کتابخانه روایات شیعه
و الخشوع و الدعاء، و الانابة و الصفاء.
صاحب الملّة الحنيفيّة، و الشريعة المرضيّة، و الامّة المهديّة، و العترة الحسنيّة و الحسينيّة.
صاحب الفضل الجليّ، و النور المضيّ، و الكتاب البهيّ، الرسول النبيّ الامّيّ.
هذا الذي زيّنت بمدحه طروسي 45 ، و رصفت بوصفه بديعي و تجنيسي، و قابلت بدرّ كماله تربيعي و تسديسي، و جعلت ذكره في خلواتي أليفي و أنيسي، و حليت المجامع بملاقي 46 مناقبه، و شققت المسامع بمعالي مراتبه.
هو الذي رفع اللّه به قواعد الصدق بعد اندراسها، و أطلع أنوار الحقّ بعد انطماسها، و أقام حدود السنّة بجواهر لفظه، و حلّى أجياد الشريعة بزواجر وعظه، و أطلع شمس الملّة الحنيفيّة في فلك نبوّته، و أظهر بدر الشريعة المصطفويّة من مطالع رسالته، فتح به و ختم، و فرض طاعته و حتم، و نسخ الشرائع بشريعته، و نسخ الملّة بملّته.
لم يخلق خلقا أقرب منه إليه، و لم ينشىء نشأ أكرم منه عليه، شرفه من فلق الصبح أشهر، و دينه من نور الشمس أظهر، و نسبه من كلّ نسب أطهر، و حسبه من كلّ حسب أفخر، لما أخلص للّه بوفاء حقّه، و سلك إلى اللّه بقدم صدقه، و رفض الدنيا رفضا، و قرضها قرضا، لعلمه بسوء مواقع فتكها، و حذرا من مصارع هلكها، أطلعه اللّه على أسرار ملكوته، و شرّفه بخطاب حضرة
جبروته، و أرسله صادعا بحكمه، و جعله خازنا لعلمه، فقام صلّى اللّه عليه و آله بأعباء الرسالة جاهدا، و باع من اللّه روحه مجاهدا، و قطع من قربت قربته، و وصل من بعدت لحمته، و هجر في اللّه الأدنين، و وصل الأبعدين، سل عنه احدا و بدرا كم خسف اللّه به فيهما للشرك بدرا، و هتك للشرك سترا، و قصم للظلم ظهرا، جاهد في اللّه حقّ جهاده، و صبر على الأذى في اللّه من جهاد عباده حتى كسرت في احد رباعيته، و شجّت لمناوشته 47 القتال جبهته، و ثفنت من دمه لمّته 48 ، و قتلت عترته و اسرته.
كم نصبوا له غوائلهم 49 ؟ و كم وجّهوا نحوه عواملهم؟ و كم جرّدوا عليه مناصلهم 50 ؟ و كم فوقوا إليه معابلهم 51 ؟ و أبى اللّه إلّا تأييده بنصره، و تمجيده بذكره.
[كتاب النبيّ صلّى اللّه عليه و آله إلى كسرى]
روي أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كتب إلى كسرى بن هرمز:
أمّا بعد:
فأسلم تسلم، و إلّا فأذن بحرب من اللّه و رسوله، و السلام على من اتّبع الهدى.
قال: فلمّا وصل إليه الكتاب مزّقه و استخفّ به، و قال: من هذا الذي يدعوني إلى دينه، و يبدأ باسمه قبل اسمي؟ و بعث إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه
و آله بتراب، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: مزّق اللّه ملكه كما مزّق كتابي، أما إنّكم ستمزّقون ملكه، و بعث إليّ بتراب أما إنّكم ستمزّقون 52 أرضه، فكان كما قال صلّى اللّه عليه و آله.
ثم كتب كسرى في الوقت إلى عامله على اليمن، و كان اسمه باذام 53 ، و يكنّى أبا مهران، أن امض إلى يثرب و احمل هذا الذي يزعم أنّه نبيّ، و بدأ باسمه قبل اسمي، و دعاني إلى غير ديني، فبعث باذام الى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فيروز الديلمي في جمع، و أرسل معه كتابا يذكر فيه ما كتب إليه كسرى، فأتاه فيروز بمن معه، و قال: إنّ كسرى أمرني أن أحملك إليه، فاستنظره صلّى اللّه عليه و آله ليلته إلى الصباح.
فلمّا كان في 54 الغد حضر فيروز مستحثّا لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: أخبرني ربّي انّه قتل صاحبك البارحة، سلّط اللّه عليه ابنه شيرويه على سبع ساعات من الليل، فأمسك حتى يأتيك الخبر، فراع ذلك فيروز و هاله، و رجع إلى باذام فأخبره.
فقال له باذام: كيف وجدت نفسك حين دخلت عليه؟
فقال: و اللّه ما هبت أحدا كهيبة هذا الرجل، فوصل الخبر إليه كما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فأسلما، و ظهر في زمانهما العنسي 55 المتنبّئ
باليمن و ما افتراه من الكذب، فأرسل إليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فيروز الديلمي، و قال: اقتله قتله اللّه، [فقتله] 56 57 .
[نزول سورة النجم]
و روت 58 العامّة عن جعفر بن محمد عليه السلام أنّها لمّا نزلت سورة
«و النجم إذا هوى» أخبر بذلك عتبة 59 بن أبي لهب، فجاء إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و تفل في وجهه و طلّق ابنته، و قال: كفرت بالنجم و بربّ النجم، فدعا عليه رسول اللّه و قال: اللهمّ سلّط عليه كلبا من كلابك، فخرج إلى الشام، فنزل في بعض الطريق، و ألقى اللّه عليه الرعب، فقال لأصحابه ليلا: نيّموني بينكم، ففعلوا، فجاء أسد فافترسه من بين الناس، ففي ذلك يقول حسّان بن ثابت:
سائل بني الأشعر 60 إن جئتهم
ما كان أنباء أبي 61 واسع
لا وسّع اللّه له قبره
بل ضيّق اللّه على القاطع
رمى رسول اللّه من بينهم
دون قريش رمية القادع
و استوجب الدّعوة منه بما
بيّن للنّاظر و السّامع
فسلّط اللّه به كلبه
يمشي الهوينا مشية الخادع
حتى أتاه وسط أصحابه
و قد علتهم سنة الهاجع 62
فالتقم الرّأس بيافوخه
و النّحر منه فغرة الجائع
من يرجع العام إلى أهله
فما أكيل السّبع بالرّاجع
قد كان هذا لكم عبرة
للسيّد المتبوع و التّابع 63
و بعد:
فيقول العبد الفقير، الذليل الحقير، المعترف بذنبه، المنيب إلى ربّه، الذي لم يكتب له الكرام الكاتبون عملا صالحا، و لم تشهد له الملائكة المقرّبون يقينا ناصحا، إلّا ما يتقرّب به في كلّ آن من توحيد مالكه و ربّه، و الانابة إليه بقالبه و قلبه، و جعل ذكره أنيس خلوته، و تلاوة كتابه جليس وحدته، بالتوسّل إليه بأوليائه الطاهرين من أهل بيت نبيّه، المتوكّل عليه بمجاورة الأكرمين من ذرّيّة وليّه، و تشريف المنابر بذكر مناقبهم، و تزيين المحاضر بنشر مراتبهم، و إيضاح الدليل على سلوك سبيلهم، و شفاء الغليل بتشريفهم و تفضيلهم، و قمع رءوس من عاداهم بمقامع نظمه و نثره، و غيّض نفوس من ناواهم بتواضع خطبه و شعره، محمد بن أبي طالب بن أحمد بن محمد المشهور بن طاهر بن يحيى بن ناصر بن أبي العزّ الحسيني الموسوي الحائري امّا و أبا، الامامي ملّة و مذهبا، الحسيني نسبا و محتدا 64 ، الكركي 65 منشأ و مولدا:
[في هجرة المؤلّف رحمه اللّه من دمشق]
إنّي لمّا هجرت مهاجر أبي و امّي و عمومتي و بني عمّي و مسقط رأسي و مولدي، و مصدري في الامور و موردي، و هي البلدة المشهورة بين أرباب الطريقة بالأرض المقدّسة، و هي في الحقيقة على غير تقوى اللّه مؤسّسة، كم سبّ أمير المؤمنين على منابرها، و اظهرت كلمة الكفر في منائرها، و عصي ربّ العالمين في بواطنها و ظواهرها، و حملت رءوس بني النبيّ إلى يزيدها و فاجرها؟ فهي دار الفاسقين، و قرار المنافقين، و مغرس العصابة الناصبة، و مجمع الطائفة الكاذبة، أعني البلدة المشهورة بدمشق، معدن الفجور و الغرور و الفسق، و لمّا منّ اللّه بتوفيق الخروج منها، و تسهيل الطريق بالبعد عنها، و فارقتها غير آسف على حضرتها و نصرتها، و لا نادم على مفارقة جهتها و ربوتها، أرى كلّ وارد من موارد يزيدها ثورا، و كلّ ملازم لباب يزيدها من المعدلين آثما أو كفورا، و كلّ عاكف بأمواتها من أعلام علمائها عتلّا 66 فخورا، و كلّ زبرج 67 اجري على صفحات عروشها و جدرانها حرفا و غرورا.