کتابخانه روایات شیعه
وَ عَنِ النَّبِيِّ ص لَيَجِيئَنَّ أَقْوَامٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَهُمْ مِنَ الْحَسَنَاتِ كَجِبَالِ تِهَامَةَ فَيُؤْمَرُ بِهِمْ إِلَى النَّارِ فَقِيلَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَ مُصَلُّونَ قَالَ كَانُوا يُصَلُّونَ وَ يَصُومُونَ وَ يَأْخُذُونَ وَهْناً مِنَ اللَّيْلِ لَكِنَّهُمْ إِذَا كَانُوا إِذَا لَاحَ لَهُمْ شَيْءٌ مِنَ الدُّنْيَا وَثَبُوا عَلَيْهِ. 867
و اعلم أنك لن تبلغ ذلك إلا بالمجاهدة لنفسك الأمارة فإنها أضر الأعداء كثيرة البلاء مرمية في المهالك كثيرة الشهوات قال الله تعالى فَأَمَّا مَنْ طَغى وَ آثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا. فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى. وَ أَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَ نَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى. فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى 868 .
وَ قَالَ ص أَعْدَى عَدُوِّكَ نَفْسُكَ الَّتِي بَيْنَ جَنْبَيْكَ
فلا تغفل عنها و أوثقها بقيد التقوى و أكثرها بثلاثة أشياء الأول منع الشهوات فإن الدابة الحرون تلين إذا نقص من علفها.
الثاني تحمل أثقال العبادات فإن الدابة إذا ثقل حملها و قلل علفها ذلت و انقادت.
الثالث الاستعانة بالله و التضرع إليه بأن يعينك عليها أ و لا ترى إلى قول الصديق- إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي فإذا وطنت على هذه الأمور الثلاثة انقادت لك بإذن الله تعالى حتى تبادر إلى أن تملكها و تلجمها و تأمن من شرها و كيف تأمن أو تسلم مع إهمالها- مع ما تشاهد من سوء اختيارها و رداءة أحوالها أ لست تراها و هي في حالة الشهوة بهيمة و في حال الغضب سبع و في حال المصيبة طفل و في حال النعمة فرعون و في حال الشبع تراها مختالة و في حال الجوع تراها مجنونا- إن أشبعتها بطرت و إن جوعتها صاحت و جزعت فهي كالحمار السوء إن
أقضمته رمح و إن جاع نهق 869 .
قال بعض العلماء و من رداءة هذه النفس و جهلها أنها إذا همت بمعصية أو انبعث لها شهوة لو تشفعت إليها بالله تعالى ثم برسوله و بجميع أنبيائه و كتبه و بجميع الملائكة المقربين و تعرض عليها الموت و القبر- و القيامة و الجنة و النار لا تعطي القياد و لا تسكن و لا تترك الشهوة ثم استقبلها بمنع رغيف أو إعطاء رغيف تسكن و تترك شهوتها لتعلم خستها و جهلها و إياك أن تغفل عنها طرفة عين فإنها كما قال خالقها- إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي و كفى بهذا تنبيها لمن عقل فألجمها بالتقوى و قدها بزمام الرجاء و سقها بسوط الخوف و أما التقوى فلتتقيد بها عن الجموع و النفار.
و أما الخوف فإنما يجب التزامه لأمرين الأول لتزجر به عن المعاصي- فإنها أمارة بالسوء ميالة إلى الشر و لا تنتهي عن ذلك إلا بتخويف عظيم و تهديد الثاني لئلا تعجب بالطاعة و العجب من المهلكات بل تقمعها بالذم و العيب و النقص و ما اكتسب به من الأوزار و الخطايا التي توجب الخزي و النار.
و أما الرجاء فإنما يلزم لأمرين الأول ليبعث على الطاعات لأن الخير ثقيل و الشيطان عنه زاجر و النفس ميالة إلى الكسل و البطالة الثاني ليهون عليك احتمال المشقات و الشدائد لأن من عرف ما يطلب هان عليه ما يبذل أ لا ترى مشتار العسل لا يتفكر بلسع النحل لما يتذكر من حلاوة العسل و الفاعل يعمل طول نهاره بالجهد الشديد و يجد لذلك لذة من أجل أخذ الأجرة و الفلاح لا يتفكر بمقاساة الحر و البرد و مباشرة الشقاء و الكد
طول السنة لما يتذكر من البذر [البيدر] فاجهد أيها الواعي على الغاية القصوى و اصبر على الألم و البلوى 870 .
