كانت النابغة أم عمرو بن العاص أمة لرجل من عنزة فسبيت فاشتراها عبد الله بن جدعان التيمي بمكة فكانت بغيا ثم أعتقها فوقع عليها أبو لهب بن عبد المطلب و أمية بن خلف الجمحي و هشام بن المغيرة المخزومي و أبو سفيان بن حرب و العاص بن وائل السهمي في طهر واحد فولدت عمرا فادعاه كلهم فحكمت أمه فيه فقالت هو من العاص بن وائل و ذاك لأن العاص بن وائل كان ينفق عليها كثيرا قالوا و كان أشبه بأبي سفيان و في ذلك يقول أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب في عمرو بن العاص
أبوك أبو سفيان لا شك قد بدت
لنا فيك منه بينات الشمائل .
و قال أبو عمر بن عبد البر صاحب كتاب الإستيعاب 4998 كان اسمها سلمى و تلقبت بالنابغة بنت حرملة 4999 من بني جلان بن عنزة بن أسد بن ربيعة بن نزار
أصابها سباء فصارت إلى العاص بن وائل بعد جماعة من قريش فأولدها عمرا. قال أبو عمر يقال إنه جعل لرجل ألف درهم على أن يسأل عمرا و هو على المنبر من أمه فسأله فقال أمي سلمى بنت حرملة تلقب بالنابغة من بني عنزة ثم أحد بني جلان و أصابتها راح 5000 العرب فبيعت بعكاظ فاشتراها الفاكه بن المغيرة ثم اشتراها منه عبد الله بن جدعان ثم صارت إلى العاص بن وائل فولدت فأنجبت فإن كان جعل لك شيء فخذ.
و قال المبرد في كتاب الكامل 5001 اسمها ليلى و ذكر هذا الخبر و قال إنها لم تكن في موضع مرضي قال المبرد و قال المنذر بن الجارود مرة لعمرو بن العاص أي رجل أنت لو لا أن أمك أمك فقال إني أحمد الله إليك لقد فكرت البارحة 5002 فيها فأقبلت أنقلها في قبائل العرب 5003 ممن أحب أن تكون 5004 منها فما خطرت لي عبد القيس على بال.
و قال المبرد و دخل عمرو بن العاص مكة فرأى قوما من قريش قد جلسوا حلقة فلما رأوه رمقوه بأبصارهم فعدل إليهم فقال أحسبكم كنتم في شيء من ذكري قالوا أجل كنا نمثل بينك و بين أخيك هشام بن العاص أيكما أفضل فقال عمرو إن لهشام علي أربعة أمه بنت هشام بن المغيرة و أمي من قد عرفتم و كان أحب إلى أبيه مني و قد علمتم معرفة الوالد بولده و أسلم قبلي و استشهد و بقيت.