کتابخانه روایات شیعه
أبنه يزيد إلى قتل الحسين عليه السّلام، و دوس ظهره الشريف بحوافر الخيل، و رفع رأسه المقدس و رؤوس الأطهار على الرماح في بلاد الاسلام، و حمل حرمه سبايا كأنهن سبي الكفار و وجد معاوية ابنه يزيد من المسلمين و بقايا الصحابة الضالين و من أعانهم على ذلك الفساد، حتى قتل يزيد أهل المدينة و سبي نساء أهلها، و بايعوا على أنهم عبيد قنّ ليزيد بن معاوية، و حتى رمي الكعبة بأحجار المنجنيق 179 و سفك دماء أهل الحرم، و بلغ ما لم يبلغ إليه الكفار و الأشرار.
و لعنوا أباك صلوات اللّه و سلامه عليه و الصالحين على منابر المسلمين، و هو شيء ما فعله ملوك الكافرين، و قتلوا من قدروا على قتله من الشيعة الصالحين.
فكذا ما يكون يؤمن أن يقع ممن تقدّم على أبيك علي أمير المؤمنين عليه السّلام، و هم أرجح من معاوية و من يزيد من ملوك بني امية المارقين، أضعاف ما وقع منهم من الهلاك في الدنيا و الدين.
و لولا ما دبر اللّه لجدك محمّد صلّى اللّه عليه و آله من تزويجه إليهم و تزويجهم إليه، و من أمره لجدك الحسن عليه السّلام في صلح معاوية على ما كان ما بقي من ذرية النبي صلّى اللّه عليه و آله و من امور الاسلام ما قد بقي إلى الآن، و كان الحال قد زاد على ما كان في أيام الجاهلية من الضلال و العدوان و البهتان و باللّه جلّ جلاله المستعان، فأذن له و أمره عليه السّلام أن يزوجهم و يتزوّج منهم ليكون ذلك من أسباب ما حفظ به من دينه و ذريته و الأئمة من عترته، و سلامتهم من الهلاك و الاصطلام.
و هذه عادة مستمرة في سالف الأيام و في دولة الاسلام، و أنهم متى خافوا فساد الملوك و الاضداد توسلوا في التزويج إليهم في ترك الحروب و الجهاد إلى حفظ البلاد، و حفظ الأهل و الأولاد و بلوغ المراد.
و هل كان يؤمن من الذين تقدّموا على أبيك علي سلام اللّه عليه إذا تمكنوا بعد جدك محمّد صلّى اللّه عليه و آله من كل ما يقدرون عليه، من استئصال من يقدرون على استئصاله من أهل بيته عليهم السّلام، و محو ما يقدرون على محوه من شريعة الإسلام و قد ذكرت ذلك في كتاب (الطرائف). و من اقدامهم في حياة جدك محمد صلّى اللّه عليه و آله على المعارضة له في فعاله و مقاله و الطعن فيما قدروا على الطعن فيه من أفعاله.
و لمّا كان عند وفاته طلب أن يكتب لهم كتابا لا يضلوا بعده أبدا، فأقدم عمر على جدك صلّى اللّه عليه و آله على أن قال: إنّه ليهجر!! كما نشرحه فيما بعد، و معناها عند أهل اللغة الهذيان 180 . و منع عمر جدك محمّدا صلّى اللّه عليه و آله في تلك الحال أن يرفع الضلال من أهل الاسلام و الايمان، حتى هلك من هلك منهم في ذلك الأوان.
[الفصل الثامن و الثمانون: حديث القرطاس عند وفاة النبيّ (ص)]
(الفصل الثامن و الثمانون) و اعلم يا ولدي محمد أعزك اللّه جلّ جلاله بعزة السعادتين في الدنيا و الدين التي قال اللّه جلّ جلاله فيها: وَ لِلَّهِ الْعِزَّةُ وَ لِرَسُولِهِ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ 181 ، أن أبا بكر و عمر صنعا أمرين عظيمين كانا سببا لما جرى بين الإسلام و المسلمين، و ضلال من ضلّ منهم إلى يوم الدين، واحدة في حياته، و واحدة بعد وفاته، غير أفعالهما التي هلك بها من هلك من الخلق أجمعين.
أما التي في حياته
فَإِنَّ الْبُخَارِيَّ وَ مسلم [مُسْلِماً] فِي صَحِيحَيْهِمَا، وَ كُلَّ مَنْ لَهُ صِدْقٌ وَ أَمَانَةٌ مِنْ رُوَاةِ الْمُسْلِمِينَ ذَكَرُوا بِلَا خِلَافٍ أَنَّ جَدَّكَ مُحَمَّداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ قَالَ عِنْدَ وَفَاتِهِ: «ايتُونِي بِدَوَاةٍ وَ قِرْطَاسٍ أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَاباً لَا تَضِلُّوا بَعْدِي أَبَداً» 182 .
