کتابخانه روایات شیعه
فقال: هذا صحيح.
فقلت له: ما تقول في بيعة تخلّف عنها أهل بيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، الذين قال عنهم: «انهم الخلف من بعده و كتاب اللّه جل جلاله» 206 ،
وَ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فِيهِمْ: «أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي» 207 .
وَ قَالَ عَنْهُمْ: «إِنَّهُمُ الَّذِينَ نَزَلَتْ فِيهِمْ آيَةُ الطَّهَارَةِ» 208 .
، و أنهم ما تأخروا مدة يسيرة حتى يقال أنهم تأخروا لبعض الاشتغال، و إنما كان التأخر للطعن في خلافة أبي بكر بغير اشكال في مدة ستة أشهر.
و لو كان الانسان تأخر عن غضب يرد غضبه، أو عن شبهة زالت شبهته بدون هذه المدة. و أنه ما صالح أبا بكر على مقتضى حديث البخاري و مسلم إلّا لما ماتت فاطمة عليها السّلام، و رأى انصراف وجوه الناس عنه خرج عند ذلك إلى المصالحة، و هذه صورة حال تدل على أنه ما بايع مختارا.
وَ أَنَّ الْبُخَارِيَّ وَ مُسْلِماً رَوَيَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ مَا بَايَعَ أَحَدٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ حَتَّى بَايَعَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ 209 .
فقال: ما أقدم على الطعن في شيء قد عمله السلف و الصحابة.
فقلت له: فهذا القرآن يشهد بأنهم عملوا في حياة النبي صلّى اللّه عليه و آله و هو يرجى و يخاف، و الوحي ينزل عليه بأسرارهم في حال الخوف و في حال الأمن و حال الصحّة و الإيثار عليه ما لا يقدروا أن يجحدوا الطعن عليهم به، و إذا جاز منهم مخالفته في حياته و هو يرجى و يخاف، فقد صاروا أقرب إلى مخالفته بعد وفاته و قد انقطع الرجاء و الخوف منه و زال الوحي عنه.
فقال: في أي موضع من القرآن؟
فقلت: قال اللّه جلّ جلاله في مخالفتهم في الخوف: وَ يَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَ ضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ 210 ، فروى أصحاب التواريخ أنه لم يبق معه إلّا ثمانية أنفس، علي عليه السّلام، و العباس، و الفضل بن العباس، و ربيعة و أبو سفيان ابنا الحارث بن عبد المطّلب، و اسامة بن زيد، و عبيدة بن أم أيمن، و روي أيمن بن أم أيمن.
و قال اللّه جلّ جلاله في مخالفتهم له في الأمن: وَ إِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَ تَرَكُوكَ قائِماً قُلْ ما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَ مِنَ التِّجارَةِ وَ اللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ 211 ،
فَذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُؤَرِّخِينَ أَنَّهُ كَانَ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَبَلَغَهُمْ أَنَّ جِمَالًا جَائَتْ لِبَعْضِ الصَّحَابَةِ مُزَيَّنَةً فَسَارَعُوا إِلَى مُشَاهَدَتِهَا وَ تَرَكُوهُ قَائِماً.
، و ما كان عند الجمال شيء يرجون الانتفاع به، فما ظنك بهم اذا حصلت خلافة يرجون نفعها و رئاستها.
و قال اللّه تعالى في سوء صحبتهم ما قال اللّه جلّ جلاله: وَ لَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَ شاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ 212 ، و لو كانوا معذورين في سوء صحبتهم ما قال اللّه جلّ جلاله: فَاعْفُ عَنْهُمْ وَ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ 213 .
و قد عرفت في صحيحي مسلم و البخاري معارضتهم للنبي صلّى اللّه عليه و آله في غنيمة هوازن، لما اعطى المؤلفة قلوبهم أكثر منهم 214 .
و معارضتهم له لما عفى عن أهل مكة، و تركه تغيير الكعبة و اعادتها إلى ما كانت في زمن ابراهيم عليه السّلام خوفا من معارضتهم له. و معارضتهم له لما خطب في تنزيه صفوان بن المعقل لما قذف عائشة، و أنه ما قدر أن يتم الخطبة: أ تعرف هذا جميعه في صحيحي مسلم و البخاري؟
فقال: هذا صحيح.
فقلت: و قال اللّه جلّ جلاله في ايثارهم عليه القليل من الدنيا يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً و قد عرفت أنهم امتنعوا من مناجاته و محادثته لأجل التصدق برغيف و ما دونه، حتى تصدق علي بن أبي طالب عليه السّلام بعشرة دراهم عن عشر دفعات ناجاه فيها، ثم نسخت الآية بعد أن صارت عارا عليهم و فضيحة إلى يوم القيامة بقوله جلّ جلاله: أَ أَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَ تابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ 215 .
