کتابخانه روایات شیعه
يلقونك به من البشارة أفضل لك 161 ، ثمّ استعبر و استعبرت معه، فقال: الحمد للّه الّذي فضّلنا على خلقه بالرحمة، و خصّنا أهل البيت بالرحمة.
يا مسمع، إنّ السماوات و الأرض لتبكي منذ قتل أمير المؤمنين رحمة لنا، و من يبكي لنا من الملائكة أكثر منكم، و ما رقأت دموع الملائكة منذ قتلنا، و ما بكى أحد رحمة لنا و لما لقينا إلّا رحمه اللّه قبل أن تخرج الدمعة من عينه، فإذا سالت دمعته 162 على خدّه فلو أنّ قطرة من دموعه سقطت في جهنّم لأطفأت حرّها، حتى لا يوجد لها حرارة، و إنّ الموجع قلبه لنا ليفرح يوم يرانا عند موته فرحة لا تزال تلك الفرحة في قلبه حتى يرد علينا الحوض، و إنّ الكوثر ليفرح بمحبّينا إذا وردوا عليه 163 .
يا مسمع، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا، و لم يستق بعدها أبدا، و هو في برد الكافور، و ريح المسك، و طعم الزنجبيل، أحلى من العسل، و ألين من الزبد، و أصفى من الدمع، و أذكى من العنبر، يخرج من تسنيم، و يمرّ في أنهار الجنان، يجري على رضراض 164 الدرّ و الياقوت، فيه من القدحان أكثر من عدد نجوم السماء، يوجد ريحه من مسيرة ألف عام، قدحانه من الذهب و الفضّة و ألوان الجواهر، و ما عين 165 بكت لنا إلّا نعمت بالنظر إلى الكوثر و سقيت منه 166 ،
و إنّ على الكوثر أمير المؤمنين عليه السلام و في يده عصا من عوسج يحطّم بها أعداءنا، فيقول الرجل منهم: إنّي أشهد الشهادتين، فيقول له: انطلق إلى إمامك فلان فاسأله أن يشفع لك إذ كان عندك خير الخلق فإنّ خير الخلق لا تردّ شفاعته، فيقول: يا مولاي، اهلكت من العطش 167 ، فيقول: زادك اللّه ظمأ و زادك عطشا.
قال مسمع: فقلت: يا مولاي، كيف يقدر على الدنوّ من الحوض و لم يقدر عليه غيره؟
قال: إنّه ورع عن أشياء قبيحة، و كفّ عن شتمنا إذا ذكرنا، و ترك أشياء اجترى عليها غيره، و ليس ذلك لحبّنا، و لا لهوى منه لنا، و لكن ذلك لشدّة اجتهاده في عبادته، و لما 168 شغل به نفسه عن ذكر الناس، فأمّا قلبه فمنافق، و دينه النصب 169 ، و ولاية الماضين، و تقدّمه لهم على كلّ أحد 170 . 171
عن عبد اللّه بن بكير، قال: حججت مع أبي عبد اللّه عليه السلام، فقلت له يوما: يا ابن رسول اللّه، لو نبش قبر الحسين عليه السلام هل كان يصاب في قبره شيء؟
فقال: يا ابن بكير، ما أعظم مسألتك 172 ؟! إنّ الحسين بن علي عليه السلام
مع أبيه و امّه و أخيه في منزل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و معه يرزقون و يحبرون، و إنّه لعن يمين العرش متعلّق به يقول: يا ربّ، انجز لي ما وعدتني، و إنّه لينظر إلى زوّاره لهو أعرف بأسمائهم 173 و أسماء آبائهم و ما في رحالهم من أحدهم بولده، و إنّه لينظر إلى من يبكيه فيستغفر له، و يسأل أباه الاستغفار له، و يقول: أيّها الباكي، لو علمت ما أعدّ اللّه لك لفرحت أكثر ممّا حزنت، و إنّه ليستغفر له من كلّ ذنب و خطيئة 174 .
و عن ابن أبي عمير بإسناد متّصل إلى أبي عبد اللّه، قال: من ذكرنا عنده ففاض من عينيه مثل جناح الذباب غفر اللّه له ذنوبه، و لو كانت مثل زبد البحر 175 .
و روى الشيخ الجليل علي بن الحسين بن بابويه القمّي رضى اللّه عنه بإسناد متّصل إلى الامام أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: إنّ أبي كان إذا أهلّ شهر المحرّم لا يرى ضاحكا، و كانت الكابة و الحزن غالبين عليه، فإذا كان يوم عاشوراء كان يوم جزعه و مصيبته، و يقول: في مثل هذا اليوم قتل جدّي الحسين صلوات اللّه عليه 176 .
و روى ابن فضّال، عن أبيه، عن الرضا علي بن موسى عليه السلام قال:
من ترك السعي في حوائجه يوم عاشوراء قضى اللّه له حوائج الدنيا و الآخرة، و من كان يوم عاشوراء يوم جزعه و بكائه جعل اللّه يوم القيامة يوم فرحه و سروره، و قرّت بنا في الجنان عينه، و من سمّى يوم عاشوراء يوم بركة أو ادّخر لمنزله فيه شيئا لم يبارك له فيه، و حشره اللّه في زمرة يزيد و عبيد اللّه بن زياد و عمر بن سعد لعنهم اللّه في أسفل درك من النار 177 .
