کتابخانه روایات شیعه
شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد
قال ما أدري ما هو قال فأصبت بمالك قال لا قال فرزئت بولدك قال لا فقال ع إن الله ليكره العفريت النفريت الذي لا يرزأ في ولده و لا يصاب في ماله.
و جاء في بعض الآثار أشد الناس حسابا الصحيح الفارغ.
و في حديث حذيفة رضي الله عنه إن أقر يوم لعيني ليوم لا أجد فيه طعاما سمعت رسول الله ص يقول إن الله ليتعاهد عبده المؤمن بالبلاء كما يتعاهد الوالد ولده بالطعام و إن الله يحمي عبده المؤمن كما يحمي أحدكم المريض من الطعام.
و في الحديث المرفوع أيضا إذا أحب الله عبدا ابتلاه فإذا أحبه الحب البالغ اقتناه قالوا و ما اقتناؤه قال ألا يترك له مالا و لا ولدا.
مر موسى ع برجل كان يعرفه مطيعا لله قد مزقت السباع لحمه و أضلاعه و كبده ملقاة فوقف متعجبا فقال أي رب عبدك المطيع لك ابتليته بما أرى فأوحى الله إليه أنه سألني درجة لم يبلغها بعمله فجعلت له بما ترى سبيلا إلى تلك الدرجة.
و جاء في الحديث أن زكريا لم يزل يرى ولده يحيى مغموما باكيا مشغولا بنفسه فقال يا رب طلبت منك ولدا أنتفع به فرزقتنيه لا نفع لي فيه فقال له إنك طلبته وليا و الولي لا يكون إلا هكذا مسقاما فقيرا مهموما.
و قال سفيان الثوري كانوا لا يعدون الفقيه فقيها من لا يعد البلاء نعمة و الرخاء مصيبة.
جابر بن عبد الله يرفعه يود أهل العافية يوم القيامة أن لحومهم كانت تقرض بالمقاريض لما يرون من ثواب أهل البلاء.
124 [و من كلامه ع في التوقي من البرد و تلقيه]
وَ قَالَ ع تَوَقَّوُا الْبَرْدَ فِي أَوَّلِهِ وَ تَلَقَّوْهُ فِي آخِرِهِ فَإِنَّهُ يَفْعَلُ فِي الْأَبْدَانِ كَفِعْلِهِ فِي الْأَشْجَارِ أَوَّلُهُ يُحْرِقُ وَ آخِرُهُ يُورِقُ.
هذه مسألة طبيعية قد ذكرها الحكماء قالوا لما كان تأثير الخريف في الأبدان و توليده الأمراض كالزكام و السعال و غيرهما أكثر من تأثير الربيع مع أنهما جميعا فصلا اعتدال و أجابوا بأن برد الخريف يفجأ الإنسان و هو معتاد لحر الصيف فينكأ فيه و يسد مسام دماغه لأن البرد يكثف و يسد المسام فيكون كمن دخل من موضع شديد الحرارة إلى خيش بارد.
فأما المنتقل من الشتاء إلى فصل الربيع فإنه لا يكاد برد الربيع يؤذيه ذلك الأذى لأنه قد اعتاد جسمه برد الشتاء فلا يصادف من برد الربيع إلا ما قد اعتاد ما هو أكثر منه فلا يظهر لبرد الربيع تأثير في مزاجه فأما لم أورقت الأشجار و أزهرت في الربيع دون الخريف فلما في الربيع من الكيفيتين اللتين هما منبع النمو و النفس النباتية و هما الحرارة و الرطوبة و أما الخريف فخال من هاتين الكيفيتين و مستبدل بهما ضدهما
و هما البرودة و اليبس المنافيان للنشوء و حياة الحيوان و النبات فأما لم كان الخريف باردا يابسا و الربيع حارا رطبا مع أن نسبة كل واحد منهما إلى الفصلين الخارجين عن الاعتدال و هما الشتاء و الصيف نسبة واحدة فإن تعليل ذلك مذكور في الأصول الطبية و الكتب الطبيعية و ليس هذا الموضع مما يحسن أن يشرح فيه مثل ذلك
125 [و من كلامه ع في بيان عظمة الخالق و آثاره على العبد]
وَ قَالَ ع عِظَمُ الْخَالِقِ عِنْدَكَ يُصَغِّرُ الْمَخْلُوقَ فِي عَيْنِكَ.
لا نسبة للمخلوق إلى الخالق أصلا و خصوصا البشر لأنهم بالنسبة إلى فلك القمر كالذرة و نسبة فلك القمر كالذرة بالنسبة إلى قرص الشمس بل هم 11218 دون هذه النسبة مما 11219 يعجز الحاسب الحاذق عن حساب ذلك و فلك القمر بالنسبة إلى الفلك المحيط دون هذه النسبة و نسبة الفلك المحيط إلى الباري سبحانه كنسبة العدم المحض و النفي الصرف إلى الموجود البائن بل هذا القياس أيضا غير صحيح لأن المعدوم يمكن أن يصير موجودا بائنا و الفلك لا يتصور أن يكون صانع العالم الواجب الوجود لذاته.