فإذا حضرت يوم القيامة بين يدي اللّه جل جلاله و بين يدي رسوله صلى اللّه عليه و آله و قالا لك: كيف جاز لك أن تقلّد قوما في عملهم و فعلهم و قد عرفت منهم مثل هذه الامور الهائلة، فأي عذر و أي حجة تبقي لك عند اللّه و عند رسوله في تقليدهم. فبهت و حار حيرة عظيمة.
فقلت له: أما تعرف في
صحيحي الْبُخَارِيِّ وَ مُسْلِمٍ فِي مُسْنَدِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ وَ غَيْرِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ قَالَ فِي عِدَّةِ أَحَادِيثَ: «لَا يَزَالُ هَذَا الدِّينُ عَزِيزاً مَا وَلِيَهُمْ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ» 216 .
وَ فِي بَعْضِ أَحَادِيثِهِ عَلَيْهِ وَ آلِهِ السَّلَامُ مِنَ الصَّحِيحَيْنِ : «لَا يَزَالُ أَمْرُ النَّاسِ مَاضِياً مَا وَلِيَهُمْ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ» 217 .
و أمثال هذه الألفاظ كلها تتضمن هذا العدد الاثني عشر.
فهل تعرف في الاسلام فرقة تعتقد هذا العدد غير الامامية الاثني عشرية، فإن كانت هذه الأحاديث صحيحة كما شرطت على نفسك في تصحيح ما نقله البخاري و مسلم، فهذه مصححة لعقيدة الإمامية و شاهدة بصدق ما رواه سلفهم و إن كانت كذبا فلأي حال رويتموها في صحاحكم.
فقال: ما أصنع بما رواه البخاري و مسلم من تزكية أبي بكر و عمر و عثمان و تزكية من تابعهم؟
فقلت له: أنت تعرف أنني شرطت عليك أن لا تحتج علي بما ينفرد به أصحابك، و أنت أعرف أن الانسان و لو كان من أعظم أهل العدالة و شهد لنفسه بدرهم و ما دونه ما قبلت شهادته، و لو شهد في الحال على أعظم أهل العدالة بمهما شهد من الأمور مما يقبل فيه شهادة أمثاله قبلت شهادته، و البخاري و مسلم يعتقدان إمامة هؤلاء القوم فشهادتهم لهم شهادة بعقيدة نفوسهم و نصرة لرئاستهم و منزلتهم.
فقال: و اللّه ما بيني و بين الحق عداوة، ما هذا إلّا واضح لا شبهة فيه، و أنا أتوب إلى اللّه تعالى بما كنت عليه من الاعتقاد.
فلمّا فرغ من شروط التوبة، و اذا رجل من ورائي قد أكبّ على يديّ يقبلها و يبكي، فقلت: من أنت؟
فقال: ما عليك من اسمي، فاجتهدت به حتى قلت: فأنت الآن صديق أو صاحب حق، فكيف يحسن لي أن لا أعرف صديقي و صاحب حق عليّ لأكافيه، فامتنع من تعريف اسمه؛ فسألت الفقيه الذي من المستنصرية، فقال: هذا فلان بن فلان من فقهاء النظامية 218 سهوت عن اسمه الآن.
[الفصل التاسع و التسعون: مناقشته مع أحد الحنابلة فيالإمامة]
(الفصل التاسع و التسعون) و حضرني يا ولدي محمد حفظك اللّه جلّ جلاله لصلاح آبائك و أطال في بقائك، نقيبا و أتى رجلا حنبليا و قال: هذا صديقنا و يحب أن يكون على مذهبنا فحدّثه.
فقلت له: ما تقول اذا حضرت القيامة و قال لك محمّد صلّى اللّه عليه و آله:
لأي حال تركت كافة علماء الاسلام، و اخترت أحمد بن حنبل 219 اماما من دونهم، هل معك آية من كتاب اللّه بذلك، أو خبر عني بذلك؟ فإن كان المسلمون ما كانوا يعرفون الصحيح حتى جاء أحمد بن حنبل و صار إماما، فعمن روى أحمد بن حنبل عقيدته. و علمه و إن كانوا يعرفون الصحيح و هم أصل عقيدة أحمد بن حنبل، فهلا كان السلف قبله أئمّة لك و له.
فقال: هذا لا جواب لي عنه لمحمد صلى اللّه عليه.
فقلت له: إذا كان لا بد لك من عالم من الامة تقلّده فالزم أهل بيت نبيك عليهم السّلام، فإن أهل كل أحد أعرف بعقيدته و أسراره من الأجانب، فتاب و رجع.
[الفصل المائة: مناقشة اخرى له مع أحد الحنابلة في الإمامة]
(الفصل المائة) و قلت لبعض الحنابلة: أيما أفضل آباؤك و سلفك الذين كانوا قبل أحمد بن حنبل إلى عهد النبي صلّى اللّه عليه و آله، أو آباؤك و سلفك الذين كانوا بعد أحمد بن حنبل؟ فإنه لا بد أن يقول: إن سلفه المتقدمين على أحمد بن حنبل أفضل؛ لأجل قربهم إلى الصدر الأول و من عهد النبي صلّى اللّه عليه و آله.
