کتابخانه روایات شیعه
قِيلَ: فَمَنْ أَعْظَمُ النَّاسِ حَسْرَةً قَالَ: مَنْ رَأَى مَالَهُ فِي مِيزَانِ غَيْرِهِ، وَ أَدْخَلَهُ اللَّهُ بِهِ النَّارَ، وَ أَدْخَلَ وَارِثَهُ 178 بِهِ الْجَنَّةَ. قِيلَ: فَكَيْفَ يَكُونُ هَذَا قَالَ: كَمَا حَدَّثَنِي بَعْضُ إِخْوَانِنَا- عَنْ رَجُلٍ دَخَلَ إِلَيْهِ وَ هُوَ يَسُوقُ 179 فَقَالَ لَهُ:
يَا أَبَا فُلَانٍ مَا تَقُولُ فِي مِائَةِ أَلْفٍ فِي هَذَا الصُّنْدُوقِ- مَا 180 أَدَّيْتُ مِنْهَا زَكَاةً قَطُّ، وَ لَا وَصَلْتُ مِنْهَا رَحِماً قَطُّ قَالَ: فَقُلْتُ: فَعَلَامَ جَمَعْتَهَا قَالَ: لِجَفْوَةِ السُّلْطَانِ، وَ مُكَاثَرَةِ الْعَشِيرَةِ، وَ تَخَوُّفِ 181 الْفَقْرِ عَلَى الْعِيَالِ، وَ لِرَوْعَةِ الزَّمَانِ.
قَالَ: ثُمَّ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ عِنْدِهِ حَتَّى فَاضَتْ نَفْسُهُ.
ثُمَّ قَالَ عَلِيٌّ ع: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَخْرَجَهُ مِنْهَا مَلُوماً [مليما] 182 بِبَاطِلٍ جَمَعَهَا، وَ مِنْ 183 حَقٍّ مَنَعَهَا، جَمَعَهَا فَأَوْعَاهَا، وَ شَدَّهَا فَأَوْكَاهَا 184 ، قَطَعَ فِيهَا الْمَفَاوِزَ الْقِفَارَ، وَ لُجَجَ الْبِحَارِ أَيُّهَا الْوَاقِفُ لَا تُخْدَعْ كَمَا خُدِعَ صُوَيْحِبُكَ 185 بِالْأَمْسِ، إِنَّ [مِنْ] أَشَدِّ النَّاسِ حَسْرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ رَأَى مَالَهُ فِي مِيزَانِ غَيْرِهِ، أَدْخَلَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ هَذَا بِهِ الْجَنَّةَ وَ أَدْخَلَ هَذَا بِهِ النَّارَ 186 .
17 قَالَ الصَّادِقُ ع وَ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا حَسْرَةً 187 رَجُلٌ جَمَعَ مَالًا عَظِيماً بِكَدٍّ
شَدِيدٍ، وَ مُبَاشَرَةِ الْأَهْوَالِ، وَ تَعَرُّضِ الْأَخْطَارِ، ثُمَّ أَفْنَى مَالَهُ فِي صَدَقَاتٍ وَ مَبَرَّاتٍ، وَ أَفْنَى شَبَابَهُ وَ قُوتَهُ فِي عِبَادَاتٍ وَ صَلَوَاتٍ، وَ هُوَ مَعَ ذَلِكَ لَا يَرَى لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ع حَقَّهُ 188 ، وَ لَا يَعْرِفُ لَهُ مِنَ 189 الْإِسْلَامِ مَحَلَّهُ، وَ يَرَى أَنَّ مَنْ لَا بِعُشْرِهِ وَ لَا بِعُشْرِ 190 عَشِيرِ مِعْشَارِهِ أَفْضَلُ مِنْهُ ع- يُوقَفُ 191 عَلَى الْحُجَجِ فَلَا يَتَأَمَّلُهَا، وَ يُحْتَجُّ عَلَيْهِ بِالْآيَاتِ وَ الْأَخْبَارِ- فَيَأْبَى إِلَّا تَمَادِياً فِي غَيِّهِ، فَذَاكَ أَعْظَمُ مِنْ كُلِّ حَسْرَةٍ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَ صَدَقَاتُهُ مُمَثَّلَةٌ لَهُ فِي مِثَالِ الْأَفَاعِيِّ تَنْهَشُهُ، وَ صَلَوَاتُهُ وَ عِبَادَاتُهُ مُمَثَّلَةٌ لَهُ فِي مِثَالِ الزَّبَانِيَةِ- تَدْفَعُهُ حَتَّى تَدُعَّهُ إِلَى جَهَنَّمَ دَعّاً يَقُولُ: يَا وَيْلِي أَ لَمْ أَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ أَ لَمْ أَكُ مِنَ الْمُزَكِّينَ أَ لَمْ أَكُ عَنْ أَمْوَالِ النَّاسِ وَ نِسَائِهِمْ مِنَ الْمُتَعَفِّفِينَ، فَلِمَا ذَا دُهِيتُ بِمَا دُهِيتُ فَيُقَالُ لَهُ: يَا شَقِيُّ مَا نَفَعَكَ مَا عَمِلْتَ، وَ قَدْ ضَيَّعْتَ أَعْظَمَ الْفُرُوضِ بَعْدَ تَوْحِيدِ اللَّهِ تَعَالَى وَ الْإِيمَانِ بِنُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ [رَسُولِ اللَّهِ 192 ] ص: ضَيَّعْتَ مَا لَزِمَكَ مِنْ مَعْرِفَةِ 193 حَقِّ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَلِيِّ اللَّهِ، وَ الْتَزَمْتَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْكَ مِنَ الِائْتِمَامِ 194 بِعَدُوِّ اللَّهِ. 195
فَلَوْ كَانَ لَكَ بَدَلَ أَعْمَالِكَ هَذِهِ- عِبَادَةُ الدَّهْرِ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ، وَ بَدَلَ صَدَقَاتِكَ الصَّدَقَةُ بِكُلِّ أَمْوَالِ الدُّنْيَا- بَلْ بِمِلْءِ الْأَرْضِ ذَهَباً، لَمَا زَادَكَ ذَلِكَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى إِلَّا بُعْداً، وَ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَّا قُرْباً 196 .
18 قَالَ الْإِمَامُ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ ع: قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص:
قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ: قُولُوا «إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ» عَلَى طَاعَتِكَ وَ عِبَادَتَكَ، وَ عَلَى دَفْعِ 197 شُرُورِ أَعْدَائِكَ، وَ رَدِّ مَكَايِدِهِمْ، وَ الْمُقَامِ عَلَى مَا أَمَرْتَ 198 بِهِ 199 .
[أعظم الطاعات]
19 وَ قَالَ ص عَنْ جَبْرَئِيلَ ع عَنِ اللَّهِ تَعَالَى [قَالَ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَ] 200 :
يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ، فَاسْأَلُونِي الْهُدَى أَهْدِكُمْ.
وَ كُلُّكُمْ فَقِيرٌ إِلَّا مَنْ أَغْنَيْتُهُ، فَاسْأَلُونِي الْغِنَى أَرْزُقْكُمْ.
وَ كُلُّكُمْ مُذْنِبٌ إِلَّا مَنْ غَفَرْتُ 201 فَاسْأَلُونِي الْمَغْفِرَةَ أَغْفِرْ لَكُمْ.
وَ مَنْ عَلِمَ أَنِّي ذُو قُدْرَةٍ عَلَى الْمَغْفِرَةِ فَاسْتَغْفَرَنِي بِقُدْرَتِي، غَفَرْتُ لَهُ، وَ لَا أُبَالِي.
وَ لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَ آخِرَكُمْ، وَ حَيَّكُمْ وَ مَيِّتَكُمْ، وَ رَطْبَكُمْ وَ يَابِسَكُمْ اجْتَمَعُوا عَلَى إِنْقَاءِ 202 قَلْبِ عَبْدٍ مِنْ عِبَادِي، لَمْ يَزِيدُوا فِي مُلْكِي جَنَاحَ بَعُوضَةٍ.
