کتابخانه روایات شیعه
و قوله سبحانه: (وَ رافِعُكَ إِلَيَّ) 478 ؛ قيل: أي بعد نزولك من السماء في آخر الزمان 479 .
و روي أنّ عيسى لمّا أخرجه قومه و امّه من بين ظهرانيهم عاد إليهم مع الحواريّين، و صاح فيهم بالدعوة، فهمّوا بقتله، فرفعه جبرئيل إلى السماء- كما مرّ-.
و روي أنّ الحواريّين اتّبعوا عيسى، و كانوا إذا جاعوا قالوا: يا روح اللّه، جعنا، فيضرب بيده إلى الأرض، سهلا كان أو جبلا، فيخرج لكلّ إنسان رغيفين يأكلهما، و إذا عطشوا قالوا: يا روح اللّه، عطشنا، فيضرب بيده إلى الأرض، سهلا
كان أو جبلا، فتنبع عين ماء 480 فيشربون.
فقالوا: يا روح اللّه، من أفضل منّا، إذا جعنا أطعمتننا، و إذا عطشنا سقيتنا 481 ، و قد آمنّا بك و اتّبعناك؟
قال: أفضل منكم من يعمل بيده، و يأكل من كسبه، فصاروا يغسلون الثياب بالكراء 482 .
و الحوارى شدّة البياض، و منه الحواري من الخبز لشدّة بياضه، فكأنّهم هم المبيّضون للثياب 483 .
و قيل: إنّ الذي دلّهم على المسيح كان رجلا من الحواريّين و كان منافقا، و ذلك أنّ عيسى جمعهم تلك الليلة، و أوصاهم، و قال: ليكفرنّ بي أحدكم قبل أن يصيح الديك، و يبيعني بدارهم يسيرة، و خرجوا و تفرّقوا، و كانت اليهود تطلبه، فأتى أحد الحواريّين إليهم فقال 484 : ما تجعلون لي إن دللتكم عليه؟ فجعلوا له ثلاثين درهما، فأخذها و دلّهم عليه، فألقى اللّه عليه شبه عيسى عليه السلام لما دخل البيت، و رفع عيسى فأخذ و قال: أنا الّذي دللتكم عليه! فلم يلتفتوا إلى قوله، و قتلوه و هم يظنّون أنّه عيسى.
فلمّا رفع عيسى و أتى عليه سبعة أيّام قال اللّه له: اهبط على مريم لتجمع لك الحواريّين، و تبثّهم في الأرض دعاة، فهبط عليها، و اشتعل الجبل نورا، فجمعت له الحواريّين، فبثّهم في الأرض دعاة، ثمّ رفعه اللّه
تعالى في تلك الليلة، و هذه الليلة هي الليلة الّتي تسمّيها النصارى ليلة الدخنة و يدخّنوا فيها.
فلمّا أصبح الحواريّون حدّث كلّ واحد منهم بلغة من أرسله إليه 485 عيسى عليه السلام 486 .
و كانت مريم بنت عمران أمّ عيسى ليس أبوها عمران أبو موسى بن عمران بن يصهر بن قاهث بن لاوي بن يعقوب، بل هو عمران بن الهشم 487 بن امون من ولد سليمان بن داود عليه السلام، و كان بينه و بين عمران أبي موسى ألف و ثمانمائة سنة.
و كانت امرأة عمران اسمها حنّة أمّ مريم، و هي جدّة عيسى و اختها إيشاع و اسم أبيها فاقوذ بن قبيل، و هي امرأة زكريّا، فيحيى و مريم ولدا خالة 488 .
[في معجزة ميلاد يحيى بن زكريّا عليهما السلام]
و كان يحيى بن زكريّا كما وصفه اللّه سبحانه و أثنى عليه في كتابه العزيز بقوله: (وَ آتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا وَ حَناناً مِنْ لَدُنَّا وَ زَكاةً وَ كانَ تَقِيًّا وَ بَرًّا بِوالِدَيْهِ وَ لَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيًّا وَ سَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَ يَوْمَ يَمُوتُ وَ يَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا) 489 و كانت ولادته آية من آيات اللّه سبحانه، لأنّ زكريّا لمّا رأى من كرامات اللّه لمريم حين كفلها، و كان يرى عندها فاكهة الصيف في الشتاء، و فاكهة الشتاء في
الصيف، خلاف ما جرت به العادة، فسألها عن ذلك فيقول: «أنّى لك هذا»؟
فتقول: من رزق اللّه 490 .
فعندها دعا اللّه سبحانه، كما قال سبحانه: (إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا) 491 أي دعا ربّه سرّا غير جهر يخفيه في نفسه لا يريد به رياء، و في هذا دلالة على أنّ المستحبّ في الدعاء الإخفاء، فإنّه أقرب إلى الاجابة.
و في الحديث: خير الدعاء الخفيّ، و خير الرزق ما يكفي.
و قيل: إنّما أخفاه لئلّا يهزأ به الناس فيقولوا: انظروا إلى هذا الشيخ سأل الولد على الكبر 492 .
قال ابن عبّاس: كان عمر زكريّا حين طلب الولد عشرين و مائة سنة، و كانت امرأته ابنة ثمان و تسعين سنة 493 .
