کتابخانه روایات شیعه
شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد
الفاضلات و هي أول شهيدة في الإسلام
و قد كانت قريش أخذت ياسرا و سمية و ابنيهما و بلالا و خبابا و صهيبا فألبسوهم أدراع الحديد و صهروهم في الشمس حتى بلغ الجهد منهم كل مبلغ فأعطوهم ما سألوا من الكفر و سب النبي ص ثم جاء إلى كل واحد منهم قومه بأنطاع الأدم فيها الماء فألقوهم فيها ثم حملوا بجوانبها فلما كان العشي جاء أبو جهل فجعل يشتم سمية و يرفث ثم وجأها بحربة في قبلها فقتلها فهي أول من استشهد في الإسلام فقال عمار للنبي ص يا رسول الله بلغ العذاب من أمي كل مبلغ فقال صبرا يا أبا اليقظان اللهم لا تعذب أحدا من آل ياسر بالنار قال أبو عمر و فيهم أنزل إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ 11810 .
قال و هاجر عمار إلى أرض الحبشة و صلى القبلتين و شهد بدرا و المشاهد كلها و أبلى بَلاءً حَسَناً ثم شهد اليمامة فأبلى فيها أيضا و يومئذ قطعت أذنه.
قال و ذكر الواقدي عن عبد الله بن نافع عن أبيه عن عبد الله بن عمر قال رأيت عمار بن ياسر يوم اليمامة على صخرة و قد أشرف يصيح يا معشر المسلمين أ من الجنة تفرون أنا عمار بن ياسر هلموا إلي و أنا أنظر إلى أذنه قد قطعت فهي تذبذب و هو يقاتل أشد القتال.
قال أبو عمر و كان عمار طويلا أشهل بعيد ما بين المنكبين قال و قد قيل في صفته كان آدم طوالا مضطربا أشهل العينين بعيد ما بين المنكبين رجلا لا يغير شيبه.
قال و كان عمار يقول أنا ترب 11811 رسول الله ص لم يكن أحد أقرب إليه سنا مني.
قال و قتل عمار و هو ابن ثلاث و تسعين سنة
و الخبر المرفوع مشهور في حقه تقتلك الفئة الباغية.
و هو من دلائل نبوة رسول الله ص لأنه إخبار عن غيب.
و قال رسول الله ص في عمار ملئ إيمانا إلى مشاشه 11812 و يروى إلى أخمص قدميه.
و فضائل عمار كثيرة و قد تقدم القول في ذكر عمار و أخباره و ما ورد في حقه
414 [و من كلامه ع في تواضع الأغنياء للفقراء]
وَ قَالَ ع: مَا أَحْسَنَ تَوَاضُعَ الْأَغْنِيَاءِ لِلْفُقَرَاءِ طَلَباً لِمَا عِنْدَ اللَّهِ وَ أَحْسَنُ مِنْهُ تِيهُ الْفُقَرَاءِ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ اتِّكَالًا عَلَى اللَّهِ [سُبْحَانَهُ].
قد تقدم شرح مثل هذه الكلمة مرارا.
و قال الشاعر
قنعت فأعتقت نفسي و لن
أملك ذا ثروة رقها
و نزهتها عن سؤال الرجال
و منة من لا يرى حقها
و إن القناعة كنز اللبيب
إذا ارتتقت فتقت رتقها
سيبعث رزق الشفاه الغراث
و خمص البطون الذي شقها 11813
فما فارقت مهجة جسمها
لعمرك أو وفيت رزقها
مواعيد ربك مصدوقة
إذا غيرها ففقدت صدقها
415 [و من كلامه ع في مدح العقل]
قَالَ ع: مَا اسْتَوْدَعَ اللَّهُ امْرَأً عَقْلًا إِلَّا [لِيَسْتَنْقِذَهُ] اسْتَنْقَذَهُ بِهِ يَوْماً مَا.
لا بد أن يكون للبارئ تعالى في إيداع العقل قلب زيد مثلا غرض و لا غرض إلا أن يستدل به على ما فيه نجاته و خلاصه و ذلك هو التكليف فإن قصر في النظر و جهل و أخطأ الصواب فلا بد أن ينقذه عقله من ورطة من ورطات الدنيا و ليس يخلو أحد عن ذلك أصلا لأن كل عاقل لا بد أن يتخلص من مضرة سبيلها أن تنال بإعمال فكرته و عقله في الخلاص منها فالحاصل أن العقل إما أن ينقذ الإنقاذ الديني و هو الفلاح و النجاح على الحقيقة أو ينقذ من بعض مهالك الدنيا و آفاتها و على كل حال فقد صح قول أمير المؤمنين ع و قد رويت هذه الكلمة مرفوعة و رويت إلا استنقذه به يوما ما.
و عنه ص العقل نور في القلب يفرق به بين الحق و الباطل.
