کتابخانه روایات شیعه
يستغفر لهم في الحال، لأنّه أخّرهم إلى سحر ليلة الجمعة، روي ذلك عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه كان يستغفر لهم كلّ ليلة جمعة في نيّف و عشرين سنة حتى نزل قبول توبتهم.
و روي أنّ جبرئيل عليه السلام علّم يعقوب هذا الدعاء: يا رجاء المؤمنين لا تخيّب رجائي، و يا غوث المؤمنين أغثني، و يا عون المؤمنين أعنّي، و يا حبيب التوّابين تب عليّ، فاستجب لهم 436 437 .
و في حديث ابن محبوب، عن أبي جعفر عليه السلام انّ يعقوب قال لولده: تحملوا من ساعتكم إلى يوسف في يومكم هذا بأهليكم 438 أجمعين، فساروا من فورهم و يعقوب معهم و خالة يوسف [أمّ] 439 يامين فحثّوا السير فرحا و سرورا تسعة أيّام إلى مصر.
فلمّا دنا يعقوب من مصر تلقّاه يوسف في الجند و أهل مصر. فقال يعقوب:
يا يهوذا، هذا فرعون مصر؟ قال: لا، هذا ابنك يوسف، ثمّ تلاقيا على يوم من مصر، فلمّا دنا كلّ واحد من صاحبه بدأ يعقوب بالسلام، فقال: السلام عليك يا مذهب الأحزان.
ثمّ انّ يوسف اعتنق أباه و بكى، (وَ قالَ) لهم قبل دخول مصر: (ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ) 440 ، و إنّما قال: (آمِنِينَ) لأنّهم كانوا يخافون ملوك مصر، و لا يدخلونها إلّا بجوازهم؛ قيل: دخلوا مصر و هم ثلاثة و سبعون إنسانا،
و خرجوا مع موسى و هم ستّمائة ألف و خمسمائة و بضع و سبعون رجلا، (وَ رَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ) على سرير ملكه إعظاما لهما.
ثمّ دخل منزله و اكتحل و ادّهن، و لبس ثياب العزّ و الملك، فلمّا رأوه سجدوا له جميعا إعظاما له، و شكرا للّه، و لم يكن يوسف في تلك المدّة يدّهن، و لا يكتحل، و لا يتطيّب، حتى جمع اللّه بينه و بين أبيه و إخوته.
فلمّا رأوه (وَ خَرُّوا لَهُ سُجَّداً) و كانت تحيّة الناس- في ذلك الزمان- بعضهم لبعض يومئذ السجود، و الانحناء، و التكفير، و لم يكونوا نهوا عن السجود لغير اللّه في شريعتهم، و أعطى اللّه تعالى هذه الامّة السلام، و هو تحيّة أهل الجنّة.
(وَ قالَ) يوسف: (يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا) 441 في اليقظة.
و عن سلمان الفارسي رضى اللّه عنه قال: كان بين الرؤية و تأويلها أربعون سنة.
و ولد ليوسف من امرأة العزيز زليخا: أفراثيم 442 ، و ميشا، و رحمة امرأة أيّوب، و كان بين يوسف و موسى عليهما السلام أربعمائة سنة.
و في كتاب النبوّة بالاسناد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال يعقوب ليوسف: حدّثني كيف صنع بك إخوتك؟
قال: يا أبه دعني.
قال: أقسمت عليك إلّا ما أخبرتني.
فقال: أخذوني و أقعدوني على رأس الجبّ، ثمّ قالوا: انزع قميصك، فقلت لهم: إنّي أسألكم بوجه يعقوب ألّا تنزعوا قميصي عنّي، و لا تبدوا عورتي، فرفع فلان السكّين عليّ، فصاح يعقوب و خرّ مغشيّا عليه، ثم أفاق، فقال: يا بنيّ، كيف صنعوا بك؟
فقال يوسف: إنّي أسألك بإله إبراهيم و إسماعيل و إسحاق إلّا أعفيتني، قال: فتركه.
و روي أنّ يوسف قال ليعقوب عليهما السلام: يا أبة، لا تسألني عن صنع إخوتي، و اسأل عن صنع اللّه بي.
