کتابخانه روایات شیعه
مع أبيه و امّه و أخيه في منزل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و معه يرزقون و يحبرون، و إنّه لعن يمين العرش متعلّق به يقول: يا ربّ، انجز لي ما وعدتني، و إنّه لينظر إلى زوّاره لهو أعرف بأسمائهم 173 و أسماء آبائهم و ما في رحالهم من أحدهم بولده، و إنّه لينظر إلى من يبكيه فيستغفر له، و يسأل أباه الاستغفار له، و يقول: أيّها الباكي، لو علمت ما أعدّ اللّه لك لفرحت أكثر ممّا حزنت، و إنّه ليستغفر له من كلّ ذنب و خطيئة 174 .
و عن ابن أبي عمير بإسناد متّصل إلى أبي عبد اللّه، قال: من ذكرنا عنده ففاض من عينيه مثل جناح الذباب غفر اللّه له ذنوبه، و لو كانت مثل زبد البحر 175 .
و روى الشيخ الجليل علي بن الحسين بن بابويه القمّي رضى اللّه عنه بإسناد متّصل إلى الامام أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: إنّ أبي كان إذا أهلّ شهر المحرّم لا يرى ضاحكا، و كانت الكابة و الحزن غالبين عليه، فإذا كان يوم عاشوراء كان يوم جزعه و مصيبته، و يقول: في مثل هذا اليوم قتل جدّي الحسين صلوات اللّه عليه 176 .
و روى ابن فضّال، عن أبيه، عن الرضا علي بن موسى عليه السلام قال:
من ترك السعي في حوائجه يوم عاشوراء قضى اللّه له حوائج الدنيا و الآخرة، و من كان يوم عاشوراء يوم جزعه و بكائه جعل اللّه يوم القيامة يوم فرحه و سروره، و قرّت بنا في الجنان عينه، و من سمّى يوم عاشوراء يوم بركة أو ادّخر لمنزله فيه شيئا لم يبارك له فيه، و حشره اللّه في زمرة يزيد و عبيد اللّه بن زياد و عمر بن سعد لعنهم اللّه في أسفل درك من النار 177 .
[في بكاء زين العابدين على أبيه عليهما السلام]
و روى الشيخ الفقيه جعفر بن محمد بن قولويه القمّي رضي اللّه عنه قال:
بكى علي بن الحسين بن علي عليه السلام على أبيه صلوات اللّه عليه عشرين سنة أو أربعين سنة، و ما وضع بين يديه طعام إلّا بكى حتى قال له مولاه، جعلت فداك، يا ابن رسول اللّه، إنّي أخاف عليك أن تكون من الهالكين 178 ، فقال: إنّما أشكو بثّي و حزني إلى اللّه و أعلم من اللّه ما لا تعلمون، إنّي لم أذكر مصرع بني 179 فاطمة إلّا خنقتني العبرة لذلك 180 .
و روى رضي اللّه عنه قال: أشرف مولى لعلي بن الحسين عليه السلام و هو في سقيفة له ساجد يبكي، فقال له: يا مولاي، أ ما آن لحزنك أن ينقضي؟
فرفع رأسه إليه، فقال: يا ويلك ثكلتك امّك، و اللّه لقد شكى يعقوب إلى ربّه
في أقلّ ممّا رأيت 181 حين قال: يا أسفي على يوسف، إنّه فقد ابنا واحدا، و أنا رأيت أبي و جماعة أهل بيتي يذبّحون حولي.
قال: و كان علي بن الحسين عليه السلام يميل إلى ولد عقيل، فقيل له:
لما تميل إلى ابن عمّك هؤلاء دون أولاد جعفر 182 ؟
قال: إنّي أذكر يومهم مع أبي عبد اللّه عليه السلام فأرقّ لهم 183 .
[أنّ الحسين عليه السلام قتيل العبرة]
و روى أيضا رضي اللّه عنه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال الحسين عليه السلام: أنا قتيل العبرة 184 ، قتلت مكروبا، و حقيق عليّ أن لا يأتيني مكروب إلّا ردّه اللّه و قلبه إلى أهله مسرورا 185 .
فيا أصحاب القلوب السليمة، و العقول المستقيمة، لا يظنّ ظانّ منكم بجهله، أو يلبس الشيطان على عقله، أنّ ما حلّ بالسبط الشهيد من البلاء العتيد لهوانه على ربّه، أو لنقص في زلفته و قربه، و لكن الحقّ سبحانه يبتلي عباده الصالحين بالتكاليف الشاقّة في أنفسهم و أجسادهم، و يختبر أولياءه المخلصين بالمحن المتتابعة في أموالهم و أولادهم، و يحثّهم على جهاد أعدائه بأقوالهم و أفعالهم، و يوفّقهم لامتثال أوامره و نواهيه في جميع أحوالهم، قال سبحانه:
(سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ) 186 ، و قال سبحانه: (أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هاجَرُوا وَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَ أُوذُوا فِي سَبِيلِي وَ قاتَلُوا وَ قُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَ لَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَ اللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ) 187 ، و قال سبحانه: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَ لَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ) 188 (وَ لَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ لا رَسُولِهِ وَ لَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً) 189 .
