کتابخانه روایات شیعه
شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد
238 [و من كلامه ع في الظلم]
وَ قَالَ ع يَوْمُ الْمَظْلُومِ عَلَى الظَّالِمِ أَشَدُّ مِنْ يَوْمِ الظَّالِمِ عَلَى الْمَظْلُومِ.
قد تقدم الكلام في الظلم مرارا و كان يقال اذكر عند الظلم عدل الله تعالى فيك و عند القدرة قدرة الله تعالى عليك.
و إنما كان يوم المظلوم على الظالم أشد من يومه على المظلوم لأن ذلك اليوم يوم الجزاء الكلي و الانتقام الأعظم و قصارى 11406 أمر الظالم في الدنيا أن يقتل غيره فيميته ميتة واحدة ثم لا سبيل له بعد إماتته إلى أن يدخل عليه ألما آخر و أما يوم الجزاء فإنه يوم لا يموت الظالم فيه فيستريح 11407 بل عذابه دائم متجدد نعوذ بالله من سخطه و عقابه
239 [و من كلامه ع في لزوم التقوى و إن قلت]
وَ قَالَ ع اتَّقِ اللَّهَ بَعْضَ التُّقَى وَ إِنْ قَلَّ وَ اجْعَلْ بَيْنَكَ وَ بَيْنَ اللَّهِ سِتْراً وَ إِنْ رَقَّ.
يقال في المثل ما لا يدرك كله لا يترك كله.
فالواجب على من عسرت عليه التقوى بأجمعها أن يتقي الله في البعض و أن يجعل بينه و بينه سترا و إن كان رقيقا.
و في أمثال العامة اجعل بينك و بين الله روزنة 11408 و الروزنة لفظة صحيحة معربة أي لا تجعل ما بينك و بينه مسدودا مظلما بالكلية
240 [و من كلامه ع في تحري الإنصاف أثناء البحث و المناظرة]
وَ قَالَ ع إِذَا ازْدَحَمَ الْجَوَابُ خَفِيَ الصَّوَابُ.
هذا نحو أن يورد الإنسان إشكالا في بعض المسائل النظرية بحضرة جماعة من أهل النظر فيتغالب القوم و يتسابقون إلى الجواب عنه كل منهم يورد ما خطر له.
فلا ريب أن الصواب يخفى حينئذ و هذه الكلمة في الحقيقة أمر للناظر البحاث أن يتحرى الإنصاف في بحثه و نظره مع رفيقه و ألا يقصد المراء 11409 و المغالبة و القهر
241 [و من كلامه ع في أداء حق النعمة و شكرها]
وَ قَالَ ع إِنَّ لِلَّهِ تَعَالَى فِي كُلِّ نِعْمَةٍ حَقّاً فَمَنْ أَدَّاهُ زَادَهُ مِنْهَا وَ مَنْ قَصَّرَ فِيهِ خَاطَرَ بِزَوَالِ نِعْمَتِهِ.
قد تقدم الكلام في هذا المعنى
و جاء في الخبر من أوتي نعمة فأدى حق الله منها برد اللهفة و إجابة الدعوة و كشف المظلمة كان جديرا بدوامها [و من قصر قصر به] 11410 .
242 [و من كلامه ع في تأثير زيادة المقدرة على الشهوة]
وَ قَالَ ع إِذَا كَثُرَتِ الْمَقْدِرَةُ [الْمَقْدُرَةُ] قَلَّتِ الشَّهْوَةُ 11411 .
هذا مثل قولهم كل مقدور عليه مملول و مثل قول الشاعر
و كل كثير عدو الطبيعة .
و مثل قول الآخر
و أخ كثرت عليه حتى ملني
و الشيء مملول إذا هو يرخص
يا ليته إذ باع ودي باعه
ممن يزيد عليه لا من ينقص .
