کتابخانه روایات شیعه
[وقفة قصيرة]
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)* لا أبالغ إن قلت إن حياة أكثر علمائنا رضوان اللّه تعالى عليهم مجهولة تماما، شأنهم في ذلك شأن أئمتنا عليهم السّلام، فالباحث عن حياة أئمة الهدى لا يجد إلّا شذرات بعثرت هنا و هناك، أو لمحات عن بعض جوانب حياتهم المباركة.
ففي حياة الإمام الحسن عليه السّلام تجد أن الأضواء مسلّطة على صلحه عليه السّلام مع معاوية، أما بقية جوانب حياته: كعلمه، و رواياته، و الراويين عنه، و أصحابه، و سيرته في المجتمع الإسلامي آنذاك، لا تجد من يتعرض لها. كذلك بالنسبة لبقية الأئمة عليهم السّلام، فالأضواء تسلّط على بعض الجوانب أو الأحداث من حياتهم: كواقعة الطف، و ولاية عهد الإمام الرضا عليه السّلام، و سجن الإمام الكاظم عليه السّلام، و غيرها.
و السيد ابن طاووس من تلك القلة القليلة الذي نستطيع أن نتعرف و بشكل كامل على حياتهم المباركة، و الفضل في ذلك راجع له رحمه اللّه حيث أنه دوّن في كتبه كل- أو أغلب- ما يتعلق بأحواله الشخصية، فهو يذكر: سنة ولادته، و زواجه، و أولاده، و نسبه، و مراحل دراسته، و أساتذته، و شيوخه، و مؤلّفاته، و الكتب التي عنده، و الأحداث التي عاشها و كيفية تأثير تلك الأحداث عليه و على المجتمع الإسلامي أنذاك.
فالذي يريد أن يكتب دراسة كاملة و شاملة لحياة هذا السيد الجليل ما عليه إلّا أن يطالع مؤلفاته بدقة، و يدوّن كل ما يتعلق بجوانب حياته.
و ما نقدّمه ما هو إلّا لمحة مختصرة عن بعض جوانب حياته، و نسأل اللّه تعالى أن يوفّقنا فيما بعد لكتابة دراسة شاملة تحيط بكل أبعاد هذه الشخصية الفذة.
اسمه و نسبه
هو السيد علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد الطاووس ابن اسحاق بن الحسن بن محمد بن سليمان بن داود بن الحسن المثنى ابن الإمام الحسن عليه السّلام ابن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب سلام اللّه عليه.
و إنما لقّب محمد بالطاووس؛ لأنه كان مليح الصورة، و قدماه غير مناسبة لحسن صورته 22 .
اسرته
والده
: هو السيد الشريف أبو ابراهيم موسى بن جعفر بن محمد بن أحمد بن محمد بن الطاووس، من الرواة المحدثين، روى عنه ولده السيد أبو القاسم علي، و علي بن محمد المدائني، و الحسين بن رطبة. و توفي رحمه اللّه في المائة السابعة، و دفن بالغري 23 .
والدته
: هي بنت الشيخ ورّام بن أبي فراس المالكي الأشتري، المتوفى سنة 605 ه.
و ذكر الشيخ يوسف البحراني في اللؤلؤة، و تبعه السيد الخوانساري في الروضات أن أم السيد ابن طاووس- و كذلك أم ابن ادريس- هي بنت الشيخ الطوسي، و ردّ هذا المدعى المحدّث النوري في خاتمة مستدركه بوجوه أربعة، ذكرناها و ذكرنا ما يتعلق بوالدة السيد ابن طاووس في كتاب (أعلام النساء المؤمنات) 24 .
اخوته
: السيد عز الدين الحسن بن موسى بن طاووس، المتوفى سنة 654 ه 25 .
و السيد شرف الدين أبو الفضائل محمد بن موسى بن طاووس، استشهد عند احتلال التتر بغداد في سنة 656 ه 26 .
و السيد جمال الدين أبو الفضائل أحمد بن موسى بن طاووس، من مشايخ العلّامة الحلّي، و ابن داود، و كان عالما فاضلا له عدّة تصانيف، توفي في سنة 673 ه 27 .
زوجته
: هي زهراء خاتون بنت الوزير ناصر بن مهدي، و قد تزوجها بعد هجرته إلى مشهد الإمام الكاظم عليه السّلام، و قد ذكر كيفية زواجه منها، و أنه أوجب فيما بعد طول استيطانه في بغداد، في هذا الكتاب (كشف المحجة) 28 .
