کتابخانه روایات شیعه
شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد
و كذلك النهي عن المنكر واجب و قد يحتاج الإنسان إلى الاستعانة بالغير على تغييره و رد القاضي إلى منهج الصلاح فلا بد له أن يشرح للغير حال ذلك الإنسان المرتكب المنكر و من ذكر الإنسان بلقب مشهور فعرف عن عيبه كالأعرج و الأعمش المحدثين لم يكن مغتابا إذا لم يقصد الغض و النقص.
و الصحيح أن المجاهر بالفسق لا غيبة له كصاحب الماخور و المخنث و من يدعو الناس إلى نفسه أبنة و كالعشار و المستخرج بالضرب فإن هؤلاء غير كارهين لما يذكرون به و ربما تفاخروا بذلك و
قد قال النبي ص من ألقى جلباب الحياء عن وجهه فلا غيبة له.
و قال عمر ليس لفاجر حرمة.
و أراد المجاهر بالفسق دون المستتر.
و قال الصلت بن طريف قلت للحسن رحمه الله الرجل الفاجر المعلن بالفجور غير مراقب هل ذكري له بما فيه غيبة فقال لا و لا كرامة له.
طريق التوبة من الغيبة
و اعلم أن التوبة من الغيبة تكفر عقابها و التوبة منها هي الندم عليها و العزم على ألا يعود فإن لم يكن الشخص المذكور قد بلغته الغيبة فلا حاجة إلى الاستحلال منه بل لا يجوز إعلامه بذلك هكذا قال شيخنا أبو الحسين رحمه الله لأنه لم يؤلمه فيحتاج إلى أن يستوهب منه إثم ذلك الإيلام و في إعلامه تضييق صدره و إدخال مشقة عليه و إن كان الشخص المذكور قد بلغته الغيبة وجب عليه أن يستحله و يستوهبه فإن كان قد مات سقط بالتوبة عقاب ما يختص بالبارئ سبحانه من ذلك الوقت و بقي ما يختص بذلك الميت لا يسقط حتى يؤخذ العوض له من المذنب يوم القصاص
141 و من كلام له ع
أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ عَرَفَ مِنْ أَخِيهِ وَثِيقَةَ دِينٍ وَ سَدَادَ طَرِيقٍ فَلَا يَسْمَعَنَّ فِيهِ أَقَاوِيلَ الرِّجَالِ أَمَا إِنَّهُ قَدْ يَرْمِي الرَّامِي وَ تُخْطِئُ السِّهَامُ وَ يُحِيلُ الْكَلَامُ وَ بَاطِلُ ذَلِكَ يَبُورُ وَ اللَّهُ سَمِيعٌ وَ شَهِيدٌ أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ الْحَقِّ وَ الْبَاطِلِ إِلَّا أَرْبَعُ أَصَابِعَ فَسُئِلَ ع عَنْ مَعْنَى قَوْلِهِ هَذَا فَجَمَعَ أَصَابِعَهُ وَ وَضَعَهَا بَيْنَ أُذُنِهِ وَ عَيْنِهِ ثُمَّ قَالَ الْبَاطِلُ أَنْ تَقُولَ سَمِعْتُ وَ الْحَقُّ أَنْ تَقُولَ رَأَيْتُ.
هذا الكلام هو نهي عن التسرع إلى التصديق بما يقال من العيب و القدح في حق الإنسان المستور الظاهر المشتهر بالصلاح و الخير و هو خلاصة قوله سبحانه إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ 6511 ثم ضرب ع لذلك مثلا فقال قد يرمي الرامي فلا يصيب الغرض و كذلك قد يطعن الطاعن فلا يكون طعنه صحيحا و ربما كان لغرض فاسد أو سمعه ممن له غرض
فاسدا كالعدو و الحسود و قد يشتبه الأمر فيظن المعروف منكرا فيعجل الإنسان بقول لا يتحققه كمن يرى غلام زيد يحمل في إناء مستور مغطى خلا فيظنه خمرا.
قال ع و يحيل الكلام أي يكون باطلا أحال الرجل في منطقه إذا تكلم الذي لا حقيقة له و من الناس من يرويه و يحيك الكلام بالكاف من قولك ما حاك فيه السيف و يجوز أحاك بالهمزة أي ما أثر يعني أن القول يؤثر في العرض و إن كان باطلا و الرواية الأولى أشهر و أظهر.