قال أبو حمزة الثمالي: بلغنا أنّ يعقوب عاش مائة و سبعا 443 و أربعين سنة، و دخل على يوسف في مصر و هو ابن مائة سنة و ثلاثين سنة، و كان عند يوسف في مصر سبع عشرة سنة، ثمّ توفّي صلوات اللّه عليه فنقل إلى الشام في تابوت من ساج، و وافق ذلك اليوم يوم مات عيصو، و كان يعقوب و عيصو ولدا في بطن واحد و دفنا في قبر واحد.
و كان يوسف عليه السلام قد مضى مع تابوت أبيه إلى بيت المقدس، و لمّا دفنه رجع إلى مصر، و كان دفنه في بيت المقدس عن وصيّة منه إليه أن يدفن عند قبور آبائه عليهم السلام، و عاش عليه السلام بعد أبيه ثلاثا و عشرين سنة، ثمّ مات، و كان أوّل رسول في بني إسرائيل، و أوصى أن يدفن عند قبور آبائه عليهم السلام 444 .
و عن أبي خالد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: دخل يوسف السجن
و هو ابن اثنتي عشرة سنة، و مكث فيه ثمانية عشرة سنة، و بقي بعد خروجه ثمانين سنة، فذلك مائة سنة و عشر سنين.
قالوا: و لمّا جمع اللّه سبحانه شمله، و أقرّ عينه، و أتمّ له رؤياه، و وسّع عليه في ملك الدنيا علم أنّ ذلك لا يبقى و لا يدوم، فطلب من اللّه سبحانه نعيما لا يفنى، و تاقت نفسه إلى الجنّة، فتمنّى الموت و دعا به، و لم يتمنّ ذلك نبيّ قبله و لا بعده، فقال: (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَ عَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ فاطِرَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَ أَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) 445 فتوفّاه اللّه تعالى بمصر و هو نبيّ، و دفن في النيل في صندوق من رخام، و ذلك أنّه لمّا مات تشاحّ الناس عليه، كلّ يحبّ أن يدفن في محلّته، لما كانوا يرجون من بركاته، فرأوا أن يدفنوه في النيل فيمرّ الماء عليه، ثمّ يصل 446 إلى جميع مصر، فيكون كلّهم شركاء في بركته شرعا، فكان قبره في النيل إلى أن حمله موسى عليه السلام لمّا خرج من مصر، و دفنه عند آبائه الطاهرين صلوات اللّه عليهم أجمعين 447 .
و إنّما أوردت هذه القصّة بتمامها ليكون ذلك تسلية للمؤمن التقيّ، و ردّ على الجاحد الشقيّ، فإنّ اللّه سبحانه يبتلي عباده الصالحين بأعدائه الطالحين، ليكون الجزاء على قدر البلاء، و الثواب على قدر المشقّة، لأنّه سبحانه هو المدبّر الحكيم العليم بمصالح عباده في معاشهم و معادهم، فتارة يكون البلاء في النفس و الولد- كما مرّ في قصّة يعقوب و يوسف-،
[في ابتلاء موسى و هارون عليهما السلام]
و تارة يكون في ضنك العيش و الفقر كما ذكر سيّدنا أمير المؤمنين عليه
السلام عن موسى عليه السلام في قوله: (رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) 448 قال: و اللّه ما سأله إلّا خبزا يأكله، لأنّه 449 كان يأكل بقلة الأرض، و لقد كانت خضرة البقل نرى من شفيف صفاق بطنه 450 ، لهزاله، و تشذّب لحمه 451 452 .
و لقد دخل هو و أخوه هارون عليهما السلام على فرعون، و عليهما مدارع الصوف، و بأيديهما العصيّ، فشرطا له- إن أسلم- بقاء ملكه، و دوام عزّه.
فقال: أ لا تعجبون من هذين يشرطان لي دوام العزّ، و بقاء الملك، و هما على ما ترون من حال الفقر و الذلّ، فهلّا القي عليهما أساورة من ذهب؟ إعظاما للذهب و جمعه، و احتقارا للصوف و لبسه! و لو أراد اللّه سبحانه بأنبيائه حيث [بعثهم] 453 أن يفتح لهم كنوز الذّهبان، و معادن العقيان، و مغارس الجنان، و أن يحشر معهم طير السماء و وحوش الأرضين لفعل، و لو فعل لسقط البلاء و بطل الجزاء 454 . كما ذكرنا أوّلا 455 .
