کتابخانه روایات شیعه
يعقوب، إنّ اللّه يقرئك السلام و يقول: ابشر و ليفرح قلبك، فو عزّتي و جلالي لو كانا ميّتين 404 لنشرتهما لك اصنع طعاما للمساكين فإنّ أحبّ عبادي إليّ المساكين، أ تدري لم أذهبت بصرك، و قوّست ظهرك؟ لأنّكم ذبحتم شاة، و أتاكم فلان المسكين و هو صائم فلم تطعموه شيئا، فكان يعقوب بعد ذلك إذا أراد الغذاء أمر مناديا ينادي: ألا من أراد الغذاء من المساكين فليتغذّ مع يعقوب، (وَ أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ) 405 أي و أعلم صدق رؤيا يوسف، و أعلم أنّه حيّ، و أنّكم ستجدونه 406 .
و في كتاب النبوّة: بالاسناد عن سدير الصيرفي، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: إنّ يعقوب دعا اللّه سبحانه أن يهبط عليه ملك الموت، فأجابه فقال: ما حاجتك؟
فقال: اخبرني هل مرّ بك روح يوسف في الأرواح؟
قال: لا، فعلم أنّه حيّ؛ و قيل: إنّهم لمّا أخبروه بسيرة الملك قال: لعلّه يوسف، فلذلك قال: (يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَ أَخِيهِ) أي استخبروا من شأنهما، و اطلبوا خبرهما، و انظروا ملك مصر ما اسمه؟ و على أيّ دين هو؟
فإنّه قد القي في روعي أنّ الّذي حبس ابن يامين هو يوسف، و إنّه إنّما طلبه منكم، و جعل الصاع في رحله احتيالا في حبس أخيه عند نفسه، (وَ لا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ) 407 .
قال ابن عبّاس: يريد انّ المؤمن من اللّه على خير يرجوه في الشدائد
و البلاء، و يشكره و يحمده في الرخاء، و الكافر ليس كذلك.
سؤال: كيف خفي أخبار يوسف على يعقوب في المدّة الطويلة مع قرب 408 المسافة؟ و كيف لم يعلمه بخبره لتسكن نفسه و يزول وجده؟
الجواب: قال السيّد المرتضى رضى اللّه عنه: يجوز أن يكون ذلك ممكنا، و [كان] 409 عليه قادرا، لكن اللّه سبحانه أوحى إليه أن يعدل عن اطّلاعه على خبره تشديدا للمحنة عليه، و للّه سبحانه أن يشدّد 410 التكلّف و أن يسهّله 411 .
و لمّا قال يعقوب لبنيه: (اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَ أَخِيهِ) ، خرجوا قاصدين مصر 412 .
و روي في كتاب النبوّة: بالاسناد عن الحسن بن محبوب، عن أبي إسماعيل الفرّاء، عن طربال، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في خبر طويل أنّ يعقوب كتب إلى يوسف:
بسم اللّه الرحمن الرحيم إلى عزيز مصر، و مظهر العدل، و موفي الكيل.
من يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن صاحب نمرود الّذي جمع له النار ليحرقه بها فجعلها اللّه عليه بردا و سلاما و أنجاه منها.
اخبرك أيّها العزيز، إنّا أهل بيت لم يزل البلاء إلينا سريعا من اللّه ليبلونا
عند السرّاء و الضرّاء، و انّ مصائبا تتابعت عليّ منذ عشرين سنة؛ أوّلها انّه كان لي ابن سمّيته يوسف، و كان سروري من بين ولدي و قرّة عيني و ثمرة فؤادي، و انّ إخوته من غير امّه سألوني أن أرسله معهم يرتع و يلعب، فبعثته معهم بكرة فجاءوني عشاء يبكون، و جاءوا على قميصه بدم كذب، و زعموا أنّ الذئب أكله، فاشتدّ لفقده حزني، و كثر على فراقه بكائي حتى ابيضّت عيناي من الحزن، و كان له أخ و كنت به معجبا و كان لي أنيسا، و كنت إذا ذكرت يوسف ضممته إلى صدري فسكن بعض ما بي و ما أجد في صدري، و انّ إخوته ذكروا [لي] 413 أنّك سألتهم عنه و أمرتهم أن يأتوك به، فإن لم يأتوك به منعتهم الميرة، فبعثته معهم ليمتاروا [لنا] 414 قمحا فرجعوا إليّ و ليس هو معهم، و ذكروا انّه سرق مكيال الملك، و نحن أهل بيت لا نسرق، و قد حبسته عنّي و فجعتني به، [و قد اشتدّ لفراقه حزني حتى تقوّس لذلك ظهري و عظمت به] 415 مصيبتي مع مصائب تتابعت عليّ، فمنّ عليّ بتخلية سبيله و إطلاقه من حبسك، و طيّب لنا القمح، و عجّل سراح آل إبراهيم.
