کتابخانه روایات شیعه
ابيضّت عيناه من الحزن فهو كظيم 229 .
[قصّة يوسف عليه السلام]
روى أبو حمزة الثمالي، عن علي بن الحسين عليه السلام أنّ يعقوب كان يذبح كلّ يوم كبشا يتصدّق منه و يأكل هو و عياله، و أنّ سائلا مؤمنا صوّاما قوّاما اعترى باب يعقوب عشيّة جمعة عند أوان إفطاره، و كان مجتازا غريبا فهتف على بابه فاستطعم هو وهم يسمعونه فلم يصدّقوا قوله، فلمّا يئس أن يطعموه و غشيه الليل استعبر و شكا جوعه إلى اللّه سبحانه، و بات طاويا، و أصبح صائما صابرا حامدا للّه تعالى، و بات يعقوب و آل يعقوب بطانا، و أصبحوا و عندهم فضلة من طعامهم، فابتلاه اللّه سبحانه في يوسف عليه السلام، و أوحى إليه أن استعدّ لبلائي، و ارض بقضائي، و اصبر للمصائب، فرأى يوسف الرؤيا في تلك الليلة.
و روي أنّ يعقوب عليه السلام كان شديد الحبّ ليوسف، و كان يوسف من أحسن الناس وجها.
و روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله، قال: اعطي يوسف شطر الحسن، و النصف الآخر لسائر الناس.
و قال كعب الأحبار: كان يوسف حسن الوجه، جعد الشعر، ضخم العين، مستوي الخلقة، أبيض اللون، و كان إذا تبسّم رأيت النور في ضواحكه، و إذا تكلّم رأيت شعاع النور يلتهب عن ثناياه، و لا يستطيع أحد وصفه، و كان حسنه كضوء النهار عن 230 الليل، و كان يشبه آدم عليه السلام يوم خلقه اللّه عزّ و جلّ
و صوّره و نفخ فيه من روحه 231 .
فحسده إخوته و دبّروا في أمره، و ذلك انّ يعقوب كان شديد الحبّ ليوسف، و كان يؤثره على سائر أولاده فحسدوه، ثم رأى الرؤيا فصار حسدهم له أشدّ.
و قيل: إنّ يعقوب عليه السلام كان يرحمه و أخاه لصغرهما فاستثقلوا ذلك، و دبّروا في هلاكه كما حكى سبحانه عنهم في قوله: (اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ) 232 أي اطرحوه في أرض بعيدة عن أبيه فلا يهتدي إليه 233 .
و لمّا أقبلوا إلى أبيهم و سألوه أن يرسل يوسف معهم و أظهروا النصيحة و المحبّة و الشفقة على يوسف، و لمّا همّ يعقوب أن يبعثه معهم و حثّهم على حفظه، و قال: (إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَ أَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَ أَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ) 234 و كانت أرضهم مذأبة، و كانت الذئاب ضارية في ذلك الوقت.
و قيل: إنّ يعقوب رأى في منامه كأن يوسف قد شدّ عليه عشرة أذؤب ليقتلوه، و إذا ذئب منها يحمي عنه، فكأنّ الأرض انشقّت فدخل فيها يوسف فلم يخرج إلّا بعد ثلاثة أيّام، فمن ثمّ قال ذلك فلقّنهم العلّة و كانوا لا يدرون.
و روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله قال: لا تلقّنوا الكذب فيكذبوا، فإنّ بني يعقوب لم يعلموا أنّ الذئب يأكل الانسان حتى لقّنهم أبوهم.
و هذا يدلّ على أنّ الخصم لا ينبغي أن يلقن حجّة.
و لمّا ذهبوا به أخرجوه عن يعقوب مكرّما، فلمّا وصلوا إلى الصحراء أظهروا له العداوة و جعلوا يضربونه و هو يستغيث بواحد واحد منهم فلا يغيثه، و كان يقول: يا أبتاه، فهمّوا بقتله، فمنعهم يهوذا- و قيل: لاوي- فذهبوا به إلى الجبّ، فجعلوا يدلونه فيه و هو يتعلّق بشفيره، ثمّ نزعوا عنه قميصه و هو يقول: لا تفعلوا، ردّوا عليّ القميص أتوارى به.
