کتابخانه روایات شیعه
عَلَى أَنْفُسِهِمْ- حَتَّى إِذَا عَلِمُوا مَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ عَمَلُهُ 310 عَمِلُوا بِمَا يُوجِبُ لَهُمْ رِضَاءُ رَبِّهِمْ.
33 [ثُمَ] 311 قَالَ: وَ قَالَ الصَّادِقُ ع ثُمَّ الْأَلِفُ حَرْفٌ مِنْ حُرُوفِ قَوْلِكَ «اللَّهُ» دُلَّ بِالْأَلِفِ عَلَى قَوْلِكَ: اللَّهُ.
وَ دُلَّ بِاللَّامِ عَلَى قَوْلِكَ: الْمَلِكُ الْعَظِيمُ، الْقَاهِرُ لِلْخَلْقِ أَجْمَعِينَ وَ دُلَّ بِالْمِيمِ عَلَى أَنَّهُ الْمَجِيدُ [الْكَرِيمُ] الْمَحْمُودُ فِي كُلِّ أَفْعَالِهِ.
وَ جُعِلَ هَذَا الْقَوْلُ حُجَّةً عَلَى الْيَهُودِ.
وَ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا بَعَثَ مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ ع. ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ [أَحَدٌ] 312 إِلَّا أَخَذُوا عَلَيْهِمُ 313 الْعُهُودَ، وَ الْمَوَاثِيقَ لَيُؤْمِنُنَّ بِمُحَمَّدٍ الْعَرَبِيِّ الْأُمِّيِّ الْمَبْعُوثِ بِمَكَّةَ، الَّذِي يُهَاجِرُ [مِنْهَا] إِلَى الْمَدِينَةِ، يَأْتِي بِكِتَابٍ بِالْحُرُوفِ 314 الْمُقَطَّعَةِ افْتِتَاحَ بَعْضِ سُوَرِهِ، يَحْفَظُهُ [بَعْضُ] أُمَّتِهِ، فَيَقْرَءُونَهُ قِيَاماً وَ قُعُوداً وَ مُشَاةً 315 وَ عَلَى كُلِّ حَالٍ، يُسَهِّلُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ حِفْظَهُ عَلَيْهِمْ.
وَ يَقْرِنُونَ 316 بِمُحَمَّدٍ أَخَاهُ وَ وَصِيَّهُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ ع الْآخِذَ عَنْهُ عُلُومَهُ الَّتِي
عَلَّمَهَا، وَ الْمُتَقَلِّدَ عَنْهُ الْأَمَانَةَ الَّتِي قَلَّدَهَا، وَ مُذَلِّلَ 317 كُلِّ مَنْ عَانَدَ مُحَمَّداً بِسَيْفِهِ الْبَاتِرِ وَ مُفْحِمَ 318 كُلِّ مَنْ جَادَلَهُ وَ خَاصَمَهُ بِدَلِيلِهِ الْقَاهِرِ، يُقَاتِلُ عِبَادَ اللَّهِ عَلَى تَنْزِيلِ كِتَابِ اللَّهِ 319 حَتَّى يَقُودَهُمْ إِلَى قَبُولِهِ طَائِعِينَ وَ كَارِهِينَ.
ثُمَ 320 إِذَا صَارَ مُحَمَّدٌ إِلَى رِضْوَانِ اللَّهِ تَعَالَى، وَ ارْتَدَّ كَثِيرٌ مِمَّنْ كَانَ أَعْطَاهُ ظَاهِرَ الْإِيمَانِ، وَ حَرَّفُوا تَأْوِيلَاتِهِ، وَ غَيَّرُوا مَعَانِيَهُ، وَ وَضَعُوهَا عَلَى خِلَافِ وُجُوهِهَا، قَاتَلَهُمْ بَعْدَ [ذَلِكَ] 321 عَلَى تَأْوِيلِهِ- حَتَّى يَكُونَ إِبْلِيسُ الْغَاوِي لَهُمْ 322 هُوَ الْخَاسِئُ الذَّلِيلُ الْمَطْرُودُ [الْمَلْعُونُ] الْمَغْلُوبُ.