وَ لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَ آخِرَكُمْ، وَ حَيَّكُمْ وَ مَيِّتَكُمْ، وَ رَطْبَكُمْ وَ يَابِسَكُمْ اجْتَمَعُوا عَلَى إِشْقَاءِ قَلْبِ 203 عَبْدٍ مِنْ عِبَادِي- لَمْ يَنْقُصُوا مِنْ مُلْكِي جَنَاحَ بَعُوضَةٍ.
وَ لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَ آخِرَكُمْ، وَ حَيَّكُمْ وَ مَيِّتَكُمْ، وَ رَطْبَكُمْ وَ يَابِسَكُمْ، اجْتَمَعُوا فَتَمَنَّى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، مَا بَلَغَتْ مِنْ أُمْنِيَّتِهِ. فَأَعْطَيْتُهُ لَمْ يَتَبَيَّنْ ذَلِكَ فِي مُلْكِي، كَمَا لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ مَرَّ عَلَى شَفِيرِ الْبَحْرِ، فَغَمَسَ فِيهِ إِبْرَةً ثُمَّ انْتَزَعَهَا، وَ ذَلِكَ بِأَنِّي جَوَادٌ مَاجِدٌ، وَاجِدٌ، عَطَائِي كَلَامٌ، وَ عَذَابِي 204 كَلَامٌ، فَإِذَا أَرَدْتُ شَيْئاً فَإِنَّمَا أَقُولُ لَهُ: كُنْ فَيَكُونُ يَا عِبَادِي اعْمَلُوا أَفْضَلَ الطَّاعَاتِ وَ أَعْظَمَهَا لِأُسَامِحَكُمْ- وَ إِنْ قَصَّرْتُمْ فِيمَا سِوَاهَا وَ اتْرُكُوا أَعْظَمَ الْمَعَاصِي وَ أَقْبَحَهَا- لِئَلَّا أُنَاقِشَكُمْ فِي رُكُوبِ مَا عَدَاهَا.
إِنَّ أَعْظَمَ الطَّاعَاتِ تَوْحِيدِي، وَ تَصْدِيقُ نَبِيِّي، وَ التَّسْلِيمُ لِمَنْ نَصَبَهُ بَعْدَهُ- وَ هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ع وَ الْأَئِمَّةُ الطاهرين [الطَّاهِرُونَ] مِنْ نَسْلِهِ ص.
وَ إِنَّ أَعْظَمَ الْمَعَاصِي [وَ أَقْبَحَهَا] عِنْدِي الْكُفْرُ بِي وَ بِنَبِيِّي، وَ مُنَابَذَةُ 205 وَلِيِّ مُحَمَّدٍ بَعْدَهُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَ أَوْلِيَائِهِ بَعْدَهُ.
فَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَكُونُوا عِنْدِي فِي الْمَنْظَرِ الْأَعْلَى، وَ الشَّرَفِ الْأَشْرَفِ، فَلَا يَكُونَنَّ أَحَدٌ مِنْ عِبَادِي آثَرَ عِنْدَكُمْ مِنْ مُحَمَّدٍ ص، وَ بَعْدَهُ مِنْ أَخِيهِ عَلِيٍّ ع، وَ بَعْدَهُمَا مِنْ أَبْنَائِهِمَا 206 الْقَائِمِينَ بِأُمُورِ عِبَادِي بَعْدَهُمَا فَإِنَّ مَنْ كَانَتْ تِلْكَ عَقِيدَتَهُ- جَعَلْتُهُ مِنْ أَشْرَافِ مُلُوكِ جِنَانِي 207 .