[في بكاء زين العابدين على أبيه عليهما السلام]
و روى الشيخ الفقيه جعفر بن محمد بن قولويه القمّي رضي اللّه عنه قال:
بكى علي بن الحسين بن علي عليه السلام على أبيه صلوات اللّه عليه عشرين سنة أو أربعين سنة، و ما وضع بين يديه طعام إلّا بكى حتى قال له مولاه، جعلت فداك، يا ابن رسول اللّه، إنّي أخاف عليك أن تكون من الهالكين 178 ، فقال: إنّما أشكو بثّي و حزني إلى اللّه و أعلم من اللّه ما لا تعلمون، إنّي لم أذكر مصرع بني 179 فاطمة إلّا خنقتني العبرة لذلك 180 .
و روى رضي اللّه عنه قال: أشرف مولى لعلي بن الحسين عليه السلام و هو في سقيفة له ساجد يبكي، فقال له: يا مولاي، أ ما آن لحزنك أن ينقضي؟
فرفع رأسه إليه، فقال: يا ويلك ثكلتك امّك، و اللّه لقد شكى يعقوب إلى ربّه
في أقلّ ممّا رأيت 181 حين قال: يا أسفي على يوسف، إنّه فقد ابنا واحدا، و أنا رأيت أبي و جماعة أهل بيتي يذبّحون حولي.
قال: و كان علي بن الحسين عليه السلام يميل إلى ولد عقيل، فقيل له:
لما تميل إلى ابن عمّك هؤلاء دون أولاد جعفر 182 ؟
قال: إنّي أذكر يومهم مع أبي عبد اللّه عليه السلام فأرقّ لهم 183 .
[أنّ الحسين عليه السلام قتيل العبرة]
و روى أيضا رضي اللّه عنه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال الحسين عليه السلام: أنا قتيل العبرة 184 ، قتلت مكروبا، و حقيق عليّ أن لا يأتيني مكروب إلّا ردّه اللّه و قلبه إلى أهله مسرورا 185 .
فيا أصحاب القلوب السليمة، و العقول المستقيمة، لا يظنّ ظانّ منكم بجهله، أو يلبس الشيطان على عقله، أنّ ما حلّ بالسبط الشهيد من البلاء العتيد لهوانه على ربّه، أو لنقص في زلفته و قربه، و لكن الحقّ سبحانه يبتلي عباده الصالحين بالتكاليف الشاقّة في أنفسهم و أجسادهم، و يختبر أولياءه المخلصين بالمحن المتتابعة في أموالهم و أولادهم، و يحثّهم على جهاد أعدائه بأقوالهم و أفعالهم، و يوفّقهم لامتثال أوامره و نواهيه في جميع أحوالهم، قال سبحانه:
(سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ) 186 ، و قال سبحانه: (أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هاجَرُوا وَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَ أُوذُوا فِي سَبِيلِي وَ قاتَلُوا وَ قُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَ لَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَ اللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ) 187 ، و قال سبحانه: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَ لَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ) 188 (وَ لَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ لا رَسُولِهِ وَ لَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً) 189 .
[أنّ البلاء موكل بالأنبياء، ثمّ بالأولياء، ثمّ بالأمثل]
و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: البلاء 190 موكل بالأنبياء، ثمّ بالأولياء، ثمّ بالأمثل فالأمثل 191 192 .
و قال أمير المؤمنين عليه السلام: و لو أراد اللّه سبحانه بأنبيائه حيث بعثهم أن يفتح لهم كنوز الذّهبان، و معادن العقيان 193 ، و مغارس الجنان، و أن يحشر معهم طير السماء و وحوش الأرضين لفعل، و لو فعل ذلك لسقط البلاء 194 ، و بطل الجزاء، و اضمحلّ 195 الانباء، و لما وجب للقابلين اجور المبتلين، و لا استحقّ المؤمنون 196 ثواب المحسنين، و لا لزمت الأسماء معانيها، و لكنّ اللّه سبحانه جعل رسله اولي قوّة في عزائمهم، و ضعفة فيما ترى الأعين من حالاتهم، مع قناعة تملأ القلوب و العيون غنى، و خصاصة 197 تملأ الأبصار و الأسماع أذى.
و لو كانت الأنبياء أهل قوّة لا ترام، و عزّة لا تضام، و ملك تمدّ نحوه أعناق الرجال [و تشدّ إليه عقد الرّحال] 198 ، لكان ذلك أهون على الخلق في الاعتبار، و أبعد لهم عن الاستكبار، و لآمنوا عن رهبة قاهرة لهم، أو رغبة مائلة بهم، فكانت النيّات مشتركة، و الحسنات مقتسمة، و لكنّ اللّه سبحانه أراد أن يكون الاتّباع لرسله، و التصديق بكتبه، و الخشوع لوجهه، و الاستكانة لأمره، و الاستسلام لطاعته، امورا له خاصّة، لا تشوبها من غيرها شائبة، فكلّما كانت البلوى و الاختبار أعظم كانت المثوبة و الجزاء أجزل 199 .