کتابخانه روایات شیعه
صورة الصفحة الأخيرة من النسخة الخطّيّة «الأصل».
[مقدّمة المؤلّف]
بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه الذي جعل مصائب دار الغرور مصروفة إلى وجوه أوليائه، و نوائب بطشها المشهور موقوفة على جهة أصفيائه، و وعدهم على الصبر الجميل بالثواب الجزيل في دار جزائه، و أراهم فضل درجة الشهادة في منازل دار السعادة الباقية ببقائه، فبذلوا أرواحهم لينالوا الزلفى من رحمته، و باعوا أنفسهم من اللّه بنعيم جنّته، و تلقّوا حدود الصّفاح 33 بشرائف وجوههم، و قابلوا رءوس صدور الرماح بكرائم صدورهم، فكوّرتهم و قد أظلم ليل نقع 34 الحرب، و بلغت القلوب الحناجر لوقع الطعن و الضرب، و كفر القتام 35 شمس النهار بركامه، و غمر الظلام فجاج الأقطار بغمامه، و خشعت الأصوات لوقع الصرام على هامات الرجال، و أشرقت الأرض بما سال عليها من شابيب الجريال 36 ، فلم تر إلّا رءوسا تقطف، و نفوسا تختطف، و أبطالا قد صبغت
جيوبها بدم الحتوف، و فرسانا وجبت جنوبها بغروب السيوف 37 ، لرأيت منهم وجوها كالبدور في ظلم النقع مشرقة، و اسدا في غاب 38 الرماح مطرقة، يرون الموت في طاعة ربّهم راحة أرواحهم، و بذلوا الوسع في إعلاء كلمة خالقهم مجلية أفراحهم.
ليوث إذا ضربت الحرب جمرها، غيوث إذا السماء منعت درّها، رهبان إذا الليل أرخى ستوره، أعلام إذا النهار أشاع نوره، مصابيح الظلام إذا الغسق غمّت سدفته، مجاديح 39 الانعام إذا الزمان عمّت أزمّته، سادة الامّة، و قادة الأئمّة، و معدن الحكمة، و منبع العصمة، و بحار العلم، و بحار الحلم، إن سئلوا أوضحوا، و إن نطقوا أفصحوا، و إن استسمحوا جادوا، و إن استرفدوا عادوا، أصلهم معرق، و فرعهم معذق، و حوضهم مورود، و مجدهم محسود، و فخرهم. 40 .، النبوة أصلهم، و الامامة نسلهم، لا شرف إلّا و هم أصله،. 41 .
و امروا بالجهاد في سبيل اللّه فأتمروا، لبسوا القلوب على الدروع عند مكافحة الكفاح، و تلقّوا بالخدود و الصدور حدود الصفاح و رءوس الرماح، يرون طعم الموت في طاعة ربّهم أحلى من العسل المشار 42 ، و ارتكاب
الأخطار في إعلاء كلمة خالقهم أولى من ركوب العار.
جدّهم أكرم مبعوث، و خير مرسل، و أشرف مبعوث بالمجد الأعبل 43 ، و الشرف الأطول، لم يضرب فيه فاجر، و لم يسهم فيه عاهر، نقله اللّه من الأصلاب الفاخرة إلى الأرحام الطاهرة، و اختصّه بالكرامات الباهرة، و المعجزات الظاهرة، و نسخ الشرائع بشريعته، و فسخ المذاهب بملّته، أقام به الاسلام و شدّ أزره 44 ، و أوضح به الايمان و أعلا أمره، و جعله مصباحا لظلم الضلال، و مفتاحا لما استعلن من الأحكام، و أحيا به السنّة و الفرض، و جعله شفيع يوم الحشر و العرض، و أسرى به إلى حضيرة قدسه، و شرّفه ليلة الاسراء بخطاب نفسه، فهو أشرف الموجودات، و خلاصة الكائنات، أقسم ربّنا بحياته، و جعله أفضل أهل أرضه و سماواته، و أزلفه بقربه، و اختصّه بحبّه، فهو سيّد المرسلين، و إمام المتّقين، و خاتم النبيّين، النبيّ المهذّب، و المصطفى المقرّب، الحبيب المجيب، و الأمين الأنجب.
صاحب الحوض و الكوثر، و التاج و المغفر، و الخطبة و المنبر، و الركن و المشعر، و الوجه الأنور، و الجبين الأزهر، و الدين الأظهر، و الحسب الأطهر، و النسب الأشهر، محمد سيّد البشر، المختار للرسالة، الموضح للدلالة، المصطفى للوحي و النبوّة، المرتضى للعلم و الفتوّة.
صاحب الفضل و السخاء، و الجود و العطاء، و المذاكرة و البكاء،
و الخشوع و الدعاء، و الانابة و الصفاء.
صاحب الملّة الحنيفيّة، و الشريعة المرضيّة، و الامّة المهديّة، و العترة الحسنيّة و الحسينيّة.
صاحب الفضل الجليّ، و النور المضيّ، و الكتاب البهيّ، الرسول النبيّ الامّيّ.
هذا الذي زيّنت بمدحه طروسي 45 ، و رصفت بوصفه بديعي و تجنيسي، و قابلت بدرّ كماله تربيعي و تسديسي، و جعلت ذكره في خلواتي أليفي و أنيسي، و حليت المجامع بملاقي 46 مناقبه، و شققت المسامع بمعالي مراتبه.
هو الذي رفع اللّه به قواعد الصدق بعد اندراسها، و أطلع أنوار الحقّ بعد انطماسها، و أقام حدود السنّة بجواهر لفظه، و حلّى أجياد الشريعة بزواجر وعظه، و أطلع شمس الملّة الحنيفيّة في فلك نبوّته، و أظهر بدر الشريعة المصطفويّة من مطالع رسالته، فتح به و ختم، و فرض طاعته و حتم، و نسخ الشرائع بشريعته، و نسخ الملّة بملّته.
لم يخلق خلقا أقرب منه إليه، و لم ينشىء نشأ أكرم منه عليه، شرفه من فلق الصبح أشهر، و دينه من نور الشمس أظهر، و نسبه من كلّ نسب أطهر، و حسبه من كلّ حسب أفخر، لما أخلص للّه بوفاء حقّه، و سلك إلى اللّه بقدم صدقه، و رفض الدنيا رفضا، و قرضها قرضا، لعلمه بسوء مواقع فتكها، و حذرا من مصارع هلكها، أطلعه اللّه على أسرار ملكوته، و شرّفه بخطاب حضرة
جبروته، و أرسله صادعا بحكمه، و جعله خازنا لعلمه، فقام صلّى اللّه عليه و آله بأعباء الرسالة جاهدا، و باع من اللّه روحه مجاهدا، و قطع من قربت قربته، و وصل من بعدت لحمته، و هجر في اللّه الأدنين، و وصل الأبعدين، سل عنه احدا و بدرا كم خسف اللّه به فيهما للشرك بدرا، و هتك للشرك سترا، و قصم للظلم ظهرا، جاهد في اللّه حقّ جهاده، و صبر على الأذى في اللّه من جهاد عباده حتى كسرت في احد رباعيته، و شجّت لمناوشته 47 القتال جبهته، و ثفنت من دمه لمّته 48 ، و قتلت عترته و اسرته.
كم نصبوا له غوائلهم 49 ؟ و كم وجّهوا نحوه عواملهم؟ و كم جرّدوا عليه مناصلهم 50 ؟ و كم فوقوا إليه معابلهم 51 ؟ و أبى اللّه إلّا تأييده بنصره، و تمجيده بذكره.
[كتاب النبيّ صلّى اللّه عليه و آله إلى كسرى]
روي أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كتب إلى كسرى بن هرمز:
أمّا بعد:
فأسلم تسلم، و إلّا فأذن بحرب من اللّه و رسوله، و السلام على من اتّبع الهدى.
قال: فلمّا وصل إليه الكتاب مزّقه و استخفّ به، و قال: من هذا الذي يدعوني إلى دينه، و يبدأ باسمه قبل اسمي؟ و بعث إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه
و آله بتراب، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: مزّق اللّه ملكه كما مزّق كتابي، أما إنّكم ستمزّقون ملكه، و بعث إليّ بتراب أما إنّكم ستمزّقون 52 أرضه، فكان كما قال صلّى اللّه عليه و آله.
ثم كتب كسرى في الوقت إلى عامله على اليمن، و كان اسمه باذام 53 ، و يكنّى أبا مهران، أن امض إلى يثرب و احمل هذا الذي يزعم أنّه نبيّ، و بدأ باسمه قبل اسمي، و دعاني إلى غير ديني، فبعث باذام الى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فيروز الديلمي في جمع، و أرسل معه كتابا يذكر فيه ما كتب إليه كسرى، فأتاه فيروز بمن معه، و قال: إنّ كسرى أمرني أن أحملك إليه، فاستنظره صلّى اللّه عليه و آله ليلته إلى الصباح.
فلمّا كان في 54 الغد حضر فيروز مستحثّا لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: أخبرني ربّي انّه قتل صاحبك البارحة، سلّط اللّه عليه ابنه شيرويه على سبع ساعات من الليل، فأمسك حتى يأتيك الخبر، فراع ذلك فيروز و هاله، و رجع إلى باذام فأخبره.
فقال له باذام: كيف وجدت نفسك حين دخلت عليه؟