کتابخانه روایات شیعه
تحتاج إلى وجودك و حياتك و عافيتك، و هذه الامور تحتاج إلى جميع ما في الدنيا مما يتعلق وجوده لمصلحة شربتك.
و إن كنت شربتها من آنية، فكل ما يتعلّق وجوده بالآنية نعمة في حقك بتلك الشربة التي قد هونتها لوجودها بحسب ارادتك. و لو منعها عنك وقت حاجتك عرفت قدرها و قدر المنعم بها جل جلاله المتفضل برحمتك.
و تذكر ترويحه جلّ جلاله للماء حتى يبرد و يكمل ما تريده من لذتك، و لو كان قد روّحها حتّى يبرد بعض خدمك و يد جاريتك، كنت فضلّتها على غيرها و زدتها في محبّتك و جازيتها بحسن قدرتك، فلأي حال لا تكون القلوب متعلقة باحسان اللّه جلّ جلاله و شفقته، كما هي متعلقة باحسان عبد من عبيده، الذين احسانهم من احسانه إليك و من جملة نعمه عليك.
[الفصل الخامس عشر و المائة: مصاديق اخرى للطف اللّه تعالى بعبده]
(الفصل الخامس عشر و المائة) و تذكّر يا ولدي محمد ذكّرك اللّه جلّ جلاله بالمحبّة لك، و العناية بك في مقدّس حضرته، حديث ما تحتاج إليه من كسوة تسترك بها من عيون الناظرين، و القيام في خدمة ربّ العالمين، و كيف استخدم لك في ثيابك كما استخدم لك في طعامك و شرابك، فإن ثيابك إذا كانت من النبات، فكل من استخدمه لك جلّ جلاله في الماء و الخبز فقد استخدمه في الثياب، و زاد عليه استخدام من يعالج اصلاحها من الحيوانات و الدواب و ذوي الألباب.
فمن يدق الكتان و يلقط القطن و يصلحهما للنساجة، و من ينسجهما، و من يخيطهما لك، و من يحملهما إليك، فإذا أنعم اللّه جلّ جلاله بكسوة عليك فاخل بنفسك مع ربك جلّ جلاله، و طهّر جسدك و قلبك من الآثام و وسخ الذنوب بالتوبة و غسل التوبة و ما يزال به دنس العيوب؛ و قم قائما بين يدي المطلع عليك، و خذ الثياب من يد حال وجوده و من لسان حال كرمه وجوده.
و اذكر كيف كنت تكون لو أحضر لك السلطان خلعة قد استخدم لك فيها
خواص مملكته و مماليكه و جنده و أهل معرفته، و عمل فيها بيد قدرته، و احضرك لتلبسها بحضرته، و يراك كيف تعمل في شكر نعمته، فكن على أقل المراتب على تلك الصفة عند لبس خلع اللّه جلّ جلاله في تعظيمها و الشكر للمحسن الواهب، و أستبعد أن يكون زمان بني اميّة تركت أموال المسلمين خالية من الشبهات، و كذلك معاملة العرب و من يهون بالمحرمات.
فيحسن أن تقول يا ولدي عند لبس الثياب الجديدة: اللّهم إن كنت تعلم أن فيها شيئا من المحرمات أو الشبهات فأنت المالك لأصل الحقوق و المالك لمن انتقلت إليه، فأسئلك أن تجعل لكل صاحب حق فيها عوضا من فضلك يسدّ عني باب عدلك، و تلحقني فيها بمقام من ألبست خلعا طاهرة من كل حق و شبهة باطنة و ظاهرة، و أن تكون هذه ثيابي من خلع السعادات الباهرة في الدنيا و الآخرة.
و كذلك تدعو كلّما تحتاج إليه في مدة الغيبة في استعماله مما لا تأمن اختلاط حرامه بحلاله.
[الفصل السادس عشر و المائة: عدم معاملة اللّه تعالى لعبده بعدله بل بإحسانه]
(الفصل السادس عشر و المائة) و اعلم يا ولدي محمد أن اللّه جلّ جلاله لو حملنا على عدله ساعة دون ساعة من ليل أو نهار، ما أبقانا أبدا، و كان أمرنا قد آل إلى الهلاك و الدمار؛ لأننا لا نوفّيه حقه أبدا في اطلاعه علينا و حضورنا بين يديه بمقدار التفاوت بين عظمته و جلالته، و بين ما نعمله من اطلاع غيره علينا أو حضورنا بين يدي غيره من مماليكه الفقراء إليه، و لا نبذل الجهد في زيادة تعظيمه عليهم. و ربّما اشتغلنا بهم عنه، و جعلنا ظهر لسان حالنا إليه و وجهنا اليهم.
