کتابخانه روایات شیعه
شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد
363 [و من كلامه ع في تعزيته قوما مات لهم ميت]
وَ عَزَّى قَوْماً عَنْ مَيِّتٍ مَاتَ لَهُمْ فَقَالَ ع إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ لَيْسَ [بِكُمْ] لَكُمْ بَدَأَ وَ لَا إِلَيْكُمُ انْتَهَى وَ قَدْ كَانَ صَاحِبُكُمْ هَذَا يُسَافِرُ [فَقَالُوا نَعَمْ- قَالَ] فَعُدُّوهُ فِي بَعْضِ [سَفَرَاتِهِ] أَسْفَارِهِ فَإِنْ قَدِمَ عَلَيْكُمْ وَ إِلَّا قَدِمْتُمْ عَلَيْهِ.
قد ألم إبراهيم بن المهدي ببعض هذا في شعره الذي رثى به ولده فقال
يئوب إلى أوطانه كل غائب
و أحمد في الغياب ليس يئوب 11562
تبدل دارا غير داري و جيرة
سواي و أحداث الزمان تنوب
أقام بها مستوطنا غير أنه
على طول أيام المقام غريب 11563
و إني و إن قدمت قبلي لعالم
بأني و إن أبطأت عنك قريب
و إن صباحا نلتقي في مسائه
صباح إلى قلبي الغداة حبيب
364 [و من كلامه ع في استدراج المترف الغني و اختبار الفقير الشقي]
وَ قَالَ ع أَيُّهَا النَّاسُ [لِيَرَاكُمُ] لِيَرَكُمُ اللَّهُ مِنَ النِّعْمَةِ وَجِلِينَ كَمَا يَرَاكُمْ مِنَ النِّقْمَةِ فَرِقِينَ إِنَّهُ مَنْ وُسِّعَ عَلَيْهِ فِي ذَاتِ يَدِهِ فَلَمْ يَرَ ذَلِكَ اسْتِدْرَاجاً فَقَدْ أَمِنَ مَخُوفاً وَ مَنْ ضُيِّقَ عَلَيْهِ فِي ذَاتِ يَدِهِ فَلَمْ يَرَ ذَلِكَ اخْتِبَاراً فَقَدْ ضَيَّعَ مَأْمُولًا.
قد تقدم القول في استدراج المترف الغني و اختبار الفقير الشقي و أنه يجب على الإنسان و إن كان مشمولا بالنعمة أن يكون وجلا 11564 كما يجب عليه إذا كان فقيرا أن يكون شكورا صبورا
365 [و من كلامه ع في الدنيا و الرغبة فيها]
وَ قَالَ ع يَا أَسْرَى الرَّغْبَةِ [اقْصُرُوا] أَقْصِرُوا فَإِنَّ الْمُعَرِّجَ عَلَى الدُّنْيَا لَا يَرُوعُهُ مِنْهَا إِلَّا صَرِيفُ أَنْيَابِ الْحِدْثَانِ أَيُّهَا النَّاسُ تَوَلَّوْا عَنْ أَنْفُسِكُمْ تَأْدِيبَهَا وَ اعْدِلُوا بِهَا عَنْ [ضِرَايَةِ] ضَرَاوَةِ عَادَاتِهَا.
ضرى يضري ضراية مثل رمى يرمي رماية أي جرى و سال ذكره ابن الأعرابي و عليه ينبغي أن يحمل كلام أمير المؤمنين ع أي اعدلوا بها عن عاداتها الجارية من باب إضافة الصفة إلى الموصوف و هذا خير من تفسير الراوندي و قوله إنه من ضري الكلب بالصيد لأن المصدر من ذلك الضراوة بالواو و فتح الضاد و لم يأت فيه ضراية.
و قوله يا أسرى الرغبة كلمة فصيحة و كذلك قوله لا يروعه منها إلا صريف أنياب الحدثان و ذلك لأن الفهد إذا وثب و الذئب إذا حمل يصرف نابه و يقولون لكل خطب و داهية جاءت تصرف نابها و الصريف صوت الأسنان إما عند رعدة أو عند شدة الغضب و الحنق و الحرص على الانتقام أو نحو ذلك.
