کتابخانه روایات شیعه
الدين و حاكم يوم الدين، و أنت تعلم أنه ولي اللّه و خليفته، و الولي له الحكم فلا يحتاج العقل السليم إذن مع معرفة الحكم المقيّد إلى قرينة أخرى.
(تنبيه) كما أنه إذا قيل: فلان مالك ديوان العراق و حاكم ديوان العراق على الإطلاق، فيذهب العقل السليم إلى أنه هو السلطان و لا يحتاج إلى قرينة أخرى تميّزه بل إطلاق اللفظ يدل على أنه هو الوزير و صاحب الدفتر، و كذا إذا قلت علي مالك يوم الدين، فلا يذهب ذهن المؤمن الموحّد العارف باللّه، إلى أن عليا هو اللّه لا إله إلّا اللّه، بل انّه ولي اللّه، و الولي و هو الوالي فله الولاية و الحكم بأمر اللّه الذي حكّمه و ولّاه، و فوّض إليه أمره و ارتضاه، فيا عجبا كيف يرضاه اللّه و أنت لا ترضاه أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ، ثم تدّعي بعد ذلك أنك تعرفه و تتولاه، و أنت و اللّه الكاذب في دعواه، فأنت كما قيل:
« و يدّعي وصلها من ليس يعرفها
إلّا بأسمائها في ظاهر الكتب »
فأنت في أمر علي لم ترض برضى اللّه، و من لم يرض برضى اللّه، فعليه لعنة اللّه، أ لم تعلم يا منكر الحق بجهله و مدّعي العرفان و ليس من أهله أن الدنيا و الآخرة لهم خلقت، و بهم خلقت، و من أجلهم خلقت، و إليهم سلمت، و اللّه غني عن العالمين، و ما هو بهم و لهم و لأجلهم، فهو مالكهم و ملكهم من غير مشارك و لا منازع، و ثبوت ذلك من قول المعصوم، و وجوب تصديق قوله و اعتقاده، لأن من ردّ على الولي فقد رد على الرب العلي و من رد على العلي كفر، فمن ردّ على الحجّة المعصوم فقد كفر، فها قد صرح الدليل أن من أنكر ولاية علي و حكمه في الدنيا و الآخرة فقد كفر، و من أنكر أحد الطرفين فهو واقف بين جداري الكفر و الإيمان، فإما أن يعتقد الطرفين فيؤمن، أو ينكر الطرفين فيكفر، كما قال أمير المؤمنين عليه السّلام لرجل قال له: أنا أحبّك و أهوى فلان، فقال له أمير المؤمنين عليه السّلام: أنت الآن أعور فإمّا أن تعمى، أو تبصر 537 ؟ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ، وَ مَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ ، و ما أنت عليهم بمسيطر.
فصل
و بيان هذا البرهان أنه تعالى أمر نبيّه يوم الدار أن يجمع بني عبد المطّلب و يدعوهم إلى اللّه، فمن سبق منهم إلى تصديقه و أجاب دعوته و صدق رسالته، و رأى نصرته، كان له بذلك أربعة عهد من اللّه و رسوله، و يكون أخاه و صهره، و الحاكم بعده فما أجاب دعوته غير علي فبايعه و نصره و فداه، و وفى بعهد اللّه فخاض في رضاه الحتوف، و قتل في طاعته الألوف، و كشف عن دينه الكربات، و كسر الرايات، و أخرج الناس من الظلمات، و لما قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله تواثبت الضباع على الأسد المناع، و الولي المطاع، فعوت على الهزبر الكلاب، و صار ملك أبي تراب، الذي صفي سبحانه بحد الحساب، و القرضاب، إلى ... الذي لم يحمر له حسام يوم الضراب، و لا مرّ في ملمة 538 إلّا انقلب و خاب، و لم يدع إلى كريهة فأجاب.