قَالَ: فَلَمَّا بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّداً ص وَ أَظْهَرَهُ بِمَكَّةَ، وَ سَيَّرَهُ 323 مِنْهَا إِلَى الْمَدِينَةِ وَ أَظْهَرَهُ بِهَا- أَنْزَلَ 324 عَلَيْهِ الْكِتَابَ، وَ جَعَلَ افْتِتَاحَ سُورَتِهِ الْكُبْرَى بِ «الم» يَعْنِي « الم ذلِكَ الْكِتابُ » وَ هُوَ ذَلِكَ الْكِتَابُ الَّذِي أَخْبَرْتُ [بِهِ] أَنْبِيَائِيَ السَّالِفِينَ- أَنِّي سَأُنْزِلُهُ عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ « لا رَيْبَ فِيهِ ».
فَقَدْ ظَهَرَ مَا أَخْبَرَهُمْ بِهِ أَنْبِيَاؤُهُمْ 325 أَنَّ مُحَمَّداً يَنْزِلُ عَلَيْهِ كِتَابٌ مُبَارَكٌ- لَا يَمْحُوهُ الْبَاطِلُ 326 يَقْرَؤُهُ هُوَ وَ أُمَّتُهُ عَلَى سَائِرِ أَحْوَالِهِمْ.
ثُمَّ الْيَهُودُ يُحَرِّفُونَهُ عَنْ جِهَتِهِ، وَ يَتَأَوَّلُونَهُ 327 عَلَى غَيْرِ وَجْهِهِ، وَ يَتَعَاطَوْنَ التَّوَصُّلَ إِلَى عِلْمِ [مَا] قَدْ طَوَاهُ اللَّهُ عَنْهُمْ- مِنْ [حَالِ] أَجَلِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَ كَمْ مُدَّةُ مُلْكِهِمْ.
فَجَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ص مِنْهُمْ جَمَاعَةٌ، فَوَلَّى رَسُولُ اللَّهِ ص عَلِيّاً ع مُخَاطَبَتَهُمْ فَقَالَ قَائِلُهُمْ: إِنْ كَانَ مَا يَقُولُ مُحَمَّدٌ حَقّاً، فَقَدْ عَلِمْنَا كَمْ قَدْرُ مُلْكِ أُمَّتِهِ، هُوَ إِحْدَى وَ سَبْعُونَ سَنَةً: الْأَلِفُ وَاحِدٌ، وَ اللَّامُ ثَلَاثُونَ، وَ الْمِيمُ أَرْبَعُونَ.
فَقَالَ عَلِيٌّ ص: فَمَا تَصْنَعُونَ بِ « المص » وَ قَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ قَالُوا: هَذِهِ إِحْدَى وَ سِتُّونَ وَ مِائَةُ سَنَةٍ.
فَقَالَ [عَلِيٌّ ع]: فَمَا تَصْنَعُونَ بِ « الر » وَ قَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ.
[فَ] قَالُوا: هَذِهِ أَكْثَرُ، هَذِهِ مِائَتَانِ وَ إِحْدَى وَ ثَلَاثُونَ سَنَةً.
[فَ] قَالَ عَلِيٌّ ع: فَمَا ذَا تَصْنَعُونَ بِ « المر » وَ قَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ 328 قَالُوا: هَذِهِ أَكْثَرُ، هَذِهِ مِائَتَانِ وَ إِحْدَى وَ سَبْعُونَ سَنَةً.
فَقَالَ عَلِيٌّ ع: فَوَاحِدَةٌ مِنْ هَذِهِ لَهُ، أَوْ جَمِيعُهَا لَهُ فَاخْتَلَطَ كَلَامُهُمْ، فَبَعْضُهُمْ قَالَ: لَهُ وَاحِدَةٌ مِنْهَا. وَ قَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ يُجْمَعُ لَهُ كُلُّهَا وَ ذَلِكَ سَبْعُمِائَةٍ وَ أَرْبَعٌ وَ ثَلَاثُونَ سَنَةً، ثُمَّ يَرْجِعُ الْمُلْكُ إِلَيْنَا. يَعْنِي إِلَى الْيَهُودِ.
