کتابخانه روایات شیعه
ضارعات، و هو يدافع عنهنّ، و يمانع دونهنّ، و يتلقّى السيوف بشريف طلعته، و يفرّق الصفوف بشدّة عزمته، قد قتلت رجاله، و ذبحت أطفاله، و انتهكت حرمة الرسول بانتهاك حرمته، و عظمت مصيبة البتول لعظيم رزيّته.
فما ظنّكم بسيّد المرسلين لو رآه في تلك الحال عديم الأعوان، فقيد الاخوان، ممنوعا من شرب المباح، مخضوبا بدم الجراح، قد أجمعت أئمّة السوء على قتله، و اجتمعت عصابة البغي لخذله؟ هل كان يتلقّى عنه السيوف بيديه و ساعديه؟ أم يدفع عنه الحتوف بجنبيه و عينيه؟
بل لو رآه أمير المؤمنين، و سيّد الوصيّين، و هو يستغيث و لا يغاث، و يستسقى فلا يسقى، قد أثخنه الجراح، و أثقله السلاح، و جعلته عصبة الضلال طعمة لمناصلها، و موردا لعواملها، و هو يحمل كحملات أبيه في احد و بدر، و يتلقّى سيوف أهل البغي و الغدر، لا يزيده قلّة الأنصار إلّا بصيرة من أمره، و لا يكسبه تظافر الأشرار إلّا إخلاصا في علانيته و سرّه، أهل كان يليق الصبر بجلال كماله؟ أم يتلقّى عنه السيوف بأعضائه و أوصاله؟
بل لو رأته سيّدة النساء و هو يتلظّى ظمأ، و يتلهّف عطشا، و عاينت بناتها اسارى على الأقتاب، حيارى بغير نقاب و لا جلباب، يطاف بهنّ في البلاد، و يتشرّفهنّ الحاضر و الباد، و شاهدت تلك الوجوه الّتي طالما قبّلها الرسول المجتبى، و أكرمها الوصيّ المرتضى، أصحاب سورة هل أتى، و أرباب (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) 139 ، يسار بها على رماح الأعداء مخضبا شيبها بالدماء، أ كانت تهنأ لها الحياة بعدها أم تتمنّى
الممات عندها؟ 140
[مجيء فاطمة عليها السلام يوم القيامة قائلة: إلهي احكم بيني و بين من ظلمني و من قتل ولدي]
روي من طريق أهل البيت عليهم السلام عن النبي صلّى اللّه عليه و آله قال: تقبل فاطمة يوم القيامة على ناقة من نوق الجنّة، خطامها من لؤلؤ رطب، و قوائمها من الزمرّد الأخضر، و ذنبها من المسك الأذفر 141 ، و عيناها ياقوتتان حمراوان، عليها قبّة من النور، يرى باطنها من ظاهرها، و ظاهرها من باطنها، داخلها عفو اللّه، و خارجها رحمة اللّه 142 ، و على رأسها تاج من نور، للتاج سبعون [ركنا، كلّ ركن مرصّع بالدرّ و الياقوت يضيء كما يضيء الكوكب الدرّي في افق السماء، و عن يمينها سبعون ألف ملك، و عن شمالها سبعون] 143 ألف ملك و جبرائيل آخذ بخطام الناقة ينادي بأعلى صوته: غضّوا أبصاركم حتى تجوز فاطمة، فتسير حتى تحاذي عرش ربّها و تزجّ بنفسها عن الناقة و تقول: إلهي و سيّدي احكم بيني و بين من ظلمني، اللهمّ احكم بيني و بين من قتل ولدي، فإذا النداء من قبل اللّه: يا حبيبتي و ابنة حبيبي، سلي تعطي، و اشفعي تشفّعي، فو عزّتي و جلالي لا يفوتني في هذا اليوم ظلم ظالم.
فتقول: إلهي ذرّيّتي و شيعتي و شيعة ذرّيّتي و محبّي [و محبّي] 144 ذرّيّتي، فإذا النداء من قبل اللّه: أين ذرّيّة فاطمة و شيعتها و محبّوها و محبّوا ذرّيّتها؟
فيقومون و قد أحاطت بهم ملائكة الرحمة فتقدّمهم فاطمة كلّهم حتى تدخلهم الجنّة 145 .
[تحشر فاطمة عليها السلام و هي آخذة بقميص الحسين ملطّخ بالدم]
و في حديث آخر: قال صلّى اللّه عليه و آله: تحشر فاطمة و تخلع عليها الحلل و هي آخذة بقميص الحسين ملطّخ بالدم و قد تعلّقت بقائمة العرش تقول:
يا ربّ احكم بيني و بين قاتل ولدي، فيؤخذ لها بحقّها 146 .
