کتابخانه روایات شیعه
مسمع أبي سيّار 237 ، عن الصادق عليه السلام قال: لمّا ألقى إخوة يوسف يوسف في الجبّ نزل عليه جبرئيل و قال: يا غلام، من طرحك في الجبّ؟
قال: إخوتي لمنزلتي من أبي حسدوني، و لذلك في الجبّ طرحوني.
فقال: أ تحبّ أن تخرج من هذا الجبّ؟
فقال: ذاك إلى إله إبراهيم و إسحاق و يعقوب.
فقال له جبرئيل: إنّ إله إبراهيم و إسحاق و يعقوب يقول لك: قل: اللّهمّ إنّي أسألك [بأن لك الحمد لا إله إلّا أنت بديع السماوات و الأرض، يا ذا الجلال و الاكرام] 238 أن تصلّي على محمد و آل محمد، و أن تجعل لي من أمري فرجا و مخرجا، و ترزقني من حيث أحتسب و من حيث لا أحتسب، فجعل اللّه له من ذلك يومئذ فرجا، و من كيد المرأة مخرجا، و آتاه ملك مصر من حيث لم يحتسب.
و روي أنّ يوسف عليه السلام قال في الجبّ: يا إله إبراهيم و إسحاق و يعقوب، ارحم ضعفي و قلّة حيلتي و صغري.
قال مجاهد: أوحى اللّه إليه و هو في الجبّ و نبّأه و أوحى إليه أن اكتم حالك، و اصبر على ما أصابك، فإنّك ستخبر 239 إخوتك بما فعلوا بك في وقت لا يعرفونك.
و لمّا فعلوا بيوسف ما فعلوا جاءوا أباهم عشاء يبكون 240 كما ذكر سبحانه
ليلبسوا على أبيهم، و إنّما أظهروا البكاء ليوهموا أنّهم صادقون، و في هذا دلالة على أنّ البكاء لا يوجب صدق دعوى الباكي في دعواه.
و لمّا سمع يعقوب بكاءهم و صياحهم فزع و قال: ما لكم؟
فقالوا: يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ - على الأقدام؛ و قيل: ننتصل 241 و نترامى فننظر أيّ السهام أسبق- وَ تَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَ ما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا - أي مصدّق- وَ لَوْ كُنَّا صادِقِينَ 242 . و أظهروا ليعقوب قميص يوسف ملطّخا بالدم، و قالوا: هذا دم يوسف حين أكله الذئب؛ قيل: إنّهم ذبحوا سخلة و جعلوا دمها على القميص و لم يمزّقوا الثوب، و لم يخطر ببالهم انّ الذئب إذا أكل إنسانا يمزّق ثوبه؛ و قيل: إنّ يعقوب قال: أروني القميص، فأروه إيّاه، فلمّا رآه صحيحا قال: يا بنيّ، ما رأيت ذئبا أحلم من هذا الذئب! أكل ابني و لم يخرق قميصه.
و قيل: إنّه لمّا قال لهم يعقوب ذلك، قالوا: بل قتله اللصوص.
فقال عليه السلام: فكيف قتلوه و تركوا قميصه و هم إليه أحوج من قتله؟
(بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً - أي زيّنت لكم- فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) 243 أي صبري صبر جميل لا أشكو إلى الناس.
و قيل: إنّما يكون الصبر جميلا إذا قصد به وجه اللّه تعالى، و فعل للوجه الّذي وجب.
و قيل: إنّ البلاء نزل على يعقوب في كبره، و على يوسف في صغره بلا
ذنب كان منهما، فأكبّ يعقوب على حزنه، و انطلق يوسف في رقّه، و كان 244 ذلك بعين اللّه سبحانه يسمع و يرى، و كلّ ذلك امتحان من اللّه، و مكث يوسف عليه السلام في الجبّ ثلاثة أيّام 245 .