(شعر)
ما ضر من كانت الفردوس مسكنه
ما ذا تحمل من بؤس و إقتار
تراه يمشي كئيبا خائفا وجلا
إلى المساجد يمشي بين أطمار
- ثم إذا كان أثر العبودية و هو القيام بالطاعة و الانتهاء من المعصية- و ذلك لا يتم مع هذه النفس الأمارة بالسوء إلا بترغيب و ترهيب و تخويف و ترحيب فإن الدابة الحرون تحتاج إلى قائد يقودها و إلى سائق يسوقها- و إذا وقعت في مهواه فربما تضرب بالسوط من جانب و يلوح لها بالشعير من جانب آخر حتى تنهض و تتخلص مما وقعت فيه فإن الصبي الغر لا يمر إلى المكتب إلا بترحيبه من الأبوين و تخويفه من المعلم كذلك هذه النفس دابة حرون وقعت في مهمات الدنيا فالخوف سوطها و سائقها و الرجاء شعيرها و قائدها و إنما يغدو الصبي الغر إلى المكتب رغبة في الرجاء و رهبة في الخوف فذكر الجنة و ثوابها ترحيب النفس و ترغيبها و النار و عقباها تخويف النفس و ترهيبها.
خاتمة الكتاب في أسماء الله الحسنى
فصل
و قد أحببت أن أختم هذه الرسالة بذكر أسمائه الحسنى بوجهين أما أولا فلأن المقصود من وضع هذا الكتاب التنبيه على ما يكون سببا لإجابة الدعاء و قال الله تبارك و تعالى- وَ لِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها 871 .
وَ قَدْ رَوَى الصَّدُوقُ بِإِسْنَادِهِ مَرْفُوعاً إِلَى عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ صَالِحٍ الْهَرَوِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى الرِّضَا ع عَنْ آبَائِهِ عَنْ عَلِيٍّ ع قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص إِنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ تِسْعَةً وَ تسعون [تِسْعِينَ] اسْماً مَنْ دَعَا اللَّهَ بِهَا اسْتَجَابَ لَهُ وَ مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ.
و أما ثانيا فلنشرف هذه الرسالة و ليكون ختامها مسك ثم أردفها بشرحها على وجه وجيز لا باختصار مخل و لا بإطناب ممل ليكون ذلك كالعقيدة لسامعها و قارئها و حافظها و واعيها و كاتبها فيبلغ بذلك حقيقة التوحيد و لعل إلى هذا أشار الصدوق ره بقوله معنى أحصاها هو الإحاطة لها و الوقوف على معانيها و ليس معنى الإحصاء عدها 872 .
وَ رَوَى الصَّدُوقُ أَيْضاً بِإِسْنَادِهِ إِلَى سُلَيْمَانَ بْنِ مِهْرَانَ عَنِ الصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِيهِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ع قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص إِنَّ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى تِسْعَةً وَ تِسْعِينَ اسْماً مِائَةً إِلَّا وَاحِداً مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ [صَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ ص] وَ هِيَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْأَحَدُ الصَّمَدُ الْأَوَّلُ الْآخِرُ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ الْقَدِيرُ الْقَاهِرُ الْعَلِيُّ الْأَعْلَى الْبَاقِي الْبَدِيعُ الْبَارِئُ الْأَكْرَمُ الظَّاهِرُ الْبَاطِنُ الْحَيُّ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ الْحَلِيمُ الْحَفِيظُ الْحَقُّ الْحَسِيبُ الْحَمِيدُ الْحَفِيُّ الرَّبُّ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ الذَّارِي الرَّازِقُ الرَّقِيبُ الرَّءُوفُ الرَّائِي السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ - السَّيِّدُ السُّبُّوحُ الشَّهِيدُ الصَّادِقُ الصَّانِعُ الطَّاهِرُ الْعَدْلُ الْعَفُوُّ الْغَفُورُ الْغَنِيُّ الْغِيَاثُ الْفَاطِرُ الْفَرْدُ الْفَتَّاحُ الْفَالِقُ الْقَدِيمُ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ الْقَوِيُّ الْقَرِيبُ الْقَيُّومُ الْقَابِضُ الْبَاسِطُ قَاضِي الْحَاجَاتِ- الْمَجِيدُ الْوَلِيُّ الْمَنَّانُ الْمُحِيطُ الْمُبِينُ الْمُقِيتُ الْمُصَوِّرُ الْكَرِيمُ الْكَبِيرُ- الْكَافِي كَاشِفُ الضُّرِّ الْوَتْرُ النُّورُ الْوَدُودُ الْوَهَّابُ النَّاصِرُ الْوَاسِعُ الْهَادِي الْوَفِيُّ الْوَكِيلُ الْوَارِثُ الْبَرُّ الْبَاعِثُ التَّوَّابُ الْجَلِيلُ الْجَوَادُ الْخَبِيرُ الْخَالِقُ خَيْرُ النَّاصِرِينَ الدَّيَّانُ الشَّكُورُ الْعَظِيمُ اللَّطِيفُ الشَّافِي 873 .