فوجب في عدل الكريم الوهّاب، من باب أَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ أن يوليه يوم القيامة عوضا عن حقّه الممنوع في الدنيا حكم يوم الحساب، و إليه الإشارة بقوله: وَ يُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ 539 لأن المواهب الربانية و التحف الإلهية، إما أن تكون استحقاقا أو تفضّلا، و كلاهما حاصلان لأمير المؤمنين عليه السّلام، أما الاستحقاق فإنّ اللّه أوجد فيه من الأسرار الإلهية، و القوى الربّانية، و الخواص الملكية ما لم يوجد في غيره من البشر، حتى تاه ذو اللب في معناه و كفر، و إليه الإشارة بقوله صلّى اللّه عليه و آله: «خلقت أنا و علي من جنب اللّه و لم يخلق منه غيرنا» 540 ، و جنب اللّه معناه علم اللّه، و حق الله له كإحياء الأموات و الإخبار بالمغيبات، و تكلم أذياب الفلوات، و إغاضة ماء الفرات، و رجوع الشمس له بعد الغياب، و إظهار و إيراد المعجبات، و أما التفضّل فإنّ اللّه يختص برحمته من يشاء، ففوّض اللّه إليه أمر العباد و جعله
الحاكم يوم المعاد، فهو حاكم يوم الدين، و مالك يوم الدين، و ولي يوم الدين، و لا ينكر هذا الحق المبين، إلّا من ليس له حظّ من الإيمان و اليقين، و من لا إيمان له كافر فوجب على من شمّ حقائق الإيمان استنشاق نسيم أزهار هذه الأشجار، و التصديق لهذه الآثار، و من أنكرها و لو حرفا منها فقد عارض زكام الكفر خيشوم إيمانه فليداوه بسعوط التصديق، و لكن ذاك في حقق التحقيق، و من أعرض عن واضح الدليل، فقد ضلّ عن سواء السبيل.
فصل [علي عليه السّلام مالك يوم الدين]
اعترض معترض من أهل التقليد، و ممّن هو عن إدراك التحقيق بعيد، فقال: إذا قلنا مالك يوم الدين علي، و حاكم يوم الدين علي، يلزم أن يكون الرحمن الرحيم أيضا عليا، فقلت له:
ليس الأمر كما ذهب إليه و همك، و قصر عن إدراكه فهمك، لإنّا لا ندّعي أن عليا مالك يوم الدين من هذه الآية، لأنا إذا قلنا: الحمد للّه ربّ العالمين فإنّا نشهد أن جميع المحامد بجوامع الكلم من كل مادح و حامد، فإنّها للّه ربّ العالمين يستحقها و يستوجبها الرحمن الرحيم، و يجري عليها عدلا و قسطا، مالك يوم الدين الذي طوق بإحسانه أهل سماواته و أرضه، أخرجهم بلطفه من كتم العدم، و أفاض عليهم من سحائب كرمه فوائض النعم، و وسعهم بجوده و عفوه و منّه، فهو مالك يوم الدين الذي كل شيء ملكه و مملوكه، فله الملك للعباد، و العدل في المعاد، لكنّه يملك من أراد، و إن تقطّعت أكباد ذوي العناد.
و إذا قلنا إياك نعبد و إيّاك نستعين نقرّ بأن الموصوف بهذه الصفات هو المعبود الحق.
فنقول: هناك اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ نسأل بعد الحمد لواجب الوجود، و مفيض الكرم و الجود، أن يهدينا إلى حب علي لأنه الصراط المستقيم صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ، و هم آل محمد صلّى اللّه عليه و آله الذين لأجلهم خلق الكون و المكان غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ، و هم (أي المغضوب عليهم) أعداؤهم الذين يبدّل اللّه صورهم عند الموت، وَ لَا الضَّالِّينَ و هم شيعة أعدائهم.
فصل
لمّا رأينا اللّه سبحانه قد أدخل نبيّه و وليّه في صفاته، و خصّ محمدا و عليا بعظيم آياته، فقال في وصف نبيّه الكريم: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ
عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ 541 و قال في حق وليّه: وَ إِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ 542 فهو الحاكم الحكيم، لأن العلو هو الحكم، فهو العالي على العباد، و الحاكم يوم التناد، لأن كل حاكم عال من غير عكس، و كل حاكم يوم الدين مالك من غير عكس، فهو حاكم يوم الدين و مالك يوم الدين، بنص الكتاب المبين، لأن من حكم في شيء ملكه، و إليه الإشارة بقوله: أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ 543 و مفاتيح الجنة و النار بيده فهو المالك ليومئذ و الحاكم إذا، و من كذب هذا و أنكر سيرى برهانه حين يبشّر اللّه أكبر، و الحاكم يوم البعث حيدر، و لعنة اللّه على من أنكر، و قوله: حكيم لأنّه قسيم الجنة و النار لأن حبّه إيمان و بغضه كفر، و هو يعرف وليّه و عدوّه فهو إذا يقسم وليه إلى النعيم و عدوّه إلى الجحيم، من غير سؤال فهو العلي الحكيم.