فيقولون: ادع الشمس و القمر و الأحد عشر كوكبا يؤنسنك 235 ، فدلّوه في البئر حتى إذا بلغ نصفها فألقوه إرادة أن يموت و كان في البئر ماء فسقط فيه، ثمّ آوى إلى صخرة فيها فقام عليها، و كان يهوذا يأتيه بالطعام.
و قيل: وكّل اللّه به ملكا يحرسه و يطعمه.
و قيل: إنّ إبراهيم عليه السلام لمّا القي في النار عريانا أتاه جبرئيل عليه السلام بقميص من حرير الجنّة فألبسه إيّاه، فكان ذلك القميص عند إبراهيم عليه السلام، فلمّا مات ورثه إسحاق، فلمّا مات إسحاق ورثه يعقوب، فلمّا شبّ يوسف جعل يعقوب ذلك القميص في تعويذ و علّقه في عنق يوسف، فكان لا يفارقه، فلمّا القي في البئر عريانا جاءه جبرئيل و كان عليه ذلك التعويذ، فأخرج منه القميص و ألبسه إيّاه.
قيل: و هو القميص الّذي وجد يعقوب ريحه لمّا فصلت العير من مصر، و كان يعقوب بفلسطين فقال: (إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ) 236 .
و في كتاب النبوّة، عن الحسن بن محبوب، عن الحسن بن عمارة، عن
مسمع أبي سيّار 237 ، عن الصادق عليه السلام قال: لمّا ألقى إخوة يوسف يوسف في الجبّ نزل عليه جبرئيل و قال: يا غلام، من طرحك في الجبّ؟
قال: إخوتي لمنزلتي من أبي حسدوني، و لذلك في الجبّ طرحوني.
فقال: أ تحبّ أن تخرج من هذا الجبّ؟
فقال: ذاك إلى إله إبراهيم و إسحاق و يعقوب.
فقال له جبرئيل: إنّ إله إبراهيم و إسحاق و يعقوب يقول لك: قل: اللّهمّ إنّي أسألك [بأن لك الحمد لا إله إلّا أنت بديع السماوات و الأرض، يا ذا الجلال و الاكرام] 238 أن تصلّي على محمد و آل محمد، و أن تجعل لي من أمري فرجا و مخرجا، و ترزقني من حيث أحتسب و من حيث لا أحتسب، فجعل اللّه له من ذلك يومئذ فرجا، و من كيد المرأة مخرجا، و آتاه ملك مصر من حيث لم يحتسب.
و روي أنّ يوسف عليه السلام قال في الجبّ: يا إله إبراهيم و إسحاق و يعقوب، ارحم ضعفي و قلّة حيلتي و صغري.
قال مجاهد: أوحى اللّه إليه و هو في الجبّ و نبّأه و أوحى إليه أن اكتم حالك، و اصبر على ما أصابك، فإنّك ستخبر 239 إخوتك بما فعلوا بك في وقت لا يعرفونك.
و لمّا فعلوا بيوسف ما فعلوا جاءوا أباهم عشاء يبكون 240 كما ذكر سبحانه
ليلبسوا على أبيهم، و إنّما أظهروا البكاء ليوهموا أنّهم صادقون، و في هذا دلالة على أنّ البكاء لا يوجب صدق دعوى الباكي في دعواه.
و لمّا سمع يعقوب بكاءهم و صياحهم فزع و قال: ما لكم؟
فقالوا: يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ - على الأقدام؛ و قيل: ننتصل 241 و نترامى فننظر أيّ السهام أسبق- وَ تَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَ ما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا - أي مصدّق- وَ لَوْ كُنَّا صادِقِينَ 242 . و أظهروا ليعقوب قميص يوسف ملطّخا بالدم، و قالوا: هذا دم يوسف حين أكله الذئب؛ قيل: إنّهم ذبحوا سخلة و جعلوا دمها على القميص و لم يمزّقوا الثوب، و لم يخطر ببالهم انّ الذئب إذا أكل إنسانا يمزّق ثوبه؛ و قيل: إنّ يعقوب قال: أروني القميص، فأروه إيّاه، فلمّا رآه صحيحا قال: يا بنيّ، ما رأيت ذئبا أحلم من هذا الذئب! أكل ابني و لم يخرق قميصه.