فَقَالَ عَلِيٌّ ع: أَ كِتَابٌ مِنْ كُتُبِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ نَطَقَ بِهَذَا، أَمْ آرَاؤُكُمْ دَلَّتْ 329 عَلَيْهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كِتَابُ اللَّهِ نَطَقَ بِهِ. وَ قَالَ آخَرُونَ: بَلْ آرَاؤُنَا دَلَّتْ عَلَيْهِ.
فَقَالَ عَلِيٌّ ع: فَأْتُوا بِكِتَابٍ [مُنْزَلٍ] مِنْ عِنْدِ اللَّهِ- يَنْطِقُ بِمَا تَقُولُونَ.
فَعَجَزُوا عَنْ إِيرَادِ ذَلِكَ، وَ قَالَ لِلْآخَرِينَ: فَدَلُّونَا عَلَى صَوَابِ هَذَا الرَّأْيِ فَقَالُوا: صَوَابُ رَأْيِنَا دَلِيلُهُ [عَلَى] أَنَّ هَذَا حِسَابُ الْجُمَّلِ.
فَقَالَ عَلِيٌّ ع: وَ كَيْفَ دَلَّ عَلَى مَا تَقُولُونَ، وَ لَيْسَ فِي هَذِهِ الْحُرُوفِ إِلَّا مَا اقْتَرَحْتُمْ بِلَا بَيَانٍ! أَ رَأَيْتُمْ إِنْ قِيلَ لَكُمْ: إِنَّ هَذِهِ الْحُرُوفَ لَيْسَتْ دَالَّةٌ عَلَى هَذِهِ الْمُدَّةِ- لِمُلْكِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ص، وَ لَكِنَّهَا دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ دَيْناً- بِعَدَدِ هَذَا الْحِسَابِ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ، أَوْ [عَلَى]: أَنَّ لِعَلِيٍّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ دَيْناً- عَدَدَ مَالِهِ مِثْلَ عَدَدِ
هَذَا الْحِسَابِ، أَوْ عَلَى: أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ قَدْ لُعِنَ بِعَدَدِ هَذَا الْحِسَابِ.
قَالُوا: يَا أَبَا الْحَسَنِ لَيْسَ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْتَهُ مَنْصُوصاً عَلَيْهِ فِي « الم » وَ « المص » وَ « الر » وَ « المر ».
فَقَالَ عَلِيٌّ ع: وَ لَا شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْتُمُوهُ- مَنْصُوصاً عَلَيْهِ فِي « الم » وَ « المص » وَ « الر » وَ « المر » فَإِنْ بَطَلَ قَوْلُنَا (بِمَا قُلْتُمْ، بَطَلَ قَوْلُكُمْ بِمَا قُلْنَا) 330 .
فَقَالَ خَطِيبُهُمْ وَ مِنْطِيقُهُمْ: لَا تَفْرَحْ يَا عَلِيُّ بِأَنْ عَجَزْنَا عَنْ 331 إِقَامَةِ حُجَّةٍ 332 عَلَى دَعْوَانَا، فَأَيُّ حُجَّةٍ لَكَ فِي دَعْوَاكَ إِلَّا أَنْ تَجْعَلَ عَجْزَنَا حُجَّتَكَ، فَإِذاً مَا لَنَا حُجَّةٌ فِيمَا نَقُولُ- وَ لَا لَكُمْ حُجَّةٌ فِيمَا تَقُولُونَ.
قَالَ عَلِيٌّ ع: لَا سَوَاءٌ إِنَّ لَنَا حُجَّةً هِيَ الْمُعْجِزَةُ الْبَاهِرَةُ.
ثُمَّ نَادَى جِمَالَ الْيَهُودِ: يَا أَيَّتُهَا الْجِمَالُ اشْهَدِي لِمُحَمَّدِ وَ لِوَصِيِّهِ.
فَنَادَتِ 333 الْجِمَالُ: صَدَقْتَ صَدَقْتَ [يَا عَلِيُ] يَا وَصِيَّ مُحَمَّدٍ، وَ كَذَبَ هَؤُلَاءِ [الْيَهُودُ].