وَ اعْلَمُوا أَنَّ أَبْغَضَ الْخَلْقِ إِلَيَّ- مَنْ تَمَثَّلَ بِي وَ ادَّعَى رُبُوبِيَّتِي، وَ أَبْغَضَهُمْ إِلَيَّ بَعْدَهُ مَنْ تَمَثَّلَ بِمُحَمَّدٍ، وَ نَازَعَهُ نُبُوَّتَهُ 208 وَ ادَّعَاهَا، وَ أَبْغَضَهُمْ إِلَيَّ بَعْدَهُ مَنْ تَمَثَّلَ بِوَصِيِّ مُحَمَّدٍ، وَ نَازَعَهُ مَحَلَّهُ وَ شَرَفَهُ، وَ ادَّعَاهُمَا، وَ أَبْغَضَهُمْ 209 إِلَيَّ بَعْدَ هَؤُلَاءِ الْمُدَّعِينَ- لِمَا هُمْ بِهِ لِسَخَطِي مُتَعَرِّضُونَ- مَنْ كَانَ لَهُمْ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الْمُعَاوِنِينَ، وَ أَبْغَضَ الْخَلْقِ إِلَيَّ بَعْدَ هَؤُلَاءِ- مَنْ كَانَ بِفِعْلِهِمْ مِنَ الرَّاضِينَ، وَ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنَ الْمُعَاوِنِينَ.
وَ كَذَلِكَ أَحَبُّ الْخَلْقِ إِلَيَّ الْقَوَّامُونَ بِحَقِّي، وَ أَفْضَلُهُمْ لَدَيَّ، وَ أَكْرَمُهُمْ عَلَيَّ مُحَمَّدٌ سَيِّدُ الْوَرَى، وَ أَكْرَمُهُمْ وَ أَفْضَلُهُمْ بَعْدَهُ 210 أَخُو الْمُصْطَفَى عَلِيٌّ الْمُرْتَضَى، ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ مِنَ الْقَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَقِّ، وَ أَفْضَلُ النَّاسِ بَعْدَهُمْ مَنْ أَعَانَهُمْ عَلَى حَقِّهِمْ، وَ أَحَبُّ الْخَلْقِ إِلَيَّ بَعْدَهُمْ مَنْ أَحَبَّهُمْ، وَ أَبْغَضَ أَعْدَاءَهُمْ، وَ إِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ مَعُونَتُهُمْ 211 .
قوله عز و جل اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ
20 قَالَ الْإِمَامُ ع [قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَ] (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) أَيْ 212 :
أَدِمِ لَنَا تَوْفِيقَكَ الَّذِي بِهِ أَطَعْنَاكَ فِي مَاضِي أَيَّامِنَا- حَتَّى نُطِيعَكَ كَذَلِكَ فِي مُسْتَقْبَلِ أَعْمَارِنَا 213 وَ (الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) هُوَ صِرَاطَانِ: صِرَاطٌ فِي الدُّنْيَا، وَ صِرَاطٌ فِي الْآخِرَةِ.
فَأَمَّا الطَّرِيقُ 214 الْمُسْتَقِيمُ فِي الدُّنْيَا- فَهُوَ مَا قَصُرَ عَنِ الْعُلُوِّ، وَ ارْتَفَعَ عَنِ التَّقْصِيرِ- وَ اسْتَقَامَ فَلَمْ يَعْدِلْ إِلَى شَيْءٍ مِنَ الْبَاطِلِ.
وَ الطَّرِيقُ الْآخَرُ: طَرِيقُ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى الْجَنَّةِ الَّذِي هُوَ مُسْتَقِيمٌ، لَا يَعْدِلُونَ عَنِ الْجَنَّةِ إِلَى النَّارِ، وَ لَا إِلَى غَيْرِ النَّارِ سِوَى الْجَنَّةِ.
[قَالَ: وَ] 215 قَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّادِقُ ع: قَوْلُهُ عَزَّ وَ جَلَ (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) يَقُولُ: أَرْشِدْنَا لِلصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، أَرْشِدْنَا لِلُزُومِ الطَّرِيقِ الْمُؤَدِّي إِلَى مَحَبَّتِكَ، وَ الْمُبَلِّغِ إِلَى جَنَّتِكَ 216 وَ الْمَانِعِ مِنْ أَنْ نَتَّبِعَ أَهْوَاءَنَا فَنَعْطَبَ، أَوْ أَنْ نَأْخُذَ بِآرَائِنَا فَنَهْلِكَ.