و على الجملة فالأمر أعظم من كل عظيم و أجل من كل جليل و لا طاقة للعقول و الأذهان أن تعبر عن جلالة ذلك الجناب و عظمته بل لو قيل إنها لا طاقة لها أن تعبر عن جلال مصنوعاته الأولى المتقدمة علينا بالرتبة العقلية و الزمانية لكان ذلك القول حقا و صدقا فمن هو المخلوق ليقال إن عظم الخالق يصغره في العين و لكن كلامه ع محمول على مخاطبة العامة الذين تضيق أفهامهم عما ذكرناه
126 [و من كلامه ع في مخاطبة أهل القبور]
وَ قَالَ ع: وَ قَدْ رَجَعَ مِنْ صِفِّينَ فَأَشْرَفَ عَلَى الْقُبُورِ بِظَاهِرِ الْكُوفَةِ يَا أَهْلَ الدِّيَارِ الْمُوحِشَةِ وَ الْمَحَالِّ الْمُقْفِرَةِ وَ الْقُبُورِ الْمُظْلِمَةِ يَا أَهْلَ التُّرْبَةِ يَا أَهْلَ الْغُرْبَةِ يَا أَهْلَ الْوَحْدَةِ يَا أَهْلَ الْوَحْشَةِ أَنْتُمْ لَنَا فَرَطٌ سَابِقٌ وَ نَحْنُ لَكُمْ تَبَعٌ لَاحِقٌ أَمَّا الدُّورُ فَقَدْ سُكِنَتْ وَ أَمَّا الْأَزْوَاجُ فَقَدْ نُكِحَتْ وَ أَمَّا الْأَمْوَالُ فَقَدْ قُسِمَتْ هَذَا خَبَرُ مَا عِنْدَنَا فَمَا خَبَرُ مَا عِنْدَكُمْ ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ أَمَا [وَ اللَّهِ] لَوْ أُذِنَ لَهُمْ فِي الْكَلَامِ لَأَخْبَرُوكُمْ أَنَ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى .
الفرط المتقدمون و قد ذكرنا من كلام عمر ما يناسب هذا الكلام لما ظعن في القبور و عاد إلى أصحابه أحمر الوجه ظاهر العروق قال قد وقفت على قبور الأحبة فناديتها الحديث إلى آخره فقيل له فهل أجابتك قال نعم قالت إن خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى .
و قد جاء في حديث القبور و مخاطبتها و حديث الأموات و ما يتعلق بذلك شيء كثير يتجاوز الإحصاء.
و في وصية النبي ص أبا ذر رضي الله عنه زر القبور تذكر بها الآخرة و لا تزرها ليلا و غسل الموتى يتحرك قلبك فإن الجسد الخاوي 11220 عظة بليغة و صل على الموتى فإن ذلك يحزنك فإن الحزين في ظل الله.
وجد على قبر مكتوبا
مقيم إلى أن يبعث الله خلقه
لقاؤك لا يرجى و أنت رقيب
تزيد بلى في كل يوم و ليلة
و تنسى كما تبلى و أنت حبيب
و قال الحسن ع مات صديق لنا صالح فدفناه و مددنا على القبر ثوبا فجاء صلة بن أشيم فرفع طرف الثوب و نادى يا فلان
إن تنج منها تنج من ذي عظيمة
و إلا فإني لا إخالك ناجيا
.
و في الحديث المرفوع أنه ع كان إذا تبع الجنازة أكثر الصمات 11221 و رئي عليه كآبة ظاهرة و أكثر حديث النفس.
سمع أبو الدرداء رجلا يقول في جنازة من هذا فقال أنت فإن كرهت فأنا.
سمع الحسن ع امرأة تبكي خلف جنازة و تقول يا أبتاه مثل يومك لم أره فقال بل أبوك مثل يومه لم يره.
و كان مكحول إذا رأى جنازة قال اغد فإنا رائحون.
و قال ابن شوذب اطلعت امرأة صالحة في لحد فقالت لامرأة معها هذا كندوج العمل يعني خزانته و كانت تعطيها الشيء بعد الشيء تأمرها أن تتصدق به فتقول اذهبي فضعي هذا في كندوج العمل.
شاعر
أ جازعة ردينة أن أتاها
نعيي أم يكون لها اصطبار
إذا ما أهل قبري ودعوني
و راحوا و الأكف بها غبار
و غودر أعظمي في لحد قبر
تراوحه الجنائب و القطار
تهب الريح فوق محط قبري
و يرعى حوله اللهق النوار 11222
مقيم لا يكلمني صديق
بقفر لا أزور و لا أزار
فذاك النأي لا الهجران حولا
و حولا ثم تجتمع الديار .
و قال آخر
كأني بإخواني على حافتي قبري
يهيلونه فوقي و أدمعهم تجري
فيا أيها المذري علي دموعه
ستعرض في يومين عني و عن ذكري
عفا الله عني يوم أترك ثاويا
أزار فلا أدري و أجفي فلا أدري
و جاء في الحديث المرفوع ما رأيت منظرا إلا و القبر أفظع منه.