فلو سلبنا نفوسنا و كل ما أحسن به إلينا، و قطع خبزنا و كسوتنا، و حبسنا في مطمورة الغضب علينا كنا و اللّه لذلك مستحقين، فكيف حملنا قوتنا التي هي منه و عقولنا الموهوبة عنه، حتى صرنا نقدم أن نكون بحرمته مستخفين، و لمؤاخذته متعرضين، فإيّاك ثم إيّاك أن تهون بذلك كما يفعله الجاهلون به و الغافلون، و لا تتأسى بهم، فإنّه جلّ جلاله يقول: وَ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ 228 .
و أحدّثك يا ولدي بجواب جرى لي مع من ينسب إلى العلم، فإنّه حضر عندي
يوما و أنا جالس على تراب أرض بستان، فقال: كيف أنت؟
فقلت له: كيف يكون من على رأسه جنازة ميت، و على أكتافه جنازة ميّت، و على سائر جسمه أموات محيطون به، و في رجليه جسد ميت، و حوله أموات من سائر جهاته، و بعض جسده قد مات قبل ممات جسده.
فقال: كيف هذا، فما أرى عندك ميتا؟! فقلت له: أ لست تعلم أن عمامتي من كتان، و قد كان حيا لما كان أخضر نابتا في الأرض فيبس و مات، و هذه صدرتي 229 من قطن حيّ أخضر فيبس أيضا و مات، و هذه لا لجتي 230 قد كانت من حيوان فمات، و هذا حولي نبات قد كان أخضر فيبس و مات، و هذا البياض في شعر رأسي و شعر وجهي قد كان حيا بسواده فلما صار أبيضا فقد مات، و كل جارحة لا استعملها فيما خلقت له من الطاعات فقد صارت في حكم الأموات.
فتعجب من هذه العظة و صحيح المقالات، فليكن على خاطرك يا ولدي أمثال هذه العظات.
[الفصل السابع عشر و المائة: مصاديق لطف اللّه تعالى بعبده]
(الفصل السابع عشر و المائة) ثم تذكّر يا ولدي محمد عمّر اللّه جلّ جلاله قلبك بمكاشفته، و جلال نعمته و مراقبته، و ما أنت محتاج إليه في ساعة تشريفك بالبقاء لخدمته غير ما ذكرناه، فإن اللسان و القلم و الإنسان يعجز ان يحرز جميع معناه، بل كلما احتجت إليه على التفصيل فاذكر عند حاجتك إليه أنه هدية من مولاك الجليل، فانظر إلى الهدية بتعظيم واهبها، و اشكر جالبها جلّ جلاله.
مثاله: تحتاج إلى غلام أو جارية تغنيك بخدمتها على التفرغ لطاعة مولاك و خدمته، فلا تشغل بذكر الغلام و الجارية و الشفقة عليهما من سيدك و مولاك المحسن إليك و اليهما، و تذكّر أنه ما كان في مقدورك أن تخلقهما و لا تخلق ما يحتاجان، و تحتاج إليه أنت من ثمنهما و تذللهما لطاعتك و مؤنتهما و حسن رعايتهما، و لا أن تمضي إلى بلاد الكفر فتنهبهما، و لا أن يكونا من امة جدك محمد صلوات اللّه عليه و آله حتى يحل لك معونتهما لك بخدمتك.
و لا كنت قادرا أن تبعث ذلك الرسول المعظّم إلى العباد، و تفتح به ما فتح اللّه جلّ جلاله بنبوّته من البلاد، و لا كنت قادرا أن تؤيده بالمعجزات و تمده بالملائكة من السماوات.
و غير ذلك من الأسباب التي هي من مولاك ربّ الأرباب، فإنك ما قدرت أن تحضر ذلك الغلام و الجارية بين يديك إلّا بعد أن أنعم مولاك بجميع هذه النعم عليك، فكيف يحل أو يليق بعاقل أن ينساه أو يؤثر عليه سواه و ما كان يحصل ما حصل لولاه.
و مثال ذلك: أنك تحتاج إلى دابة تركبها في مهماتك و ارادتك، التي تعينك على سعادة دنياك و آخرتك، فإنك لو كنت تتكلف الأسفار بالمشي على قدميك، كان في ذلك من الذل و المشقّة ما لا يخفى عليك.
و تفكّر أنه لو لم يخلق اللّه دابة تركب إلّا دابتك، كيف كنت تكون في السرور بها و التعظيم لواهبها، و كيف كان يحسدك الملوك و غيرهم عليها، و كيف كانت تكون آية اللّه جلّ جلاله تنظر الخلائق إليها، فكن عافاك اللّه بتلك المنة الجليلة و الأيادي العظيمة الجميلة.
