کتابخانه روایات شیعه
(سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ) 186 ، و قال سبحانه: (أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هاجَرُوا وَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَ أُوذُوا فِي سَبِيلِي وَ قاتَلُوا وَ قُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَ لَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَ اللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ) 187 ، و قال سبحانه: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَ لَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ) 188 (وَ لَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ لا رَسُولِهِ وَ لَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً) 189 .
[أنّ البلاء موكل بالأنبياء، ثمّ بالأولياء، ثمّ بالأمثل]
و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: البلاء 190 موكل بالأنبياء، ثمّ بالأولياء، ثمّ بالأمثل فالأمثل 191 192 .
و قال أمير المؤمنين عليه السلام: و لو أراد اللّه سبحانه بأنبيائه حيث بعثهم أن يفتح لهم كنوز الذّهبان، و معادن العقيان 193 ، و مغارس الجنان، و أن يحشر معهم طير السماء و وحوش الأرضين لفعل، و لو فعل ذلك لسقط البلاء 194 ، و بطل الجزاء، و اضمحلّ 195 الانباء، و لما وجب للقابلين اجور المبتلين، و لا استحقّ المؤمنون 196 ثواب المحسنين، و لا لزمت الأسماء معانيها، و لكنّ اللّه سبحانه جعل رسله اولي قوّة في عزائمهم، و ضعفة فيما ترى الأعين من حالاتهم، مع قناعة تملأ القلوب و العيون غنى، و خصاصة 197 تملأ الأبصار و الأسماع أذى.
و لو كانت الأنبياء أهل قوّة لا ترام، و عزّة لا تضام، و ملك تمدّ نحوه أعناق الرجال [و تشدّ إليه عقد الرّحال] 198 ، لكان ذلك أهون على الخلق في الاعتبار، و أبعد لهم عن الاستكبار، و لآمنوا عن رهبة قاهرة لهم، أو رغبة مائلة بهم، فكانت النيّات مشتركة، و الحسنات مقتسمة، و لكنّ اللّه سبحانه أراد أن يكون الاتّباع لرسله، و التصديق بكتبه، و الخشوع لوجهه، و الاستكانة لأمره، و الاستسلام لطاعته، امورا له خاصّة، لا تشوبها من غيرها شائبة، فكلّما كانت البلوى و الاختبار أعظم كانت المثوبة و الجزاء أجزل 199 .
روى حنّان بن سدير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام [قال: آمن مع نوح من
من قومه ثمانية نفر.
[ما عاناه نوح عليه السلام من قومه]
و في حديث وهب بن منبّه] 200 أنّ نوحا عليه السلام دعا قومه إلى اللّه حتى انقرضت ثلاثة قرون منهم، كلّ قرن ثلاثمائة سنة يدعوهم سرّا و جهرا فلا يزدادون إلّا طغيانا، و لا يأتي منهم قرن إلّا كان أعتى على اللّه من الّذين من قبلهم، و كان الرجل منهم يأتي بابنه و هو صغير فيقيمه على رأس نوح فيقول: يا بنيّ، إن بقيت بعدي فلا تطيعنّ هذا المجنون.
و كانوا يثورون إلى نوح فيضربونه حتى يسيل مسامعه دما، و حتى لا يعقل شيئا ممّا يصنع به فيحمل و يرمى [به] 201 في بيت أو على باب داره مغشيّا عليه، فأوحى اللّه تعالى إليه: (أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ) 202 ، فعندها أقبل بالدعاء عليهم و لم يكن دعا عليهم قبل ذلك فقال: (رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً) 203 إلى آخر السورة.
فأعقم اللّه تعالى أصلاب الرجال و أرحام النساء فلبثوا أربعين سنة لا يولد لهم [ولد] 204 ، و قحطوا في تلك الأربعين سنة حتى هلكت أموالهم و أصابهم الجاهد و البلاء، فقال لهم نوح: (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً) 205 فأعذر إليهم و أنذر فلم يزدادوا إلّا كفرا، فلمّا يئس منهم أقصر عن كلامهم و دعا عليهم حتى أغرقهم اللّه سبحانه 206 .
[ما عاناه إبراهيم عليه السلام من قومه]
و هذا إبراهيم عليه السلام خليل اللّه و صفيّه لمّا كسر الأصنام و جعلها أجذاذا، و قطعها بشدّة عزمه أفلاذا 207 ، قال بعضهم لبعض: (حَرِّقُوهُ - بالنار- وَ انْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ) 208 أي ناصريها، و المعنى: أنّكم لا تنصرونها إلّا بتحريقه بالنار؛ قيل: و كان الّذي أشار بتحريق إبراهيم بالنار رجل من أكراد فارس، فخسف اللّه به الأرض فهو يتجلجل 209 فيها إلى يوم القيامة؛ و قيل: إنّما قاله نمرود 210 .
