کتابخانه روایات شیعه
شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد
و قال من كره الأناة و ذمها لو كانت الأناة محمودة و العجلة مذمومة لما قال موسى لربه وَ عَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى 12015 .
و أنشدوا
عيب الأناة و إن سرت عواقبها
أن لا خلود و أن ليس الفتى حجرا .
و قال آخر
كم من مضيع فرصة قد أمكنت
لغد و ليس له غد بمواتي
حتى إذا فاتت و فات طلابها
ذهبت عليها نفسه حسرات
470 [و من كلامه ع في الغيبة]
وَ قَالَ ع: الْغِيبَةُ جُهْدُ الْعَاجِزِ.
قد تقدم كلامنا في الغيبة مستقصى.
و قيل للأحنف من أشرف الناس قال من إذا حضر هابوه و إذا غاب اغتابوه.
و قال الشاعر
و يغتابني من لو كفاني اغتيابه
لكنت له العين البصيرة و الأذنا
و عندي من الأشياء ما لو ذكرتها
إذا قرع المغتاب من ندم سنا .
و قد نظمت أنا كلمة الأحنف فقلت
أكل عرضي إن غبت ذما فإن أبت
فمدح و رهبة و سجود
هكذا يفعل الجبان شجاع
حين يخلو و في الوغى رعديد
لك مني حالان في عينك الجنة
حسنا و في الفؤاد وقود
471 [و من كلامه ع في أن ثناء الناس على الإنسان يقتضي اعتراء العجب له]
وَ قَالَ ع: رُبَّ مَفْتُونٍ بِحُسْنِ الْقَوْلِ فِيهِ.
طالما فتن الناس بثناء الناس عليهم فيقصر العالم في اكتساب العلم اتكالا على ثناء الناس عليه و يقصر العابد في العبادة اتكالا على ثناء الناس عليه و يقول كل واحد منهما إنما أردت ما اشتهرت به للصيت و قد حصل فلما ذا أتكلف الزيادة و أعاني التعب و أيضا فإن ثناء الناس على الإنسان يقتضي اعتراء العجب له و إعجاب المرء بنفسه مهلك.
و اعلم أن الرضي رحمه الله قطع كتاب نهج البلاغة على هذا الفصل و هكذا وجدت النسخة بخطه و قال هذا حين انتهاء الغاية بنا إلى قطع المنتزع من كلام أمير المؤمنين ع حامدين لله سبحانه على ما من به من توفيقنا لضم ما انتشر من أطرافه و تقريب ما بعد من أقطاره مقررين العزم كما شرطنا أولا على تفضيل أوراق من البياض في آخر كل باب من الأبواب لتكون لاقتناص الشارد و استلحاق الوارد و ما عساه أن يظهر لنا بعد الغموض و يقع إلينا بعد الشذوذ و ما توفيقنا إلا بالله عَلَيْهِ تَوَكَّلْنا و هو حسبنا وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ نِعْمَ الْمَوْلى وَ نِعْمَ النَّصِيرُ .
ثم وجدنا نسخا كثيرة فيها زيادات بعد هذا الكلام قيل إنها وجدت في نسخة كتبت في حياة الرضي رحمه الله و قرئت عليه فأمضاها و أذن في إلحاقها بالكتاب نحن نذكرها
472 [و من كلامه ع في أن الدنيا لم تخلق لنفسها بل لغيرها]
وَ قَالَ ع: الدُّنْيَا خُلِقَتْ لِغَيْرِهَا وَ لَمْ تُخْلَقْ لِنَفْسِهَا.
قال أبو العلاء المعري مع ما كان يرمى به في هذا المعنى ما يطابق إرادة أمير المؤمنين ع بلفظه هذا
خلق الناس للبقاء فضلت
أمة يحسبونهم للنفاد 12016
إنما ينقلون من دار أعمال
إلى دار شقوة أو رشاد
473 [و من كلامه ع في بني أمية و انتظام ملكهم]
وَ قَالَ ع: إِنَّ لِبَنِي أُمَيَّةَ مِرْوَداً يَجْرُونَ فِيهِ وَ لَوْ قَدِ اخْتَلَفُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ ثُمَّ [لَوْ] كَادَتْهُمُ الضِّبَاعُ لَغَلَبَتْهُمْ.
[قال الرضي رحمه الله تعالى و هذا من أفصح الكلام و أغربه و المرود هاهنا مفعل من الإرواد و هو الإمهال و الإنظار فكأنه ع شبه المهلة التي هم فيها بالمضمار الذي يجرون فيه إلى الغاية فإذا بلغوا منقطعها انتقض نظامهم بعدها] هذا إخبار عن غيب صريح لأن بني أمية لم يزل ملكهم منتظما لما لم يكن بينهم اختلاف و إنما كانت حروبهم مع غيرهم كحرب معاوية في صفين و حرب يزيد أهل المدينة و ابن الزبير بمكة و حرب مروان الضحاك و حرب عبد الملك ابن الأشعث و ابن الزبير و حرب يزيد ابنه بني المهلب و حرب هشام زيد بن علي فلما ولي الوليد بن يزيد و خرج عليه ابن عمه يزيد بن الوليد و قتله اختلف بنو أمية فيما بينهما و جاء الوعد و صدق من وعد به فإنه منذ قتل الوليد دعت دعاة بني العباس بخراسان و أقبل
مروان بن محمد من الجزيرة يطلب الخلافة فخلع إبراهيم بن الوليد و قتل قوما من بني أمية و اضطرب أمر الملك و انتشر و أقبلت الدولة الهاشمية و نمت و زال ملك بني أمية و كان زوال ملكهم على يد أبي مسلم و كان في بدايته أضعف خلق الله و أعظمهم فقرا و مسكنة و في ذلك تصديق قوله ع ثم لو كادتهم الضباع لغلبتهم
474 [و من كلامه ع في مدح الأنصار]
وَ قَالَ ع فِي مَدْحِ الْأَنْصَارِ هُمْ وَ اللَّهِ رَبَّوُا الْإِسْلَامَ كَمَا يُرَبَّى الْفِلْوُ مَعَ غَنَائِهِم بِأَيْدِيهِمُ السِّبَاطِ وَ أَلْسِنَتِهِمُ السِّلَاطِ.
الفلو المهر و يروى بأيديهم البساط أي الباسطة و الأولى جمع سبط يعني السماح و قد يقال للحاذق بالطعن إنه لسبط اليدين يريد الثقافة و ألسنتهم السلاط يعني الفصيحة.
و قد تقدم القول في مدح الأنصار و لو لم يكن إلا
قول رسول الله ص فيهم إنكم لتكثرون عند الفزع و تقلون عند الطمع.
و لو لم يكن إلا ما قاله لعامر بن الطفيل فيهم لما قال له لأغزونك في كذا و كذا من الخيل يتوعده
فقال ع يكفي الله ذلك و أبناء قيلة.