و ايّاك أن تكون كثرة الدواب من ربّ الأرباب يهون قدر النعمة بها، و يصغر عندك شرف بذله جلّ جلاله بها، فإن العقل ما قضى أن كلّما بالغ المولى الأعظم في الأكرام و الاسعاف، إن العبد يبالغ في الاحتقار لمولاه و الاستخفاف، حتى يبلغ الجاهلين إلى مقام الجحود لصاحب الجود و الهلاك في اليوم الموعود،
فاحذر أن تتبعهم على الجهالات، فالقوم قد أحاطت بهم مصائب الغفلات، و هم في ذل الندامات.
و مثال ذلك يا ولدي محمد: أنك تحتاج إلى ما تستعمله من آلات المشي، و آلات الركوب، و آلات التصرف في الحركات و السكنات، و آلات المأكولات و المشروبات. و إيّاك ثم إيّاك أن يشغلك حضور ذلك بين يديك بغير مشقة عليك من المنعم جلّ جلاله المحسن به إليك.
كما أنك تجد في حياتي أو بعدي لك مليكات و جاها عريضا جليلا، و كلما تلقى مهيئا على يدي كثيرا كان أو قليلا، فلا تشغل بشكري او ذكري عن اللّه جل جلاله الذي أمرني به، و حبب اليّ و مكنني من استعداد ذلك لك و لأخوتك قبل حاجتهم إليه و حاجتك، بل اشتغل بذكره عن ذكري، و بشكره عن شكري.
[الفصل الثامن عشر و المائة: الحثّ على الزواج]
(الفصل الثامن عشر و المائة) و تذكّر يا ولدي محمد ملأ اللّه جلّ جلاله قلبك من أذكاره و مناره، إذا احتجت إلى زوجة تعينك على تفرغ خاطرك من شغل الشهوات الزائلة، و يسلمك مولاك بها من سموم المعاصي و اللذات القاتلة، و تكون عونا لك على استخراج عبيد أو اماء من العدم إلى الوجود من صلبك و ترائبك بسببكما جلّ جلاله في تحصيل ذلك المقصود، ليخدمونه و يسبّحونه و يعظّمونه جلّ جلاله و يحيون سنّة نبيك جدك محمد صلّى اللّه عليه و آله، و يكونون دعاة إليه، و ليباهي بهم الأمم و لو بالسقط من الأولاد، و ليكون من مات منهم صغيرا ذخيرة لكما يوم المعاد، و من أطاع اللّه جلّ جلاله منهم و شرّفه بخدمته مكتوبا ذلك لكما في صحائف طاعته، إذا كنتما قد قصدتما بالاجتماع و النكاح ما يقرّ بكما إليه و إلى رضاه و محبته.
و إيّاك ثم إيّاك أن تقرب من زوجتك أو جاريتك بمجرد الطبع الترابي على
عادة الدواب و الحمير، فإن ذلك من أقبح التدابير، و إنّما تكون قاصدا امتثال أمر اللّه جلّ جلاله، و امتثال أمر رسوله صلّى اللّه عليه و آله، فيما أراد منك بذلك النكاح المشار إليه.
فإن خفت غلبة الشهوة عليك فتمنعك من هذه النية المرضية، فاستعن بالاستخارة قبل الشروع في الخلوة بهذه المطالب الصادرة عن المواهب الإلهية، فإنني قد ذكرت في كتاب (فتح الأبواب بين ذوي الألباب و بين ربّ الأرباب) ما لم أعرف أحدا سبقني إلى مثله، و كان ذلك من كرم اللّه جلّ جلاله و فضله.
[الفصل التاسع عشر و المائة: توصيته لولده بعدم مخالطة الناس]
(الفصل التاسع عشر و المائة) و إيّاك يا ولدي محمّد طهّر اللّه جلّ جلاله في تطهير سرائرك من دنس الاشتغال بغيره عنه و ملأها بما يقرّبك منه إذا احتجت إلى مخالطة الناس لحاجتك إليهم و لحاجتهم إليك، ثم إياك ثم إيّاك أن تغفل عن التذكر أن اللّه جلّ جلاله مطّلع عليهم و عليك، و أنكم جميعا تحت قبضته و ساكنون في داره، و متصرفون في نعمته و أنتم مضطرون إلى مراقبته، و أنه قد توعدكم بمحاسبته.
و ليكن حديثك لهم كأنه في المعنى له و بالاقبال عليه، كما لو كنت في مجلس خليفة أو سلطان و عنده جماعة، فإنك كنت تقصده بحديثك و الناس الحاضرون في ضيافة حديثك له و اقبالك عليه.
[الفصل العشرون و المائة: ما يبتلى به المخالط للناس]