ثُمَّ قَالَ 217 ع: فَإِنَّ مَنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ، وَ أُعْجِبَ بِرَأْيِهِ- كَانَ كَرَجُلٍ سَمِعْتُ غُثَاءَ 218 الْعَامَّةِ تُعَظِّمُهُ وَ تَصِفُهُ 219 ، فَأَحْبَبْتُ لِقَاءَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْرِفُنِي- لِأَنْظُرَ مِقْدَارَهُ وَ مَحَلَّهُ فَرَأَيْتُهُ فِي مَوْضِعٍ قَدْ أَحْدَقَ بِهِ خَلْقٌ مِنْ غُثَاءِ الْعَامَّةِ، فَوَقَفْتُ مُنْتَبِذاً 220 عَنْهُمْ، مُتَغَشِّياً بِلِثَامٍ أَنْظُرُ إِلَيْهِ وَ إِلَيْهِمْ، فَمَا زَالَ يُرَاوِغُهُمْ 221 حَتَّى خَالَفَ طَرِيقَهُمْ فَفَارَقَهُمْ، وَ لَمْ يَعُدْ 222
فَتَفَرَّقَتِ الْعَامَّةُ عَنْهُ لِحَوَائِجِهِمْ. وَ تَبِعْتُهُ أَقْتَفِي أَثَرَهُ، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ مَرَّ بِخَبَّازٍ فَتَغَفَّلَهُ، فَأَخَذَ مِنْ دُكَّانِهِ رَغِيفَيْنِ مُسَارَقَةً 223 ، فَتَعَجَّبْتُ مِنْهُ، ثُمَّ قُلْتُ فِي نَفْسِي: لَعَلَّهُ مُعَامَلَةٌ.
ثُمَّ مَرَّ بَعْدَهُ بِصَاحِبِ رُمَّانٍ، فَمَا زَالَ بِهِ حَتَّى تَغَفَّلَهُ فَأَخَذَ مِنْ عِنْدِهِ رُمَّانَتَيْنِ مُسَارَقَةً فَتَعَجَّبْتُ مِنْهُ، ثُمَّ قُلْتُ [فِي نَفْسِي]: لَعَلَّهُ مُعَامَلَةٌ، ثُمَّ أَقُولُ: وَ مَا حَاجَتُهُ [إِذاً] 224 إِلَى الْمُسَارَقَةِ! ثُمَّ لَمْ أَزَلْ أَتْبَعُهُ حَتَّى مَرَّ بِمَرِيضٍ، فَوَضَعَ الرَّغِيفَيْنِ وَ الرُّمَّانَتَيْنِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَ مَضَى، وَ تَبِعْتُهُ حَتَّى اسْتَقَرَّ فِي بُقْعَةٍ مِنْ صَحْرَاءَ فَقُلْتُ لَهُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ لَقَدْ سَمِعْتُ بِكَ [خَيْراً] وَ أَحْبَبْتُ لِقَاءَكَ، فَلَقِيتُكَ، لَكِنِّي رَأَيْتُ مِنْكَ مَا شَغَلَ قَلْبِي، وَ إِنِّي سَائِلُكَ عَنْهُ، لِيَزُولَ بِهِ شُغُلُ قَلْبِي. قَالَ: مَا هُوَ قُلْتُ: رَأَيْتُكَ مَرَرْتَ بِخَبَّازٍ فَسَرَقْتَ مِنْهُ رَغِيفَيْنِ، ثُمَّ مَرَرْتَ بِصَاحِبِ الرُّمَّانِ فَسَرَقْتَ مِنْهُ رُمَّانَتَيْنِ! قَالَ: فَقَالَ لِي: قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ حَدِّثْنِي مَنْ أَنْتَ قُلْتُ لَهُ: رَجُلٌ مِنْ وُلْدِ آدَمَ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ص. قَالَ: حَدِّثْنِي 225 مِمَّنْ أَنْتَ قُلْتُ: رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ ص.
قَالَ: أَيْنَ بَلَدُكَ قُلْتُ: الْمَدِينَةُ.