و قيل: إنّه لمّا قال لهم يعقوب ذلك، قالوا: بل قتله اللصوص.
فقال عليه السلام: فكيف قتلوه و تركوا قميصه و هم إليه أحوج من قتله؟
(بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً - أي زيّنت لكم- فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) 243 أي صبري صبر جميل لا أشكو إلى الناس.
و قيل: إنّما يكون الصبر جميلا إذا قصد به وجه اللّه تعالى، و فعل للوجه الّذي وجب.
و قيل: إنّ البلاء نزل على يعقوب في كبره، و على يوسف في صغره بلا
ذنب كان منهما، فأكبّ يعقوب على حزنه، و انطلق يوسف في رقّه، و كان 244 ذلك بعين اللّه سبحانه يسمع و يرى، و كلّ ذلك امتحان من اللّه، و مكث يوسف عليه السلام في الجبّ ثلاثة أيّام 245 .
ثمّ جاءت السيّارة من قبل مدين يريدون مصر فأخطئوا الطريق، و انطلقوا يهيمون حتى نزلوا قريبا من الجبّ، و كان الجبّ في قفرة بعيدة من العمران، و إنّما هو للرعاة و المجتازة، و كان ماؤه ملحا فعذب، فبعثوا رجلا يقال له مالك بن داغر 246 ليطلب الماء (فَأَدْلى دَلْوَهُ) فتعلّق يوسف عليه السلام بالدلو 247 ، فلمّا خرج إذا هو بغلام أحسن ما يكون.
فنادى أصحابه و قال: (يا بُشْرى هذا غُلامٌ وَ أَسَرُّوهُ) 248 من أصحابهم لئلّا يطلبوا منهم الشركة فيه، و كانت إخوته قريب منهم فاتوهم و قالوا: هذا عبد لنا أبق منّا و اختفى في هذا الجبّ 249 ، و قالوا له بالعبرانية: لئن قلت أنا أخوهم قتلناك، فتابعهم 250 على ذلك لئلّا يقتلوه، و طلبوا من القافلة أن يشروه منهم، فأذعنوا لهم بذلك، فشروه منهم كما قال سبحانه: (وَ شَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ) 251 أي ناقص لا بركة فيه لأنّه حرام، و قوله سبحانه: (مَعْدُودَةٍ) أي قليلة، و ذكر العدد عبارة عن القلّة، و قيل: إنّهم كانوا لا يزنون من الدراهم دون
الاوقية، و كانوا يزنون الاوقية و هي أربعون درهما فما زاد عليها؛ و قيل: كانت الدراهم عشرين، و كانوا إخوته عشرة فاقتسموها درهمين درهمين.
ذكر أبو حمزة الثمالي أنّ مالك بن داغر و أصحابه لم يزالوا يتعرّفون من اللّه الخير في سفرهم ذلك حتى فارقوا يوسف ففقدوا ذلك، و تحرّك قلب مالك ليوسف فأتاه، فقال: اخبرني من أنت؟
فانتسب له يوسف و لم يكن مالك يعرفه، فقال: أنا يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، فالتزمه مالك و بكى و كان مالك رجلا عاقرا لا يولد له، فقال ليوسف: لو دعوت ربّك أن يهب لي ولدا، فدعا يوسف ربّه أن يهب له ولدا و يجعلهم ذكورا، فولد له اثنا عشر بطنا، في كلّ بطن غلامان (وَ كانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ) 252 أي من الزاهدين في شرائه لأنّهم لم يروا عليه آثار العبوديّة، و وجدوا فيه علامات الأحرار، فلذلك زهدوا فيه 253 .