ثمّ جاءت السيّارة من قبل مدين يريدون مصر فأخطئوا الطريق، و انطلقوا يهيمون حتى نزلوا قريبا من الجبّ، و كان الجبّ في قفرة بعيدة من العمران، و إنّما هو للرعاة و المجتازة، و كان ماؤه ملحا فعذب، فبعثوا رجلا يقال له مالك بن داغر 246 ليطلب الماء (فَأَدْلى دَلْوَهُ) فتعلّق يوسف عليه السلام بالدلو 247 ، فلمّا خرج إذا هو بغلام أحسن ما يكون.
فنادى أصحابه و قال: (يا بُشْرى هذا غُلامٌ وَ أَسَرُّوهُ) 248 من أصحابهم لئلّا يطلبوا منهم الشركة فيه، و كانت إخوته قريب منهم فاتوهم و قالوا: هذا عبد لنا أبق منّا و اختفى في هذا الجبّ 249 ، و قالوا له بالعبرانية: لئن قلت أنا أخوهم قتلناك، فتابعهم 250 على ذلك لئلّا يقتلوه، و طلبوا من القافلة أن يشروه منهم، فأذعنوا لهم بذلك، فشروه منهم كما قال سبحانه: (وَ شَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ) 251 أي ناقص لا بركة فيه لأنّه حرام، و قوله سبحانه: (مَعْدُودَةٍ) أي قليلة، و ذكر العدد عبارة عن القلّة، و قيل: إنّهم كانوا لا يزنون من الدراهم دون
الاوقية، و كانوا يزنون الاوقية و هي أربعون درهما فما زاد عليها؛ و قيل: كانت الدراهم عشرين، و كانوا إخوته عشرة فاقتسموها درهمين درهمين.
ذكر أبو حمزة الثمالي أنّ مالك بن داغر و أصحابه لم يزالوا يتعرّفون من اللّه الخير في سفرهم ذلك حتى فارقوا يوسف ففقدوا ذلك، و تحرّك قلب مالك ليوسف فأتاه، فقال: اخبرني من أنت؟
فانتسب له يوسف و لم يكن مالك يعرفه، فقال: أنا يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، فالتزمه مالك و بكى و كان مالك رجلا عاقرا لا يولد له، فقال ليوسف: لو دعوت ربّك أن يهب لي ولدا، فدعا يوسف ربّه أن يهب له ولدا و يجعلهم ذكورا، فولد له اثنا عشر بطنا، في كلّ بطن غلامان (وَ كانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ) 252 أي من الزاهدين في شرائه لأنّهم لم يروا عليه آثار العبوديّة، و وجدوا فيه علامات الأحرار، فلذلك زهدوا فيه 253 .
و لمّا عرض للبيع في سوق مصر تزايدوا فيه حتى بلغ ثمنه وزنه ورقا و مسكا و حريرا، فاشتراه العزيز بهذا الثمن، و قال لامرأته راعيل- و لقبها زليخا-: (أَكْرِمِي مَثْواهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً) 254 ، و إنّما قال ذلك لما رأى على يوسف من الجمال و العقل و الهداية في الامور، و العزيز هو خازن الملك و خليفته و كان اسمه اطفير 255 ، و الملك هو الريان بن الوليد 256 و كان أصله
من العماليق؛ و قيل: إنّه لم يمت حتى آمن بيوسف و اتّبعه على دينه، ثم مات و يوسف عليه السلام حيّ فملك بعده قابوس بن مصعب 257 ، فدعاه يوسف إلى الاسلام فأبى أن يقبل 258 .
و لمّا أن استقرّ في منزل اطفير راودته زوجته زليخا عن نفسه، و رامت منه أن يواقعها، و علق قلبها بحبّه لما رأت من جماله و هيبته؛ قيل: إنّ يوسف عليه السلام كان إذا مشى في أزقّة مصر أشرق نور وجهه على الحيطان كما يشرق نور انعكاس نور الشمس على الحائط إذا قابلت الماء، كما قال سبحانه: (وَ لَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَ هَمَّ بِها) معناه همّت هي بالفاحشة و همّ يوسف بضربها و دفعها عن نفسه كما يقال: هممت بفلان أي بضربه أو إيقاع مكروه به، فيكون معنى رؤية البرهان أنّ اللّه سبحانه أراه برهانا على انّه إن أقدم على ما همّ به أهلكه أهلها أو قتلوه، أو ادّعت عليه المراودة على القبيح و قذفته بأنّه دعاها إليه و ضربها لامتناعها منه فأخبر سبحانه أنّه صرف عنه السوء و الفحشاء اللّذين هما القتل و ظنّ اقتراف الفاحشة به و يكون التقدير: (لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) لفعل ذلك 259 .