فَقَالَ عَلِيٌّ ع: هَؤُلَاءِ خَيْرٌ مِنَ الْيَهُودِ، 334 يَا ثِيَابَ الْيَهُودِ الَّتِي عَلَيْهِمْ اشْهَدِي لِمُحَمَّدِ ص وَ لِوَصِيِّهِ.
فَنَطَقَتْ ثِيَابُهُمْ كُلُّهَا: صَدَقْتَ صَدَقْتَ يَا عَلِيُّ، نَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ حَقّاً وَ أَنَّكَ يَا عَلِيُّ وَصِيُّهُ حَقّاً، لَمْ يُثْبِتْ مُحَمَّدٌ قَدَماً فِي مَكْرُمَةٍ- إِلَّا وَطِئْتَ عَلَى مَوْضِعِ قَدَمِهِ بِمِثْلِ مَكْرُمَتِهِ، فَأَنْتُمَا شَقِيقَانِ مِنْ أَشْرَفِ 335 أَنْوَارِ اللَّهِ تَعَالَى، [فَمُيِّزْتُمَا اثْنَيْنِ] 336 وَ أَنْتُمَا فِي الْفَضَائِلِ شَرِيكَانِ، إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدَ مُحَمَّدٍ ص.
فَعِنْدَ ذَلِكَ خَزِيَتِ 337 الْيَهُودُ، وَ آمَنَ بَعْضُ النَّظَّارَةِ 338 مِنْهُمْ بِرَسُولِ اللَّهِ ص، وَ غَلَبَ الشَّقَاءُ عَلَى الْيَهُودِ، وَ بَعْضِ 339 النَّظَّارَةِ الْآخَرِينَ، فَذَلِكَ مَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى « لا رَيْبَ فِيهِ » إِنَّهُ كَمَا قَالَ مُحَمَّدٌ ص وَ وَصِيُّ مُحَمَّدٍ عَنْ قَوْلِ [مُحَمَّدٍ ص، عَنْ قَوْلِ] رَبِّ الْعَالَمِينَ.
ثُمَّ قَالَ: « هُدىً » بَيَانٌ وَ شِفَاءٌ « لِلْمُتَّقِينَ » مِنْ شِيعَةِ مُحَمَّدٍ وَ عَلِيٍّ ع.
[إِنَّهُمْ] 340 اتَّقَوْا أَنْوَاعَ الْكُفْرِ فَتَرَكُوهَا، وَ اتَّقَوْا [أَنْوَاعَ] الذُّنُوبِ الْمُوبِقَاتِ فَرَفَضُوهَا وَ اتَّقَوْا إِظْهَارَ أَسْرَارِ اللَّهِ تَعَالَى، وَ أَسْرَارِ أَزْكِيَاءِ عِبَادِهِ الْأَوْصِيَاءِ بَعْدَ مُحَمَّدٍ ص، فَكَتَمُوهَا.
وَ اتَّقَوْا سَتْرَ الْعُلُومِ عَنْ أَهْلِهَا الْمُسْتَحِقِّينَ لَهَا، وَ فِيهِمْ نَشَرُوهَا 341 .
قوله عز و جل الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ
34 قَالَ الْإِمَامُ ع ثُمَّ وَصَفَ هَؤُلَاءِ الْمُتَّقِينَ 342 الَّذِينَ هَذَا الْكِتَابُ هُدًى لَهُمْ فَقَالَ: ( الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ) يَعْنِي بِمَا غَابَ عَنْ حَوَاسِّهِمْ- مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي يَلْزَمُهُمُ الْإِيمَانُ بِهَا، كَالْبَعْثِ [وَ النُّشُورِ] وَ الْحِسَابِ وَ الْجَنَّةِ وَ النَّارِ، وَ تَوْحِيدِ اللَّهِ تَعَالَى وَ سَائِرِ مَا لَا يُعْرَفُ بِالْمُشَاهَدَةِ.