[تقبل فاطمة عليها السلام يوم القيامة و معها ألف نبي و ألف وصيّ و ألف شهيد، و أبيات شعريّة للصاحب بن عبّاد في ذلك]
و في حديث آخر: انّها تقبل يوم القيامة و معها ألف نبيّ و ألف صدّيق و ألف شهيد، و من الكرّوبيّين ألف ألف يسعدونها على البكاء، و انّها لتشهق شهقة فلا يبقى في السماء ملك إلّا بكى رحمة لها، و ما تسكن حتى يأتيها أبوها، فيقول: يا بنيّة، قد أبكيت أهل السماوات و شغلتيهم عن التسبيح، فكفّي حتى يقدّسوا، فإنّ اللّه بالغ أمره 147 .
سوف تأتي الزّهراء تلتمس الحك
م إذا حان محشر التّعديل
و أبوها و بعلها و بنوها
حولها و الخصام غير قليل
و تنادي يا ربّ ذبّح أولا
دي لما ذا و أنت خير مديل 148
فينادى بمالك ألهب النّا
ر و أجّج و خذ بأهل الغلول
و يجازى كلّ بما كان منه
من عقاب التّخليد 149 و التّنكيل 150
فيا إخواني، أظهروا في هذا الشهر شعار الأحزان، و أفيضوا الدموع المقرحة للأجفان، فإنّ البكاء في هذا الشهر لمصاب آل الرسول من أفضل الطاعات، و إظهار الجزع لما نال عترة الوصيّ من أكمل القربات.
روى الشيخ الجليل الفقيه جعفر بن محمد [بن قولويه بإسناده إلى الإمام
أبي جعفر محمد] 151 بن علي الباقر عليه السلام قال: كان أبي علي بن الحسين صلوات اللّه عليه يقول: أيّما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين عليه السلام دمعة حتى تسيل على خدّه بوّأه اللّه بها في الجنّة [غرفا يسكنها] 152 أحقابا، و أيّما مؤمن دمعت عيناه حتى تسيل على خدّه لأذى مسّنا من عدوّنا في الدنيا بوّأه [اللّه بها] 153 في الجنّة مبوّأ صدق، و أيّما مؤمن مسّه أذى فينا فدمعت عيناه حتى تسيل على خدّه من مضاضة ما اوذي فينا صرف اللّه عن وجهه الأذى و آمنه يوم القيامة من سخطه و النار 154 155 .
[في ثواب البكاء على الحسين عليه السلام]
و روى بإسناد متّصل إلى الامام أبي عبد اللّه الصادق عليه السلام قال:
كان يقول: إنّ الجزع و البكاء مكروه للعبد في كلّ ما جزع ما خلا البكاء على الحسين عليه السلام فإنّه فيه مأجور 156 .
و روى رضي اللّه عنه بإسناد متّصل بالامام أبي عبد اللّه عليه السلام قال:
من ذكر عنده الحسين عليه السلام فخرج من عينه [من الدموع] 157 مقدار جناح
ذباب كان ثوابه على اللّه عزّ و جلّ و لم يرض له بدون الجنّة 158 .
و روى رضي اللّه عنه عن مسمع بن عبد الملك البصري قال: قال لي أبو عبد اللّه الصادق عليه السلام: يا مسمع، أنت من أهل العراق؟
قلت: نعم.
قال: أ ما تأتي قبر الحسين عليه السلام؟
قلت: يا مولاي، أنا رجل مشهور عند أهل البصرة، و عندنا من يتبع هوى هذا الخليفة و أعداؤنا كثير من القبائل 159 من النّصّاب و غيرهم، و لست آمنهم أن يرفعوا خبري عند ولد سليمان فيمثّلون بي.
قال: أ ما تذكر ما صنع به؟
قلت: بلى و اللّه.
قال: فتجزع؟
قلت: نعم و اللّه و أستعبر لذلك حتى يرى أهلي ذلك 160 ، فأمتنع من الطعام الشراب حتى يستبين ذلك في وجهي.
قال: رحم اللّه دمعتك، أما إنّك من الّذين يعدّون في أهل الجزع لنا، و الّذين يفرحون لفرحنا، و يحزنون لحزننا، و يخافون لخوفنا، و يأمنون إذا أمنّا، أما إنّك سترى عند موتك حضور آبائي لك و وصيّتهم ملك الموت بك، و ما
يلقونك به من البشارة أفضل لك 161 ، ثمّ استعبر و استعبرت معه، فقال: الحمد للّه الّذي فضّلنا على خلقه بالرحمة، و خصّنا أهل البيت بالرحمة.
يا مسمع، إنّ السماوات و الأرض لتبكي منذ قتل أمير المؤمنين رحمة لنا، و من يبكي لنا من الملائكة أكثر منكم، و ما رقأت دموع الملائكة منذ قتلنا، و ما بكى أحد رحمة لنا و لما لقينا إلّا رحمه اللّه قبل أن تخرج الدمعة من عينه، فإذا سالت دمعته 162 على خدّه فلو أنّ قطرة من دموعه سقطت في جهنّم لأطفأت حرّها، حتى لا يوجد لها حرارة، و إنّ الموجع قلبه لنا ليفرح يوم يرانا عند موته فرحة لا تزال تلك الفرحة في قلبه حتى يرد علينا الحوض، و إنّ الكوثر ليفرح بمحبّينا إذا وردوا عليه 163 .