و قد تقدم الكلام في الدنيا و الرغبة فيها و غدرها و حوادثها و وجوب العدول عنها و كسر عادية عادات السوء المكتسبة فيها
366 [و من كلامه ع في حمل كلمة السوء على أحسن المحامل]
وَ قَالَ ع لَا تَظُنَّنَّ بِكَلِمَةٍ خَرَجَتْ مِنْ أَحَدٍ سُوءاً وَ أَنْتَ تَجِدُ لَهَا فِي الْخَيْرِ مُحْتَمَلًا 11565 .
هذه الكلمة يرويها كثير من الناس لعمر بن الخطاب و يرويها بعضهم لأمير المؤمنين ع و كان ثمامة يحدث بسؤدد يحيى بن خالد و ابنه جعفر و يقول إن الرشيد نكب علي بن عيسى بن ماهان 11566 و ألزمه مائة ألف دينار أدى منها خمسين ألفا و يلح بالباقي فأقسم الرشيد إن لم يؤد المال في بقية هذا اليوم و إلا قتله و كان علي بن عيسى عدوا للبرامكة مكاشفا فلما علم أنه مقتول سأل أن يمكن من السعي إلى الناس يستنجدهم ففسح له في ذلك فمضى و معه وكيل الرشيد و أعوانه إلى باب يحيى و جعفر فأشبلا عليه 11567 و صححا من صلب أموالهما خمسين ألف دينار في باقي نهار ذلك اليوم بديوان الرشيد باسم علي بن عيسى و استخلصاه فنقل بعض المتنصحين لهما إليهما أن علي بن عيسى قال في آخر نهار ذلك اليوم متمثلا
فما بقيا علي تركتماني
و لكن خفتما صرد النبال 11568
فقال يحيى للناقل إليه ذلك يا هذا إن المرعوب ليسبق لسانه إلى ما لم يخطر بقلبه. 11569
قال جعفر و من أين لنا أنه تمثل بذلك و عنانا و لعله أراد أمرا آخر فكان ثمامة يقول ما في الأرض أسود من رجل يتأول كلام عدوه فيه و يحمله على أحسن محامله.
و قال الشاعر
إذا ما أتت من صاحب لك زلة
فكن أنت محتالا لزلته عذرا 11570
367 [و من كلامه ع في طلب الصلاة على النبي ص و آله قبل سؤال الحاجة من الله تعالى]
وَ قَالَ ع إِذَا كَانَتْ لَكَ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ حَاجَةٌ فَابْدَأْ بِمَسْأَلَةِ الصَّلَاةِ عَلَى رَسُولِهِ ص ثُمَّ سَلْ حَاجَتَكَ فَإِنَّ اللَّهَ أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يُسْأَلَ حَاجَتَيْنِ فَيَقْضِيَ إِحْدَاهُمَا وَ يَمْنَعَ الْأُخْرَى.
هذا الكلام على حسب الظاهر الذي يتعارفه الناس بينهم و هو ع يسلك هذا المسلك كثيرا و يخاطب الناس على قدر عقولهم و أما باطن الأمر فإن الله تعالى لا يصلي على النبي ص لأجل دعائنا إياه أن يصلي عليه لأن معنى قولنا اللهم صل على محمد أي أكرمه و ارفع درجته و الله سبحانه قد قضى له بالإكرام التام و رفعة الدرجة من دون دعائنا و إنما تعبدنا نحن بأن نصلي عليه لأن لنا ثوابا في ذلك لا لأن إكرام الله تعالى له أمر يستعقبه و يستتبعه دعاؤنا.
و أيضا فأي غضاضة على الكريم إذا سئل حاجتين فقضى إحداهما دون الأخرى إن كان عليه في ذلك غضاضة فعليه في رد الحاجة الواحدة غضاضة أيضا
368 [و من كلامه ع في المراء]
وَ قَالَ ع مَنْ ضَنَّ بِعِرْضِهِ فَلْيَدَعِ الْمِرَاءَ.
قد تقدم من القول في المراء ما فيه كفاية و حد المراء الجدال المتصل لا يقصد به الحق.
و قيل لميمون بن مهران ما لك لا تفارق أخا لك عن قلى قال لأني لا أشاريه و لا أماريه.
و كان يقال ما ضل قوم بعد إذ هداهم الله [تعالى] 11571 إلا بالمراء و الإصرار في الجدال على نصرة الباطل.