و يؤيّد انّه لم يهمّ بالفاحشة قوله سبحانه: (كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَ الْفَحْشاءَ) 260 و قوله ذلك ليعلم أنّي لم أخنه بالغيب 261 .
ثمّ انّ يوسف لمّا رأى شدّة إقبالها عليه و التزامها له ولّى فارّا منها قاصدا
للخروج من الباب، فسبقته إلى الباب و أرامت منعه من الخروج لتقضي شهوتها منه، ورام هو الفرار منها، فلحقته قبل أن يصل إلى الباب، و التزمته بقميصه من ورائه فقدّته- كما حكى سبحانه- و إذا سيّدها من وراء الباب، فلمّا رأته اندهشت و ورّكت الذنب 262 على يوسف لتبرىء ساحتها عند زوجها و قالت: (ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ) 263 .
و أراد يوسف براءة ساحته فقال: (هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي) لمّا ذكرت المرأة ذلك لم يجد يوسف بدّا من تنزيه نفسه، و لو كفّت عن الكذب لم يذكر يوسف شيئا من ذلك، (وَ شَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها) و هو صبيّ في المهد؛ قيل: إنّه كان ابن اخت زليخا و هو ابن ثلاثة أشهر، فقال: (إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَ هُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ وَ إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَ هُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ) 264 لأنّه لو كان مقبلا عليها لكان قميصه قدّ من قبل، فلمّا كان فارّا منها كان القدّ من دبر لأنّه هو الهارب منها، و هي الطالبة له، و هذا الأمر ظاهر، فلمّا رأى زوجها ذلك علم خيانة المرأة، فقال: (إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ) 265 ثم أقبل على يوسف، فقال: (يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا) و لا تذكر هذا الحديث طلبا للبراءة فقد ظهر صدقك و براءتك، ثم أقبل على زليخا و قال:
(وَ اسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ) 266 ؛ قيل: إنّه لم يكن غيورا فسلبه اللّه الغيرة لطفا منه بيوسف حتى كفي شرّه، و لهذا قال ليوسف: (أَعْرِضْ عَنْ هذا) ، و اقتصر على
هذا القدر، ثم قال لها: (وَ اسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ) فإنّ الذنب منك 267 .
ثمّ قال اللّه سبحانه: (ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ) 268 ، و ذلك انّ زليخا لم تزل تفتل منه 269 في الذّروة، و الغارب 270 ، و كان مطواعا لها و جملا ذلولا، زمامه بيدها حتى أنساه ذلك ما عاين من الآيات و عمل برأيها في سجنه، و كيد النساء أعظم من كيد الشيطان لأنّ كيد الشيطان بالوسوسة، و كيد النساء اللطف لأنّه بالمشاهدة و قوله سبحانه: (وَ مِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ) 271 و المصريّات أعظم النساء كيدا لأنّه معهنّ ما ليس مع غيرهنّ من البوائق و الحيل.
و عن بعض العلماء: انّي أخاف من النساء أكثر ممّا أخاف من الشيطان لأنّ اللّه سبحانه و تعالى يقول: (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً) 272 و في النساء:
(إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ) و خاصّة إذا قارن ذلك عدم الغيرة في الأزواج، و هذا الأمر مركوس في طبيعة أكثر رجال مصر.
قال شيخنا الشهيد شمس الدين محمد بن مكّي رضي اللّه عنه في كتاب الدروس: إنّ شرب ماء النيل يميت القلب، و الأكل في فخارها، و غسل الرأس بطينها يذهب بالغيرة و يورث الدياثة 273 .