کتابخانه روایات شیعه
شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد
65 [كلامه ع في إعطاء القليل]
وَ قَالَ ع لَا تَسْتَحِ مِنْ إِعْطَاءِ الْقَلِيلِ فَإِنَّ الْحِرْمَانَ أَقَلُّ مِنْهُ.
هذا نوع من الحث على الإفضال و الجود لطيف و قد استعمل كثيرا في الهدية و الاعتذار لقلتها و قد تقدم منا قول شاف في مدح السخاء و الجود.
و كان يقال أفضل على من شئت تكن أميره و احتج إلى من شئت تكن أسيره و استغن عمن شئت تكن نظيره.
و سئل أرسطو هل من جود يستطاع أن يتناول به كل أحد قال نعم أن تنوي الخير لكل أحد
66 [كلامه ع في العفاف و الشكر]
وَ قَالَ ع الْعَفَافُ زِينَةُ الْفَقْرِ وَ الشُّكْرُ زِينَةُ الْغِنَى.
من الأبيات المشهورة
فإذا افتقرت فلا تكن
متخشعا و تجمل .
و من أمثالهم المشهورة تجوع الحرة و لا تأكل بثدييها 11112 .
و أنشد الأصمعي لبعضهم
أقسم بالله لمص النوى
و شرب ماء القلب المالحه
أحسن بالإنسان من ذله
و من سؤال الأوجه الكالحه
فاستغن بالله تكن ذا غنى
مغتبطا بالصفقة الرابحه 11113
طوبى لمن تصبح ميزانه
يوم يلاقي ربه راجحه .
و قال بعضهم وقفت على كنيف و في أسفله كناف و هو ينشد
و أكرم نفسي عن أمور كثيرة
ألا إن إكرام النفوس من العقل
و أبخل بالفضل المبين على الألى
رأيتهم لا يكرمون ذوي الفضل
و ما شانني كنس الكنيف و إنما
يشين الفتى أن يجتدي نائل النذل 11114
و أقبح مما بي وقوفي مؤملا
نوال فتى مثلي و أي فتى مثلي .
و أما كون الشكر زينة الغنى فقد تقدم من القول ما هو كاف.
و كان يقال العلم بغير عمل قول باطل و النعمة بغير شكر جيد عاطل
67 [كلامه ع في عدم الاكتراث و الابتئاس بفوات المراد و الحرمان]
وَ قَالَ ع إِذَا لَمْ يَكُنْ مَا تُرِيدُ فَلَا تُبَلْ [كَيْفَ] مَا كُنْتَ.
قد أعجم تفسير هذه الكلمة على جماعة من الناس و قالوا المشهور في كلام الحكماء إذا لم يكن ما تريد فأرد ما يكون و لا معنى لقوله فلا تبل كيف كنت و جهلوا مراده ع.
و مراده إذا لم يكن ما تريد فلا تبل بذلك أي لا تكترث بفوت مرادك و لا تبتئس بالحرمان و لو وقف على هذا لتم الكلام و كمل المعنى و صار هذا مثل قوله فلا تكثر على ما فاتك منها أسفا و مثل قول الله تعالى لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ 11115 لكنه تمم و أكد فقال كيف كنت أي لا تبل بفوت ما كنت أملته و لا تحمل لذلك هما كيف كنت و على أي حال كنت من حبس أو مرض أو فقر أو فقد حبيب و على الجملة لا تبال الدهر و لا تكترث بما يعكس عليك من غرضك و يحرمك من أملك و ليكن هذا الإهوان به و الاحتقار له مما تعتمده دائما على أي حال أفضى بك الدهر إليها و هذا واضح
68 [و من كلامه ع في ما يراه الجاهل]
وَ قَالَ ع لَا [يُرَى الْجَاهِلُ] تَرَى الْجَاهِلَ إِلَّا مُفْرِطاً أَوْ مُفَرِّطاً.
العدالة هي الخلق المتوسط و هو محمود بين مذمومين فالشجاعة محفوفة بالتهور و الجبن و الذكاء بالغباوة و الجربزة 11116 و الجود بالشح و التبذير و الحلم بالجمادية و الاستشاطة و على هذا كل ضدين من الأخلاق فبينهما خلق متوسط و هو المسمى بالعدالة فلذلك لا يرى الجاهل إلا مفرطا أو مفرطا كصاحب الغيرة فهو إما أن يفرط فيها فيخرج عن القانون الصحيح فيغار لا من موجب بل بالوهم و بالخيال و بالوسواس و إما أن يفرط فلا يبحث عن حال نسائه و لا يبالي ما صنعن و كلا الأمرين مذموم و المحمود الاعتدال.
و من كلام بعض الحكماء 11117 إذا صح العقل التحم 11118 بالأدب كالتحام 11119 الطعام بالجسد الصحيح و إذا مرض العقل نبا عنه ما يستمع من الأدب كما يقيء الممعود ما أكل من الطعام فلو آثر الجاهل أن يتعلم شيئا من الأدب لتحول ذلك الأدب جهلا كما يتحول ما خالط جوف المريض من طيب الطعام داء
69 [و من كلامه ع في أن نقص الكلام هو من تمام العقل]
وَ قَالَ ع إِذَا تَمَّ الْعَقْلُ نَقَصَ الْكَلَامُ.
قد سبق القول في هذا المعنى.
و كان يقال إذا رأيتم الرجل 11120 يطيل الصمت و يهرب من الناس فاقربوا منه فإنه يلقى الحكمة
70 [و من كلامه ع في الدهر و آثاره]
وَ قَالَ ع الدَّهْرُ يُخْلِقُ الْأَبْدَانَ وَ يُجَدِّدُ الآْمَالَ وَ يُقَرِّبُ الْمَنِيَّةَ وَ يُبَاعِدُ الْأُمْنِيَّةَ مَنْ ظَفِرَ بِهِ نَصِبَ وَ مَنْ فَاتَهُ تَعِبَ.
قد سبق لنا قول طويل عريض في ذكر الدهر و الدنيا و نذكر الآن شيئا آخر قال بعض الحكماء الدنيا تسر لتغر و تفيد لتكيد كم راقد في ظلها قد أيقظته و واثق بها قد خذلته بهذا الخلق عرفت و على هذا الشرط صوحبت.
و كتب الإسكندر إلى أرسطوطاليس عظني فكتب إليه إذا صفت لك السلامة فجدد ذكر العطب و إذا اطمأن بك الأمن فاستشعر الخوف و إذا بلغت نهاية الأمل فاذكر الموت و إذا أحببت نفسك فلا تجعل لها نصيبا في الإساءة و قال شاعر فأحسن
كأنك لم تسمع بأخبار من مضى
و لم تر بالباقين ما صنع الدهر
فإن كنت لا تدري فتلك ديارهم
عفاها محال الريح بعدك و القطر
و هل أبصرت عيناك حيا بمنزل
على الدهر إلا بالعراء له قبر
فلا تحسبن الوفر مالا جمعته