کتابخانه روایات شیعه
[ما عاناه إبراهيم عليه السلام من قومه]
و هذا إبراهيم عليه السلام خليل اللّه و صفيّه لمّا كسر الأصنام و جعلها أجذاذا، و قطعها بشدّة عزمه أفلاذا 207 ، قال بعضهم لبعض: (حَرِّقُوهُ - بالنار- وَ انْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ) 208 أي ناصريها، و المعنى: أنّكم لا تنصرونها إلّا بتحريقه بالنار؛ قيل: و كان الّذي أشار بتحريق إبراهيم بالنار رجل من أكراد فارس، فخسف اللّه به الأرض فهو يتجلجل 209 فيها إلى يوم القيامة؛ و قيل: إنّما قاله نمرود 210 .
قال السدّي: فجمعوا له الحطب حتى انّ الرجل منهم ليمرض فيوصي بكذا و كذا من ماله فيشترى به حطب، و حتى انّ المرأة لتغزل فتشتري به حطبا حتى جمعوا من ذلك ما أرادوا، فلمّا أرادوا أن يلقوه في النار لم يدروا كيف يلقونه، لأنّهم كانوا قد صنعوا للنار حائطا طوله ثلاثون ذراعا، و عرضه عشرة، و ملئوه حطبا، و أجّجوا فيه النار، و لم يقدروا من الدنوّ من النار لشدّة حرّها، فجاء إبليس فصنع لهم المنجنيق 211 ، و هي أوّل منجنيق صنعت فوضعوه فيها، ثمّ رموه، قال اللّه سبحانه: (قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَ سَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ) 212 .
قال أبو العالية: لو لم يقل سبحانه: (وَ سَلاماً) لكانت تؤذيه من شدّة
بردها، و لكان بردها أشدّ عليه من حرّها فصارت سلاما 213 عليه، و لو لم يقل (عَلى إِبْراهِيمَ) لكان بردها باقيا إلى الأبد.
قال الصادق عليه السلام: لمّا اجلس إبراهيم في المنجنيق و أرادوا أن يرموا به في النار أتاه جبرئيل عليه السلام و قال: السلام عليك يا إبراهيم [و رحمة اللّه و بركاته] 214 ، أ لك حاجة؟
فقال: أمّا إليك فلا، فلمّا طرحوه دعا اللّه سبحانه فقال: يا اللّه، يا واحد، يا أحد، يا صمد، يا من لم يلد و لم يولد، و لم يكن له كفوا أحد، فحسرت النار عنه، فرأوه و انّه لمحتب و معه جبرئيل عليه السلام و هما يتحدّثان في روضة خضراء.
و روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله أنّ نمرود الجبّار لمّا ألقى إبراهيم عليه السلام في النار نزل إليه جبرئيل عليه السلام بقميص من الجنّة و طنفسة 215 من الجنّة فألبسه القميص و أقعده على الطنفسة و قعد معه يحدّثه .. تمام الخبر.
قال كعب: لم تحرق منه النار غير وثاقه، قال اللّه سبحانه: (وَ أَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ) 216 .
قال ابن عبّاس: هو ان اللّه سبحانه سلّط على نمرود و خيله البعوض حتى أخذت لحومهم، و شربت دماءهم، و وقعت واحدة في دماغه فأهلكته 217 .
ثمّ انّ اللّه سبحانه ابتلاه كما ذكر في محكم كتابه بالكلمات الّتي أتمّها، و المحن الّتي احتملها، و وفّى بها حتى أثنى اللّه سبحانه عليه في كتابه بقوله:
(وَ إِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى) 218 و الابتلاء هو الاختبار، و سمّي ذلك اختبارا لأنّ ما يستعمله الانسان ينافي مثل ذلك 219 يجري على جهة الاختبار و الامتحان فأجرى سبحانه على أمره اسم امور العباد على طريق الاتّساع، و حقيقة الابتلاء تشديد التكليف.
و وجه آخر هو انّ الابتلاء على ضربين؛ أحدهما يستحيل عليه سبحانه، و الآخر جائز، فالمستحيل هو أن يختبره ليعلم ما تكشف الأيّام عنه و هذا لا يصحّ عليه سبحانه، لأنّه علّام الغيوب، و الآخر أن يبتليه حتى يصبر على ما يبتليه فيكون ما يعطيه على سبيل الاستحقاق، و لينظر إليه الناظر فيقتدي به فيعلم من حكمة اللّه سبحانه انّه لم يكل 220 أسباب الامامة إلّا إلى الكافي المستقلّ بها الّذي كشفت الأيّام عنه، و ممّا ابتلاه في نفسه ما ذكرناه أوّلا و في أهله حين خلص اللّه حرمته من عبادة القبطي، ثم في ولده حين امر بذبح ولده في قوله: (إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ) 221 222 .
روى محمد بن إسحاق بن يسار 223 أنّ إبراهيم عليه السلام كان إذا أراد إسماعيل و هاجر حمل على البراق، فيغدو من الشام و يقيل بمكّة، و يروح من
مكّة فيبيت في الشام عند أهله، حتى إذا بلغ إسماعيل السعي أري في المنام أن يذبحه، فقال: يا بنيّ، خذ المدية و الحبل و انطلق بنا إلى الشعب لنحتطب، فلمّا خلا إبراهيم بابنه في شعب ثبير أخبره بما قد ذكره اللّه عنه، فقال: يا أبت اشدد رباطي حتى لا أضطرب، و اكفف عنّي ثيابك حتى لا تنتضح بدمي فتراه والدتي، و اشحذ شفرتك، و أسرع مرّ السكّين على عنقي ليكون أهون عليّ فإنّ الموت شديد.
فقال إبراهيم: نعم العون أنت يا بنيّ على أمر اللّه.
