کتابخانه روایات شیعه
ذليلا [فيما] 417 بينكم لا يكلّمكم إلّا كما يكلّم الذليل العزيز؟
و إنّما لم يذكر أباه يعقوب تعظيما له، و رفعا من قدره، و انّ ذلك كان بلاء له ليزداد به علوّ الدرجة عند اللّه تعالى، (إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ) 418 و كان هذا تلقينا لهم بما يعتذرون به، و هذا هو الغاية في الكرم إذ صفح عنهم و لقّنهم وجه العذر 419 ، (قالُوا أَ إِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ) ؟ قيل: إنّ يوسف لمّا قال لهم: (هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ) ، رفع التاج عن رأسه و تبسّم إليهم، فلمّا أبصروا ثناياه كأنّها اللؤلؤ المنظوم شبّهوه بيوسف و (قالُوا أَ إِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ) فقال: (أَنَا يُوسُفُ) المظلوم المستحلّ منه المحرم، (وَ هذا أَخِي) المظلوم كظلمي (قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا) 420 بالاجتماع بعد طول الفرقة: (قالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنا وَ إِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ) 421 أي اختارك بالحلم و العلم و الملك 422 و الحسن 423 .
قيل: إنّه عليه السلام لمّا عرّفهم نفسه سألهم عن أبيه، فقال: ما فعل أبي بعدي؟
قالوا: ذهبت عيناه.
فقال: (اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا) ، و اطرحوه على وجه أبي يعد مبصرا 424
(وَ أْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ) 425 .
و روي أنّ يوسف عليه السلام قال: إنّما يذهب بقميصي من ذهب به أوّلا.
فقال يهوذا: أنا ذهبت به و هو متلطّخ بالدم، و أخبرته انّه أكله الذئب.
قال: فاذهب بهذا أيضا و اخبره أنّه حيّ، و افرحه كما أحزنته، فحمل القميص و خرج حافيا حاسرا حتى أتى يعقوب و كان معه سبعة أرغفة، و كانت مسافة ما بينهما ثمانين فرسخا، فلم يستوف الأرغفة في الطريق و قد ذكرنا [من] 426 قبل شأن القميص، و إنّما أرسل القميص بأمر من جبرئيل عليه السلام قال له: أرسل إليه قميصك فإنّ فيه ريح الجنّة لا يقع على مبتلى و لا سقيم إلّا صحّ و عوفي.
ثمّ انّ يوسف عليه السلام أمر لهم بمائتي راحلة و ما يحتاج إليه من آلات السفر، فلمّا قربوا من يعقوب قال لأولاد أولاده الّذين كانوا عنده: (إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ) .
روي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: وجد يعقوب ريح قميص يوسف 427 عليه السلام حين فصلت العير من مصر و هو بفلسطين من مسيرة عشر ليال.
قال ابن عبّاس: هاجت ريح فحملت ريح قميص يوسف إلى يعقوب 428 .
و روي أنّ ريح الصبا استأذنت اللّه ربّها في أن تأتي يعقوب بريح يوسف
قبل أن يأتيه البشير بالقميص، فأذن لها، فأتته بها، و لذلك يستروح كلّ محزون بريح الصبا، و قد أكثر الشعراء من ذكرها، فمن ذلك قولهم:
فإنّ الصّبا ريح إذا ما تنسّمت
على نفس مهموم تجلّت همومها
و قول أبي الصخر 429 الهذلي:
إذا قلت هذا حين أسلو يهيجني
نسيم الصّبا من حيث يطّلع الفجر
(لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ) 430 أي: تقولون إنّه شيخ قد هرم و خرف، و ذهب عقله، (قالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ) 431 عن الصواب في حبّ يوسف عليه السلام فإنّه كان عندهم أنّ يوسف قد مات منذ سنين، و لم يريدوا الضلال عن الدين.
(فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ) و هو يهوذا (أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً) 432 .
قال الضحّاك: عاد إليه بصره بعد العمى، و قوّته بعد الضعف، و شبابه بعد الهرم، و سروره بعد الحزن. فقال للبشير: ما أدري ما اثيبك [به] 433 هوّن اللّه عليك سكرات الموت.
و لمّا قدموا أولاده عليه (قالُوا يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ) 434 .
فقال لهم: (سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) 435 ؛ قيل: إنّه لم
يستغفر لهم في الحال، لأنّه أخّرهم إلى سحر ليلة الجمعة، روي ذلك عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه كان يستغفر لهم كلّ ليلة جمعة في نيّف و عشرين سنة حتى نزل قبول توبتهم.
و روي أنّ جبرئيل عليه السلام علّم يعقوب هذا الدعاء: يا رجاء المؤمنين لا تخيّب رجائي، و يا غوث المؤمنين أغثني، و يا عون المؤمنين أعنّي، و يا حبيب التوّابين تب عليّ، فاستجب لهم 436 437 .
و في حديث ابن محبوب، عن أبي جعفر عليه السلام انّ يعقوب قال لولده: تحملوا من ساعتكم إلى يوسف في يومكم هذا بأهليكم 438 أجمعين، فساروا من فورهم و يعقوب معهم و خالة يوسف [أمّ] 439 يامين فحثّوا السير فرحا و سرورا تسعة أيّام إلى مصر.
فلمّا دنا يعقوب من مصر تلقّاه يوسف في الجند و أهل مصر. فقال يعقوب:
يا يهوذا، هذا فرعون مصر؟ قال: لا، هذا ابنك يوسف، ثمّ تلاقيا على يوم من مصر، فلمّا دنا كلّ واحد من صاحبه بدأ يعقوب بالسلام، فقال: السلام عليك يا مذهب الأحزان.