قال السدّي: فجمعوا له الحطب حتى انّ الرجل منهم ليمرض فيوصي بكذا و كذا من ماله فيشترى به حطب، و حتى انّ المرأة لتغزل فتشتري به حطبا حتى جمعوا من ذلك ما أرادوا، فلمّا أرادوا أن يلقوه في النار لم يدروا كيف يلقونه، لأنّهم كانوا قد صنعوا للنار حائطا طوله ثلاثون ذراعا، و عرضه عشرة، و ملئوه حطبا، و أجّجوا فيه النار، و لم يقدروا من الدنوّ من النار لشدّة حرّها، فجاء إبليس فصنع لهم المنجنيق 211 ، و هي أوّل منجنيق صنعت فوضعوه فيها، ثمّ رموه، قال اللّه سبحانه: (قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَ سَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ) 212 .
قال أبو العالية: لو لم يقل سبحانه: (وَ سَلاماً) لكانت تؤذيه من شدّة
بردها، و لكان بردها أشدّ عليه من حرّها فصارت سلاما 213 عليه، و لو لم يقل (عَلى إِبْراهِيمَ) لكان بردها باقيا إلى الأبد.
قال الصادق عليه السلام: لمّا اجلس إبراهيم في المنجنيق و أرادوا أن يرموا به في النار أتاه جبرئيل عليه السلام و قال: السلام عليك يا إبراهيم [و رحمة اللّه و بركاته] 214 ، أ لك حاجة؟
فقال: أمّا إليك فلا، فلمّا طرحوه دعا اللّه سبحانه فقال: يا اللّه، يا واحد، يا أحد، يا صمد، يا من لم يلد و لم يولد، و لم يكن له كفوا أحد، فحسرت النار عنه، فرأوه و انّه لمحتب و معه جبرئيل عليه السلام و هما يتحدّثان في روضة خضراء.
و روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله أنّ نمرود الجبّار لمّا ألقى إبراهيم عليه السلام في النار نزل إليه جبرئيل عليه السلام بقميص من الجنّة و طنفسة 215 من الجنّة فألبسه القميص و أقعده على الطنفسة و قعد معه يحدّثه .. تمام الخبر.
قال كعب: لم تحرق منه النار غير وثاقه، قال اللّه سبحانه: (وَ أَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ) 216 .
قال ابن عبّاس: هو ان اللّه سبحانه سلّط على نمرود و خيله البعوض حتى أخذت لحومهم، و شربت دماءهم، و وقعت واحدة في دماغه فأهلكته 217 .
ثمّ انّ اللّه سبحانه ابتلاه كما ذكر في محكم كتابه بالكلمات الّتي أتمّها، و المحن الّتي احتملها، و وفّى بها حتى أثنى اللّه سبحانه عليه في كتابه بقوله:
(وَ إِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى) 218 و الابتلاء هو الاختبار، و سمّي ذلك اختبارا لأنّ ما يستعمله الانسان ينافي مثل ذلك 219 يجري على جهة الاختبار و الامتحان فأجرى سبحانه على أمره اسم امور العباد على طريق الاتّساع، و حقيقة الابتلاء تشديد التكليف.
و وجه آخر هو انّ الابتلاء على ضربين؛ أحدهما يستحيل عليه سبحانه، و الآخر جائز، فالمستحيل هو أن يختبره ليعلم ما تكشف الأيّام عنه و هذا لا يصحّ عليه سبحانه، لأنّه علّام الغيوب، و الآخر أن يبتليه حتى يصبر على ما يبتليه فيكون ما يعطيه على سبيل الاستحقاق، و لينظر إليه الناظر فيقتدي به فيعلم من حكمة اللّه سبحانه انّه لم يكل 220 أسباب الامامة إلّا إلى الكافي المستقلّ بها الّذي كشفت الأيّام عنه، و ممّا ابتلاه في نفسه ما ذكرناه أوّلا و في أهله حين خلص اللّه حرمته من عبادة القبطي، ثم في ولده حين امر بذبح ولده في قوله: (إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ) 221 222 .
روى محمد بن إسحاق بن يسار 223 أنّ إبراهيم عليه السلام كان إذا أراد إسماعيل و هاجر حمل على البراق، فيغدو من الشام و يقيل بمكّة، و يروح من
مكّة فيبيت في الشام عند أهله، حتى إذا بلغ إسماعيل السعي أري في المنام أن يذبحه، فقال: يا بنيّ، خذ المدية و الحبل و انطلق بنا إلى الشعب لنحتطب، فلمّا خلا إبراهيم بابنه في شعب ثبير أخبره بما قد ذكره اللّه عنه، فقال: يا أبت اشدد رباطي حتى لا أضطرب، و اكفف عنّي ثيابك حتى لا تنتضح بدمي فتراه والدتي، و اشحذ شفرتك، و أسرع مرّ السكّين على عنقي ليكون أهون عليّ فإنّ الموت شديد.
فقال إبراهيم: نعم العون أنت يا بنيّ على أمر اللّه.
قال: فأقبل شيخ على إبراهيم، فقال: يا إبراهيم، ما تريد من هذا الغلام؟
قال: اريد أن أذبحه.
فقال: سبحان اللّه! تريد أن تذبح غلاما لم يعص اللّه طرفة عين قطّ.
قال إبراهيم: إن اللّه أمرني بذلك.
قال: ربّك ينهاك عن ذلك، و إنّما أمرك بهذا الشيطان.
فقال إبراهيم: لا و اللّه، ثمّ قال الغلام: يا أبت، حمّر وجهي، و اشدد وثاقي.