کتابخانه روایات شیعه
شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد
على غير الوجه كما أن راكب هذه الناقة يركبها على غير الوجه و لهذا لم يقل فصار حرامها بمنزلة السدر المخضود بل قال عند أقوام فخصص.
و هذا الكلام كله محمول عند أصحابنا على التألم من كون المتقدمين تركوا الأفضل كما قدمناه في أول الكتاب.
ثم ذكر ع أن الدنيا فانية و أنها ظل ممدود إلى أجل معدود ثم ذكر أن الأرض بهؤلاء السكان فيها صورة خالية من معنى كما قال الشاعر
ما أكثر الناس لا بل ما أقلهم
الله يعلم أني لم أقل فندا 5440
إني لأفتح عيني ثم أغمضها
على كثير و لكن لا أرى أحدا .
ثم أعاد الشكوى و التألم فقال أيديكم في الدنيا مبسوطة و أيدي مستحقي الرئاسة و مستوجبي الأمر مكفوفة و سيوفكم مسلطة على أهل البيت الذين هم القادة و الرؤساء و سيوفهم مقبوضة عنكم و كأنه كان يرمز إلى ما سيقع من قتل الحسين ع و أهله و كأنه يشاهد ذلك عيانا و يخطب عليه و يتكلم على الخاطر الذي سنح له و الأمر الذي كان أخبر به ثم قال إن لكل دم ثائرا يطلب القود و الثائر بدمائنا ليس إلا الله وحده الذي لا يعجزه مطلوب و لا يفوته هارب.
و معنى قوله ع كالحاكم في حق نفسه أنه تعالى لا يقصر في طلب دمائنا كالحاكم الذي يحكم لنفسه فيكون هو القاضي و هو الخصم فإنه إذا كان كذلك يكون مبالغا جدا في استيفاء حقوقه.
ثم أقسم و خاطب بني أمية و صرح بذكرهم أنهم ليعرفن الدنيا عن قليل في أيدي غيرهم و في دورهم و أن الملك سينتزعه منهم أعداؤهم و وقع الأمر بموجب إخباره ع
فإن الأمر بقي في أيدي بني أمية قريبا من تسعين سنة ثم عاد إلى البيت الهاشمي و انتقم الله تعالى منهم على أيدي أشد الناس عداوة لهم
هزيمة مروان بن محمد في موقعة الزاب ثم مقتله بعد ذلك
سار عبد الله بن علي بن عبد الله بن العباس في جمع عظيم للقاء مروان بن محمد بن مروان و هو آخر خلفاء الأمويين فالتقيا بالزاب 5441 من أرض الموصل و مروان في جموع عظيمة و أعداد كثيرة فهزم مروان و استولى عبد الله بن علي على عسكره و قتل من أصحابه خلقا عظيما و فر مروان هاربا حتى أتى الشام و عبد الله يتبعه فصار إلى مصر فاتبعه عبد الله بجنوده فقتله ببوصير الأشمونين من صعيد مصر و قتل خواصه و بطانته كلها و قد كان عبد الله قتل من بني أمية على نهر أبي فطرس 5442 من بلاد فلسطين قريبا من ثمانين رجلا قتلهم مثلة 5443 و احتذى أخوه داود بن علي بالحجاز فعله فقتل منهم قريبا من هذه العدة بأنواع المثل.
و كان مع مروان حين قتل ابناه عبد الله و عبيد الله و كانا وليي عهده فهربا في خواصهما إلى أسوان من صعيد مصر ثم صارا إلى بلاد النوبة و نالهم جهد شديد و ضر عظيم فهلك عبد الله بن مروان في جماعة ممن كان معه قتلا و عطشا و ضرا و شاهد من بقي منهم أنواع الشدائد و ضروب المكاره و وقع عبيد الله في عدة ممن نجا معه في أرض البجه 5444 و قطعوا البحر إلى ساحل جدة و تنقل فيمن نجا معه من أهله و مواليه في البلاد مستترين راضين أن يعيشوا سوقة بعد أن كانوا ملوكا فظفر بعبد الله أيام السفاح فحبس
فلم يزل في السجن بقية أيام السفاح و أيام المنصور و أيام المهدي و أيام الهادي و بعض أيام الرشيد و أخرجه الرشيد و هو شيخ ضرير فسأله عن خبره فقال يا أمير المؤمنين حبست غلاما بصيرا و أخرجت شيخا ضريرا فقيل إنه هلك في أيام الرشيد و قيل عاش إلى أن أدرك خلافة الأمين.
شهد يوم الزاب مع مروان في إحدى الروايتين إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك المخلوع الذي خطب له بالخلافة بعد أخيه يزيد بن الوليد بن عبد الملك فقتل فيمن قتل و في الرواية الثانية أن إبراهيم قتله مروان الحمار قبل ذلك.