قال: فمضوا بكتابه حتى دخلوا على يوسف في دار الملك و قالوا:
(يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَ أَهْلَنَا الضُّرُّ) 416 فتصدّق علينا بأخينا ابن يامين، و هذا كتاب أبينا يعقوب أتينا به إليك يسألك تخلية سبيله، فمنّ به علينا، و أخذ يوسف كتاب يعقوب، و قبّله و وضعه على عينيه، و بكى و انتحب حتى بلّ دمعه القميص الّذي عليه، ثمّ أقبل عليهم و (قالَ هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَ أَخِيهِ) من إذلاله و إبعاده عن أبيه، و إلقائه في الجبّ، و الاجتماع على قتله و بيعه بثمن و كس، و ما فعلتم بأخيه من إفراده عن يوسف و التفريق بينهما حتى صار وحيدا
ذليلا [فيما] 417 بينكم لا يكلّمكم إلّا كما يكلّم الذليل العزيز؟
و إنّما لم يذكر أباه يعقوب تعظيما له، و رفعا من قدره، و انّ ذلك كان بلاء له ليزداد به علوّ الدرجة عند اللّه تعالى، (إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ) 418 و كان هذا تلقينا لهم بما يعتذرون به، و هذا هو الغاية في الكرم إذ صفح عنهم و لقّنهم وجه العذر 419 ، (قالُوا أَ إِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ) ؟ قيل: إنّ يوسف لمّا قال لهم: (هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ) ، رفع التاج عن رأسه و تبسّم إليهم، فلمّا أبصروا ثناياه كأنّها اللؤلؤ المنظوم شبّهوه بيوسف و (قالُوا أَ إِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ) فقال: (أَنَا يُوسُفُ) المظلوم المستحلّ منه المحرم، (وَ هذا أَخِي) المظلوم كظلمي (قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا) 420 بالاجتماع بعد طول الفرقة: (قالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنا وَ إِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ) 421 أي اختارك بالحلم و العلم و الملك 422 و الحسن 423 .
قيل: إنّه عليه السلام لمّا عرّفهم نفسه سألهم عن أبيه، فقال: ما فعل أبي بعدي؟
قالوا: ذهبت عيناه.
فقال: (اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا) ، و اطرحوه على وجه أبي يعد مبصرا 424
(وَ أْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ) 425 .
و روي أنّ يوسف عليه السلام قال: إنّما يذهب بقميصي من ذهب به أوّلا.
فقال يهوذا: أنا ذهبت به و هو متلطّخ بالدم، و أخبرته انّه أكله الذئب.
قال: فاذهب بهذا أيضا و اخبره أنّه حيّ، و افرحه كما أحزنته، فحمل القميص و خرج حافيا حاسرا حتى أتى يعقوب و كان معه سبعة أرغفة، و كانت مسافة ما بينهما ثمانين فرسخا، فلم يستوف الأرغفة في الطريق و قد ذكرنا [من] 426 قبل شأن القميص، و إنّما أرسل القميص بأمر من جبرئيل عليه السلام قال له: أرسل إليه قميصك فإنّ فيه ريح الجنّة لا يقع على مبتلى و لا سقيم إلّا صحّ و عوفي.
ثمّ انّ يوسف عليه السلام أمر لهم بمائتي راحلة و ما يحتاج إليه من آلات السفر، فلمّا قربوا من يعقوب قال لأولاد أولاده الّذين كانوا عنده: (إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ) .
روي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: وجد يعقوب ريح قميص يوسف 427 عليه السلام حين فصلت العير من مصر و هو بفلسطين من مسيرة عشر ليال.
قال ابن عبّاس: هاجت ريح فحملت ريح قميص يوسف إلى يعقوب 428 .
و روي أنّ ريح الصبا استأذنت اللّه ربّها في أن تأتي يعقوب بريح يوسف
قبل أن يأتيه البشير بالقميص، فأذن لها، فأتته بها، و لذلك يستروح كلّ محزون بريح الصبا، و قد أكثر الشعراء من ذكرها، فمن ذلك قولهم:
فإنّ الصّبا ريح إذا ما تنسّمت
على نفس مهموم تجلّت همومها
و قول أبي الصخر 429 الهذلي:
إذا قلت هذا حين أسلو يهيجني
نسيم الصّبا من حيث يطّلع الفجر
(لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ) 430 أي: تقولون إنّه شيخ قد هرم و خرف، و ذهب عقله، (قالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ) 431 عن الصواب في حبّ يوسف عليه السلام فإنّه كان عندهم أنّ يوسف قد مات منذ سنين، و لم يريدوا الضلال عن الدين.
(فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ) و هو يهوذا (أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً) 432 .
قال الضحّاك: عاد إليه بصره بعد العمى، و قوّته بعد الضعف، و شبابه بعد الهرم، و سروره بعد الحزن. فقال للبشير: ما أدري ما اثيبك [به] 433 هوّن اللّه عليك سكرات الموت.
و لمّا قدموا أولاده عليه (قالُوا يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ) 434 .
فقال لهم: (سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) 435 ؛ قيل: إنّه لم
يستغفر لهم في الحال، لأنّه أخّرهم إلى سحر ليلة الجمعة، روي ذلك عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه كان يستغفر لهم كلّ ليلة جمعة في نيّف و عشرين سنة حتى نزل قبول توبتهم.
و روي أنّ جبرئيل عليه السلام علّم يعقوب هذا الدعاء: يا رجاء المؤمنين لا تخيّب رجائي، و يا غوث المؤمنين أغثني، و يا عون المؤمنين أعنّي، و يا حبيب التوّابين تب عليّ، فاستجب لهم 436 437 .
و في حديث ابن محبوب، عن أبي جعفر عليه السلام انّ يعقوب قال لولده: تحملوا من ساعتكم إلى يوسف في يومكم هذا بأهليكم 438 أجمعين، فساروا من فورهم و يعقوب معهم و خالة يوسف [أمّ] 439 يامين فحثّوا السير فرحا و سرورا تسعة أيّام إلى مصر.
فلمّا دنا يعقوب من مصر تلقّاه يوسف في الجند و أهل مصر. فقال يعقوب:
يا يهوذا، هذا فرعون مصر؟ قال: لا، هذا ابنك يوسف، ثمّ تلاقيا على يوم من مصر، فلمّا دنا كلّ واحد من صاحبه بدأ يعقوب بالسلام، فقال: السلام عليك يا مذهب الأحزان.