أولاده
: (1) النقيب جلال الدين محمد بن علي بن طاووس، ولد في يوم الثلاثاء المصادف التاسع من محرم الحرام سنة 643 ه في مدينة الحلة السيفية، ذكر ذلك المصنف رحمه اللّه في هذا الكتاب (كشف المحجة)، و ذكر أن كتاب (كشف المحجة) هو عبارة عن وصيته لولده الكبير محمّد. و قد تولّى النقابة بعد وفاة والده سنة 664 ه، و بقي نقيبا إلى أن توفي في سنة 680 ه 29 .
(2) و النقيب رضي الدين علي بن علي بن موسى ولد في يوم الجمعة 8 محرم الحرام سنة 647 ه في النجف الأشرف، ولي النقابة بعد وفاة أخيه محمد في سنة 680 ه، و توفي بعد سنة 704 ه 30 .
(3) شرف الأشراف، ذكرها المصنف في هذا الكتاب (كشف المحجة)، و ذكرها أيضا في كتابه (الأمان من أخطار الأسفار و الأزمان) قائلا؛ الحافظة الكاتبة. و ذكرها في كتابه (سعد السعود) قائلا: ابنتي الحافظة لكتاب اللّه المجيد شرف الأشراف، حفظته و عمرها اثنتا عشرة سنة. و قد أجازها والدها و اختها فاطمة برواية الحديث، و يظهر من كتاب (كشف المحجة) انها أكبر من ولده محمّد 31 .
(4) فاطمة: ذكرها المصنّف رحمه اللّه في كتابه (سعد السعود) قائلا: فيما نذكره من مصحف معظم تام أربعة أجزاء وقفته على ابنتي الحافظة للقرآن الكريم (فاطمة) حفظته و عمرها دون تسع سنين 32 .
ولادته و نشأته
ولد رضوان اللّه تعالى عليه في يوم الخميس منتصف محرم سنة 589 ه في مدينة
الحلّة السيفية، كما أشار هو إلى ذلك في هذا الكتاب (كشف المحجة) 33 .
و كانت الحلّة آنذاك تعيش فترة ازدهار حركتها الثقافية العلمية، و التي شكلت فيما بعد مدرسة فقهية خاصة عرفت بمدرسة الحلة، حيث تخرّج منها عدد كبير من علماء الطائفة، الذين لهم اليد الطولا في تقدّم الحركة العلمية بصورة عامة و الفقهية بصورة خاصة.
و لا شك أن هكذا جو يؤثر تأثيرا ايجابيا و ملحوظا على نشأة السيد ابن طاووس، خصوصا أنه يعيش في بيت جلّ أفراده من العلماء و الأدباء، و لا شك أن والده كان هو المعلّم الأوّل له و المرشد و الناصح الأمين.
و مما يمتاز به السيد ابن طاووس- كما أشرنا سابقا- أنه كثيرا ما يذكر في كتبه أحواله الشخصية، و ما يتعلق بحياته الخاصة، من نشأته و دراسته و سفره، بل حتى زواجه و تأريخ ولادة أبنائه.
فيحدّثنا في كتابه هذا (كشف المحجة) عن نشأته و دراسته و ما يتعلق بذلك قائلا:
أوّل ما نشأت بين جدي ورّام و والدي ... و تعلّمت الخط و العربية، و قرأت علم الشريعة المحمدية ... و قرأت كتبا في اصول الدين ... و اشتغلت بعلم الفقه، و قد سبقني جماعة إلى التعليم بعدّة سنين، فحفظت في نحو سنة ما كان عندهم و فضلت عليهم.
ثم يقول: و ابتدأت بحفظ الجمل و العقود ... و كان الذي سبقوني ما لأحدهم إلّا الكتاب الذي يشتغل فيه، و كان لي عدة كتب في الفقه من كتب جدي ورّام انتقلت إليّ من والدتي بأسباب شرعية في حياتها.
ثم يقول: فصرت أطالع بالليل كلّ شيء يقرأ فيه الجماعة الذين تقدموني بالسنين، و أنظر كلّ ما قاله مصنف عندي و أعرف ما بينهم من الخلاف على عادة المصنفين، و اذا حضرت مع التلامذة بالنهار أعرف ما لا يعرفون و اناظرهم.