کتابخانه روایات شیعه
[في ابتلاء عيسى بن مريم عليه السلام]
و كذلك كان روح اللّه و كلمته المسيح بن مريم، كان عليه السلام كما وصفه أمير المؤمنين و سيّد الوصيّين بقوله: كان يلبس الخشن، و يأكل الجشب 465 ، و كان إدامه الجوع 466 ، و سراجه بالليل القمر، و ظلاله في الشتاء مشارق الأرض و مغاربها، و لم يكن له ولد يحزنه، و لا زوجة تفتنه، دابّته 467 رجلاه، و خادمه يداه 468 .
و عن سلمان الفارسي رضي اللّه عنه قال: و اللّه ما تبع عيسى شيئا من المساوئ قطّ، و لا انتهر يتيما 469 قطّ، و لا قهقه ضاحكا قطّ، و لا ذبّ ذبابا عن وجهه، و لا أخذ على أنفه من شيء نتن قطّ 470 ، و لا عبث قطّ 471 .
و روي أنّه عليه السلام مرّ برهط، فقال بعضهم لبعض: قد جاءكم الساحر ابن الساحرة، و الفاعل ابن الفاعلة، فقذفوه بامّه، فسمع ذلك عيسى عليه السلام، فقال: اللّهمّ أنت ربّي خلقتني و لم آتهم من تلقاء نفسي، اللّهمّ العن من سبّني، و سبّ امّي، فاستجاب اللّه له دعوته، فمسخهم خنازير.
و لمّا مسخهم اللّه سبحانه بدعائه بلغ ذلك يهوذا و هو رأس اليهود، فخاف أن يدعو عليه، فجمع اليهود، فاتّفقوا على قتله، فبعث اللّه سبحانه جبرئيل يمنعه منهم، و يعينه عليهم، و ذلك معنى قوله: (وَ أَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ) 472 فاجتمع اليهود حول عيسى، فجعلوا يسألونه فيقول لهم: يا معشر يهود، إنّ اللّه تعالى يبغضكم، فثاروا 473 إليه ليقتلوه، فأدخله جبرئيل خوخة البيت الداخل، لها روزنة في سقفها، فرفعه جبرئيل إلى السماء، فبعث رأس اليهود رجلا من أصحابه اسمه ططيانوس 474 ، ليدخل عليه الخوخة فيقتله، فدخل فلم يره، فأبطأ عليهم، فظنّوا أنّه يقاتله في الخوخة، فألقى اللّه عليه شبه عيسى، فلمّا خرج على أصحابه قتلوه و صلبوه؛ و قيل: ألقى اللّه عليه شبه وجه عيسى، و لم يلق عليه شبه جسده، فقال بعض القوم: إنّ الوجه وجه عيسى، و الجسد جسد ططيانوس، فقال بعضهم: إن كان هذا ططيانوس فأين عيسى؟ و إن كان هذا عيسى فأين ططيانوس؟ فاشتبه الأمر عليهم 475 .
و عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنّ عيسى لم يمت، و انّه راجع إليكم قبل يوم القيامة.
و قد صحّ عنه صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال: كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم 476 و إمامكم منكم. رواه البخاري و مسلم في صحيحيهما 477 .
و قوله سبحانه: (وَ رافِعُكَ إِلَيَّ) 478 ؛ قيل: أي بعد نزولك من السماء في آخر الزمان 479 .
و روي أنّ عيسى لمّا أخرجه قومه و امّه من بين ظهرانيهم عاد إليهم مع الحواريّين، و صاح فيهم بالدعوة، فهمّوا بقتله، فرفعه جبرئيل إلى السماء- كما مرّ-.
و روي أنّ الحواريّين اتّبعوا عيسى، و كانوا إذا جاعوا قالوا: يا روح اللّه، جعنا، فيضرب بيده إلى الأرض، سهلا كان أو جبلا، فيخرج لكلّ إنسان رغيفين يأكلهما، و إذا عطشوا قالوا: يا روح اللّه، عطشنا، فيضرب بيده إلى الأرض، سهلا
كان أو جبلا، فتنبع عين ماء 480 فيشربون.
فقالوا: يا روح اللّه، من أفضل منّا، إذا جعنا أطعمتننا، و إذا عطشنا سقيتنا 481 ، و قد آمنّا بك و اتّبعناك؟
قال: أفضل منكم من يعمل بيده، و يأكل من كسبه، فصاروا يغسلون الثياب بالكراء 482 .
و الحوارى شدّة البياض، و منه الحواري من الخبز لشدّة بياضه، فكأنّهم هم المبيّضون للثياب 483 .