[أنّ البلاء موكل بالأنبياء، ثمّ بالأولياء، ثمّ بالأمثل]
و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: البلاء 190 موكل بالأنبياء، ثمّ بالأولياء، ثمّ بالأمثل فالأمثل 191 192 .
و قال أمير المؤمنين عليه السلام: و لو أراد اللّه سبحانه بأنبيائه حيث بعثهم أن يفتح لهم كنوز الذّهبان، و معادن العقيان 193 ، و مغارس الجنان، و أن يحشر معهم طير السماء و وحوش الأرضين لفعل، و لو فعل ذلك لسقط البلاء 194 ، و بطل الجزاء، و اضمحلّ 195 الانباء، و لما وجب للقابلين اجور المبتلين، و لا استحقّ المؤمنون 196 ثواب المحسنين، و لا لزمت الأسماء معانيها، و لكنّ اللّه سبحانه جعل رسله اولي قوّة في عزائمهم، و ضعفة فيما ترى الأعين من حالاتهم، مع قناعة تملأ القلوب و العيون غنى، و خصاصة 197 تملأ الأبصار و الأسماع أذى.
و لو كانت الأنبياء أهل قوّة لا ترام، و عزّة لا تضام، و ملك تمدّ نحوه أعناق الرجال [و تشدّ إليه عقد الرّحال] 198 ، لكان ذلك أهون على الخلق في الاعتبار، و أبعد لهم عن الاستكبار، و لآمنوا عن رهبة قاهرة لهم، أو رغبة مائلة بهم، فكانت النيّات مشتركة، و الحسنات مقتسمة، و لكنّ اللّه سبحانه أراد أن يكون الاتّباع لرسله، و التصديق بكتبه، و الخشوع لوجهه، و الاستكانة لأمره، و الاستسلام لطاعته، امورا له خاصّة، لا تشوبها من غيرها شائبة، فكلّما كانت البلوى و الاختبار أعظم كانت المثوبة و الجزاء أجزل 199 .
روى حنّان بن سدير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام [قال: آمن مع نوح من
من قومه ثمانية نفر.
[ما عاناه نوح عليه السلام من قومه]
و في حديث وهب بن منبّه] 200 أنّ نوحا عليه السلام دعا قومه إلى اللّه حتى انقرضت ثلاثة قرون منهم، كلّ قرن ثلاثمائة سنة يدعوهم سرّا و جهرا فلا يزدادون إلّا طغيانا، و لا يأتي منهم قرن إلّا كان أعتى على اللّه من الّذين من قبلهم، و كان الرجل منهم يأتي بابنه و هو صغير فيقيمه على رأس نوح فيقول: يا بنيّ، إن بقيت بعدي فلا تطيعنّ هذا المجنون.
و كانوا يثورون إلى نوح فيضربونه حتى يسيل مسامعه دما، و حتى لا يعقل شيئا ممّا يصنع به فيحمل و يرمى [به] 201 في بيت أو على باب داره مغشيّا عليه، فأوحى اللّه تعالى إليه: (أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ) 202 ، فعندها أقبل بالدعاء عليهم و لم يكن دعا عليهم قبل ذلك فقال: (رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً) 203 إلى آخر السورة.
فأعقم اللّه تعالى أصلاب الرجال و أرحام النساء فلبثوا أربعين سنة لا يولد لهم [ولد] 204 ، و قحطوا في تلك الأربعين سنة حتى هلكت أموالهم و أصابهم الجاهد و البلاء، فقال لهم نوح: (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً) 205 فأعذر إليهم و أنذر فلم يزدادوا إلّا كفرا، فلمّا يئس منهم أقصر عن كلامهم و دعا عليهم حتى أغرقهم اللّه سبحانه 206 .
[ما عاناه إبراهيم عليه السلام من قومه]
و هذا إبراهيم عليه السلام خليل اللّه و صفيّه لمّا كسر الأصنام و جعلها أجذاذا، و قطعها بشدّة عزمه أفلاذا 207 ، قال بعضهم لبعض: (حَرِّقُوهُ - بالنار- وَ انْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ) 208 أي ناصريها، و المعنى: أنّكم لا تنصرونها إلّا بتحريقه بالنار؛ قيل: و كان الّذي أشار بتحريق إبراهيم بالنار رجل من أكراد فارس، فخسف اللّه به الأرض فهو يتجلجل 209 فيها إلى يوم القيامة؛ و قيل: إنّما قاله نمرود 210 .
قال السدّي: فجمعوا له الحطب حتى انّ الرجل منهم ليمرض فيوصي بكذا و كذا من ماله فيشترى به حطب، و حتى انّ المرأة لتغزل فتشتري به حطبا حتى جمعوا من ذلك ما أرادوا، فلمّا أرادوا أن يلقوه في النار لم يدروا كيف يلقونه، لأنّهم كانوا قد صنعوا للنار حائطا طوله ثلاثون ذراعا، و عرضه عشرة، و ملئوه حطبا، و أجّجوا فيه النار، و لم يقدروا من الدنوّ من النار لشدّة حرّها، فجاء إبليس فصنع لهم المنجنيق 211 ، و هي أوّل منجنيق صنعت فوضعوه فيها، ثمّ رموه، قال اللّه سبحانه: (قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَ سَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ) 212 .