کتابخانه روایات شیعه
شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد
و قالت الحرقة بنت النعمان بن المنذر
و بينا نسوس الناس و الأمر أمرنا
إذا نحن فيهم سوقة نتنصف 11823 .
و قال الشاعر
أستقدر الله خيرا و أرضين به
فبينما العسر إذ دارت مياسير
و بينما المرء في الأحياء مغتبط
إذ صار في اللحد تعفوه الأعاصير .
و مما جاء في وصف الدنيا مما يناسب كلام أمير المؤمنين قول أبي العتاهية
إن دارا نحن فيها لدار
ليس فيها لمقيم قرار
كم و كم قد حلها من أناس
ذهب الليل بهم و النهار
فهم الركب قد أصابوا مناخا
فاسترحوا ساعة ثم ساروا
و كذا الدنيا على ما رأينا
يذهب الناس و تخلو الديار
424 [و من كلامه ع في وصيته لابنه الحسن ع]
وَ قَالَ ع لِابْنِهِ الْحَسَنِ ع [يَا بُنَيَ] لَا تُخَلِّفَنَّ وَرَاءَكَ شَيْئاً مِنَ الدُّنْيَا فَإِنَّكَ تَخَلِّفُهُ لِأَحَدِ رَجُلَيْنِ إِمَّا رَجُلٌ عَمِلَ فِيهِ بِطَاعَةِ اللَّهِ فَسَعِدَ بِمَا شَقِيتَ بِهِ وَ إِمَّا رَجُلٌ عَمِلَ فِيهِ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ فَشَقِيَ بِمَا جَمَعْتَ لَهُ فَكُنْتَ عَوْناً لَهُ عَلَى مَعْصِيَتِهِ وَ لَيْسَ أَحَدُ هَذَيْنِ حَقِيقاً أَنْ تُؤْثِرَهُ عَلَى نَفْسِكَ قَالَ الرَّضِيُّ وَ يُرْوَى هَذَا الْكَلَامُ عَلَى وَجْهٍ آخَرَ وَ هُوَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الَّذِي فِي [يَدَيْكَ] يَدِكَ مِنَ الدُّنْيَا قَدْ كَانَ لَهُ أَهْلٌ قَبْلَكَ وَ هُوَ صَائِرٌ إِلَى أَهْلٍ بَعْدَكَ وَ إِنَّمَا أَنْتَ جَامِعٌ لِأَحَدِ رَجُلَيْنِ رَجُلٍ عَمِلَ فِيمَا جَمَعْتَهُ بِطَاعَةِ اللَّهِ فَسَعِدَ بِمَا شَقِيتَ بِهِ أَوْ رَجُلٍ عَمِلَ [فِيمَا جَمَعْتَهُ] فِيهِ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ [فَشَقِيَ] فَشَقِيتَ بِمَا جَمَعْتَ لَهُ وَ لَيْسَ أَحَدُ هَذَيْنِ أَهْلًا أَنْ تُؤْثِرَهُ عَلَى نَفْسِكَ [أَوْ] وَ لَا أَنْ تَحْمِلَ لَهُ عَلَى ظَهْرِكَ فَارْجُ لِمَنْ مَضَى رَحْمَةَ اللَّهِ وَ لِمَنْ بَقِيَ رِزْقَ اللَّهِ [تَعَالَى].
روي فإنك لا تخلفه إلا لأحد رجلين و هذا الفصل نهي عن الادخار و قد سبق لنا فيه كلام مقنع.
و خلاصة هذا الفصل أنك إن خلفت مالا فإما أن تخلفه لمن يعمل فيه بطاعة الله أو لمن يعمل فيه بمعصيته فالأول يسعد بما شقيت به أنت و الثاني يكون معانا
منك على المعصية بما تركته له من المال و كلا الأمرين مذموم و إنما قال له فارج لمن مضى رحمة الله و لمن بقي رزق الله لأنه قال في أول الكلام قد كان لهذا المال أهل قبلك و هو صائر إلى أهل بعدك.