وَ أَنَّ عُمَرَ قَالَ فِي وَجْهِ جَدِّكَ الْمُعَظَّمِ وَ اسْتَخَفَّ بِحَقِّهِ الْأَعْظَمِ وَ أَقْدَمَ عَلَى أَنْ قَالَ:
إِنَّهُ لَيَهْجُرُ، أَيْ: لَيَهْذِي.
يَا وَيْلَهُ وَ وَيْلٌ لِمَنْ وَافَقَهُ عَلَى هَذِهِ الْمُصِيبَةِ وَ الرَّزِيَّةِ، هَذَا تَفْسِيرُهَا بِغَيْرِ شُبْهَةٍ عِنْدَ عُلَمَاءِ أَهْلِ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ، فَلَمَّا سَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ مَا قَدْ بَلَغَ حَالَ حُرْمَتِهِ إِلَيْهِ وَ أَنَّ الْحُجَّةَ قَدْ صَارَتْ لِلَّهِ جَلَّ جَلَالُهُ وَ لَهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ السَّلَامُ فِي الْكِتَابِ الَّذِي دَعَا النَّاسَ إِلَيْهِ بِتَرْكِ الْكِتَابِ وَ قَالَ: «قُومُوا عَنِّي لَا يَنْبَغِي عِنْدِي التَّنَازُعُ».
فكل ضلال في الدنيا منذ ذلك اليوم وقع مستورا و شائعا كان بطريق عمر و من وافقه، فما أدري كيف يكون يوم القيامة حال ذلك الاقدام، و قد كان عبد اللّه بن عباس يبكي حتى تبل دموعه الحصى من هول ذلك المقام و ما فسد بذلك من الاسلام، و يقول: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و بين كتابه.
[الفصل التاسع و الثمانون: سبب قول عمر: انه ليهجر]
(الفصل التاسع و الثمانون) و اعلم يا ولدي محمّد أن أقصى ما كان يخاف من كتاب جدك محمّد صلّى اللّه عليه و آله زوال الضلال، فهل كره ذلك إلّا من كان يريد بقاء الضلال و أعظم ما في هذه الحال أن جدك محمّدا صلّى اللّه عليه و آله قال اللّه جلّ جلاله عنه أنه ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى 183 و خاصة قوله عليه السّلام عن زوال الضلال إلى يوم الحساب، فإن هذا ما يعرفه و يقول إلّا عن ربّ الأرباب، فصار الإستخفاف بقول من قال إنّه ليهجر و إنه هذيان لأعظم من جدك محمّد صلّى اللّه عليه و آله و هدما للاسلام و الايمان.
(كتاب الوصية.)
[الفصل التسعون: سبب آخر لقول عمر: إنه ليهجر]
(الفصل التسعون) و اعلم يا ولدي محمد أودع اللّه جلّ جلاله سرائرك أنوار المكاشفة وديعة مستقرة متضاعفة، أن جماعة من أهل المعرفة بما جرت حال أعداء جدك محمّد صلّى اللّه عليه و آله و أبيك علي عليه السّلام ذكروا أن الذي منع من هذه الصحيفة التي أراد أن يكتبها بزوال الضلال كان سبب منعه من هذه الحال، أنه كان قد عرف أن جدك محمدا صلّى اللّه عليه و آله قد نص على أبيك علي عليه السّلام بالخلافة بعده في مقام بعد مقام، فلما قال: «ائتوني بدواة و قرطاس أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعدي أبدا» 184 فخاف الذي منعه من الكتاب أنه يكتب كتابا ليصرح بأسماء الذين يمنعون أباك عليا عليه السّلام من خلافته، و يأمر بدفعهم عنه إما قتلا أو طردا أو حبسا أو قهرا، و يشهد عليهم في الصحيفة بما يوجب عليهم هلاكا أو حدا، فأقدم على ذلك القول الذي تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَ تَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَ تَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا 185 .
فشوش هو و من وافقه مجلسه الشريف، و عرفوا كلامه المقدس المنيف لتتم لهم الحيلة فيما فعلوه من التقدم على أبيك علي عليه السّلام، و هذه عادة كثير من أهل الظلم من الأنام إذا خافوا من ركوب الحجة عليهم أو عكس حيلتهم عليهم، قطعوا الكلام و منعوا من اتمامه و شوّشوا المجلس قبل انتظامه.