و يبور يفسد و قوله و باطل ذلك يبور مثل قولهم للباطل جولة و للحق دولة و هذا من قوله تعالى وَ قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَ زَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً 6512 .
و الإصبع مؤنثة و لذلك قال أربع أصابع فحذف الهاء.
فإن قلت كيف يقول ع الباطل ما يسمع و الحق ما يرى و أكثر المعلومات إنما هي من طريق السماع كعلمنا الآن بنبوة محمد ص بما بلغنا من معجزاته التي لم نرها و إنما سمعناها.
قلت ليس كلامه في المتواتر من الأخبار و إنما كلامه في الأقوال الشاذة الواردة من طريق الآحاد التي تتضمن القدح فيمن قد غلبت نزاهته فلا يجوز العدول عن المعلوم بالمشكوك
142 و من كلام له ع
وَ لَيْسَ لِوَاضِعِ الْمَعْرُوفِ فِي غَيْرِ حَقِّهِ وَ عِنْدَ غَيْرِ أَهْلِهِ مِنَ الْحَظِّ فِيمَا أَتَى إِلَّا مَحْمَدَةُ اللِّئَامِ وَ ثَنَاءُ الْأَشْرَارِ وَ مَقَالَةُ الْجُهَّالَ مَا دَامَ مُنْعِماً عَلَيْهِمْ مَا أَجْوَدَ يَدَهُ وَ هُوَ عَنْ ذَاتِ اللَّهِ بِخَيْلٌ فَمَنْ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَلْيَصِلْ بِهِ الْقَرَابَةَ وَ لْيُحْسِنْ مِنْهُ الضِّيَافَةَ وَ لْيَفُكَّ بِهِ الْأَسِيرَ وَ الْعَانِيَ وَ لْيُعْطِ مِنْهُ الْفَقِيرَ وَ الْغَارِمَ وَ لْيَصْبِرْ نَفْسَهُ عَلَى الْحُقُوقِ وَ النَّوَائِبِ ابْتِغَاءَ الثَّوَابِ فَإِنَّ فَوْزاً بِهَذِهِ الْخِصَالِ شَرَفُ مَكَارِمِ الدُّنْيَا وَ دَرْكُ فَضَائِلِ الآْخِرَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
هذا الكلام يتضمن ذم من يخرج ماله إلى الفتيان و الأقران و الشعراء و نحوهم و يبتغي به المدح و السمعة و يعدل عن إخراجه في وجوه البر و ابتغاء الثواب قال ع ليس له من الحظ إلا محمدة اللئام و ثناء الأشرار و قولهم ما أجود يده أي ما أسمحه و هو بخيل بما يرجع إلى ذات الله يعني الصدقات و ما يجري مجراها من صلة الرحم و الضيافة و فك الأسير و العاني و هو الأسير بعينه و إنما اختلف اللفظ.
و الغارم من عليه الديون و يقال صبر فلان نفسه على كذا مخففا أي حبسها قال تعالى وَ اصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ 6513 .
و قال عنترة يذكر حربا
فصبرت عارفة لذلك حرة
ترسو إذا نفس الجبان تطلع 6514
و في الحديث النبوي في رجل أمسك رجلا و قتله آخر فقال ع اقتلوا القاتل و اصبروا الصابر.
أي احبسوا الذي حبسه للقتل إلى أن يموت.