و الكلام في ذم الادخار و الجمع كثير و للشعراء فيه مذاهب واسعة و معان حسنة و قال بعضهم
يا جامعا مانعا و الدهر يرمقه
مدبرا أي باب عنه يغلقه
و ناسيا كيف تأتيه منيته
أ غاديا أم بها يسري فتطرقه
جمعت مالا فقل لي هل جمعت له
يا جامع المال أياما تفرقه
المال عندك مخزون لوارثه
ما المال مالك إلا يوم تنفقه
أرفه ببال فتى يغدو على ثقة
أن الذي قسم الأرزاق يرزقه
فالعرض منه مصون لا يدنسه
و الوجه منه جديد ليس يخلقه
إن القناعة من يحلل بساحتها
لم يلق في ظلها هما يؤرقه
425 [و من كلامه ع في الاستغفار و التوبة]
وَ قَالَ ع لِقَائِلٍ قَالَ بِحَضْرَتِهِ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ أَ تَدْرِي مَا الِاسْتِغْفَارُ [إِنَّ لِلِاسْتِغْفَارِ دَرَجَةَ الْعِلِّيِّينَ] الِاسْتِغْفَارُ دَرَجَةُ الْعِلِّيِّينَ وَ هُوَ اسْمٌ وَاقِعٌ عَلَى سِتَّةِ مَعَانٍ أَوَّلُهَا النَّدَمُ عَلَى مَا مَضَى وَ الثَّانِي الْعَزْمُ عَلَى تَرْكِ الْعَوْدِ إِلَيْهِ أَبَداً وَ الثَّالِثُ أَنْ تُؤَدِّيَ إِلَى الْمَخْلُوقِينَ حُقُوقَهُمْ حَتَّى تَلْقَى اللَّهَ [عَزَّ وَ جَلَ] أَمْلَسَ لَيْسَ عَلَيْكَ تَبِعَةٌ وَ الرَّابِعُ أَنْ تَعْمِدَ إِلَى كُلِّ فَرِيضَةٍ عَلَيْكَ ضَيَّعْتَهَا فَتُؤَدِّيَ حَقَّهَا وَ الْخَامِسُ أَنْ تَعْمِدَ إِلَى اللَّحْمِ الَّذِي نَبَتَ عَلَى السُّحْتِ فَتُذِيبَهُ بِالْأَحْزَانِ حَتَّى تُلْصِقَ الْجِلْدَ بِالْعَظْمِ وَ يَنْشَأَ بَيْنَهُمَا لَحْمٌ جَدِيدٌ وَ السَّادِسُ أَنْ تُذِيقَ الْجِسْمَ أَلَمَ الطَّاعَةِ كَمَا أَذَقْتَهُ حَلَاوَةَ الْمَعْصِيَةِ فَعِنْدَ ذَلِكَ تَقُولُ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ.
قد روي أن الاستغفار درجة العليين.
فيكون على تقدير حذف مضاف أي أن درجة الاستغفار درجة العليين و على الرواية الأولى يكون على تقدير حذف مضاف أي أن لصاحب الاستغفار درجة العليين و هو هاهنا جمع على فعيل كضليل و خمير تقول هذا رجل علي أي كثير العلو و منه العلية للغرفة على إحدى اللغتين و لا يجوز أن يفسر بما فسر به الراوندي من قوله إنه اسم السماء السابعة و نحو قوله هو سدرة المنتهى و نحو قوله هو موضع تحت قائمة العرش اليمنى لأنه لو كان كذلك لكان
علما فلم تدخله اللام كما لا يقال الجهنم و كذلك أيضا لا يجوز تفسيره بما فسره الراوندي أيضا قال العليين جمع علي الأمكنة في السماء لأنه لو كان كذلك لم يجمع بالنون لأنها تختص بمن يعقل و تصلح أن تكون الوجوه الأولى تفسيرا لقوله تعالى كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ 11824 .
قوله نبت على السحت أي على الحرام يقال سحت بالتسكين و سحت بالضم و أسحت الرجل في تجارته أي اكتسب السحت
[فصل في الاستغفار و التوبة] [و من كلامه ع في]
و ينبغي أن نذكر في هذا الموضوع كلاما مختصرا مما يقوله أصحابنا في التوبة فإن كلام أمير المؤمنين هو الأصل الذي أخذ منه أصحابنا مقالتهم و الذي يقولونه في التوبة فقد أتى على جوامعه ع في هذا الفصل على اختصاره.