فأوحى اللّه إليه: (يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا) 494 أي لم نسمّ أحدا قبله بهذا الاسم.
و كذلك الحسين عليه السلام لم يسم أحد قبله باسمه.
[أنّ قاتل يحيى عليه السلام كان ولد زنا، و كذلك قاتل الحسين بن علي عليهما السلام]
و كان قاتل يحيى ولد زنا، و كذلك قاتل الحسين عليه السلام كان ولد زنا.
و حمل رأس يحيى بن زكريّا إلى بغيّ من بغايا بني إسرائيل.
و كذلك حمل رأس الحسين إلى نجل بغيّة من بغايا قريش، و لم تبك
السماء إلّا عليهما بكت أربعين صباحا.
و سئل الصادق عليه السلام عن بكائها، قال: كانت الشمس تطلع حمراء، و تغيب حمراء 495 .
و روي عن علي بن زيد، عن علي بن الحسين عليه السلام قال: خرجنا مع الحسين عليه السلام إلى العراق فما نزل منزلا، و لا ارتحل منه إلّا ذكر يحيى بن زكريّا 496 497 .
[لا يقتل الأنبياء و ولد الأنبياء إلّا ولد زنا]
و عن أبي جعفر عليه السلام، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، قال: لا يقتل الأنبياء و ولد الأنبياء إلّا ولد زنا 498 .
و سئل الصادق عليه السلام عن قول فرعون: (ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى) 499 ،
فقيل: من كان يمنعه منه؟
قال: إنّه كان لرشده، و لم يكن ولد زنا، لأنّ الأنبياء و الحجج لا يقتلها إلّا ولد الزنا 500 .
و كان يحيى أكبر من عيسى بستّة أشهر، و كلّف التصديق به، و كان أوّل مصدّق به، و شهد أنّه كلمة اللّه و روحه، و كان ذلك أحد معجزات عيسى عليه السلام، و أقوى الأسباب لإظهار أمره، فإنّ الناس كانوا يقبلون قوله لمعرفتهم بصدقه و زهده 501 .
فلهذا اجتمعت اليهود على قتله 502 ، فلمّا أحسّ بذلك فرّ منهم و اختفى في أصل شجرة، فالتأمت عليه، فدلّهم إبليس عليه؛ و قيل: إنّه جذب طرف ردائه فلاح 503 لهم في ظاهر الشجرة، فوضعوا عليه منشارا، و قدّوا أصل الشجرة و يحيى بنصفين، فأرسل اللّه سبحانه عليهم بختنصّر، و كان دم يحيى يفور من أصل الشجرة، فقتل عليه سبعين ألفا، و كذلك قتل بالحسين سبعون و سبعون ألفا، و ما أخذ بثأره إلى الآن.
[المناجاة]
يا من أغرق أصحاب الأفكار الصائبة في بحار إلهيّته، و حيّر أرباب الأنظار الثاقبة في مبدأ ربوبيّته، و يا من تفرّد بالبقاء في قديم أزليّته، و يا من توحّد بالعلى في دوام عظمته، و يا من وسم ما سواه بميسم (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) 504 ، و يا من جعل لكلّ حيّ إلى سبيل الموت غاية و وجهة، و يا
من رجوت وجوده منزّه عن العدم، و يا من دوام بقائه متّصف بالأحديّة و القدم، و يا من هدانا السبيل إلى ما يزلفنا برضوانه، و عرّفنا الدليل إلى ما يتحفنا بجنانه، و نصب لنا أعلاما يهتدي بها الحائر عن قصد السبيل في معتقده و نحلته، و أثبت لنا في سماء الصباح إيضاح بيانه أنجما ينجو بنورها السائر بغير دليل في ظلمة حيرته، و جعلهم خاصّة نفسه من عباده، و ولاة أمره في بلاده، لذّتهم في امتثال أوامره و نواهيه، و فرحتهم فيما يقرّبهم من حضرته و يرضيه، و كلّفهم بالتكاليف الشاقّة من جهاد أعدائه، و ألزمهم بكفّ أكفّ الملحدين في صفاته و آلائه.
فبذلوا وسعهم في إعلاء كلمته، و أجاهدوا جاهدهم إذعانا لربوبيّته، و قابلوا بشرائف وجوههم صفاح الأعداء، و تلقّوا بكرائم صدورهم رماح الأشقياء، حتى قطعت أوصالهم، و ذبحت أطفالهم، و سبيت ذراريهم و نساؤهم، و انهبت أثقالهم و أموالهم، و اهديت إلى رءوس البغاة رءوسهم، و استلّت بسيوف الطغاة نفوسهم، و صارت أجسادهم على الرمضاء منبوذة، و بصوارم الأعداء موقوذة 505 ، تسفي 506 عليهم الأعاصير بذيولها، و تطأهم الأشقياء بخيولها، و تبكي عليهم السموات السبع بأفلاكها، و الأرضوان السبع بأملاكها، و البحار ببينانها، و الأعصار بأزمانها، و الجنّة بولدانها، و النار بخزّانها، و العرش بحملته، و الفرش بحملته، أبدانهم منبوذة بالعراء، و أرواحهم منعّمة في الرفيق الأعلى.