کتابخانه روایات شیعه
شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد
فقال أخشنوار لا يغرنك ما تخدع به نفسك من حملك الحجر أمامك فإن الناس لو كانوا يعطون العهود على ما تصف من إسرار أمر و إعلان آخر إذا ما كان ينبغي لأحد أن يغتر بأمان أو يثق بعهد و إذا ما قبل الناس شيئا مما كانوا يعطون من ذلك و لكنه وضع على العلانية و على نية من تعقد له العهود و الشروط ثم انصرف.
فقال فيروز لأصحابه لقد كان أخشنوار حسن المحاورة و ما رأيت للفرس الذي كان تحته نظيرا في الدواب فإنه لم يزل قوائمه و لم يرفع حوافره عن مواضعها و لا صهل و لا أحدث شيئا يقطع به المحاورة في طول ما تواقفنا.
و قال أخشنوار لأصحابه لقد وافقت فيروز كما رأيتم و عليه السلاح كله فلم يتحرك و لم ينزع رجله من ركابه و لا حنى ظهره و لا التفت يمينا و لا شمالا و لقد توركت أنا مرارا و تمطيت على فرسي و التفت إلى من خلفي و مددت بصري فيما أمامي و هو منتصب ساكن على حاله و لو لا محاورته إياي لظننت أنه لا يبصرني و إنما أراد بما وصفا من ذلك أن ينشر هذان الحديثان في أهل عسكرهما فيشتغلوا بالإفاضة فيهما عن النظر فيما تذاكرا.
فلما كان في اليوم الثاني أخرج أخشنوار الصحيفة التي كتبها لهم فيروز و نصبها على رمح ليراها أهل عسكر فيروز فيعرفوا غدره و بغيه و يخرجوا من متابعته على هواه فما هو إلا أن راوها حتى انتقض عسكرهم و اختلفوا و ما تلبثوا إلا يسيرا حتى انهزموا و قتل منهم خلق كثير و هلك فيروز فقال أخشنوار لقد صدق الذي قال لا مرد لما قدر و لا شيء أشد إحالة لمنافع الرأي من الهوى و اللجاج و لا أضيع من نصيحة يمنحها من لا يوطن نفسه على قبولها و الصبر على مكروهها و لا أسرع عقوبة و أسوأ عاقبة من البغي و الغدر و لا أجلب لعظيم العار و الفضوح من الأنف و إفراط العجب
9696
15 و كان ع يقول إذا لقي العدو محاربا
اللَّهُمَّ إِلَيْكَ أَفْضَتِ الْقُلُوبُ وَ مُدَّتِ الْأَعْنَاقُ وَ شَخَصَتِ الْأَبْصَارُ وَ نُقِلَتِ الْأَقْدَامُ وَ أُنْضِيَتِ الْأَبْدَانُ اللَّهُمَّ قَدْ صَرَّحَ مَكْنُونُ الشَّنَآنِ وَ جَاشَتْ مَرَاجِلُ الْأَضْغَانِ اللَّهُمَّ إِنَّا نَشْكُو إِلَيْكَ غَيْبَةَ نَبِيِّنَا وَ كَثْرَةَ عَدُوِّنَا وَ تَشَتُّتَ أَهْوَائِنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَ بَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَ أَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ .
أفضت القلوب أي دنت و قربت و منه أفضى الرجل إلى امرأته أي غشيها و يجوز أن يكون أفضت أي بسرها فحذف المفعول.
و أنضيت الأبدان هزلت و منه النضو و هو البعير المهزول.
و صرح انكشف و الشنئان البغضة.
و جاشت تحركت و اضطربت.
و المراجل جمع مرجل و هي القدر.
و الأضغان الأحقاد واحدها ضغن.
و أخذ سديف مولى المنصور هذه اللفظة فكان يقول في دعائه اللهم إنا نشكو
إليك غيبة نبينا و تشتت أهوائنا و ما شملنا من زيغ الفتن و استولى علينا من غشوة الحيرة حتى عاد فينا دولة بعد القسمة و إمارتنا غلبة بعد المشورة وعدنا ميراثا بعد الاختيار للأمة و اشتريت الملاهي و المعازف بمال اليتيم و الأرملة و رعى في مال الله من لا يرعى له حرمة و حكم في أبشار المؤمنين أهل الذمة و تولى القيام بأمورهم فاسق كل محلة فلا ذائد يذودهم عن هلكة و لا راع ينظر إليهم بعين رحمة و لا ذو شفقة يشبع الكبد الحرى من مسغبة فهم أولو ضرع و فاقة و أسراء فقر و مسكنة و حلفاء كئابة و ذلة اللهم و قد استحصد زرع الباطل و بلغ نهايته و استحكم عموده و استجمع طريده و حذف وليده و ضرب بجرانه فأتح له من الحق يدا حاصدة تجذ سنامه و تهشم سوقه و تصرع قائمه ليستخفي الباطل بقبح حليته و يظهر الحق بحسن صورته.