قال أصحابنا الكلام في التوبة يقع من وجوه منها الكلام في ماهية التوبة و الكلام في إسقاطها الذم و العقاب و الكلام في أنه يجب علينا فعلها و الكلام في شرطها أما ماهية التوبة فهي الندم و العزم لأن التوبة هي الإنابة و الرجوع و ليس يمكن أن يرجع الإنسان عما فعله إلا بالندم عليه و العزم على ترك معاودته و ما يتوب الإنسان منه إما أن يكون فعلا قبيحا و إما أن يكون إخلالا بواجب فالتوبة من الفعل القبيح هي أن يندم عليه و يعزم ألا يعود إلى مثله و عزمه على ذلك هو كراهيته لفعله و التوبة من الإخلال بالواجب هي أن يندم على إخلاله بالواجب
و يعزم على أداء الواجب فيما بعد فأما القول في أن التوبة تسقط العذاب فعندنا أن العقل يقتضي قبح العقاب بعد التوبة و خالف أكثر المرجئة في ذلك من الإمامية و غيرهم و احتج أصحابنا بقبح عقوبة المسيء إلينا بعد ندمه و اعتذاره و تنصله و العلم بصدقه و العلم بأنه عازم على ألا يعود.
فأما القول في وجوب التوبة على العصاة فلا ريب أن الشرع يوجب ذلك فأما العقل فالقول فيه أنه لا يخلو المكلف إما أن يعلم أن معصيته كبيرة أو يعلم أنها صغيرة أو يجوز فيها كلا الأمرين فإن علم كونها كبيرة وجب عليه في العقول التوبة منها لأن التوبة مزيلة لضرر الكبيرة و إزالة المضار واجبة في العقول و إن جوز كونها كبيرة و جوز كونها صغيرة لزمه أيضا في العقل التوبة منها لأنه يأمن بالتوبة من مضرة مخوفة و فعل ما يؤمن من المضار المخوفة واجب و إن علم أن معصيته صغيرة و ذلك كمعاصي الأنبياء و كمن عصى ثم علم بإخبار نبي أن معصيته صغيرة محبطة فقد قال الشيخ أبو علي إن التوبة منها واجبة في العقول لأنه إن لم يتب كان مصر ا و الإصرار قبيح.
و قال الشيخ أبو هاشم لا تجب التوبة منها في العقل بالشرع لأن فيها مصلحة يعلمها الله تعالى قال إنه يجوز أن يخلو الإنسان من التوبة عن الذنب و من الإصرار عليه لأن الإصرار عليه هو العزم على معاودة مثله و التوبة منه أن يكره معاودة مثله مع الندم على ما مضى و يجوز أن يخلو الإنسان من العزم على الشيء و من كراهته.
و مال شيخنا أبو الحسين رحمه الله إلى وجوب التوبة هاهنا عقلا لدليل غير دليل أبي علي رحمه الله.
فأما القول في صفات التوبة و شروطها فإنها على ضربين أحدهما يعم 11825 كل توبة و الآخر يختلف بحسب اختلاف ما يتاب منه فالأول هو الندم و العزم على ترك المعاودة.
و أما الضرب الثاني فهو أن ما يتوب منه المكلف إما أن يكون فعلا أو إخلالا بواجب فإن كان فعلا قبيحا وجب عند الشيخ أبي هاشم رحمه الله أن يندم عليه لأنه فعل قبيح و أن يكره معاودة مثله لأنه قبيح و إن كان إخلالا بواجب وجب عليه عنده أن يندم عليه لأنه إخلال بواجب و أن يعزم على فعل مثل ما أخل به لأنه واجب فإن ندم خوف النار فقط أو شوقا إلى الجنة فقط أو لأن القبيح الذي فعله يضر ببدنه كانت توبته صحيحة 11826 و إن ندم على القبيح لقبحه و لخوف النار و كان لو انفرد قبحه ندم عليه فإن توبته تكون صحيحة و إن كان لو انفرد القبح لم يندم عليه فإنه لا تكون توبته صحيحة عنده و الخلاف فيه مع الشيخ أبي علي و غيره من الشيوخ رحمهم الله و إنما اختار أبو هاشم هذا القول لأن التوبة تجري مجرى الاعتذار بيننا و معلوم أن الواحد منا لو أساء إلى غيره ثم ندم على إساءته إليه و اعتذر منها خوفا من معاقبته له عليها أو من معاقبة السلطان حتى لو أمن العقوبة لما اعتذر و لا ندم بل كان يواصل الإساءة فإنه لا يسقط ذمه فكذلك التوبة خوف النار لا لقبح الفعل.
و قد نقل قاضي القضاة هذا المذهب عن أمير المؤمنين ع و الحسن البصري و علي بن موسى الرضا و القاسم بن إبراهيم الزينبي.