کتابخانه روایات شیعه
تسلية المجالس و زينة المجالس (مقتل الحسين عليه السلام)
الجزء الأول
[كلمة الناشر]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الحمد للّه ربّ العالمين، و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين محمد و على آله الأطياب الأخيار.
و بعد:
ففي عام 11 للهجرة أفل النور المقدّس من الأرض، ذلك النور الذي بعثه اللّه بشيرا و نذيرا للعالمين، و قبل أن يوارى جثمانه الثرى بدأ خطّ الانحراف عن الرسالة التي جاء بها الرسول الأكرم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فكانت وفاته صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حدّا فاصلا بين عهدين يختلفان كلّ الاختلاف، فذاك عهد اتّسم بالايمان و الصدق و الرحمة، و هذا عهد الانقلاب على الأعقاب، و كأنّ القوم أبوا إلّا أن يطبقوا الوعد الإلهي (أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ ...) .
و كان من نتائج هذا الانحراف هو انقسام الامة إلى قسمين:
أحدهما: محب لأهل البيت عليهم السلام موال لهم، و ملتزم بنهجهم الّذي وضعوه، منكر لخطّ الانحراف و لمبدإ السقيفة في الحكم.
و الثاني: خطّ أصحاب المصالح و الهمج الرعاع، و الّذي شمل إضافة إلى أتباع الشيخين، الحزب الأمويّ و الخوارج الّذين أردوا أمير المؤمنين عليه السلام شهيدا في محرابه، و استولى على الحكم معاوية بعد أن ارغم الامام الحسن عليه السلام على الصالح معه لأسباب معروفة.
و مات معاوية و هو يوصي ابنه يزيد بأن يبادر إلى أخذ البيعة من جماعة، و خصّ بالذكر الإمام الحسين بن علي عليه السلام.
و استلم يزيد الخلافة بعد أبيه، و هو ليس أهلا للحكومة فضلا عن خلافة الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فإنّ بعض التأمّل في شخصيّة هذا الرجل و في بعض ذاتياته و ممارساته من خلال ما أوردته كتب التاريخ و السير عن فترة حكمه القصيرة، يظهر
لكلّ ذي عقل بأنّه كان فاشلا و خاسرا في جميع الامور و بالأخصّ في الخطّين الرئيسيين اللّذين يجب أن يتّصف بهما الحاكم المسلم؛ ألا و هي خطّي السياسة، و الالتزام الديني.
و كان أبناء الامّة آنذاك قد تلبّد إحساسهم و أخلدوا إلى سبات عميق، فهم همج رعاع ينعقون مع كلّ ناعق، يميلون مع كلّ ريح، كما وصفهم أمير المؤمنين عليه السلام، و لو لا دم الحسين عليه السلام لما تغيّر هذا الحال.
فالحسين الرمز، هو ذلك الانسان الّذي عرف طريقه، فلم تلوه عنها نصائح المحبّين- كابن عبّاس-، و لا تحذيرات المنافسين- كالحرّ بن يزيد الرياحي-، و لكن الحسين مضى، لأنّه مضاء ببرق داخليّ، يعرفه هو، لينفّذ ما في الكتاب، كما يقول السيّد المسيح ...
رفض عروض الوليد بن عاقبة والي يزيد على المدينة، و خرج إلى مكّة لليلتين بقيتا من شهر رجب سنة 60 للهجرة.
و خرج عليه السلام إلى العراق في الثامن من ذي الحجة، و قتل رسوله إلى العراق مسلم بن عقيل بعد ذلك بيوم واحد.
و بلغ عليه السلام مشارف الكوفة، و كان والي يزيد عليها عبيد اللّه بن زياد، فأرسل ألف فارس بقيادة الحرّ بن يزيد لاصطياد الحسين و من معه ... و التقى الركبان ...
و دار بين الامام الحسين و بين الحرّ بن يزيد حوار طويل غير انّه لم يثن الحسين عن غايته، لذلك انجذب إليه قائد الجيش الأمويّ «الحرّ» و جاهد ما استطاع دونه و دون آل بيته من النساء و الأطفال حتى ضرّج بدمه.
و هكذا سائر أصحاب الامام و أنصاره- مسلم بن عوسجة، و برير، و زهير، و حبيب، و ...- تابعوه في مسيرة الشهادة، و المواقف الصامدة و البطولية التي وقفوها أمام الموت المحقّق، فصمدوا و استشهدوا، و ضربوا أروع الأمثلة في التضحية و الفداء في سبيل نصرة إمام زمانهم الحسين عليه السلام.