قَالَ: لَعَلَّكَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قُلْتُ: بَلَى.
قَالَ لِي: فَمَا يَنْفَعُكَ شَرَفُ [أَهْلِكَ وَ] 226 أَصْلُكَ- مَعَ جَهْلِكَ بِمَا شُرِّفْتَ بِهِ، وَ تَرْكِكَ عِلْمَ جَدِّكَ وَ أَبِيكَ- لِئَلَّا تُنْكِرَ مَا يَجِبُ أَنْ تَحْمَدَ وَ تَمْدَحَ فَاعِلَهُ! قُلْتُ: وَ مَا هُوَ قَالَ: الْقُرْآنُ كِتَابُ اللَّهِ.
قُلْتُ: وَ مَا الَّذِي جَهِلْتُ مِنْهُ قَالَ: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ:
« مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها- وَ مَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها » 227 وَ إِنِّي لَمَّا سَرَقْتُ الرَّغِيفَيْنِ كَانَتْ سَيِّئَتَيْنِ، وَ لَمَّا سَرَقْتُ الرُّمَّانَتَيْنِ كَانَتْ سَيِّئَتَيْنِ
فَهَذِهِ أَرْبَعُ سَيِّئَاتٍ، فَلَمَّا تَصَدَّقْتُ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ حَسَنَةً، فَانْتَقَصَ مِنْ أَرْبَعِينَ حَسَنَةً أَرْبَعُ (حَسَنَاتٍ بِأَرْبَعِ سَيِّئَاتٍ) 228 بَقِيَ لِي سِتٌّ وَ ثَلَاثُونَ حَسَنَةً.
قُلْتُ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ أَنْتَ الْجَاهِلُ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، أَ مَا سَمِعْتَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى:
«إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ» 229 إِنَّكَ لَمَّا سَرَقْتَ الرَّغِيفَيْنِ كَانَتْ سَيِّئَتَيْنِ وَ لَمَّا سَرَقْتَ الرُّمَّانَتَيْنِ كَانَتْ سَيِّئَتَيْنِ، وَ لَمَّا دَفَعْتَهُمَا إِلَى غَيْرِ صَاحِبِهِمَا، بِغَيْرِ أَمْرِ صَاحِبِهِمَا، كُنْتَ إِنَّمَا أَضَفْتَ أَرْبَعَ سَيِّئَاتٍ إِلَى أَرْبَعِ سَيِّئَاتٍ، وَ لَمْ تُضِفْ أَرْبَعِينَ حَسَنَةً إِلَى أَرْبَعِ سَيِّئَاتٍ.
فَجَعَلَ يُلَاحِظُنِي 230 ، فَتَرَكْتُهُ وَ انْصَرَفْتُ.
قَالَ الصَّادِقُ ع: بِمِثْلِ هَذَا التَّأْوِيلِ الْقَبِيحِ الْمُسْتَنْكَرِ 231 يَضِلُّونَ وَ يُضِلُّونَ.
وَ هَذَا [نَحْوُ] تَأْوِيلِ مُعَاوِيَةَ عَلَيْهِ مَا يَسْتَحِقُّ- لَمَّا قُتِلَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ (ره) فَارْتَعَدَتْ فَرَائِصُ خَلْقٍ كَثِيرٍ، وَ قَالُوا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص: عَمَّارٌ تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ.
فَدَخَلَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ عَلَى مُعَاوِيَةَ، وَ قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ هَاجَ النَّاسُ وَ اضْطَرَبُوا. قَالَ: لِمَا ذَا قَالَ: لِقَتْلِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، حَيْثُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص: عَمَّارٌ تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ.
فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: دُحِضْتَ 232 فِي قَوْلِكَ، أَ نَحْنُ قَتَلْنَاهُ إِنَّمَا قَتَلَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ لِمَا أَلْقَاهُ بَيْنَ رِمَاحِنَا. فَاتَّصَلَ ذَلِكَ بِعَلِيٍّ ع، فَقَالَ ع: