کتابخانه روایات شیعه
فإنّه و الى أولياءك، و عادى أعداءك، و قطع فيك الأقربين، و وصل الأبعدين.
[قصيدة للمؤلّف رحمه اللّه في هجره موطنه دمشق و استقراره في كربلاء]
و لمّا استقرّت لي الدار في حضرة سيّد الشهداء، و طاب لي القرار في مقام خامس أصحاب الكساء، أردت أن أسم حبيبي بميسم العبوديّة لشريف حضرته، و أرقم اسمي في دفاتر أرقّاء خدمته، و اعطّر المجالس بنشر مناقبه، و اسرّ المجالس بذكر مراثيه، فجمعت هذا الكتاب مع قلّة بضاعتي، و ركود قريحتي، فكنت بإهدائه إلى عزيز جنابه كناقل التمر إلى هجر 114 ، و مهدي الحصى إلى الدرر، و قد روى لساني عن قلبي، و رقم بناني عن لبّي:
فارقت قوما دينهم
نصب و إلحاد و كفر
بذوي الفسوق بأرضهم
سوق و للفجّار فجر
لقضائهم في هتك دين
المصطفى ناب و ظفر
إن قلت عينا من عليّ
أظهروا حقدا و هرّوا 115
شبه الكلاب إذا عوت
فالشّرّ منهم مستمرّ
علماؤهم علماء سوء
طبعهم غدر و مكر
و رجالهم بقر إذا
ذكر الوصيّ عتوا و فرّوا
و نساؤهم بالغنج كم
من زاهد فتنوا و غرّوا
هذا و كم منزلة
بعد الغنى منهنّ فقر
كم ليلة من هجرهم
أمسى فؤادي فيه جمر
فهجرت منصرفي إذ
لي لسمع الهجر وقر
و حثثت رحلي نحو من
هو للنّبيّ أخ و صهر
مولى ازيح بقصده
عن ساحتي ضرّ و عسر
[في ذكر المؤلّف خطبه و مجالسه المختلفة]
ثمّ إنّي بعد أن منّ اللّه عليّ بمجاورة سبط نبيّه، و أهّلني للاقامة في حضرة وليّه و ابن وليّه، أطلق لساني بمدح رسوله المصطفى، و وليّه المرتضى، و أهل بيتهما الأئمّة النجباء سادة أهل الدنيا و الاخرى، الّذين جعل اللّه أجر الرسالة مودّتهم، و ألزم الكافّة طاعتهم، فصرت احلّي بذكرهم المنابر، و ازيّن بشكرهم المحاضر، و اشنّف بمدحهم المسامع، و اشرّف بوصفهم الجوامع، و أقمع هامات من ناواهم بمقامع نظمي و نثري، و ارغم معاطس 117 من عاداهم بأكفّ خطبي و شعري.
فقلّ أن يمضي يوم من الأيّام الّتي حباهم اللّه فيها بتفضيله، و نوّه بذكرهم في محكم تنزيله، إلّا و قد وضعت خطبة في فضل ذلك اليوم الشريف، و أوردت كلمة في عمل ذلك الوقت المنيف، كخطبة «مولد البشير النذير»، و خطبة «يوم الغدير» و ذيّلتها بأحاديث رائقة، و نكت شائقة، يطرب لها المؤمن التقي، و يهجرها سمع المنافق الشقيّ، و خطبة «يوم السادس من شهر ذي الحجّة» الذي كان فيه تزويج البتول من صنو الرسول، و يوم نزول سورة «هل أتى»، و ما في فضلهم أتى، و المجالس المشهور ب «تحفة الزوّار و منحة الأبرار» و هو مجلس ذكرت فيه ثواب زيارة سيّد الشهداء و فضل كربلاء، و كالتعزية الموسومة ب «مجرية العبرة و محزنة العترة» و هي خطبة يوم التاسع من المحرّم، و كالمجلس
المشهور ب «قاطع أسباب النفاق، و قامع أرباب الشقاق» و هو مجلس قلته بإذن اللّه في اليوم السادس و العشرين من ذي الحجّة، و خطبت به على صهوة 118 المنبر، و أوردت فيه ماثم على عدوّ اللّه إبليس الأكبر، و كالرسالة الموسومة ب «السجع النفيس في محاورة الدلام و إبليس».
و غير ذلك من رسالات و خطب و أشعار تحثّ على اقتناء الفضائل، و تنهى عن اقتراف الرذائل، و توضح من أدلّة التوحيد ما فيه تلال الطالب، و بلاغ الراغب، بأدلّة قاطعة، و حجج ساطعة، و التحذير من الدار الفانية، و الترغيب في الحياة الباقية، و كان ذلك يشتمل على مائتي ورقة و أكثر، أبهى من عقود اللآلئ و أبهر، قد فاز من البلاغة بالسهم المعلّى، و حاز من الفصاحة السهم الأعلى، تمجّ فقراته مسمع الحاسد البغيض، و تسمر 119 حلاوة ترصّعاته فم المعاند المريض، كما وصفت في راتق 120 نظمي من رام بصعر خدّه هظمي:
[قصيدة للمؤلّف رحمه اللّه مفتخرا بما ينظم و يقول في مدح المصطفى و آله عليهم السلام]
كم شامخ بأنفه تكبّرا
و باذخ بخدّه تصعّرا
و مضمر لحسن لفظي حسدا
و وجهه يظهر ما قد أضمرا
ترجف منه و حشاه حنقا
يكاد يزلقني بما يرى
ينأى و ينهى عن مقامي جاهدا
يريد أن يشنأني بين الورى
كأنّ لفظي أسهم بقلبه
حدّ يبالي لمعاينها برا
في مدح صنو المصطفى اسنادها
بالصدق ما كان حديثا مفترا
يمجّها مسمع ذي وقاحة
أعسى النفاق سمعه و المبصرا
يعرض عنّي معرضا بعارض
فدا له كم فيه من لوم جرا
كذا مريض القلب في لهاته
يرى الزلال العذب صابا ممقرا
لا زال في أحشائه و قلبه
من سقط زند مقولي نار الشرا
[عثور المؤلّف على كتاب روضة الشهداء للكاشفي و تأليفه كتابه هذا على منواله]
ثمّ إنّي بعد ذلك عثرت على كتاب لبعض فصحاء اللغة الفارسيّة 121 ، و فرسان البلاغة الأعجميّة، أصحاب المجد القديم، و الدين القويم، الذين قال اللّه سبحانه فيهم: (وَ آخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) 122 تزيّن بتحقيقهم و تدقيقهم المجامع و المجالس، و كيف لا يكون ذلك كذلك و قد قال سيّد المرسلين: لو كان العلم معلّقا بالثريّا لناله رجال من فارس 123 ؟
و وجدته رضي اللّه عنه قد رتّبه على عشرة مجالس لقيام الماتم، لمصاب الغرّ الميامين من بني هاشم، شهداء كربلاء و أهل (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) 124 و جعلها خاصّة بالعشر الاول من شهر محرّم الحرام الذي فيه هتكت حرمة الاسلام، و قتلت ذرّيّة سيّد الأنام، و جعل لكلّ يوم من أيّامه مجلسا لقواعد الحزن و التعزية مؤسّسا.
أثابه اللّه ثواب الصدّيقين، و حشره في زمرة أوليائه الطاهرين.
فاستخرت اللّه سبحانه أن أنسخ على منواله في التصنيف و الترتيب، و أقتدي بأفعاله في التأليف و التهذيب، و ازيّن مجالس أهل الإيمان بمناقب سادتهم و مواليهم، و اهيّج أحزان قلوب أهل العرفان من شيعتهم و مواليهم، و احلّي أجياد اللسان العربي بدرر نظمي و نثري، و اجدّد معاهد الأشجان بنواضح بدائع فكري، و رتّبته كترتيبه، و بوّبته كتبويبه، لكن لم أقصد ترجمة كلامه، و لا سلكت مسلكه في نثاره و نظامه، و جعلته عشرة مجالس، و سمّيته ب «تسلية المجالس و زينة المجالس»، و لم اورد فيه من الأحاديث إلّا ما صحّحه علماؤنا، و رجّحه أعلامنا، و دوّنوه في كتبهم، و نقلوه عن أئمّتهم.
اللهمّ اجعلنا من السالكين بقدم الصدق إلى ما أوردوا، و المؤيّدين من السنّة النبويّة لما أيّدوا، إنّك على كلّ شيء قدير.
[المجالس الأوّل في ذكر امور تتعلّق بظلامة أبي عبد اللّه الحسين عليه السلام و ما في معناها، و طرق في ذكر ثواب من أظهر الجزع لمصابه و مصاب أهل بيته، و ثواب من بكى لرزيّتهم، و جلس لعزيّتهم]
الحمد للّه الّذي زيّن قلوب أوليائه بملابس عنايته، و حلّى نفوس أصفيائه بنفائس كرامته، و شرى منهم أنفسهم و أموالهم بنعيم جنّته، و أطلعهم على أسرار ملكوته، فعزفت 125 أنفسهم عن الدنيا الدنيّة إلى جوار حضرته لما جذب أنفسهم بزمام عنايته إلى جنابه الأقدس، و أجلسهم على بساط انسه في ظلّ جواره المقدّس، و ناداهم في سرائرهم في ذلك المقام المشرّف، و خاطبهم في ضمائرهم بخطابه الجليل الأشرف، و سقاهم من شراب جنّته بالكأس الرويّة، و أطلعهم على ما أعدّ للمجاهدين في سبيله من المقامات السنيّة و الدرجات العليّة.
بذلوا أنفسهم فنالوا فضلها، و كانوا أحقّ بها و أهلها، و صلوا بقدوم صدقهم إلى تلك المعاهد و المعالم، و استظلّوا بظلال تلك العواطف و المراحم، يجاهدون
في سبيل اللّه و لا يخافون لومة لائم، قرعت أسماعهم 126 رنّة آيات الذكر الحكيم (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَ يُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَ الْإِنْجِيلِ وَ الْقُرْآنِ وَ مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) 127 فهاموا بلذيذ نعمتها طربا، و قضوا بامتثال أوامرها من السعادة الأبديّة إربا، لمّا رءوا انّ الجهاد في سبيل ربّهم من أفضل الطاعات، و بذل الوسع في إعلاء كلمة خالقهم من أعظم القربات، تلقّوا حدود الصفاح بوجوههم الشريفة، و صبروا على ألم الجراح شوقا إلى تلك المنازل المنيفة.
و كان أفضل من فاز بالمعلّى من سهامها، و تلقّى بشريف طلعته مواقع نصالها و سهامها، سبط سيّد المرسلين، و قرّة عين إمام المتّقين، صفوة المصطفين، أبا عبد اللّه الحسين، الّذي هدم ركن الايمان بوفاته، و قصم حبل الاسلام بفواته، و اهتزّ العرش لمصيبته، و بكت الأفلاك لرزيّته، و أمطرت السماء دما و ترابا، و حيّرت من اولي العرفان أفكارا و ألبابا.