و تشابكت الأحداث و تعقّدت، ثم مرّت بسرعة، و إذا بالحسين مخضّب بدمه،
في كربلاء، لم يحد عن صراطه السويّ، فلم يهادن الظالمين، و لم يستسلم للباطل، و لم يبايع، و إنّما خرج ثائرا على كلّ ذلك، لإصلاح أمّة جدّه، و ليجدّد إسلام الامّة الّتي انقلبت على أعقابها، فيجعلها خير أمّة اخرجت للناس.
فكان عاشوراء اختضاب الأرض بالدم الحسيني مرّة، و لكنّه سيظلّ زينة السماء الداعية إلى الحرية الحمراء، قبل كلّ شروق، و بعد كلّ غروب ...
و مع استشهاد الامام الحسين عليه السلام تيقّظت ضمائر أبناء الامّة، و انتشر حبّ آل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في صفوفهم، و تحرّك الأئمّة عليهم السلام واحدا تلو الآخر في سبيل نشر المبادئ الّتي ثار من أجلها الحسين عليه السلام، و توالت الثورات الشيعية الّتي تطالب بالثأر من قتلة الحسين ... فكانت ثورة المختار رحمه اللّه، و ثورة التوّابين، و عشرات الثورات الاخرى، و أخذ العلماء و الخطباء و أهل السير بالحديث عن الثورة و الماسي الّتي رافقتها.
و أضحى يوم عاشوراء رمزا لكلّ المحرومين و الثائرين ضدّ الظلم و الطغيان في كلّ مكان و زمان، و ألّفت مئات الكتاب الّتي تحدّثت عن وقائع ثورة الحسين «ع».
و من هذه الكتاب القيّمة هذا الكتاب الّذي بين يديك- عزيزي القارئ- و هو «تسلية المجالس و زينة المجالس» المسمّى ب «مقتل الحسين عليه السلام» للسيّد العالم الأديب محمد بن أبي طالب الحسيني الكركي الحائري رحمه اللّه، و قد حوى على مقدّمة و مجالس عشرة، تطرّق المؤلّف في مقدّمته لبعض فضائل أهل البيت عليهم السلام، و ردّ بعض الأحاديث الّتي وضعها الأمويّون، و بالأخصّ في حكم معاوية، و الّتي حاولت الرفع من منزلة الصحابة، و الحطّ من شخصيّة الإمام عليّ عليه السلام و أئمّة أهل البيت عليهم السلام.
و قد تصدّى الفاضل فارس حسّون كريم لتحقيق هذا السفر القيّم، ليخرجه لمحبّي أهل البيت من زوايا المكتبات، بعد أن تحمّل جهودا مضنية في الحصول على نسخة الكتاب النفيسة، و استنساخها، و مراجعة عشرات المصادر من أجل تثبيت الخبر الصحيح، فجزاء اللّه خير جزاء المحسنين.
مؤسسة المعارف الاسلامية- قم
[الاهداء]
سيّدي أبا الأحرار.
يا من كان اسمه نغمة حلوة في فم أبي الزهراء- صلّى اللّه عليه و آله-، يستعذبها و لا يملّ من ترديدها، ففيك و في أخيك كان يجد انسه و سلوته عمّا فقد من الأبناء، و ما يؤذيك كان يؤذيه، حتى انّه سمع بكاءك ذات مرّة فقال للزهراء- عليها السلام-:
أ ما علمت أنّ بكاءه يؤذيني؟
فما عساه أن يقول لو قد رأى أمّة الضلال قد تكالبت على انتهاك حرمتك؟!
فقد بارزتك بسيوف الدهر، و رمتك بسهامه، غير أنّها جعلت منك قبلة للشفاعة نترنّم فيها طربا.
فكان عملي هذا عنوان تذكار الولاء، عساه أن يحظى بالقبول، فأبلغ غاية المأمول.
فارس
[ترجمة المؤلّف]
بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه الحكيم الوهّاب، ربّ الأرباب، و الهادي إلى سبيل الهدى و الصواب.
و الصلاة و السلام على خير خلقه المؤيّد بفصل الخطاب، خاتم أنبيائه محمد أشرف الأحباب.
و على آله، النور المبين و الصراط المستقيم و منهاج الصواب، اولي العلم المحسودين على ما آتاهم اللّه من فضله و اولي الأمر كما جاء به الكتاب، ترفع بهم درجات شيعتهم و تخفض درجات اعدائهم النصّاب.
و بعد:
فكثيرهم الأعاظم الّذين لم ينصفهم التاريخ، و هذا السيّد الّذي نحن بصدد الحديث عن حياته واحد من اولئك الأكابر.