وَ إِنَّمَا يُعْرَفُ بِدَلَائِلَ قَدْ نَصَبَهَا اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ [عَلَيْهَا] كَآدَمَ، وَ حَوَّاءَ، وَ إِدْرِيسَ، وَ نُوحٍ، وَ إِبْرَاهِيمَ، وَ الْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ يَلْزَمُهُمُ الْإِيمَانُ [بِهِمْ، وَ] بِحُجَجِ اللَّهِ تَعَالَى- وَ إِنْ لَمْ
يُشَاهِدُوهُمْ وَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ، وَ هُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ 343 .
التوسل إلى الله بمحمد و آله
35 وَ ذَلِكَ أَنَّ سَلْمَانَ الْفَارِسِيَّ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) مَرَّ بِقَوْمٍ مِنَ الْيَهُودِ، فَسَأَلُوهُ أَنْ يَجْلِسَ إِلَيْهِمْ، وَ يُحَدِّثَهُمْ بِمَا سَمِعَ مِنْ مُحَمَّدٍ ص فِي يَوْمِهِ هَذَا، فَجَلَسَ إِلَيْهِمْ لِحِرْصِهِ عَلَى إِسْلَامِهِمْ، فَقَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّداً ص يَقُولُ:
إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ يَقُولُ: يَا عِبَادِي- أَ وَ لَيْسَ مَنْ لَهُ إِلَيْكُمْ حَوَائِجُ كِبَارٌ لَا تَجُودُونَ بِهَا إِلَّا أَنْ يَتَحَمَّلَ عَلَيْكُمْ بِأَحَبِّ الْخَلْقِ إِلَيْكُمْ- تَقْضُونَهَا كَرَامَةً لِشَفِيعِهِمْ 344 أَلَا فَاعْلَمُوا أَنَّ أَكْرَمَ الْخَلْقِ عَلَيَّ، وَ أَفْضَلَهُمْ لَدَيَّ: مُحَمَّدٌ، وَ أَخُوهُ عَلِيٌّ، وَ مَنْ بَعْدَهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ الَّذِينَ هُمُ الْوَسَائِلُ إِلَيَّ.
أَلَا فَلْيَدْعُنِي مَنْ هَمَّ بِحَاجَةٍ يُرِيدُ نَفْعَهَا، أَوْ دَهَتْهُ دَاهِيَةٌ يُرِيدُ كَفَ 345 ضَرَرِهَا، بِمُحَمَّدٍ وَ آلِهِ الْأَفْضَلِينَ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ، أَقْضِهَا لَهُ أَحْسَنَ مِمَّا يَقْضِيهَا- مَنْ تَسْتَشْفِعُونَ إِلَيْهِ بِأَعَزِّ 346 الْخَلْقِ عَلَيْهِ.
قَالُوا لِسَلْمَانَ وَ هُمْ [يَسْخَرُونَ وَ] 347 يَسْتَهْزِءُونَ [بِهِ]: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ فَمَا بَالُكَ لَا تَقْتَرِحُ عَلَى اللَّهِ، وَ تَتَوَسَّلُ بِهِمْ: أَنْ يَجْعَلَكَ أَغْنَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَقَالَ سَلْمَانُ: قَدْ دَعَوْتُ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ بِهِمْ، وَ سَأَلْتُهُ مَا هُوَ أَجَلُّ وَ أَفْضَلُ وَ أَنْفَعُ مِنْ مُلْكِ الدُّنْيَا بِأَسْرِهَا: سَأَلْتُهُ بِهِمْ ص أَنْ يَهَبَ لِي لِسَاناً- لِتَحْمِيدِهِ 348 وَ ثَنَائِهِ ذَاكِراً، وَ قَلْباً لآِلَائِهِ شَاكِراً، وَ عَلَى الدَّوَاهِي الدَّاهِيَةِ لِي صَابِراً، وَ هُوَ عَزَّ وَ جَلَّ قَدْ أَجَابَنِي إِلَى مُلْتَمَسِي 349 مِنْ ذَلِكَ، وَ هُوَ أَفْضَلُ مِنْ مُلْكِ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا، وَ مَا تَشْتَمِلُ عَلَيْهِ مِنْ
خَيْرَاتِهَا مِائَةَ أَلْفِ أَلْفِ مَرَّةٍ.