[الفصل الحادي و التسعون: عودة أبي بكر و عمر من جيش اسامة]
(الفصل الحادي و التسعون) و أما الذي وقع من أبي بكر من الحادثة في حياته و بعد وفاته عليه السّلام، التي انتظم بها مصائب الاسلام، فإن جدك محمّدا صلّى اللّه عليه و آله كان قد
جمع الذين يخالفون على أبيك عليّ عليه السّلام في الخلافة، و من يوافقهم أو يحسده أو يعاديه، و جعلهم جميعا في جيش اسامة و تحت رايته، و حثّ على خروجهم من المدينة حثّا شديدا زائدا على عادته، لتخلو المدينة من المعارضين و المعاندين، و يصفوا الأمر لأبيك أمير المؤمنين، أو ليكون ذلك حجة له عليه السّلام في الاجتهاد في منعهم بكل طريق، و ليظهر منهم ما يبطنونه من مخالفته بسوء التوفيق.
فعاد أبو بكر من جيش اسامة و فسخ بذلك ما أراد جدك محمّد صلّى اللّه عليه و آله من التوصل في الامامة التي بها سلامة الاسلام و المسلمين و سعادتهم إلى يوم الدين، و قال للنبي صلّى اللّه عليه و آله: ما كنت لأقف عند اسامة و أسأل عنك الركب. و نفذ يلتمس عمر من الجيش، و قال أبو بكر لاسامة: تأذن له في العودة إلى المدينة، فكان جواب اسامة: إن عمر قد عاد بغير إذني و أذن لنفسه.
و ما كفاه ذلك حتى صار إلى الأنصار، و هم في السقيفة على حال يجب أن يقابلوا عليها بالإنكار، فساعدهم على الاصرار، و ما كفاه ذلك حتى أخذ الأمر لنفسه بالحيلة و وعدهم- كما ذكره البخاري و مسلم في صحيحيهما و غيرهما- أنه يكون الأمراء من المهاجرين و الوزراء من الأنصار، و لما تمكن لم يولّ أحدا منهم وزيرا و أظهر أنه كان محتالا، و فضح نفسه بين أهل الاعتبار.
أقول: و ما كفاه ذلك حتى بعث عمر إلى باب أبيك علي و امك فاطمة و عندهما العباس و جماعة من بني هاشم، و هم مشغولون بموت جدك محمد صلّى اللّه عليه و آله و المأتم، فأمر أن يحرقوا بالنار إن لم يخرجوا للبيعة على ما ذكره صاحب كتاب العقد في الجزء الرابع 186 منه و جماعة ممن لا يتهم في روايتهم. و هو شيء لم يبلغ إليه أحد فيما أعلم قبله و لا بعده من الأنبياء و الأوصياء، و لا الملوك المعروفين بالقسوة و الجفاة، و لا ملوك الكفار، أنهم بعثوا من يحرقوا الذين تأخروا عن بيعتهم بحريق النّار، مضافا إلى تهديد القتل و الضرب.
أقول: و لا بلغنا أن أحدا من الملوك كان لهم نبي أو ملك، كان لهم سلطان قد أغناهم بعد الفقر و خلّصهم من الذل و الضر، و دلهم على سعادة الدنيا و الآخرة، و فتح عليهم بنبوته بلاد الجبابرة، ثم مات و خلّف فيهم بنتا واحدة من ظهره و قال لهم: «إنها سيدة نساء العالمين» 187 و طفلين معها منها لهما دون سبع سنين أو قريب من ذلك، فتكون مجازات ذلك النبي أو الملك من رعيته أنهم ينفذون نارا ليحرقوا ولديه و نفس ابنته، و هما في مقام روحه و مهجته.
و أقول: ثم ما كفاه ذلك حتى أظهر على المنبر أنه يستقيل عن الخلافة، ثم فضح نفسه و قلدها بعد وفاته و نصّ بها على عمربن الخطاب، و ما هذه صفة مستقيل منها عند ذوي الألباب.
و أقول: ثم كانت وصيته بالنص على عمر كالطعن على نفسه فيما ادعاه أن جدك محمدا صلّى اللّه عليه و آله اختار لامته ترك النص على أحد منهم، و ترك- على قولهم مع كماله- أمرهم مهملا ليختاروا واحدا منهم.
أ فترى أن أبا بكر كان يعتقد أن رأيه لامة جدك محمّد صلّى اللّه عليه و آله أفضل من رأي نبيهم، الذي شهد اللّه جلّ جلاله في كتابه بالشفقة عليهم، أو كان هذا من أبي بكر تكذيبا لنفسه، و أن الرئيس لا بد له من نصّ على من يقوم مقامه، أو خاف أنه إن ترك الأمر رجع الناس إلى أبيك أمير المؤمنين عليه السّلام، و اعترفوا له بحقه و نص محمّد جدك صلوات اللّه و سلامه عليه و آله.
فبادر بالتعيين على عمر؛ ليمنعهم من الرجوع إلى الصراط المستقيم، أو كان قصده أن يستر عليه عمر بخلافته بعده ما جرى منه من التدبير السقيم، أو كان مكافاة لعمر على مبايعته له يوم السقيفة كما ذكر صاحب كتاب العقد في أخبارهم الطريفة 188 .