ثمّ انّ يوسف اعتنق أباه و بكى، (وَ قالَ) لهم قبل دخول مصر: (ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ) 440 ، و إنّما قال: (آمِنِينَ) لأنّهم كانوا يخافون ملوك مصر، و لا يدخلونها إلّا بجوازهم؛ قيل: دخلوا مصر و هم ثلاثة و سبعون إنسانا،
و خرجوا مع موسى و هم ستّمائة ألف و خمسمائة و بضع و سبعون رجلا، (وَ رَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ) على سرير ملكه إعظاما لهما.
ثمّ دخل منزله و اكتحل و ادّهن، و لبس ثياب العزّ و الملك، فلمّا رأوه سجدوا له جميعا إعظاما له، و شكرا للّه، و لم يكن يوسف في تلك المدّة يدّهن، و لا يكتحل، و لا يتطيّب، حتى جمع اللّه بينه و بين أبيه و إخوته.
فلمّا رأوه (وَ خَرُّوا لَهُ سُجَّداً) و كانت تحيّة الناس- في ذلك الزمان- بعضهم لبعض يومئذ السجود، و الانحناء، و التكفير، و لم يكونوا نهوا عن السجود لغير اللّه في شريعتهم، و أعطى اللّه تعالى هذه الامّة السلام، و هو تحيّة أهل الجنّة.
(وَ قالَ) يوسف: (يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا) 441 في اليقظة.
و عن سلمان الفارسي رضى اللّه عنه قال: كان بين الرؤية و تأويلها أربعون سنة.
و ولد ليوسف من امرأة العزيز زليخا: أفراثيم 442 ، و ميشا، و رحمة امرأة أيّوب، و كان بين يوسف و موسى عليهما السلام أربعمائة سنة.
و في كتاب النبوّة بالاسناد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال يعقوب ليوسف: حدّثني كيف صنع بك إخوتك؟
قال: يا أبه دعني.
قال: أقسمت عليك إلّا ما أخبرتني.
فقال: أخذوني و أقعدوني على رأس الجبّ، ثمّ قالوا: انزع قميصك، فقلت لهم: إنّي أسألكم بوجه يعقوب ألّا تنزعوا قميصي عنّي، و لا تبدوا عورتي، فرفع فلان السكّين عليّ، فصاح يعقوب و خرّ مغشيّا عليه، ثم أفاق، فقال: يا بنيّ، كيف صنعوا بك؟
فقال يوسف: إنّي أسألك بإله إبراهيم و إسماعيل و إسحاق إلّا أعفيتني، قال: فتركه.
و روي أنّ يوسف قال ليعقوب عليهما السلام: يا أبة، لا تسألني عن صنع إخوتي، و اسأل عن صنع اللّه بي.
قال أبو حمزة الثمالي: بلغنا أنّ يعقوب عاش مائة و سبعا 443 و أربعين سنة، و دخل على يوسف في مصر و هو ابن مائة سنة و ثلاثين سنة، و كان عند يوسف في مصر سبع عشرة سنة، ثمّ توفّي صلوات اللّه عليه فنقل إلى الشام في تابوت من ساج، و وافق ذلك اليوم يوم مات عيصو، و كان يعقوب و عيصو ولدا في بطن واحد و دفنا في قبر واحد.
و كان يوسف عليه السلام قد مضى مع تابوت أبيه إلى بيت المقدس، و لمّا دفنه رجع إلى مصر، و كان دفنه في بيت المقدس عن وصيّة منه إليه أن يدفن عند قبور آبائه عليهم السلام، و عاش عليه السلام بعد أبيه ثلاثا و عشرين سنة، ثمّ مات، و كان أوّل رسول في بني إسرائيل، و أوصى أن يدفن عند قبور آبائه عليهم السلام 444 .
و عن أبي خالد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: دخل يوسف السجن
و هو ابن اثنتي عشرة سنة، و مكث فيه ثمانية عشرة سنة، و بقي بعد خروجه ثمانين سنة، فذلك مائة سنة و عشر سنين.
قالوا: و لمّا جمع اللّه سبحانه شمله، و أقرّ عينه، و أتمّ له رؤياه، و وسّع عليه في ملك الدنيا علم أنّ ذلك لا يبقى و لا يدوم، فطلب من اللّه سبحانه نعيما لا يفنى، و تاقت نفسه إلى الجنّة، فتمنّى الموت و دعا به، و لم يتمنّ ذلك نبيّ قبله و لا بعده، فقال: (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَ عَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ فاطِرَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَ أَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) 445 فتوفّاه اللّه تعالى بمصر و هو نبيّ، و دفن في النيل في صندوق من رخام، و ذلك أنّه لمّا مات تشاحّ الناس عليه، كلّ يحبّ أن يدفن في محلّته، لما كانوا يرجون من بركاته، فرأوا أن يدفنوه في النيل فيمرّ الماء عليه، ثمّ يصل 446 إلى جميع مصر، فيكون كلّهم شركاء في بركته شرعا، فكان قبره في النيل إلى أن حمله موسى عليه السلام لمّا خرج من مصر، و دفنه عند آبائه الطاهرين صلوات اللّه عليهم أجمعين 447 .
و إنّما أوردت هذه القصّة بتمامها ليكون ذلك تسلية للمؤمن التقيّ، و ردّ على الجاحد الشقيّ، فإنّ اللّه سبحانه يبتلي عباده الصالحين بأعدائه الطالحين، ليكون الجزاء على قدر البلاء، و الثواب على قدر المشقّة، لأنّه سبحانه هو المدبّر الحكيم العليم بمصالح عباده في معاشهم و معادهم، فتارة يكون البلاء في النفس و الولد- كما مرّ في قصّة يعقوب و يوسف-،
[في ابتلاء موسى و هارون عليهما السلام]