قَالَ ع: فَجَعَلُوا يَهْزَءُونَ بِهِ وَ يَقُولُونَ: يَا سَلْمَانُ لَقَدِ ادَّعَيْتَ مَرْتَبَةً عَظِيمَةً شَرِيفَةً نَحْتَاجُ أَنْ نَمْتَحِنَ صِدْقَكَ مِنْ كَذِبِكَ فِيهَا، وَ هَا نَحْنُ أَوَّلًا 350 قَائِمُونَ إِلَيْكَ بِسِيَاطٍ فَضَارِبُوكَ بِهَا، فَسَلْ رَبَّكَ أَنْ يَكُفَّ أَيْدِيَنَا 351 عَنْكَ.
فَجَعَلَ سَلْمَانُ يَقُولُ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي عَلَى الْبَلَاءِ صَابِراً. وَ جَعَلُوا يَضْرِبُونَهُ بِسِيَاطِهِمْ حَتَّى أَعْيَوْا وَ مَلُّوا، وَ جَعَلَ سَلْمَانُ لَا يَزِيدُ عَلَى قَوْلِهِ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي عَلَى الْبَلَاءِ صَابِراً.
فَلَمَّا مَلُّوا وَ أَعْيَوْا، قَالُوا لَهُ: يَا سَلْمَانُ مَا ظَنَنَّا أَنَّ رُوحاً تَثْبُتُ فِي مَقَرِّهَا- مَعَ مِثْلِ هَذَا الْعَذَابِ الْوَارِدِ عَلَيْكَ، فَمَا بَالُكَ لَا تَسْأَلُ رَبَّكَ أَنْ يَكُفَّنَا عَنْكَ [فَ] قَالَ:
لِأَنَّ سُؤَالِي ذَلِكَ رَبِّي خِلَافُ الصَّبْرِ، بَلْ سَلَّمْتُ لِإِمْهَالِ اللَّهِ تَعَالَى لَكُمْ، وَ سَأَلْتُهُ الصَّبْرَ.
فَلَمَّا اسْتَرَاحُوا قَامُوا إِلَيْهِ بَعْدُ بِسِيَاطِهِمْ، فَقَالُوا: لَا نَزَالُ نَضْرِبُكَ بِسِيَاطِنَا- حَتَّى تَزْهَقَ رُوحُكَ أَوْ تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ.
فَقَالَ: مَا كُنْتُ لِأَفْعَلَ ذَلِكَ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَنْزَلَ عَلَى مُحَمَّدٍ ( الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ) وَ إِنَّ احْتِمَالِي لِمَكَارِهِكُمْ- لِأَدْخُلَ فِي جُمْلَةِ مَنْ مَدَحَهُ اللَّهُ بِذَلِكَ- سَهْلٌ عَلَيَّ يَسِيرٌ.
فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَهُ بِسِيَاطِهِمْ حَتَّى مَلُّوا، ثُمَّ قَعَدُوا، وَ قَالُوا: يَا سَلْمَانُ لَوْ كَانَ لَكَ عِنْدَ رَبِّكَ قَدْرٌ لِإِيمَانِكَ بِمُحَمَّدٍ لَاسْتَجَابَ [اللَّهُ] 352 دُعَاءَكَ وَ كَفَّنَا عَنْكَ.
فَقَالَ سَلْمَانُ: مَا أَجْهَلَكُمْ كَيْفَ يَكُونُ مُسْتَجِيباً دُعَائِي- إِذَا فَعَلَ بِي 353 خِلَافَ مَا أُرِيدُ مِنْهُ، أَنَا أَرَدْتُ مِنْهُ الصَّبْرَ فَقَدِ اسْتَجَابَ لِي وَ صَبَّرَنِي، وَ لَمْ أَسْأَلْهُ كَفَّكُمْ عَنِّي فَيَمْنَعَنِي حَتَّى يَكُونَ ضِدَّ دُعَائِي كَمَا تَظُنُّونَ.