فالله أشهر أسماء الله تعالى و أعلاها محلا في الذكر و الدعاء و تسمت به سائر الأسماء.
الْواحِدُ* الأحد هما اسمان يشملهما نفي الأبعاض عنهما و الأجزاء- و الفرق بينهما من وجوه الأول أن الواحد هو المنفرد بالذات و الأحد هو المنفرد بالمعنى الثاني أن الواحد أعم موردا لكونه يطلق على من يعقل و غيره و لا يطلق الأحد إلا على من يعقل الثالث أن الواحد يدخل في الضرب و العدد و يمتنع دخول الأحد في ذلك.
الصَّمَدُ هو السيد الذي يصمد إليه في الأمور و يقصد في الحوائج و النوازل و أصل الصمد القصد تقول صمدت صمد هذا الأمر أي قصدت قصده و قيل الصَّمَدُ الذي ليس بجسم و لا جوف.
الْأَوَّلُ هو السابق للأشياء الكائن الذي لم يزل قبل وجود الخلق لا شيء قبله.
الْآخِرُ هو الباقي بعد فناء الخلق و ليس معنى الآخر ما له الانتهاء- كما ليس معنى الأول ما له الابتداء فهو الأول و الآخر.
السَّمِيعُ* بمعنى السامع يسمع السر و النجوى سواء عنده الجهر و الخفوت و النطق و السكوت و قد يكون السماع بمعنى القبول و الإجابة- وَ هُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ و يسمع الدعاء و قيل السَّمِيعُ* العالم بالمسموعات و هي الأصوات و الحروف و ثبوت ذلك له ظاهر لأنه لا يغيب عنه شيء من أصوات خلقه أو لأنه عالم بكل شيء معلوم فيدخل في ذلك البصير.
الْبَصِيرُ و هو المبصر أي عالم بالخفيات و قيل الْبَصِيرُ العالم بالمبصرات.
الْقَدِيرُ بمعنى القادر و هو من القدرة على الشيء و التمكن منه فلا يطيق الامتناع عن مراده و لا يستطيع الخروج عن إصداره و إيراده.
الْقاهِرُ* هو الذي قهر الجبابرة و قهر عباده بالموت و لا يطيق الأشياء الامتناع منه مما يريد الإنفاذ فيها.
الْعَلِيُّ* المتنزه عن صفات المخلوقين تعالى أن يوصف بها و قد يكون بمعنى العالي فوق خلقه بالقدرة عليهم أو الترفع بالتعالي عن الأشباه و الأنداد و عما خاضت فيه وساوس الجهال و ترامت إليه أفكار الضلال- فهو متعال عما يقول الظالمون علوا كبيرا.
الْأَعْلَى بمعنى الغالب كقوله تعالى لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى و قد يكون بمعنى المتنزه عن الأمثال و الأضداد و الأشباه و الأنداد.
الباقي هو الذي لا تعرض عليه عوارض الزوال و بقاؤه غير متناه و لا محدود و ليست صفة بقائه و دوامه كبقاء الجنة و النار و دوامهما لأن بقاءه أزلي أبدي و بقاءهما أبدي غير أزلي و معنى الأزل ما لم يزل- و معنى الأبد ما لا يزال و الجنة و النار مخلوقتان بعد أن لم تكونا فهذا فرق ما بين الأمرين.
البديع هو الذي فطر الخلق مبتدعا لها لا على مثال سابق و هو فعيل على مفعل كأليم بمعنى مؤلم و البدع هو الذي يكون أولا في كل شيء كقوله تعالى قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ أي لست بأول مرسل.