قال: فأقبل شيخ على إبراهيم، فقال: يا إبراهيم، ما تريد من هذا الغلام؟
قال: اريد أن أذبحه.
فقال: سبحان اللّه! تريد أن تذبح غلاما لم يعص اللّه طرفة عين قطّ.
قال إبراهيم: إن اللّه أمرني بذلك.
قال: ربّك ينهاك عن ذلك، و إنّما أمرك بهذا الشيطان.
فقال إبراهيم: لا و اللّه، ثمّ قال الغلام: يا أبت، حمّر وجهي، و اشدد وثاقي.
فقال إبراهيم: الوثاق مع الذبح و اللّه لا أجمعهما عليك اليوم، ثم تلّه لجبينه و أخذ المدية بيمينه، هذا و الملائكة تنتحب و الأرض تنحب، ثمّ رفع رأسه إلى السماء و انحنى عليه بالمدية، و قلب جبرئيل المدية على قفاها و اجتر إليه الفدية من ثبير، و اجتر الغلام من تحته، و وضع الكبش مكان الغلام، و نودي من ميسرة مسجد الخيف: (أَنْ يا إِبْراهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ) 224 .
قال: و لحق إبليس بامّ الغلام حين زارت البيت، فقال لها: ما شيخ رأيته بمنى؟
قالت: ذاك بعلي.
قال: فوصيف رأيته؟
قالت: ذاك ابني.
قال: فإنّي رأيته و قد أضجعه، و أخذ المدية ليذبحه.
قالت: كذبت! إبراهيم أرحم الناس، فكيف يذبح ابنه؟
قال: فو ربّ السماء و الأرض، و ربّ هذه الكعبة، قد رأيته كذلك.
قالت: و لم؟
قال: زعم أنّ ربّه أمره بذلك.
قالت: حقّ له أن يطيع ربّه، فوقع في نفسها أنّه قد امر في ابنها بأمر، فلمّا قضت منسكها 225 أسرعت في الوادي راجعة إلى منى، واضعة يدها 226 على رأسها، فلمّا جاءت [سارة] 227 و اخبرت الخبر، قامت إلى ابنها تنظر مكان السكّين من نحره فوجدته خدشا في حلقه، ففزعت و اشتكت، و كان بدؤ مرضها الّذي هلكت فيه 228 .
و هذا يعقوب إسرائيل اللّه ابتلاه اللّه بفراق يوسف، فبكى عليه حتى
ابيضّت عيناه من الحزن فهو كظيم 229 .
[قصّة يوسف عليه السلام]
روى أبو حمزة الثمالي، عن علي بن الحسين عليه السلام أنّ يعقوب كان يذبح كلّ يوم كبشا يتصدّق منه و يأكل هو و عياله، و أنّ سائلا مؤمنا صوّاما قوّاما اعترى باب يعقوب عشيّة جمعة عند أوان إفطاره، و كان مجتازا غريبا فهتف على بابه فاستطعم هو وهم يسمعونه فلم يصدّقوا قوله، فلمّا يئس أن يطعموه و غشيه الليل استعبر و شكا جوعه إلى اللّه سبحانه، و بات طاويا، و أصبح صائما صابرا حامدا للّه تعالى، و بات يعقوب و آل يعقوب بطانا، و أصبحوا و عندهم فضلة من طعامهم، فابتلاه اللّه سبحانه في يوسف عليه السلام، و أوحى إليه أن استعدّ لبلائي، و ارض بقضائي، و اصبر للمصائب، فرأى يوسف الرؤيا في تلك الليلة.
و روي أنّ يعقوب عليه السلام كان شديد الحبّ ليوسف، و كان يوسف من أحسن الناس وجها.
و روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله، قال: اعطي يوسف شطر الحسن، و النصف الآخر لسائر الناس.
و قال كعب الأحبار: كان يوسف حسن الوجه، جعد الشعر، ضخم العين، مستوي الخلقة، أبيض اللون، و كان إذا تبسّم رأيت النور في ضواحكه، و إذا تكلّم رأيت شعاع النور يلتهب عن ثناياه، و لا يستطيع أحد وصفه، و كان حسنه كضوء النهار عن 230 الليل، و كان يشبه آدم عليه السلام يوم خلقه اللّه عزّ و جلّ
و صوّره و نفخ فيه من روحه 231 .
فحسده إخوته و دبّروا في أمره، و ذلك انّ يعقوب كان شديد الحبّ ليوسف، و كان يؤثره على سائر أولاده فحسدوه، ثم رأى الرؤيا فصار حسدهم له أشدّ.
و قيل: إنّ يعقوب عليه السلام كان يرحمه و أخاه لصغرهما فاستثقلوا ذلك، و دبّروا في هلاكه كما حكى سبحانه عنهم في قوله: (اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ) 232 أي اطرحوه في أرض بعيدة عن أبيه فلا يهتدي إليه 233 .
و لمّا أقبلوا إلى أبيهم و سألوه أن يرسل يوسف معهم و أظهروا النصيحة و المحبّة و الشفقة على يوسف، و لمّا همّ يعقوب أن يبعثه معهم و حثّهم على حفظه، و قال: (إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَ أَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَ أَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ) 234 و كانت أرضهم مذأبة، و كانت الذئاب ضارية في ذلك الوقت.
و قيل: إنّ يعقوب رأى في منامه كأن يوسف قد شدّ عليه عشرة أذؤب ليقتلوه، و إذا ذئب منها يحمي عنه، فكأنّ الأرض انشقّت فدخل فيها يوسف فلم يخرج إلّا بعد ثلاثة أيّام، فمن ثمّ قال ذلك فلقّنهم العلّة و كانوا لا يدرون.