كما حكي عن بعضهم أنّه كان إذا أقبلت عليه الدنيا يقول: هذا ذنب
عجّلت عقوبته، و إذا افتقر أو أصابته خصاصة قال: مرحبا بشعار الصالحين 456 457 .
فكذلك الأنبياء و الأولياء يسرّهم ما ينزل بهم من البلاء، و يفرحون بما امتحنوا به من الابتلاء، راحة أرواحهم فيما فيه رضى خالقهم، و لذّة أنفسهم فيما يمتحنهم اللّه به في أموالهم و أجسادهم، و ما يختاره من فيض ثمرات قلوبهم و أحفادهم، فلا يغرّنّكم الشيطان بغروره، و لا يفتننّكم مروره فيلقي في روعكم، و يوسوس في صدوركم.
إنّ ما أصاب من كان قبلكم من الأنبياء و المرسلين، و الأولياء و الصالحين، في الدار الفانية و الحياة البالية، من جاهد البلاء و شدّة اللأواء، و الامتحان بجهاد الأعداء، هوانا بهم على خالقهم، و هظما لهم لدى بارئهم، بل أنزل بهم البأساء و الضرّاء، و وجّه إليهم محن دار الفناء، من سقم الأجساد، و تحمّل الأذى من أهل الجحود و العناد، فتحمّلوا المشاقّ في ذاته من أداء الفرائض و النوافل، و صبروا على جهاد أعدائه من أهل الزيغ و الباطل، يسوقون العباد بسوط وعظهم إلى غفران ربّهم، و يجذبون النفوس بصوت لفظهم إلى منازل قربهم، لا توحشهم مخالفة من خالفهم، و لا يرهبهم عناد من عاندهم، بل يصدعون بالحقّ، و يقرعون بالصدق، و يوضحون الحجّة، و يهدون إلى المحجّة، لا يزيدهم قلّة الأنصار إلّا تصميما في عزائمهم، و لا يكسبهم تظافر الأشرار إلّا شدّة لشكائمهم، ليس في قلوبهم جليل إلّا جلاله، و لا في أعينهم جميل إلّا
جماله، لما شربوا من شراب جنّته في حضيرة قدسه، أتحفهم بمقام قربه و انسه، يختارون قطع أوصالهم على قطع اتّصالهم، و ذهاب أنفسهم على بعد مؤنسهم.
[في صبر أيّوب عليه السلام]
أ ما ترى كيف أثنى اللّه على نبيّه أيّوب بقول: (إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) 458 ؟ انظر كيف شرّفه اللّه بإضافته إلى نفسه، و أثنى عليه بالصبر الجميل في محكم التنزيل، و كان عليه السلام في زمن يعقوب بن إسحاق عليه السلام، و تزوّج ليا 459 بنت يعقوب؛ و قيل: رحمة بنت يوسف 460 ، و ولد له سبعة بنين و ثلاث بنات.
و كان له من المال و المواشي ما لا يحصى كثرة. قيل: كان له أربعمائة عبد ما بين زرّاع و حمّال و راع و غير ذلك، و كان في أخفض عيش و أنعم بال مدّة أربعين سنة، و لمّا زاد اللّه ابتلاءه و امتحانه لا ليعلم صبره و شدّة عزيمته، بل زيادة في درجته، و رفعة لمنزلته، أتاه جبرئيل عليه السلام فقال: يا أيّوب، أربعون سنة لك في خفض العيش و النعمة، فاستعدّ للبلاء، و ارض بالقضاء، فإنّك ستتبدّل بالنعمة محنة، و بالغنى فقرا، و بالصحّة سقما.
فأجابه أيّوب: ليس عليّ بأس من ذلك إذا رضى اللّه به.
عذّب بما شئت غير البعد عنك تجد
أوفى محبّ بما يرضيك مبتهجا