فقلت: إذا كان سلفك الذين كانوا قبل أحمد بن حنبل أفضل، فلأي حال عدلت من عقائدهم و عوائدهم إلى سلفك المتأخّرين عن أحمد بن حنبل؟ و ما كان الأوائل حنابلة؛ لأن أحمد بن حنبل ما كان قد ولد و لا كان مذكورا عندهم، فلزمته الحجة و انكشفت له المحجة، وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ* .
[الفصل الحادي و المائة: مناقشته مع أحد الزيدية في الإمامة]
(الفصل الحادي و المائة) و حضر عندي يا ولدي محمد رعاك اللّه جلّ جلاله بعنايته الإلهية بعض الزيدية، و قد قال لي: إن جماعة من الإمامية يريدون مني الرجوع عن مذهبي بغير حجة، و اريد أن تكشف لي عن حقيقة الأمر بما يثبت في عقلي.
قلت له: أول ما أقول: إنني علوي حسني و حالي معلوم، و لو وجدت طريقا إلى ثبوت عقيدة الزيدية كان ذلك نفعا و رياسة لي دينية و دنيوية، و أنا أكشف لك بوجه لطيف عن ضعف مذهبك بعض التكشف:
هل يقبل عقل عاقل فاضل أن سلطان العالمين ينفذ رسولا أفضل من الأولين و الآخرين إلى الخلائق في المشارق و المغارب، و يصدّقه بالمعجزات القاهرة و الآيات الباهرة، ثم يعكس هذا الاهتمام الهائل و التدبير الكامل، و يجعل عيار اعتماد الاسلام و المسلمين على ظن ضعيف يمكن ظهور فساده و بطلانه للعارفين؟
فقال: كيف هذا؟
فقلت: لأنكم إذا بنيتم أمر الامامة- أنتم و من وافقكم أو وافقتموه- على الاختيار من الامة للامام على ظاهر عدالته و شجاعته و أمانته و سيرته، و ليس معكم في الاختيار له إلّا غلبة الظن الذي يمكن أن يظهر خلافه لكل من عمل عليه، كما جرى للملائكة و هم أفضل اختيارا من بني آدم لما عارضوا اللّه جلّ جلال في أنه جعل آدم خليفة و قالوا أَ تَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَ يَسْفِكُ الدِّماءَ وَ نَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَ نُقَدِّسُ لَكَ 220 ، فلما كشف لهم حال آدم عليه السّلام رجعوا عن اختيارهم لعزل آدم و قالوا: سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا 221 .
و كما جرى لآدم الأكل من الشجرة، و كما جرى لموسى في اختياره سبعين
رجلا من خيار قومه للميقات ثم قال عنهم بعد ذلك: أَ تُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا 222 حيث قالوا: أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً 223 .
و كما جرى ليعقوب عليه السّلام في اختياره أولاده لحفظ ولده يوسف، و غيره من اختيار الأنبياء و الأوصياء و الأولياء، و ظهر لهم بعد ذلك الاختيار ضعف تلك الآراء.
فإذا كان هؤلاء المعصومون قد دخل عليهم في اختيارهم ما قد شهد به القرآن و الاجماع من المسلمين، فكيف يكون اختيار غيرهم ممن يعرف من نفسه أنه ما مارس أبدا خلافة و لا امارة و لا رئاسة، حتى يعرف شروطها و تفصيل مباشرتها فيستصلح لها من يقوم لها، و ما معه، إلّا ظن ضعيف بصلاح ظاهر من يختاره.
و هل يقبل عقل عاقل و فضل فاضل أن قوما ما يعرفون مباشرة و لا مكاشفة تفصيل ما يحتاج إليه من يختارونه، فيكون اختيارهم لأمر لا يعرفونه حجة على من حضر و على من لم يحضر؟! أ ما هذا من الغلط المستكره 224 .
و من أين للذين يختارون إمامهم معرفة بتدبير الجيوش و العساكر، و تدبير البلاد، و عمارة الأرضين و الاصلاح، لاختلاف ارادات العالمين، حتى يختاروا واحدا يقوم بما يجهلونه، إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ممن قلدهم في ذلك أو يقلدونه.
و مما يقال لهم: إن هؤلاء الذين يختارون الإمام للمسلمين من الذي يختارهم لتعيين الامام، و من أي المذاهب يكونون، فإن مذاهب الذين يذهبون إلى اختيار الإمام مختلفة. و كم يكون مقدار ما بلغوا إليه من العلوم حتى يختاروا عندها الإمام، و كم يكون عدده.