کتابخانه روایات شیعه
شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد
175 [و من كلامه ع في النهي عن تضييع الفرصة في الرأي ثم محاولة الاستدراك بعد أن فات وجه الرأي]
وَ قَالَ ع مَنِ اسْتَقْبَلَ وُجُوهَ الآْرَاءِ عَرَفَ مَوَاقِعَ الْخَطَإِ.
قد قالوا في المثل شر الرأي الدبري.
و قال الشاعر
و خير الرأي ما استقبلت منه
و ليس بأن تتبعه اتباعا .
و ليس المراد بهذا الأمر سرعة فضل الحال لأول خاطر و لأول رأي إن ذلك خطأ و قديما قيل دع الرأي يغب.
و قيل كل رأي لم يخمر و يبيت 11304 فلا خير فيه.
و إنما المنهي عنه تضييع الفرصة في الرأي ثم محاولة الاستدراك بعد أن فات وجه الرأي فذاك هو الرأي الدبري
176 [و من كلامه ع في إعانة الله تعالى من قوي على إزالة المنكر]
وَ قَالَ ع مَنْ أَحَدَّ سِنَانَ الْغَضَبِ لِلَّهِ قَوِيَ عَلَى قَتْلِ أَشِدَّاءِ الْبَاطِلِ.
هذا من باب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و الكلمة تتضمن استعارة تدل على الفصاحة و المعنى أن من أرهف عزمه على إنكار المنكر و قوي غضبه في ذات الله و لم يخف و لم يراقب مخلوقا أعانه الله على إزالة المنكر و إن كان قويا صادرا من جهة عزيزة الجانب و عنها وقعت الكناية بأشداء الباطل
177 [و من كلامه ع في أن كل أمر من خير أوشر يكون سماعه أعظم من عيانه]
وَ قَالَ ع إِذَا هِبْتَ أَمْراً فَقَعْ فِيهِ فَإِنَّ شِدَّةَ تَوَقِّيهِ أَعْظَمُ مِمَّا تَخَافُ مِنْهُ.
ما أحسن ما قال المتنبي في هذا المعنى
و إذا لم يكن من الموت بد
فمن العجز أن تكون جبانا
كل ما لم يكن من الصعب في الأنفس
سهل فيها إذا هو كانا .
و قال آخر
لعمرك ما المكروه إلا ارتقابه
و أعظم مما حل ما يتوقع .
و قال آخر
صعوبة الرزء تلقى في توقعه
مستقبلا و انقضاء الرزء أن يقعا .
و كان يقال توسط الخوف تأمن.
و من الأمثال العامية أم المقتول تنام و أم المهدد لا تنام.
و كان يقال كل أمر من خير أو شر فسماعه أعظم من عيانه.
و قال قوم من أهل الملة و ليسوا عند أصحابنا مصيبين إن عذاب الآخرة المتوعد به إذا حل بمستحقيه وجدوه أهون مما كانوا يسمعونه في الدنيا و الله أعلم بحقيقة ذلك
178 [و من كلامه ع في ما تتم به الرئاسة]
وَ قَالَ ع آلَةُ الرِّئَاسَةِ سَعَةُ الصَّدْرِ.
الرئيس محتاج إلى أمور منها الجود و منها الشجاعة و منها و هو الأهم سعة الصدر فإنه لا تتم الرئاسة إلا بذلك.
و كان معاوية واسع الصدر كثير الاحتمال و بذلك بلغ ما بلغ
سعة الصدر و ما ورد في ذلك من حكايات
و نحن نذكر من سعة الصدر حكايتين دالتين على عظم محله في الرئاسة و إن كان مذموما في باب الدين و ما أحسن قول الحسن فيه و قد ذكر عنده عقيب ذكر أبي بكر و عمر فقال كانا و الله خيرا منه و كان أسود منهما.
الحكاية الأولى وفد أهل الكوفة على معاوية حين خطب لابنه يزيد بالعهد بعده و في أهل الكوفة هانئ بن عروة المرادي و كان سيدا في قومه فقال يوما في مسجد دمشق و الناس حوله العجب لمعاوية يريد أن يقسرنا على بيعة يزيد و حاله حاله و ما ذاك و الله بكائن و كان
في القوم غلام من قريش جالسا فتحمل الكلمة إلى معاوية فقال معاوية أنت سمعت هانئا يقولها قال نعم قال فاخرج فأت حلقته فإذا خف الناس عنه فقل له أيها الشيخ قد وصلت كلمتك إلى معاوية و لست في زمن أبي بكر و عمر و لا أحب أن تتكلم بهذا الكلام فإنهم بنو أمية و قد عرفت جرأتهم و إقدامهم و لم يدعني إلى هذا القول لك إلا النصيحة و الإشفاق عليك فانظر ما يقول فأتني به.