لما انهزم مروان يوم الزاب مضى نحو الموصل فمنعه أهلها من الدخول فأتى حران و كانت داره و مقامه و كان أهل حران حين أزيل لعن أمير المؤمنين عن المنابر في أيام الجمع امتنعوا من إزالته و قالوا لا صلاة إلا بلعن أبي تراب فاتبعه عبد الله بن علي بجنوده فلما شارفه خرج مروان عن حران هاربا بين يديه و عبر الفرات و نزل عبد الله بن علي على حران فهدم قصر مروان بها و كان قد أنفق على بنائه عشرة آلاف ألف درهم و احتوى على خزائن مروان و أمواله فسار مروان بأهله و عترته من بني أمية و خواصه حتى نزل بنهر أبي فطرس و سار عبد الله بن علي حتى نزل دمشق فحاصرها و عليها من قبل مروان الوليد بن معاوية بن عبد الملك بن مروان في خمسين ألف مقاتل فألقى الله تعالى بينهم العصبية في فضل نزار على اليمن و فضل اليمن على نزار فقتل الوليد و قيل بل قتل في حرب عبد الله بن علي و ملك عبد الله دمشق فأتى يزيد بن معاوية بن عبد الملك بن مروان و عبد الجبار بن يزيد بن عبد الملك بن مروان فحملهما مأسورين إلى أبي العباس السفاح فقتلهما و صلبهما بالحيرة و قتل عبد الله بن علي بدمشق خلقا كثيرا من أصحاب مروان و موالي بني أمية و أتباعهم و نزل عبد الله على نهر
أبي فطرس فقتل من بني أمية هناك بضعا و ثمانين رجلا و ذلك في ذي القعدة من سنة ثنتين و ثلاثين و مائة
شعر عبد الله بن عمرو العبلي في رثاء قومه
و في قتلى نهر أبي فطرس و قتلى الزاب يقول أبو عدي عبد الله بن عمر عمرو العبلي و كان أموي الرأي
تقول أمامة لما رأت
نشوزي عن المضجع الأملس 5445
و قلة نومي على مضجعي
لدى هجعة الأعين النعس
أبي ما عراك فقلت الهموم
عرين أباك فلا تبلسي 5446
عرين أباك فحبسنه
من الذل في شر ما محبس
لفقد الأحبة إذ نالها
سهام من الحدث المبئس 5447
رمتها المنون بلا نكل
و لا طائشات و لا نكس
بأسهمها المتلفات النفوس
متى ما تصب مهجة تخلس
فصر عنهم بنواحي البلاد
فملقى بأرض و لم يرمس 5448
نقى أصيب و أثوابه
من العيب و العار لم تدنس 5449
و آخر قد رس في حفرة
و آخر طار فلم يحسس 5450
أفاض المدامع قتلى كدى
و قتلى بكثوة لم ترمس 5451
و قتلى بوج و باللابتين
من يثرب خير ما أنفس 5452
و بالزابيين نفوس ثوت
و قتلى بنهر أبي فطرس 5453
أولئك قومي أناخت بهم
نوائب من زمن متعس
إذا ركبوا زينوا الموكبين
و إن جلسوا زينة المجلس 5454
و إن عن ذكرهم لم ينم
أبوك و أوحش في المأنس
فذاك الذي غالني فاعلمي
و لا تسألي بامرئ متعس
هم أضرعوني لريب الزمان
و هم ألصقوا الخد بالمعطس
5455
أنفة بن مسلمة بن عبد الملك
و روى أبو الفرج الأصفهاني في كتاب الأغاني قال نظر عبد الله بن علي في الحرب إلى فتى عليه أبهة الشرف و هو يحارب مستقتلا 5456 فناداه يا فتى لك الأمان و لو كنت مروان بن محمد قال إلا أكنه فلست بدونه فقال و لك الأمان و لو كنت من كنت فأطرق ثم أنشد
لذل الحياة و كره الممات 5457
و كلا أراه طعاما وبيلا 5458
و إن لم يكن غير إحداهما
فسيرا إلى الموت سيرا جميلا .
ثم قاتل حتى قتل فإذا هو ابن مسلمة بن عبد الملك.
5459
مما قيل من الشعر في التحريض على قتل بني أمية
و روى أبو الفرج أيضا عن محمد بن خلف وكيع قال دخل سديف مولى آل 5460 أبي لهب على أبي العباس بالحيرة و أبو العباس جالس على سريره و بنو هاشم دونه على الكراسي و بنو أمية حوله على وسائد قد ثنيت لهم و كانوا في أيام دولتهم يجلسونهم و الخليفة 5461 منهم على الأسرة و يجلس بنو هاشم على الكراسي فدخل الحاجب فقال يا أمير المؤمنين بالباب رجل حجازي أسود راكب على نجيب متلثم يستأذن و لا يخبر باسمه و يحلف لا يحسر اللثام عن وجهه حتى يرى أمير المؤمنين فقال هذا سديف مولانا أدخله فدخل فلما نظر إلى أبي العباس و بنو أمية حوله حسر اللثام عن وجهه ثم أنشد
أصبح الملك ثابت الأساس
بالبهاليل من بني العباس 5462
بالصدور المقدمين قديما
و البحور القماقم الرؤاس
يا إمام المطهرين من الذم
و يا رأس منتهى كل رأس
أنت مهدي هاشم و فتاها 5463
كم أناس رجوك بعد أناس 5464
لا تقيلن عبد شمس عثارا
و اقطعن كل رقلة و غراس
أنزلوها بحيث أنزلها الله
بدار الهوان و الإنعاس
خوفها أظهر التودد منها
و بها منكم كحز المواسي 5465
أقصهم أيها الخليفة و احسم
عنك بالسيف شأفة الأرجاس
و اذكرن مصرع الحسين و زيد
و قتيلا بجانب المهراس 5466
و القتيل الذي بحران أمسى
ثاويا بين غربة و تناس 5467
فلقد ساءني و ساء سوائي
قربهم من نمارق و كراسي 5468
نعم كلب الهراش مولاك شبل
لو نجا من حبائل الإفلاس .