فصل
فأحببنا أن نكشف الستر، عن وجه هذا السرّ، و نبيّنه ليهلك من هلك عن بيّنة، و يحيي من حي عن بيّنة، فوجدناه من أسرار علم الحروف في هذه الآيات الثلاث اسم علي مرموزا مستورا، فالأوّل قوله: ع ل ي ح ل ي م فإن عدد حروفها 7، و السبعة حرف الزاي و عنها تظهر الأسرار، و أما أعدادها فهي 188، و أما قوله: ا ل ص ر ا ط ا ل م س ت ق ي م، فإنّ عدد حروفها 14، و أعدادها 1013، 544 و أما قوله: م ا ل ك ي و م ا ل د ي ن و هي 12 حرفا، و عنها يظهر السرّ الخفيّ و الأمر المخفي، من أسرار آل محمد لمن كان من أصحاب علي، و أما أعدادها و هي 232 545 ، فمن عرف أسرار الحروف عرف أن العلي الحكيم، و الصراط المستقيم، و مالك يوم الدين، هو علي بن أبي طالب عليه السّلام (بأمر ربّ العالمين).
فصل [اسم علي و محمد عليهما السّلام على كل شيء] 546
و كذا من تصفّح وجوه الآيات و الدعوات، و الأسماء الإلهيات، وجد اسم محمد و علي في كل آية محكمة ظاهرا و باطنا، لمن عرف هذا السرّ و وعاه، فلا يحجبنّك الشك و الريب في نفي أسرار الغيب، لأن كل عدد ينحل أفراده إلى الهوى فهو يشير إلى الهوية التي لا شيء قبلها، و لا شيء بعدها، و يشير بحروفه إلى الكلمة، التي هي أوّل الكلمات و روح سائر الكلمات، و لذلك ورد 547 في آيات أن القرآن ثلاثة أثلاث ثلث في مدح علي و عترته و محبّيه، و ثلث في مثالب أعدائه و مخالفيه و الثلث الآخر ظاهره الشرائع و الأحكام و تبيين الحلال و الحرام و باطنه اسم محمد و علي. و ذلك أن القرآن له باطن و ظاهر فلا ترتب أيّها السامع عند ورود فضائل أبي تراب! أ ليس وجود الأشياء كلّها من الماء وَ جَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍ ، فالماء أبو الأشياء كلّها و هو عليه السّلام أبو تراب فهو سرّ الأشياء كلّها، و إليه الإشارة بقوله صلّى اللّه عليه و آله: ليلة أسري بي إلى السماء لم أجد بابا و لا حجابا، و لا شجرة و لا ورقة و لا ثمرة، إلّا و عليها مكتوب علي علي، و ان اسم علي مكتوب على كل شيء 548 .
يؤيّد هذا ما رواه سليم بن قيس عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنه قال: علي في السماء السابعة كالشمس في الدنيا لأهل الأرض، و في السماء الدنيا كالقمر في الليل لأهل الأرض، أعطى اللّه عليا من الفضل جزءا لو قسّم على أهل الأرض لوسعهم، و أعطاه من العلم جزءا لو قسّم على أهل الأرض لوسعهم 549 ، اسمه مكتوب على كل حجاب في الجنة بشّرني به ربّي، علي محمود عند الحق، عظيم عند الملائكة، علي خاصّتي و خالصتي، و ظاهري و باطني، و سرّي و علانيتي، و مصاحبي و رفيقي و روحي و أنيسي، سألت اللّه أن لا يقبضه قبلي، و أن يقبضه شهيدا، و إني دخلت الجنة فرأيت له حورا أكثر من ورق الشجر، و قصورا على عدد البشر، علي منّي و أنا من علي، من تولّى عليا فقد تولّاني، حبّه نعمة و اتباعه فضيلة، لم يمش على وجه الأرض ماش أكرم منه بعدي، أنزل اللّه عليه رداء الفضل و الفهم، و زيّن به المحافل، و أكرم به المؤمنين و نصر به العساكر و أعزّ به الدين، و أخصب به البلاد و أعزّ به الأخيار، مثله كمثل بيت اللّه الحرام يزار و لا يزور، و مثله كمثل القمر إذا طلع أضاءت الظلم، و مثل الشمس إذا طلعت أضاءت الحنادس، و صفه اللّه في كتابه و مدحه في آياته و أجرى منازله فهو الكريم حيّا و الشهيد ميّتا، و إن اللّه قال لموسى ليلة الخطاب: يا بن عمران إنّي لا أقبل الصلاة إلّا ممّن تواضع لعظمتي، و ألزم قلبه خوفي و محبّتي و قطع نهاره بذكري، و عرف حق أوليائي الذين لأجلهم خلقت سماواتي و أرضي و جنّتي و ناري، محمد و عترته فمن عرفهم و عرف حقّهم جعلته عند الجهل علما و عند الظلمة نورا، و أعطيته قبل السؤال و أجبته قبل الدعاء 550 .