و عن أنس قال سئل رسول الله ص عن الرجل يكون حسن العقل كثير الذنوب فقال ما من بشر إلا و له ذنوب و خطايا يقترفها فمن كانت سجيته العقل و غريزته اليقين لم تضره ذنوبه قيل كيف ذلك يا رسول الله قال
كلما أخطأ لم يلبث أن يتدارك ذلك بتوبة و ندامة على ما فرط منه فيمحو ذنوبه و يبقى له فضل يدخل به الجنة.
[نكت في مدح العقل و ما قيل فيه]
و قد تقدم من قولنا في العقل و ما ذكر فيه ما فيه كفاية و نحن نذكر هاهنا شيئا آخر كان يقال العاقل يروي ثم يروي و يخبر ثم يخبر.
و قال عبد الله بن المعتز ما أبين وجوه الخير و الشر في مرآة العقل.
لقمان يا بني شاور من جرب الأمور فإنه يعطيك من رأيه ما قام عليه بالغلاء و تأخذه أنت بالمجان.
أردشير بن بابك أربعة تحتاج إلى أربعة الحسب إلى الأدب و السرور إلى الأمن و القرابة إلى المودة و العقل إلى التجربة.
الإسكندر لا تحتقر الرأي الجزيل من الحقير فإن الدرة لا يستهان بها لهوان غائصها.
مسلمة بن عبد الملك ما ابتدأت أمرا قط بحزم فرجعت على نفسي بلائمة و إن كانت العاقبة علي و لا أضعت الحزم فسررت و إن كانت العاقبة لي.
وصف رجل عضد الدولة بن بويه فقال لو رأيته لرأيت رجلا له وجه فيه ألف عين و فم فيه ألف لسان و صدر فيه ألف قلب.
أثنى قوم من الصحابة على رجل عند رسول الله ص بالصلاة و العبادة و خصال الخير حتى بالغوا فقال ص كيف عقله قالوا يا رسول الله
نخبرك باجتهاده في العبادة و ضروب الخير و تسأل عن عقله فقال إن الأحمق ليصيب بحمقه أعظم مما يصيبه الفاجر بفجوره و إنما ترتفع العباد غدا في درجاتهم و ينالون من الزلفى من ربهم على قدر عقولهم.
الريحاني العقل ملك و الخصال رعيته فإذا ضعف عن القيام عليها وصل الخلل إليها و سمع هذا الكلام أعرابي فقال هذا كلام يقطر عسله.
قال معن بن زائدة ما رأيت قفا رجل إلا عرفت عقله قيل فإن رأيت وجهه قال ذا كتاب يقرأ.
بعض الفلاسفة عقل الغريزة مسلم إلى عقل التجربة.
بعضهم كل شيء إذا كثر رخص إلا العقل فإنه إذا كثر غلا.
قالوا في قوله تعالى لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا 11814 أي من كان عاقلا.
و من كلامهم العاقل بخشونة العيش مع العقلاء آنس منه بلين العيش مع السفهاء.
أعرابي لو صور العقل أظلمت معه الشمس و لو صور الحمق لأضاء معه الليل.
قيل لحكيم متى عقلت قال حين ولدت فأنكروا ذلك فقال أما أنا فقد بكيت حين جعت و طلبت الثدي حين احتجت و سكت حين أعطيت يريد أن من عرف مقادير حاجته فهو عاقل.
المأمون إذا أنكرت من عقلك شيئا فاقدحه بعاقل.
بزرجمهر العاقل الحازم إذا أشكل عليه الرأي بمنزلة من أضل لؤلؤة فجمع ما حول مسقطها من التراب ثم التمسها حتى وجدها و كذلك العاقل يجمع وجوه
الرأي في الأمر المشكل ثم يضرب بعضها في بعض حتى يستخلص الرأي الأصوب.
كان يقال هجين عاقل خير من هجان جاهل.
كان بعضهم إذا استشير قال لمشاوره أنظرني حتى أصقل عقلي بنومة.
إذا نزلت المقادير نزلت التدابير من نظر في المغاب ظفر بالمحاب من استدت عزائمه اشتدت دعائمه الرأي السديد أجدى من الأيد الشديد.
بعضهم
و ما ألف مطرور السنان مشدد
يعارض يوم الروع رأيا مسددا .
أبو الطيب
الرأي قبل شجاعة الشجعان
هو أول وهى المحل الثاني 11815
فإذا هما اجتمعا لنفس حرة
بلغت من العلياء كل مكان
و لربما طعن الفتى أقرانه
بالرأي قبل تطاعن الأقران
لو لا العقول لكان أدنى ضيغم
أدنى إلى شرف من الإنسان
و لما تفاضلت النفوس و دبرت
أيدي الكماة عوالي المران .
ذكر المأمون ولد علي ع فقال خصوا بتدبير الآخرة و حرموا تدبير الدنيا.