و قيل: إنّ الذي دلّهم على المسيح كان رجلا من الحواريّين و كان منافقا، و ذلك أنّ عيسى جمعهم تلك الليلة، و أوصاهم، و قال: ليكفرنّ بي أحدكم قبل أن يصيح الديك، و يبيعني بدارهم يسيرة، و خرجوا و تفرّقوا، و كانت اليهود تطلبه، فأتى أحد الحواريّين إليهم فقال 484 : ما تجعلون لي إن دللتكم عليه؟ فجعلوا له ثلاثين درهما، فأخذها و دلّهم عليه، فألقى اللّه عليه شبه عيسى عليه السلام لما دخل البيت، و رفع عيسى فأخذ و قال: أنا الّذي دللتكم عليه! فلم يلتفتوا إلى قوله، و قتلوه و هم يظنّون أنّه عيسى.
فلمّا رفع عيسى و أتى عليه سبعة أيّام قال اللّه له: اهبط على مريم لتجمع لك الحواريّين، و تبثّهم في الأرض دعاة، فهبط عليها، و اشتعل الجبل نورا، فجمعت له الحواريّين، فبثّهم في الأرض دعاة، ثمّ رفعه اللّه
تعالى في تلك الليلة، و هذه الليلة هي الليلة الّتي تسمّيها النصارى ليلة الدخنة و يدخّنوا فيها.
فلمّا أصبح الحواريّون حدّث كلّ واحد منهم بلغة من أرسله إليه 485 عيسى عليه السلام 486 .
و كانت مريم بنت عمران أمّ عيسى ليس أبوها عمران أبو موسى بن عمران بن يصهر بن قاهث بن لاوي بن يعقوب، بل هو عمران بن الهشم 487 بن امون من ولد سليمان بن داود عليه السلام، و كان بينه و بين عمران أبي موسى ألف و ثمانمائة سنة.
و كانت امرأة عمران اسمها حنّة أمّ مريم، و هي جدّة عيسى و اختها إيشاع و اسم أبيها فاقوذ بن قبيل، و هي امرأة زكريّا، فيحيى و مريم ولدا خالة 488 .
[في معجزة ميلاد يحيى بن زكريّا عليهما السلام]
و كان يحيى بن زكريّا كما وصفه اللّه سبحانه و أثنى عليه في كتابه العزيز بقوله: (وَ آتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا وَ حَناناً مِنْ لَدُنَّا وَ زَكاةً وَ كانَ تَقِيًّا وَ بَرًّا بِوالِدَيْهِ وَ لَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيًّا وَ سَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَ يَوْمَ يَمُوتُ وَ يَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا) 489 و كانت ولادته آية من آيات اللّه سبحانه، لأنّ زكريّا لمّا رأى من كرامات اللّه لمريم حين كفلها، و كان يرى عندها فاكهة الصيف في الشتاء، و فاكهة الشتاء في
الصيف، خلاف ما جرت به العادة، فسألها عن ذلك فيقول: «أنّى لك هذا»؟
فتقول: من رزق اللّه 490 .
فعندها دعا اللّه سبحانه، كما قال سبحانه: (إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا) 491 أي دعا ربّه سرّا غير جهر يخفيه في نفسه لا يريد به رياء، و في هذا دلالة على أنّ المستحبّ في الدعاء الإخفاء، فإنّه أقرب إلى الاجابة.
و في الحديث: خير الدعاء الخفيّ، و خير الرزق ما يكفي.
و قيل: إنّما أخفاه لئلّا يهزأ به الناس فيقولوا: انظروا إلى هذا الشيخ سأل الولد على الكبر 492 .
قال ابن عبّاس: كان عمر زكريّا حين طلب الولد عشرين و مائة سنة، و كانت امرأته ابنة ثمان و تسعين سنة 493 .
فأوحى اللّه إليه: (يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا) 494 أي لم نسمّ أحدا قبله بهذا الاسم.
و كذلك الحسين عليه السلام لم يسم أحد قبله باسمه.
[أنّ قاتل يحيى عليه السلام كان ولد زنا، و كذلك قاتل الحسين بن علي عليهما السلام]
و كان قاتل يحيى ولد زنا، و كذلك قاتل الحسين عليه السلام كان ولد زنا.
و حمل رأس يحيى بن زكريّا إلى بغيّ من بغايا بني إسرائيل.
و كذلك حمل رأس الحسين إلى نجل بغيّة من بغايا قريش، و لم تبك
السماء إلّا عليهما بكت أربعين صباحا.
و سئل الصادق عليه السلام عن بكائها، قال: كانت الشمس تطلع حمراء، و تغيب حمراء 495 .
و روي عن علي بن زيد، عن علي بن الحسين عليه السلام قال: خرجنا مع الحسين عليه السلام إلى العراق فما نزل منزلا، و لا ارتحل منه إلّا ذكر يحيى بن زكريّا 496 497 .
[لا يقتل الأنبياء و ولد الأنبياء إلّا ولد زنا]
و عن أبي جعفر عليه السلام، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، قال: لا يقتل الأنبياء و ولد الأنبياء إلّا ولد زنا 498 .
و سئل الصادق عليه السلام عن قول فرعون: (ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى) 499 ،
فقيل: من كان يمنعه منه؟