فأقبل الفتى إلى مجلس هانئ فلما خف من عنده دنا منه فقص عليه الكلام و أخرجه مخرج النصيحة له فقال هانئ و الله يا ابن أخي ما بلغت نصيحتك كل ما أسمع و إن هذا الكلام لكلام معاوية أعرفه فقال الفتى و ما أنا و معاوية و الله ما يعرفني قال فلا عليك إذا لقيته فقل له يقول لك هانئ و الله ما إلى ذلك من سبيل انهض يا ابن أخي راشدا.
فقام الفتى فدخل على معاوية فأعلمه فقال نستعين بالله عليه.
ثم قال معاوية بعد أيام للوفد ارفعوا حوائجكم و هانئ فيهم فعرض عليه كتابه فيه ذكر حوائجه فقال يا هانئ ما أراك صنعت شيئا زد فقام هانئ فلم يدع حاجة عرضت له إلا و ذكرها ثم عرض عليه الكتاب فقال أراك قصرت فيما طلبت زد فقام هانئ فلم يدع حاجة لقومه و لا لأهل مصره إلا ذكرها ثم عرض عليه الكتاب فقال ما صنعت شيئا زد فقال يا أمير المؤمنين حاجة بقيت قال ما هي قال أن أتولى أخذ البيعة ليزيد ابن أمير المؤمنين بالعراق قال افعل فما زلت لمثل ذلك أهلا فلما قدم هانئ العراق قام بأمر البيعة ليزيد بمعونة من المغيرة بن شعبة و هو الوالي بالعراق يومئذ.
و أما الحكاية الثانية
كان مال حمل من اليمن إلى معاوية فلما مر بالمدينة وثب عليه الحسين بن علي ع فأخذه و قسمه في أهل بيته و مواليه و كتب إلى معاوية من الحسين بن علي إلى معاوية بن أبي سفيان أما بعد فإن عيرا مرت بنا من اليمن تحمل مالا و حللا و عنبرا و طيبا إليك لتودعها خزائن دمشق و تعل بها بعد النهل بني أبيك و إني احتجت إليها فأخذتها و السلام.
فكتب إليه معاوية من عند عبد الله معاوية أمير المؤمنين إلى الحسين بن علي سلام عليك أما بعد فإن كتابك ورد علي تذكر أن عيرا مرت بك من اليمن تحمل مالا و حللا و عنبرا و طيبا إلي لأودعها خزائن دمشق و أعل بها بعد النهل بني أبي و أنك احتجت إليها فأخذتها و لم تكن جديرا بأخذها إذ نسبتها إلي لأن الوالي أحق بالمال ثم عليه المخرج منه و ايم الله لو ترك ذلك حتى صار إلي لم أبخسك حظك منه و لكني قد ظننت يا ابن أخي أن في رأسك نزوة و بودي أن يكون ذلك في زماني فأعرف لك قدرك و أتجاوز عن ذلك و لكني و الله أتخوف أن تبتلي بمن لا ينظرك فواق ناقة و كتب في أسفل كتابه
يا حسين بن علي ليس ما
جئت بالسائغ يوما في العلل
أخذك المال و لم تؤمر به
إن هذا من حسين لعجل
قد أجزناها و لم نغضب لها
و احتملنا من حسين ما فعل
يا حسين بن علي ذا الأمل
لك بعدي وثبة لا تحتمل
و بودي أنني شاهدها
فإليها منك بالخلق الأجل
إنني أرهب أن تصلى بمن
عنده قد سبق السيف العذل .
و هذه سعة صدر و فراسة صادقة.
179 [و من كلامه ع في الرد على الإساءة بالإحسان]
وَ قَالَ ع ازْجُرِ الْمُسِيءَ بِثَوَابِ الْمُحْسِنِ.
قد قال ابن هانئ المغربي في هذا المعنى
لو لا انبعاث السيف و هو مسلط
في قتلهم قتلتهم النعماء .
فأفصح به أبو العتاهية في قوله
إذا جازيت بالإحسان قوما
زجرت المذنبين عن الذنوب
فما لك و التناول من بعيد