و لهذا الحكم علة في العلم العقلي و ذلك أن النفس عندهم غنية بذاتها مكتفية بنفسها غير محتاجة إلى شيء خارج عنها و إنما عرضت لها الحاجة و الفقر إلى ما هو خارج عنها لمقارنتها الهيولى و ذلك أن أمر الهيولى بالضد من أمر النفس في الفقر و الحاجة و لما كان الإنسان مركبا من النفس و الهيولى عرض له الشوق إلى تحصيل العلوم و القنيات 11412 لانتفاعه بهما و التذاذه بحصولهما فأما العلوم فإنه يحصلها في شبيه بالخزانة له يرجع إليها متى شاء و يستخرج منها ما أراد أعني القوى النفسانية التي هي محل الصور و المعاني على ما هو مذكور في موضعه و أما القنيات و المحسوسات
فإنه يروم منها مثل ما يروم من تلك و أن يودعها خزانة محسوسة خارجة عن ذاته لكنه يغلط في ذلك من حيث يستكثر منها إلى أن يتنبه بالحكمة على ما ينبغي أن يقتني منها و إنما حرص على ما منع لأن الإنسان إنما يطلب ما ليس عنده لأن تحصيل الحاصل محال و الطلب إنما يتوجه إلى المعدوم لا إلى الموجود فإذا حصله سكن و علم أنه قد ادخره و متى رجع إليه وحده إن كان مما يبقى بالذات خزنه و تشوق إلى شيء آخر منه و لا يزال كذلك إلى أن يعلم أن الجزئيات لا نهاية لها و ما لا نهاية له فلا مطمع في تحصيله و لا فائدة في النزوع إليه و لا وجه لطلبه سواء كان معلوما أو محسوسا فوجب أن يقصد من المعلومات إلى الأهم و من المقتنيات إلى ضرورات البدن و مقيماته و يعدل عن الاستكثار منها فإن حصولها كلها مع أنها لا نهاية لها غير ممكن و كلما فضل عن الحاجة و قدر الكفاية فهو مادة الأحزان و الهموم و ضروب المكاره و الغلط في هذا الباب كثير و سبب ذلك طمع الإنسان في الغنى من معدن الفقر لأن الفقر هو الحاجة و الغنى هو الاستقلال إلى أن يحتاج إليه و لذلك قيل إن الله تعالى غني مطلقا لأنه غير محتاج البتة فأما من كثرت قنياته فإنه يستكثر حاجاته بحسب كثرة قنياته و على قدرها رغبه إلى الاستكثار بكثرة وجوه فقره و قد بين ذلك في شرائع الأنبياء و أخلاق الحكماء فأما الشيء الرخيص الموجود كثيرا فإنما يرغب عنه لأنه معلوم أنه إذا التمس وجد و الغالي فإنما يقدر عليه في الأحيان و يصيبه الواحد بعد الواحد و كل إنسان يتمنى أن يكون ذلك الواحد ليصيبه و ليحصل له ما لا يحصل لغيره
243 [و من كلامه ع في الشكر على النعمة و ترك المعاصي]
وَ قَالَ ع احْذَرُوا نِفَارَ النِّعَمِ فَمَا كُلُّ شَارِدٍ بِمَرْدُودٍ.
هذا أمر بالشكر على النعمة و ترك المعاصي فإن المعاصي تزيل النعم كما قيل
إذا كنت في نعمة فارعها
فإن المعاصي تزيل النعم
و قال بعض السلف كفران النعمة بوار و قلما أقلعت نافرة فرجعت في نصابها فاستدع شاردها بالشكر و استدم راهنها بكرم الجوار و لا تحسب أن سبوغ ستر الله عليك غير متقلص عما قليل عنك إذا أنت لم ترج لله وقارا.
و قال أبو عصمة شهدت سفيان و فضيلا 11413 فما سمعتهما يتذاكران إلا النعم يقولان أنعم الله سبحانه علينا بكذا و فعل بنا كذا.
و قال الحسن 11414 إذا استوى يوماك فأنت ناقص قيل له كيف ذاك قال إن زادك الله اليوم نعما فعليك أن تزداد غدا له شكرا.
و كان يقال الشكر جنة 11415 من الزوال و أمنة من الانتقال.