و قوله فإن فوزا أفصح من أن يقول فإن الفوز أو فإن في الفوز كما قال الشاعر
إن شواء و نشوة
و خبب البازل الأمون 6515
من لذة العيش و الفتى
للدهر و الدهر ذو شئون 6516
و لم يقل إن الشواء و النشوة و السر في هذا أنه كأنه يجعل هذا الشواء شخصا من جملة أشخاص داخلة تحت نوع واحد و يقول إن واحدا منها أيها كان فهو من لذة العيش و إن لم يحصل له كل أشخاص ذلك النوع و مراده تقرير فضيلة هذه الخصال في النفوس أي متى حصل للإنسان فوز ما بها فقد حصل له الشرف و هذا المعنى و إن أعطاه لفظة الفوز بالألف و اللام إذا قصد بها الجنسية إلا أنه قد يسبق إلى الذهن منها الاستغراق لا الجنسية فأتى بلفظة لا توهم الاستغراق و هي اللفظة المنكرة و هذا دقيق و هو من لباب علم البيان
143 و من خطبة له ع في الاستسقاء
إِلَّا وَ إِنَّ الْأَرْضَ الَّتِي تَحْمِلُكُمْ وَ السَّمَاءَ الَّتِي تُظِلُّكُمْ مُطِيعَتَانِ لِرَبِّكُمْ وَ مَا أَصْبَحَتَا تَجُودَانِ لَكُمْ بِبَرَكَتِهِمَا تَوَجُّعاً لَكُمْ وَ لَا زُلْفَةً إِلَيْكُمْ وَ لَا لِخَيْرٍ تَرْجُوَانِهِ مِنْكُمْ وَ لَكِنْ أُمِرَتَا بِمَنَافِعِكُمْ فَأَطَاعَتَا وَ أُقِيمَتَا عَلَى حُدُودِ مَصَالِحِكُمْ فَقَامَتَا إِنَّ اللَّهَ يَبْتَلِي عِبَادَهُ عِنْدَ الْأَعْمَالِ السَّيِّئَةِ بِنَقْصِ الثَّمَرَاتِ وَ حَبْسِ الْبَرَكَاتِ وَ إِغْلَاقِ خَزَائِنِ الْخَيْرَاتِ لِيَتُوبَ تَائِبٌ وَ يُقْلِعَ مُقْلِعٌ وَ يَتَذَكَّرَ مُتَذَكِّرٌ وَ يَزْدَجِرَ مُزْدَجِرٌ وَ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الِاسْتِغْفَارَ سَبَباً لِدُرُورِ الرِّزْقِ وَ رَحْمَةِ الْخَلْقِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَ يُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَ بَنِينَ وَ يَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَ يَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً 6517 فَرَحِمَ اللَّهُ امْرَأً اسْتَقْبَلَ تَوْبَتَهُ وَ اسْتَقَالَ خَطِيئَتَهُ وَ بَادَرَ مَنِيَّتَهُ اللَّهُمَّ إِنَّا خَرَجْنَا إِلَيْكَ مِنْ تَحْتِ الْأَسْتَارِ وَ الْأَكْنَانِ وَ بَعْدَ عَجِيجِ الْبَهَائِمِ وَ الْوِلْدَانِ رَاغِبِينَ فِي رَحْمَتِكَ وَ رَاجِينَ فَضْلَ نِعْمَتِكَ وَ خَائِفِينَ مِنْ عَذَابِكَ وَ نِقْمَتِكَ
اللَّهُمَّ فَاسْقِنَا غَيْثَكَ وَ لَا تَجْعَلْنَا مِنَ الْقَانِطِينَ وَ لَا تُهْلِكْنَا بِالسِّنِينَ وَ لَا تُؤَاخِذْنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ اللَّهُمَّ إِنَّا خَرَجْنَا إِلَيْكَ نَشْكُو إِلَيْكَ مَا لَا يَخْفَى عَلَيْكَ أَلْجَأَتْنَا الْمَضَايِقُ الْوَعْرَةُ وَ أَجَاءَتْنَا الْمَقَاحِطُ الْمُجْدِبَةُ وَ أَعْيَتْنَا الْمَطَالِبُ الْمُتَعَسِّرَةُ وَ تَلَاحَمَتْ عَلَيْنَا الْفِتَنُ [الْمَسْتَصْعَبَةُ] الْمُسْتَصْعِبَةُ اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَلَّا تَرُدَّنَا خَائِبِينَ وَ لَا تَقْلِبَنَا وَاجِمِينَ وَ لَا تُخَاطِبَنَا بِذُنُوبِنَا وَ لَا تُقَايِسَنَا بِأَعْمَالِنَا اللَّهُمَّ انْشُرْ عَلَيْنَا غَيْثَكَ وَ بَرَكَتَكَ وَ رِزْقَكَ وَ رَحْمَتَكَ وَ اسْقِنَا سُقْيَا نَاقِعَةً مُرْوِيَةً مُعْشِبَةً تُنْبِتُ بِهَا مَا قَدْ فَاتَ وَ تُحْيِي بِهَا مَا قَدْ مَاتَ نَافِعَةَ الْحَيَا كَثِيرَةَ الْمُجْتَنَى تُرْوِي بِهَا الْقِيعَانَ وَ تُسِيلُ الْبُطْنَانَ وَ تَسْتَوْرِقُ الْأَشْجَارَ وَ تُرْخِصُ الْأَسْعَارَ إِنَّكَ عَلَى مَا تَشَاءُ قَدِيرٌ.