و وجدت هذه الألفاظ في دعاء منسوب إلى علي بن الحسين زين العابدين ع و لعله من كلامه و قد كان سديف يدعو به
16 و كان يقول ع لأصحابه عند الحرب
لَا تَشْتَدَّنَّ عَلَيْكُمْ فَرَّةٌ بَعْدَهَا كَرَّةٌ وَ لَا جَوْلَةٌ بَعْدَهَا حَمْلَةٌ وَ أَعْطُوا السُّيُوفَ حُقُوقَهَا وَ [وَطِّنُوا] وَطِّئُوا لِلْجُنُوبِ مَصَارِعَهَا وَ اذْمُرُوا أَنْفُسَكُمْ عَلَى الطَّعْنِ الدَّعْسِيِّ وَ الضَّرْبِ الطِّلَحْفِيِّ وَ أَمِيتُوا الْأَصْوَاتَ فَإِنَّهُ أَطْرَدُ لِلْفَشَلِ [وَ] فَوَ الَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَ بَرَأَ النَّسَمَةَ مَا أَسْلَمُوا وَ لَكِنِ اسْتَسْلَمُوا وَ أَسَرُّوا الْكُفْرَ فَلَمَّا وَجَدُوا أَعْوَاناً عَلَيْهِ أَظْهَرُوهُ.
قال لا تستصعبوا فرة تفرونها بعدها كرة تجبرون بها ما تكسر من حالكم و إنما الذي ينبغي لكم أن تستصعبوه فرة لا كرة بعدها و هذا حض لهم على أن يكروا و يعودوا إلى الحرب إن وقعت عليهم كسرة.
و مثله قوله و لا جولة بعدها حملة و الجولة هزيمة قريبة ليست بالممعنة 9697 .
و اذمروا أنفسكم من ذمره على كذا أي حضه عليه و الطعن الدعسي الذي يحشى به أجواف الأعداء و أصل الدعس الحشو دعست الوعاء حشوته.
و ضرب طلحفي بكسر الطاء و فتح اللام أي شديد و اللام زائدة.
ثم أمرهم بإماتة الأصوات لأن شدة الضوضاء في الحرب أمارة الخوف و الوجل. ثم أقسم أن معاوية و عمرا و من والاهما من قريش ما أسلموا و لكن استسلموا خوفا من السيف و نافقوا فلما قدروا على إظهار ما في أنفسهم أظهروه و هذا يدل على أنه ع جعل محاربتهم له كفرا.
و قد تقدم في شرح حال معاوية و ما يذكره كثير من أصحابنا من فساد عقيدته ما فيه كفاية
نبذ من الأقوال المتشابهة في الحرب
و أوصى أكثم بن صيفي قوما نهضوا إلى الحرب فقال ابرزوا للحرب و ادرعوا الليل فإنه أخفى للويل و لا جماعة لمن اختلف و اعلموا أن كثرة الصياح من الفشل و المرء يعجز لا محالة.
و سمعت عائشة يوم الجمل أصحابها يكبرون فقالت لا تكبروا هاهنا فإن كثرة التكبير عند القتال من الفشل.
و قال بعض السلف قد جمع الله أدب الحرب في قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا 9698 الآيتين.
و قال عتبة بن ربيعة لقريش يوم بدر أ لا ترونهم يعني أصحاب النبي ص جثيا على الركب يتلمظون تلمظ الحيات.
و أوصى عبد الملك بن صالح أمير سرية بعثها فقال أنت تاجر الله لعباده فكن كالمضارب الكيس الذي إن وجد ربحا تجر و إلا احتفظ برأس المال و لا تطلب
الغنيمة حتى تحوز السلامة و كن من احتيالك على عدوك أشد حذرا من احتيال عدوك عليك.
و
في الحديث المرفوع إنه ص قال لزيد بن حارثة لا تشق جيشك فإن الله تعالى ينصر القوم بأضعفهم.
و قال ابن عباس و ذكر عليا ع ما رأيت رئيسا يوزن به لقد رأيته يوم صفين و كأن عينيه سراجا سليط 9699 و هو يحمس أصحابه إلى أن انتهى إلي و أنا في كنف فقال يا معشر المسلمين استشعروا الخشية و تجلببوا السكينة و أكملوا اللأمة.
.. الفصل المذكور فيما تقدم
17 و من كتاب له ع إلى معاوية جوابا عن كتاب منه إليه